بعضنا يخلط بين النقد الموضوعي ، الواعي ، الحريص ، الهادف الى تسليط الضؤ على الأخطاء والسلبيات بغرض تقويمها و تصحيحها ، وبين النقد الهدّام الذييحول النقد من رسالة ايجابية قابلة للقراءه والفهم ، الى طرد مفخخ ينفجر في وجهالمتلقيبمجرد ان يقوم بفتحه . لنتفق اولا ان نقد اداء الرئيس هادي او اي مسؤول عام هو امر ايجابي ومرغوب ومطلوب طالما اتسم النقد بالموضوعيةوالحرص ، وكان الهدف منهليس التحقير والتشهير بل المساعدة علىالإرتقاء باداءهم الى ما يحقق المزيد من المنافعللمجتمع والناس . ولا يمنع ان يكون النقد قاسياً لكن لا يجب ان يخرج عن الموضوعيه ، و للأسف فإن ما نلاحظه في معظم من يتناولون اداء هادي بالتقييم والنقد ، هو الشطط والغلو المبالغ فيه والذي يتعذر تفسيره الا بوقوع هؤلاء تحت تأثير المواقف والقناعات المسبقه التي تسعىلتطويع الواقع لهذه القناعات والمواقف حتى لو استدعى الأمرلي عنق الحقيقة ، او انهم جزء من مطابخ اعلاميه مشبوهه اصبح الشعب يعرف من هي ؟ ومن يمولها ؟ وما هو الهدف الغير شريف والغير وطني الذي تسعى اليه ؟ . يمدح الرئيس هادي كثيرون وينتقده كثيرون ايضا وهذا امر طبيعي ، لكن ما ليس طبيعيا هو تخصص البعض بذلك النوع من النقد السلبي الهدام الذي يجرد رسالة النقد من مضمونها وهدفها النبيل والإيجابي ، ثم يزعمون ان نقدهم انما يجيء بما يمليه عليه ضميرهم الديني والوطني ولا شيء غيرهما . هنا بعض النماذج : اولا :جميعنا يعرف ان الشتيمة ليست نقدا ومع ذلك يغرق البعض باستخدامها في معرض ما يعتبرونه نقدا موضوعيا ، ولنأخذ مثلا على ذلك وصف " دنبوع " الذي يتباهى بعضهم باستخدامه في وصف هادي ، هذا اللفظ هو نوع من السباب والشتيمة اخترعها المطبخ العفاشي بهدف تكوين صورة نمطية سلبية عن هادي تخدم سياسة الهدم التي يتبعونها ، تلقفها آخرونليسوا عفاشيينلكنهم تأثروا بدعايتهم ، ثم أصبحوامثلهم يحشرون هذه الشتيمة في كل موضوع يتعرضون فيه للرئيس هادي بالتقييم والنقد . الشتائم لغة العاجزين الذينتعوزهم قوة الحجة والإقناعفيستعينونبالشتائم والسباب لتقوم بوظيفةالعكاز الذي يتوكأ عليها منطقهم الأعرج ، والمشكلة انهم بعد كيل الشتائميستنكرونعدم التفات الآخرين لنصائحهم ، ومواعظهم ، وإنتقاداتهم . ثانيا :الإفتقاد الى المعلومة الصحيحه التي يرتكز عليها موضوع النقد ، وهذه ملاحظة تكاد تشمل كل معلقات الهجاء التي تستهدف او تتناول اداء هادي ، فالقاسم المشترك في معظمها هو استنادها الى معلومات مغلوطة او غير صحيحة ، يضاف اليها كما تضاف البهارات الى الطبخة قناعات وانطباعات الناقد المسبقة ، لتنتج لنا في الأخير توليفه لا يمكن اعتبارها نقدا ، بل موضوعات قدح وردح وفي احسن الأحواللا ترقى الى اكثر من احاديث تحريضوبلبلة واشاعة. ولنأخذ مثلا على هذا الحديث المتكررعن دور جلال هادي وتدخلاته وانفاقه المليارات من المال العام للتأثير في توجيه الأحداث ، او في التعيينات ، أو .. الخ .. كثيرون