صحيح أن حال اليمن وخاصة للمتتبعين من الخارج قد يبدو مثيرا للتساؤل والحيرة مع امتناع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وأعضاء المجلس عن أداء مهامهم ، بعد تقديم الرئيسين استقالتهما ، وإصرارهما عليها – حتى لحظة كتابة هذه الأسطر - !! حيث قد يتساءلون عن ما يحدث في اليمن خلال هذه الأيام خاصة ما يتعلق بإدارة شؤون البلاد والعباد الداخلية والخارجية على حد سواء !! كما قد يتساءلون عن تبعات استقالة الرئيس ورئيس مجلس الوزراء على مهام القصر الجمهوري ورئاسة الوزراء ، وعن ما إذا كانت أجهزة الدولة المدنية والعسكرية ستواصل عملها في ظل غياب الرئيس والوزراء ؟ أسئلة عديدة قد تبدو مشروعة في نظر من يعتقد أن شؤون اليمن تدار بنفس الطريقة التي تدار بها معظم إن لم تكن كل دول العالم .. حيث تعيش الشعوب وتمارس شؤونها اليومية تحت رعاية أجهزة الدولة التي تعمل من أجل تأمين أوضاعهم وتحسين ظروفهم على مدار الساعة .. لكن بالنسبة لمن يعي تفاصيل ما حدث ويحدث في يمننا الحبيب منذ سنوات طويلة ، وخاصة للمواطنين العاديين فقد لا يبدو الفراغ الذي حدث بسبب استقالة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء مسألة مهمة !!ذلك أن المتتبع لأحوال بلد الحكمة والإيمان خلال الأيام الماضية سيشعر أنه بالرغم من استقالة رئيس الجمهورية والوزراء وتضامن الوزراء معهما وبالتالي امتناع الجميع عن الذهاب إلى مكاتبهم وأداء مهامهم ، وما أحدثه ذلك من فراغ في مكاتبهم ، إلا أن لا شيء قد تغير كثيرا في مجريات الحياة اليومية لليمنيين .. بل إن البعض قد يرى أن توقف رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء عن أداء مهامهم كان مفيدا إلى حد ما بالنسبة للخزينة العامة التي قد تنال قسطا من الراحة والهدوء لبعض الوقت .. فبيت مال اليمنيين ظل على مدار السنوات الماضية يتعرض للاستنزاف بطريقة أعتقد البعض أنها عادية ولا ضير فيها ، حتى أنها أصبحت تقليدا يصعب التخلص منه ، وحتى أن البعض أعتقد أن من مهام الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء الرئيسية إنفاق الأموال العامة بلا توقف وبلا مسوغ قانوني في كثير من الأحيان . هذا الاستنزاف كان ومايزال جلياً من خلال المصروفات أو النفقات اليومية التي لا علاقة لها بمصلحة المواطنين أو الوطن ، ولم نسمع عنها حتى في الدول التي أنعم الله على حكامها بثروات وأموال طائلة . مصروفات ونفقات بعضها شخصية وأخرى لمجرد استعراض القوة والنفوذ، اعتدنا أن نسمع عنها رغم حقيقة أن أقل ما يمكن أن توصف به هي أنها نثريات غير ضرورية تندرج ضمن ما يمكن أنه يوصف بالتبذير أو الإسراف غير المبرر، بالنظر إلى موارد الخزينة المحدودة وحاجة البلاد والعباد لمشاريع تنموية لا حصر لها كان يجب أن تحظى بالأولوية .. مليارات الريالات أنفقت في أشياء كان بالإمكان الاستغناء عنها أو على أقل تقدير تقنينها ، وعدم ترك المجال مفتوح لها بلا ضوابط أو قيود .. وبالتالي إنفاق الفائض منها في مجالات مفيدة لتحسين أوضاع اليمنيين التنموية والمعيشية. وبدون الحديث عن الأرقام الخرافية للمبالغ التي أهدرت خلال الأعوام الماضية بأوامر من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء ،(سيارات فارهة ومصفحة وسفريات غير مفيدة وشراء ذمم وولاءات وعمولات ومكافآت أقرب إلى الرشاوى وغيرها ) والتي جعلت الناس يشعرون بالغضب يوما بعد يوم ويخرجون إلى الشارع مطالبين بوضع حد للفساد المالي الذي شعروا به ، فلنأمل أن تؤدي الأزمة الراهنة التي تمر بها بلادنا وبالرغم من بعض سلبياتها إلى وضع حد لهذا الفساد ، وإنقاذ الخزينة العامة من الاستنزاف الدائم ، وبالتالي أن يشعر الناس بمعنى الآية الكريمة (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) "الثورة"