من يقارن بين تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" المتعلقة بأخر المستجدات في ساحتنا الوطنية التي كان من أبرزها إقدام الحركة الحوثية على الإعلان الدستوري، وبين طبيعة النشاط الذي يقوم به مبعوثه الخاص إلى منتجع موفمبيك "جمال بن عمر" سيجد كم هي الهوة شاسعة بين تصريحات الأمين العام وبين التوجهات الفعلية لهذا المبعوث الاممي. في ختام زيارة قام بها الأمين العام إلى الرياض قدم خلالها واجب العزاء بوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لقيادة المملكة الجديدة ممثلة بالملك سلمان، أدلى هذا الأمين العام بتصريح صحفي حول ما يجري في اليمن، أكد فيه على تمسك المجتمع الدولي بشرعية الرئيس هادي، مُعرباً عن قلقه إزاء ما أقدمت عليه الحركة الحوثية من تقويض للعملية السياسية داعياً إلى إعادة الشرعية للرئيس هادي انطلاقاً من قلقه بخطورة الأوضاع وتدهورها في ظل سيطرة الحوثيين على السلطة وتسببهم بفراغها كما جاء في تصريحاته. ما يجري في أروقة فندق موفمبيك من مفاوضات -ولا أسميه حواراً- بين المكونات السياسية ممثلة بالأحزاب وبين ممثلين عن الحركة الحوثية بوساطة بن عمر لا علاقة له بتصريحات "بان كي مون" أو بتصريحات الاتحاد الأوروبي أو أمين عام الجامعة العربية، أو ما يجري في الشارع من مظاهرات رفضاً للإعلان الدستوري... ما يجري على طاولة المفاوضات هو محاولة لفرض الأمر الواقع والتسليم بما أقدمت عليه الحركة الحوثية في ظل عدم وضوح رؤية بن عمر وتحديد موقفه من مستجدات هذه الأحداث في ضوء مواقف من بعثه لهذه المهمة. أي نقاش على طاولة أي حوار يتطلب لنجاحه ضابط إيقاع هو من يحدد نقاط ومحاور هذا النقاش. الإنسحاب المتكرر لأمين عام الحزب الناصري الأستاذ عبدالله النعمان من أكثر من اجتماع وفي بداياتها هو دليل قاطع على أن وجود بن عمر على طاولة هذا الحوار هو كعدمه وأن مهمته في هذا الإطار كما يقرأه الكثير من المتابعين للتطورات المتلاحقة في هذا البلد باتت تُفهم على أنها مُكرسة لتمرير مشروع ما، ربما عمل هذا المبعوث الاممي منذ البداية وحتى اللحظة على تمريره. لا أدري إن كانت توجهات بن عمر هي في الإطار الصحيح وفق التوجهات الدولية والإقليمية وأن ما يصدر من تصريحات من قبل الأمين العام للأمم المتحدة ومن قبل الانظمة بشقيها الإقليمي والدولي هي في إطار ذر الرماد على العيون، بينما ما يقوم به بن عمر يصب في إطار التوجه الفعلي لرغبة العالم في التغيير في هذا البلد على هذا النحو الذي نشهده ونلمسه ونتابعه لحظة بلحظة. لا أدري إن كان يأس العالم من إمكانية التغيير في هذا البلد للأفضل من خلال الأحزاب السياسية المتناحرة دوماً على السلطة وعلى الثروة وفي ظل شعب أنهكته المجاعات وأنهكه الفقر والأمراض والمظالم والفوضى لدرجة استعصى عليه في مقابل كل هذه الآفات والكوارث الوقوف على قديمه دون ترنح لإحداث ثورة حقيقية. لا أدري إن كانت كل هذه الاسباب قد ألجأت العالم بشقيه الإقليمي والدولي إلى خيارات مُرة كالتي نشهدها ونلمسها اليوم على أرض الواقع. ما يجري من تناقضات بين الأمين العام للأمم المتحدة وبين مبعوثه الخاص بن عمر، فضلاً عما نسمعه من تصريحات دولية مناهضة للحركة الحوثية ولإعلانها الدستوري في مقابل ما يجري على أرض الواقع من لقاءات دبلوماسية عربية وأوروبية مع ممثلين لحركة أنصار الله (الحوثيين) في العاصمة هو مدعاة للتساؤل وللاستغراب سيما من قبل من لا يفهم في السياسة غير قشورها، بينما من سبر أغوار السياسة ومن أبحر في عمق بحارها ومحيطاتها سيجد أن كل شيء في هذا العالم ممكن الحدوث خاصة إذا ما توقف عند حقيقة لا جدال فيها وهي: "أن العلاقة بين الدول قائمة على المصالح" حيث لا توجد عداوات دائمة ولا صداقات دائمة! إذ ما يتحكم في منسوب هذه العلاقات هي المصالح. بالتأكيد الجوار السعودي متضرر من الأحداث ومن التغيرات السريعة التي طرأت على واقع هذا البلد، ما أود قوله لهذا الجوار هو: أين كان على امتداد خمسة عقود من الزمن؟ بل الأهم من هذا: أين كان خلال الأربع السنوات الأخيرة منذ احداث ثورة فبراير 2011م وحتى لحظة الانقضاض على قصر الرئاسة وسكن الرئيس هادي من قبل الحركة الحوثية في 19/1/2015م؟. هل يُعقل أن دولة ومملكة بحجم واتساع رقعة المملكة السعودية لا تمتلك مراكز استشعار بشرية ترصد ما يجري في جوارها من أحداث بحيث تبعث بإنذارات لصانعي القرار؛ بُغية تلافي أية أخطار؟! ما جدوى أن تصحو سلطات هذه المملكة في هذا الوقت الضائع بعد أن أضاعت فرص عدة كانت قد لاحت لها في عدة محطات يمنية كان يمكنها من خلالها تصحيح العلاقة المختلة بين نظامها وبين جواره الذي كان لا يتطلع لأكثر من أخٍ يمد له يد العون ويلقي له بطوق النجاة قبل أن يشارف عل الغرق. في نفس اليوم الذي أعلنت فيه الحركة الحوثية الإعلان الدستوري كان مبعوث الامين العام للأمم المتحدة في زيارة مفاجئة لأرض المملكة، السؤال هنا: ماذا كان يعمل هذا المبعوث في الرياض وفي هذا التوقيت بالذات؟! ولماذا فوجئت سلطات المملكة بهذا الإعلان الدستوري؟ سؤال هو برسم سلطات المملكة وبرسم المبعوث الدولي، هذا السؤال الذي لا أنتظر له جوابا من منطلق قناعتي أن في عالم السياسة كل شيء ممكن طالما تُعرف السياسة بأنها فن الممكن. [email protected]