(العبرة بالخواتيم)، هكذا يقال، وهي مقولة صحيحة تماماً، يمكن تطبيقها في الحال اليمني, فالخطط التي تضعها قوى التحالف لتحرير العاصمة صنعاء من مليشيات صالح والحوثي مازالت غير واضحة وان كانت معلنة في بدايتها, لكن صورة تلك الخطط يجب ان تصبح مكتملة المعالم، فالمعنيين بالأمر من واجبهم تقييم حالهم اليوم.. ليس بناءاً على ما كانوا يعرفونه سابقا..ولكن بناءاً على الواقع الذي يتكشف اليوم, وربما غداً أو بعد غد. في استشراف غير واضح للمستقبل المنظور في اليمن ككل، تؤكد المعطيات والاحداث اننا قادمون على مرحلة اوسع من التدهور، وكم كبير من المعوقات والعراقيل الداخلية البحتة، بعدما تأكد غياب الوعي الوطني لدى النخب السياسية اليمنية، وتشوه المفاهيم الوطنية لديها، حيث اصبح مبتغاها تفتيت او اضعاف اطراف بعينها، في تجاهل تام للمصلحة الوطنية الجامعة، التي توجب التفكير في حلول سليمة تضمن السيادة وسلامة الوطن والمواطن، دونما اي ضرر مهما كانت اختلافاتنا باعتبار اننا جميعا في خندق واحد والاضرار باي طرف يعني الاضرار بالوطن ككل دون استثناء. انه من الصعوبة بمكان تحديد نقطة البداية التي يجب الانطلاق منها على ارض الواقع بسبب التعقيدات الواضحة والتباينات الكبيرة في سياقاتها السياسية والاجتماعية والفكرية، والتي جعلت نقطة البداية هذه غير معلومة وغير ممكنة، فما زالت موارد القوة والنفوذ مشوشة وغير معلومة وقابلة للنكوص والارتداد، كما ان القوى المتواجدة على الساحة لم تنوي الغوص في عمق المشكلات الفعلية التي ادت الى ما نحن فيه واستمرار النتائج الكارثية في كل اليمن. نقص، او بالأصح غياب الارادة السياسية، هو سبب ولوجنا هذا النفق المظلم، فما لدى النخب السياسية غير مؤهل للبناء عليه، والتحالفات التي نشأت بين احزاب وجماعات في مرحلة ما لم تهدف الى ما فيه المصلحة الوطنية العليا، حيث سرعان ما تحولت الى وسائل انتقام من الخصوم السابقين، بالإضافة الى ضعف الشارع وعجزه عن اختيار عناصر التغيير الناجح، فمشكلة الفهم الخاطئ من جانب الجماهير لمسالة الثورة والتغيير ما زالت تتكرر، وهو ما يحولها –الثورة- دائما الى مطية لتيارات سياسية متطفلة، او لشخصيات مهترئة وجدت في هذه الثورة ضالتها لاستعادة الأضواء، وبالتأكيد سيُنتج هذا الامتطاء -غير الشرعي- شغب وفوضى في مسيرة أي عمل ثوري، ولان التيارات السياسية عاجزة عن التكيف مع بعضها، فهي مازالت عاجزة عن تلبية متطلبات الجماهير ومتطلبات الانتقال الديموقراطي بالحد الادنى بعيدا عن أي نوع من الحصانات الدينية او السياسية، فان اول ما تسعى اليه هو المحاصصة، ويرجع ذلك الى تجذر ثقافة الاستحواذ والانفراد بالسلطة من جهة وخبرات سلبية متراكمة على مدى عقود من جهة اخرى. تتراكم النتائج المأساوية للأحداث على طول اليمن وعرضه، ومازالت النخب السياسية في غيها القديم، حالمة واهمة بتحقيق مكاسب مهمة، متناسين ان الاحداث المتسارعة تزيد الوضع تعقيدا على أرضيته المفخخة اصلا، وان الهدوء -ان حدث- لن يجعل البيئة الا بحرا من التعقيدات المركبة، التي لا تحتاج في حلها الى انفراد بالمشهد السياسي، او تسلط احادي من أي طرف، بقدر حاجتها للتوافقات السلمية البعيدة عن المحاصصة الممجوجة، المنتجة لازمات معقدة تتعثر معها أي مساع للحلول، فالتاريخ السياسي لليمن وللبلدان العربية، يؤكد ان المحاصصة بكل اشكالها لم تورث للأوطان الا مزيدا من العقبات المتتابعة، التي تصبح عصية في تجاوزها خصوصا عندما تكون مساعي كل طرف من اجل الحصول على المزيد من المكاسب والمادية دائما. من هنا يظهر ان الحل الوحيد لانتشال اليمن مما هو فيه هو اقتناع كافة الاطراف بالتسوية السياسية دون شروط مسبقة، بتقديم نهج واقعي، وتفضيل التسوية على المصالح الضيقة والمواقف المتطرفة، والأخذ في الاعتبار المصلحة الجامعة كضمان لعدم تعثر التسوية السياسية، الذي ان حصل سيؤدي بلا شك الى الانزلاق نحو نزاعات اكثر دموية ودمار، وهو ما يعني استمرار الاضطرابات السياسية بشكلها المفجع نتيجة ما يصاحبها من ظهور التطرف الفكري والعنف السياسي والاجتماعي، على ان تكون هناك انتخابات مبكرة تشارك فيها جميع الاطراف السياسية دون فرض أي شروط او شخوص في المشهد السياسي، واتاحة الفرصة للشعب ليقول كلمته بكامل ارادته، وذلك بعد اقرار شكل نظام الحكم، وشكل الدولة، بافتراض ان الجنوب وصل الى اهم خطواته في تقرير مصيره، فكلنا نتفق على حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً دون تسطيح او سفسطة، وذلك بوضع معالجات بنيوية جذرية لها، حتى يستعيد الجنوب مكانته الطبيعية في المعادلة الوطنية، حيث تكون فدرالية من اقليمين، مع احتفاظ الجنوبيين بحقهم في اجراء استفتاء على استمرار الوحدة من عدمه بعيدا عن اقرار خطة زمنية، أي ان تبقى مسالة الاستفتاء خيار شعبي يطالب به الجنوب في أي وقت يراه، -ربما يكون هذا التوقيت قريبا او بعيدا-. بالتوازي مع ما سبق فانه يتوجب على الحكومات والنخب السياسية القادمة العمل على وضع مسارات سياسية وتنموية واضحة، وان لا تعيد انتاج سياسات الانظمة السابقة، فهي لن تجدي في اشاعة الامن والاستقرار ، كما يجب العمل على ايجاد تصور اقتصادي مرن ومستدام يربط بين التنمية والعدالة، والعمل على استقلال القرار التنموي واستدامة الجهود التنموية، والشروع في بناء علاقات اكثر تكاملا مع الاقتصادات العربية والدولية، فلابد ان تكون عملية الانقاذ جادة تظهر اكبر قدر من التفاعل مع المطالب المشروعة للحراك الشعبي.