خلال النزاعات المسلحة يقع المدنيون والمنشآت المدنية ضحايا نيران أطراف النزاع بشكل متعمد أو عن طريق الخطأ, لذلك تم تشريع القانون الدولي الإنساني, معتمدا على مبدأين: 1- مبدأ تقدير الضرورات العسكرية, الذي يوجب على أطراف النزاع استخدام القوة الضرورية لإحراز الهدف القتالي فقط، وحظر استخدام الأسلحة والقذائف والمواد ووسائل القتال التي من شأنها إحداث إصابات أو آلام لا مبرر لها مثل الأسلحة السامة والكيماوية والحارقة والألغام المضادة للأفراد. ويعرّف القانون الحربي الهدف العسكري بأنه "الشيء الذي يساهم سواء بطبيعته أو موقعه أو غايته أو استخدامه, مساهمة فعالة في العمليات الحربية ويحقق تدميره التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليه أو تعطيله ميزة عسكرية أكيدة". 2- مبدأ التفرقة بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية, ويتضمن هذا المبدأ حماية المدنيين وقت الحرب وتحت الاحتلال, وتحييد المؤسسات الطبية وسيارات الإسعاف والمسعفين وعمال الإغاثة. وحظر استغلال المدنيين أو استخدامهم لحماية أهداف عسكرية, إضافة إلى منع النهب والهجوم العشوائي والأعمال الانتقامية والعقوبات الجماعية ضد المدنيين وأعمال الغدر الخارجة عن التكتيكات الحربية. في البلدان العربية الإسلامية, لا تعترف القوى المتصارعة بهذه المبادئ ولا تعيرها أي اهتمام ولا توليها أي احترام, ناهيك عن قوانين الحرب التي شرعها ديننا الإسلامي الحنيف وحافظت عليها التقاليد والأعراف القبلية الصادقة. ولو آخذنا كمثال التجارب القريبة لبلداننا الإسلامية, نجد الآتي: 1- في ليبيا تم قتل الرئيس معمر ألقذافي وأولاده بعد آسرهم وبطريقة وحشية دون محاكمة ولو عسكرية. 2- في العراق تم إعدام الرئيس صدام حسين نهار عيد الأضحى المبارك, على طريقة التضحية الدينية وبشكل همجي, كما تمت إعدامات طائفية عن طريق الذبح بالسكين وإعدامات جماعية وقتل عشوائي في الطريق العام. 3- في سوريا حدثت إعدامات طائفية وقتل للمدنيين العزل ورمي أفراد الشرطة من على أسطح المباني العالية وذبح الجنود والضباط بالسكين, ووصل الأمر أخيراً إلى سياسة تجويع المدنيين وحصارهم ومنع كل سبل الحياة عنهم وترك المرضى والجرحى والعجزة والأطفال لمصيرهم دون أي مساعدة علاجية أو إنسانية. 4- في اليمن استفادت المليشيات الفاشية من التجارب أنفة الذكر وطورتها بشكل إجرامي لتجمع كل جريمة من جرائمها شكل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية. مما تقدم وفي النزاع المسلح في سوريا, يبدو جلياً إن المدنيين هم العنصر الرئيسي في المعارك بين طرفي النزاع ويتم استهدافهم بشكل مباشر لأغراض أما إعلامية أو سياسية أو تفاوضية, يتبادل خلالها أطراف النزاع الاتهامات باستخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين, ليصل الأمر بعد ذلك إلى حصار متبادل للمدنيين وقصفهم وتجويعهم في مناطق مدنية تابعة مذهبيا لطرفي النزاع بالتزامن مع مفاوضات تديرها الأممالمتحدة. أما في اليمن فقد عملت المليشيات الفاشية إلى استنساخ النموذج السوري بصورة أبشع من خلال حصار مدينة تعز وقصف أحيائها السكنية ومؤسساتها الطبية ومنعت عن سكان المدينة كل مقومات الحياة من ماء وكهرباء وغذاء ودواء وتم استهدافهم بالقنص والإهانات والإذلال. وبسبب قربنا من الواقع اليمني فإننا سنركز على الجرائم الفاشية للمليشيات الانقلابية والمخالفة للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية ولتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف والأعراف القبلية الصحيحة على النحو التالي: بدأت جرائم الحوافيش في مدينة عدن بتمركز القوات الغازية في المرافق والمؤسسات المدنية وحتى الدبلوماسية واستخدامها لقصف السكان المدنيين والأحياء السكنية المكتظة بالسكان, حيث اعتلى القناصة أسطح الفنادق السياحية والمباني السكنية المرتفعة, بعدها تم إخفاء الأسلحة الثقيلة داخل الأحياء السكنية وفي البيوت الكبيرة والقصف من داخلها ليصل الأمر بعدها إلى التمركز داخل أسوار المصانع كمصانع هائل سعيد في العلم والمعلا, إضافة إلى المؤسسات التعليمية كديوان جامعة عدن وغيرها. تطورت أساليب الحوافيش في عدن إلى استخدام الأسرى المدنيين كدروع بشرية في مواقع تواجد القيادات العسكرية للغزاة في مطار عدن الدولي ومسجد الخير. وبسبب عدم تقبل المواطنين لوجود المليشيات الفاشية في مدينتهم المسالمة قام الغزاة بإغلاق مداخل محافظة عدن من اتجاه محافظتي لحج وأبين ومنع دخول المواد الغذائية والتموينية والطبية إليها وقصف البواخر التي تحاول الاقتراب من ميناء المدينة لإنزال مواد الإغاثة الإنسانية التي أرسلتها المنظمات الدولية والإقليمية للسكان المدنيين المحاصرين في مدينة عدن. في أواخر أيام المليشيات الفاشية في عدن لجأت قواتها إلى الانتقام من المدنيين عبر قصف الأحياء السكنية في المنصورة والبساتين والممدارة والدرين وغيرها, بشكل يومي بقذائف الهاون وفي أحيان بصواريخ الكاتيوشا, كما استهدفت المؤسسات الصحية وسيارات الإسعاف والمسعفين مستخدمة بشكل واضح ودون خجل الأطفال كمقاتلين في ميدان المعركة, وعند خروج المليشيات زرعت الألغام الفردية حتى في الأحياء السكنية وبعض المنازل. ونتيجة للحصار الإعلامي واختطاف الناشطين الحقوقيين والإمكانات المتواضعة لسكان عدن, تم التعتيم على كل هذه الجرائم بتواطؤ واضح من قبل المؤسسات الدولية الحقوقية والإعلامية والإنسانية, لكن نقل هذه التجربة الفاشية إلى مدينة تعز وبشكل أكثر وحشية, فضح هذه المليشيات الإجرامية وفضح كل القوى المتواطئة معها دولية كانت أو محلية أو إعلامية. ففي مدينة تعز تطوعت منظمات دولية كمنظمة أطباء بلا حدود ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة إلى التغطية بشكل مخزي على جرائم تلك المليشيات والدفاع عنها وتركيز بياناتها وتصريحاتها ضد خصوم تلك المليشيات دون أن تعير الأوضاع المأساوية للمدنيين والمؤسسات الطبية في مدينة تعز أي اهتمام ودون أي إشارة ولو بسيطة إلى مصادرة المليشيات الفاشية للمساعدات الإنسانية والطبية العاجلة التي أرسلتها منظمة الأغذية والزراعة وغيرها للمدنيين المحاصرين في مدينة تعز. من ناحية أخرى لم تلتفت تلك المنظمات إلى الاستهداف المباشر للمؤسسات الصحية في مدينة تعز بالقذائف الصاروخية ونفاذ المواد الطبية المنقذة لحياة الضحايا والضرورية لتسيير غرف العمليات الجراحية والعناية المركزة مثل الأوكسجين ومواد التخدير وغيرها, ناهيك عن المعانات الإنسانية البائسة للمحاصرين داخل المدينة دون ماء أو كهرباء أو مواد غذائية وغيرها. لقد كان للموقف الجريء والصارم للحكومة الشرعية من تصرفات بعض تلك المنظمات الدولية, والمطالبة بمغادرتها الأراضي اليمنية, مضافاً إليه النشاط الإعلامي الواسع والفاضح للانتهاكات الإجرامية البشعة