يعرفون ان المطبخ العفاشي اخترع حكاية جلال هادي في وقت كان حديث الشارع كله يتركز حول موضوع التوريث وسيطرة عائلة عفاش على الدولة بما يشبه الإستملاك او وضع اليد ، والرسالة التي اراد المطبخ العفاشي ان يوصلها للناس هي"سلام الله على عفاش"، فهاهو هادي واولاده يمارسون ما هو اكبر، ويخططون لما هو اسوأ . وانطلت الرسالة العفاشية على البعض ، وسار كثيرون في الزفة حتى ممن يدّعون الموضوعية ، بل اصبح الكثير منهم يكررون هذه المعزوفه في احاديثهم ومواضيعهم كمسلمات لا تقبل التشكيك ، ولم يتوقف احد منهم - ولو من باب الأمانة النقديه - ليسأل نفسه ولكن لماذا لم تنشر ولووثيقه صحيحة وموثوقه واحده– بخلاف الفوتو شوب - تثبت مثل هذه الإدعاءات ؟ ثالثا : التعصب سواء لأشخاص او لتيارات سياسية معينه ، واحد من هؤلاء الكتاب توقف به الزمن عند الجنرال علي محسن الأحمر، فهو لا يرى نصراًاكيداً ، ولا مستقبلاًواعداً الا بعودة الجنرال الى الواجهة ، رغم انه لا يغيب عن وعيه ومعلوماته ان اقل ما يقال عن على محسن انه شخصية مثيرة للجدل ، وان كان الناس منقسمين حوله الا ان الأكثريه منهم يحملونه مسؤولية رعاية وحماية بل والإنغماس الفعال في تجاوزات عفاش التخريبية طيلة 33 عام ، ومن غير المعقول ان تُمحى كل هذه المثالب لمجرد انه وقف في سنته الأخيره ضد عفاش ، ليس بسبب صحوة الضمير بل لأن طموحات عفاش التوريثية والعائلية اصبحت تهدد مكانته المتفردة ودوره الإستثنائي باعتباره الرجل الثاني في الجيش والدولة . الترويج الذي يقوم به مثل هذا الكاتب وغيره للجنرال العجوز او عيال الشيخ عبد الله ، واتخاذ المواقف الحادة من الرئيس هادي بناء على قربه منهما ، او بعده عنهما لا يمكن ان يكون دافعه المصلحة العامة ، فما يدعو اليه ليس اكثر من دعوة الى تغيير طغاة بآخرين وعائلات بأخرى ، مع الإبقاءوالمحافظة على واقع الإستلاب والهيمنة والسيطرة الجهوية التي عانى منها الشعب طويلاً، وسعى للخلاص منها كثيراً ، وليست ثورة 11 فبراير 2011 الا الحلقة الأخيرة في سسلسلةممتده من الثورات والإنتفاضات والتضحيات . رابعا : حرف الأنظار عن الأسباب الجوهرية وتوجيهها نحو اخرى ثانوية ، والمثل الأبرز لذلك هو تحميل قرارات هادي كل المسؤولية عن كل ما تشهده الساحة الوطنية من تداعيات سلبية ، مع التغاضي المتعمد عن دور العوامل الأخرى الأكثر تأثيرا واهمية ، مثل الدورالطاغي الذي يلعبه الموروث السياسي والإجتماعي في الهضبه الشمالية على الجيش والدولة . دعونا نضرب مثلا لهذا العبث النقدي الذي يحلو لبعض محترفي النقد الهدام تكراره دون ملل .. هم يقولون انه لولا قرارات هادي لما تمكن الحوثي من دخول عمران او دخول صنعاء . . الخ .. وهذا قول فيه الكثير من الإفتئات والإفتراء لأنه يتجاهل حقائق واقعية وتاريخية ، هم يعرفون قبل غيرهم ان فعلها وتأثيرها يتجاوز قدرة وتأثير اي قرارات اصدرها او لم يصدرهاهادي : 1. ان الدولة التي استلمها هادي ليست بقايا دولة فقط ، بل وبقايا دولة جهوية ايضا . 