لوجود الدولة القومية القوية اشترط ميكافللي تقدم فكري و أخلاقي وهذه الشروط لا تكتمل إلا بالصفوة إذا تمكنت من السيطرة على القوة وهدفه من القوة خلق الشرعية ومعالجة الانقسام بين المثقفين والنبلاء وانقاذ الشعب من الرعاع انطلاقا من الفكرة المحورية والقائلة بأن الشعب لا يعمل الخير إلا مكرها وما إن يحصل على حرية الاختيار دون عقاب يتمادى بالشغب والفوضى... فإذا غاب الفكر أو كانت المؤسسة الحاكمة معادية للمثقفين والمفكرين ...ستكون السيادة في الواقع للرعاع وعندما تتبعهم الدهماء تزول الحضارة وتتعرض للاحتلال. فالمثقف الغربي هو ذلك الموسوعي في كل مجال وهو في الأصل راهب أو قسيس وفيلسوف لاهوتي " ويقابله في مجتمعاتنا الإسلامية " الأصولي المجتهد" فانتصر الغرب بقيادة الفيلسوف المثقف وانهزمنا بتغييب الأصولي المجتهد.. ونبحث عن مثقف مائع لا يؤمن بالقيم إلا إذا كانت غربية المورد والنبع مع أن الغرب كانوا برابرة هذبتهم دولة الأندلس وخصوصا الأمير العالم عبد الرحمن الناصر " يقول الغرب لقد كان له من كل علم أكمله وكانت له تعليقات على مؤلفات ومخطوطات كان يشتريها وهي ما زالت فكرة في ذهن مؤلفها لتكون أول نسخة يقتنيها ثم يضيف عليها من علومه فبلغت الأندلس في عهدها أوجها.. وعندما دخل ألفونسو الأندلس خلال حكم البربر ملوك الطوائف اجتاحتهم بربرية الغرب الكاثوليكية و ذهب على إثرها مكتبة هي أعظم قيمة من جزيرة إيبيريا بأكملها... فتباكى العرب على الجزيرة "المادة" وتناسوا المكتبة "القيمة" يقول بعض المؤرخين الغرب أن سبب هزيمة العرب تراجعهم فكريا و أخلاقيا بعد أن كانوا نموذجا رحب بهم المسيحيون وأطلقوا عليهم الفرسان "الغطاريف" لأنها دولة الكرم والشجاعة والاخلاق والسماحة .. إن تقدم الحضارة يحسم بالصراعات الاجتماعية باعبتارها شرطا ضروريا لعالم أفضل ويكون ذلك بصراع المعتوهين الممسكين بالسلطة وهم جملة من الرعاع الذين كانوا في أصولهم من قطاعي الطرق ونهابي الأراضي وجابيي الضرائب الذين كنستهم البلديات الى السلطة عند غياب الصفوة أو لاحتيالهم الجبان في تصفيتها حينها يندفع المجتمع للدفاع عن ضرورياته وقوت يومه وما يلبث هذا الدفاع أن يتحول الى قضية ومبدأ تتشكل فيه زمرات مختلفة من الصراعات الاجتماعية ينتصر فيها من يتقدم فكريا و أخلاقيا ويتخلف مدمري الحضارات لأن استمرارهم في الحكم لم يعد مناسبا بل إن إصلاحاتهم ستزيد من اتساع فسادهم وأن خيار القوة مع الرعاع هي الأنسب وأن خيار السلم هو خيار الضعفاء الجبناء لأن بدون ضمانات أو افتقار بعض الأطراف لمبدأ العهد والرجولة التي صنعها الإسلام ومجتمع النبوة مضيعة لمنجزات ما قدمه الثوار الشهداء لاعتقادهم أن من يسفك دما واحدا لا يتورع من قتل شعب بأكمله وأن لغة القوة هي الأصل في حفظ الحقوق وتفعيل القانون وضرورية لارعاب المجرم و تأمين الضعيف وما وضعت الحدود الإسلامية من قصاص و حرابة و قطع وتعزير إلا لأمثال هولاء الرعاع ويقوم بها الشرفاء الذين يتورعون عن الظلم و الخيانة والفساد أما المفسد المعتقد لا يراه فساده إلا إصلاحا وهم الأخسرون أعمالا