بالكاد تذكر اليمنيون العيد الوطني لبلادهم، وسط ازمة طاحنة، مازالت تتفاقم, وتهدد اليمن بالتشظي والاحتراب المستمر. عيد الوحدة، الذي صار يوما وطنيا منذ التئام جمهوريتين قامتا في جنوب البلاد وشمالها، بات اليوم عيدا يبحث عمن يحتفل به, فالناس مهمومون بمتطلبات الحياة الضرورية وتهدد حيواتهم تداعيات الازمة والقتال. الكثيرون لم يبالوا بالذكرى الخامسة والعشرين للوحدة التي قامت يوم 22 مايو 1990م بعد اعلان الوحدة الاندماجية بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب والجمهورية العربية اليمنية في الشمال. كان اليمنيون يعتقدون قبل 25 عاماً ان قيام دولة الوحدة بين شطري اليمن سيكون منجزاً يعود بالرفاه على الشعب، غير ان الوحدة ما لبثت ان تحولت الى نذر شؤم لارتباطها بمنظومة حكم سياسي، عمدت الانقضاض على المنجز، الذي لطالما حلم به اليمنيون طويلاً وهللوا وفاخروا بتحقيقه امام العالم. يحمّل اليمنيون، وبالذات الجنوبيون، الرئيس اليمني المخلوع علي صالح ومنظومة حكمه، مسؤولية القضاء على الوحدة واصابتها بمقتل في العام 1994م، عندما خاض حرباً شعواء على حليفه الجنوبي الذي شاركه في هذا المنجز. يتذكر اليمنيون ومنذ السنوات الثلاث الأولى بوادر الانقلاب على الوحدة من قبل الشريك الشمالي علي صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام بمعية حليفه انذاك حزب التجمع اليمني للاصلاح على شريكه الجنوبي الرئيس علي سالم البيض والحزب الاشتراكي اليمني، وهي الخطوات التأمرية الانقلابية، التي انتهت بحرب الشمال على الجنوب في العام 1994م والتي أُختتمت في 7 يوليو باجتياحه ونهب ثروته ومقدراته ووضعها في يد قوى النفوذ السياسي والعسكري والقبلي والديني، التي تكالبت على الاشتراكي و"الجنوب الشيوعي والانفصالي"، وفقاً للغطاء الذي مُنح لقوات الشرعية انذاك لاجتياح الجنوب. المفارقة اليوم ان قوات صالح ومليشيا الحوثي تجتاح عدن ومحافظات الجنوب بذريعة محاربة داعش وتنظيم القاعدة الارهابي المتشدد! منذ غدر صالح ومنظومة حكمه بالوحدة 1994م بدأ العد التنازلي عند الجنوبيين بالشعور السلبي تجاه دولة الوحدة التي سلبتهم الكثير، وفي البدء سلبهم مفهوم وكيان "الدولة" والحداثة، الدولة التي عاشوا في ظلها قبل عام 1990م، بالرغم من مساوئ النظام الشمولي، الذي طغت فيه، فضلاً عن الاقصاء القسري للكوادر الجنوبية العسكرية والأمنية والمدنية والنهب الواسع للثروات وضرب مؤسسات القطاع العام، ومن ثم سيادة فوضى اللادولة في الجنوب، الذي لم يتعود عليها مواطنوه. وفي خضم الأزمة الحالية المتعددة الاوجه يبرز الجنوب كقضية رئيسية، وإن تم تجاهلها في أي محفل فان الكل يشعر بأثرها وتأثيرها، وما المساعي والمحاولات لتخطيها او استثمارها كقضية وطنية، إلا نتاج لضعف حاملها السياسي وغياب دوره الفاعل والحاسم لنصرتها، كقضية سياسية وجهوية ذات ملامح بيئة ثقافية واجتماعية استثنائية. ورغم تطورات الأزمة اليمنية الحالية، تظل إشكالية الوحدة والانفصال قائمة، وعنوان معالجة القضية الجنوبية لن يغيبها عن الرأي العام ابدا، بغض النظر عن كل محاولات إستثمارها من قبل كل الأطراف المرتبطة بها، بصورة مباشرة او غير مباشرة. يتهدد الوحدة التي من المفترض ان يحتفي بها اليمنيون هذه الايام، مخاطر الانفصال والتشطي، فالبلاد جاهزة للانقسام بين أكثر من طرف وفريق، تحت هويات متعددة سياسية وقبلية، وتجد الشرعية الرئاسية والحكومية نفسها امام اختبار خطير، تجاوزه بنجاح سياسياً او عسكرياً، لا يعني بالضرورة، امكانية تجاوز إشكالية الوحدة التي صار الجميع على قناعة تامة بضرورة إعادة صياغتها من جديد، وإنصاف الجنوب، حتى وان وصل الأمر منحه حق تقرير المصير. التمسك بالوحدة القائمة شكلياً والفارغة بالمضمون، ومحاولات معالجتها بدولة اتحادية جديدة، أمر لا يستجيب للمستجدات الوطنية في انحاء البلاد ، ولن يحل إشكالية الشمال والجنوب، ما يعني ان على كل القوى السياسية ان تقف بجدية وواقعية وعقلانية امام كل الطروحات لحل القضية الجنوبية، بما فيها طروحات الحراك الجنوبي والرؤى التي نوقشت في مؤتمر الحوار الوطني بصنعاء وابرزها قيام دولة اتحادية باقليمين شمالي وجنوبي. [email protected]*