2. وان الجيش الذي اصبح هادي قائداً اعلى له هو جيش جهوي . 3. وان القبيلة من خلال تواجدها في بؤرة صنع القرار داخل الدولة والجيش والأمن هي العامل الأكثر فعالية وتأثيرا . 4. وان العاصمة موجوده في مجال النفوذ والتأثير القبلي . 5. وان الموروث الثقافي للقبيلة لا يتقبل ان يأتي الحاكم من خارج الهضبه . 6. وان هادي لا ينتمي الى الهضبة ، وهو فوق ذلك اول شخص من خارج الهضبه يصعد الى الموقع الأول في الدولة خلال اكثر من الف عام . تلك بعض الحقائق الواقعية التي يتجاهلها بعض الذين يتعرضون لتجربة هادي بالنقد والتقييم ، وهي في مجملهاتكفي ليس لإضعاف دور اي رئيس يأتي من خارج الهضبه بل ولتجريده من اي قوه او سلطة او تأثير ، وقد كان هذا بالتأكيد نصب عين عفاش عندما رشح هادي ليكون رئيسا توافقياً مؤقتاًولفترة محدوده . ولأن هادي ذكي، وحصيف، وأريب، وفطن، واستراتيجي، فقد رأى ان التغلب على هذا الواقع لا يكون بمجابهته وخوض معركة خاسرة معه ، بل يكون بتقديم البديل الأكثر جذبا حتى بالنسبة للأقلية الجهوية المسيطرة على الجيش والدولة ، وتمثل هذا البديل بدعوته الى عقد مؤتمر حوار وطني يضم كل شرائح المجتمع وقواه السياسية بحيث يخرج هذا المؤتمر – من خلال الحوار والتوافق - برؤيه تعبر عن اجماع شعبي يقود الى بناء الدولة الوطنية على انقاض الدولة الجهوية . لو اختار هادي خوض معركة– والبعض لا يزال يأخذ عليه عدم خوضها - لكان حظه في كسبها صفرا ، والدليل ان هذا الجيش الجهوي الذي يلومون هادي على عدم توجيهه لخوض المعركة سلم كل شيء للميليشيات الجهوية خلال 24 ساعة ، بل وانضم هو نفسه الى الميليشيات ليس نكاية بهادي بل تلبيه لنداء الواجب الجهوي الذي تربى عليه ، وفي المحصلة النهائية فانه حتى لو حدثت معركة فلن تكون اكثر منمعركة بين فرقاء واجنحه جهويه ، إنتصار احدها او هزيمته لم يكن ليغير شيئا بالنسبة للشعب ، سوى تعزيز القبضة الجهوية على الجيش والدولة. لذلك اختار هاديان يأتي الحل سلميا وشعبيا بما يحقق هدفقيام الدولة الوطنية التي يحلم بها كل المواطنين ، والتي بقيامها تتحقق المصلحة الكبرى للشعب . قد يقول البعض اذا كان الحال كذلك فلماذا قبل هادي القيام بهذا الدور ؟ والرد انه قبل به لأنه يحلم مثل اي مواطن بقيام الدولة الوطنية الذي بدأه الشهيد ابراهيم الحمدي وحاول هادي استكماله ، وهو قدّر انه يستطيع من موقعه الدفع باتجاه تحقيق هذا الحلم ، لكن الواقع كان اقوى من قدرته ومن موقعه . ومع ذلك فان قبول هادي القيام بهذا الدور لم يكن في محصلته النهائية خساره كاملة ، بل على العكس فإن شواهد الأحداث الجارية جميعها تشير الى ان هذا المشروع يتجه نحو تحقيق نصر مؤزر وحاسم. بقي كلمة اخيرة نقولها بأمانه وصدق... ليست المشكلة في هادي او قراراته ، لكنها في هؤلاء الذين يحتاجون الى إزالة الغشاوه عن اعينهم لكي يتبينوا اين يقفون .. ؟ والى اين يسيرون ؟ .