للقانون الدولي الإنساني والذي قام به أبناء تعز ومناصريهم في كل أنحاء العالم, تأثيرا مباشراً وقوياً في تحول طريقة عمل تلك المنظمات والتفاتها إلى الوضع المأساوي للسكان المدنيين في مدينة تعز. هذا تلخيص بسيط للانتهاكات التي ارتكبتها ومازالت ترتكبها المليشيات الفاشية في اليمن, لكن الأدهى منه هو الموقف الدولي من تلك الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والتي نلخصها بالاتي: 1- إن انتهاكات القانون الدولي هو من اختصاص المنظمة الدولية, وهي الآن تتركه كورقة تفاوض بين أطراف النزاع مثله مثل القرار الدولي لمجلس الأمن الدولي رقم (2216) الذي أدان المليشيات الانقلابية تحت البند السابع وطالبها بتنفيذ نقاط محددة في صلب قرارها, لكنه الآن مجرد شرط تجاذب بين أطراف النزاع اليمني. 2- الوضع المأساوي للمدنيين في مناطق الصراع لا يعتبر من صلب مهام مجلس الأمن الدولي والمنظمة الدولية, بل تحول إلى ورقة ضغط تفاوضية بين الأطراف المتقاتلة. 3- اللجنة الدولية للصليب الأحمر أُنشئت أساساً لمساعدة ضحايا النزاعات المسلحة، والعمل على تأمين تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني في ظروف النزاع المسلح، وقد اعترفت لها بذلك اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها, ويمكن للجنة الدولية للصليب الأحمر أن تعمل بموجب نظام الدولة الحامية، بصفتها البديل أو "شبه البديل"، أو أن تعمل بصفتها الشخصية خارج حدود هذا النظام. لكنها تخلت عن وظيفتها الإنسانية وتركت الأرض لمنظمات غير مسئولة مثل أطباء بلا حدود لتستثمر مآسي الضحايا وآلامهم لإغراض أنانية ومكاسب سياسية. 4- المنظمات الدولية الإنسانية مثل منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية منظمات ديكورية هشة يتم استثمارها عند حاجة القوى العظمى لها, لكنها في الواقع لا تقدم ولا تؤخر ويمكن لأي جمعية خيرية أن تقوم بمهامها التي تنحصر بجمع المساعدات فقط ويمكن في أفضل الأحوال إرسالها إلى بلد النزاع دون أية ضمانات بوصولها إلى مستحقيها. 5- المؤسسات الإعلامية الدولية ليست سوى المراسل المحلي, فإذا كان مراسل الوسيلة الإعلامية متعاطف أو مقرب من مع احد أطراف النزاع أو واقع تحت الضغط أو التهديد فلا مصداقية لتلك الوسيلة الإعلامية, ذلك شاهدناه في تغطية ألبي بي سي البريطانية والار تي الروسية وغيرها. وهناك الكثير من الملاحظات لكني سأختم مقالي هذا ببعض النصائح لأولئك الذين ظلموا أنفسهم بظلمهم للمدنيين الأبرياء دون ذنب. ارجعوا إلى الله, والى تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف والى عاداتنا وتقاليدنا التي توارثتها الأجيال, فيما يتعلق بالمدنيين والأسرى وغير المحاربين العزل والمرضى والشيوخ والنساء والأطفال. ارجعوا إلى أخلاق اليمنيين وحكمتهم وحتى إلى التكتيكات العسكرية, وراجعوا مكاسبكم وخسائركم من حصار وتجويع المدنيين وقتل الأبرياء. ضعوا أنفسكم أو أهاليكم في موضع الضحايا أو على اقل تقدير توقعوا إن تتحول الأمور عكس ما خططتم له, فهل تقبلوا أن تهانوا وتذلوا وتقتلوا أو تتركوا للموت البطيء جوعاً وظمئا أو نزفاً؟ هل تقبلوا أن تروا أهاليكم وأحبتكم يموتوا إمامكم دون أن تستطيعوا تقديم المساعدة لهم أو تخفيف آلامهم ومعاناتهم؟ حتى الحروب لها جانب أخلاقي وإنساني, فلا تقتلوا الإنسان فيكم ولا تعدموا ما تبقى من أخلاق, تذكروا كلام الله وأحاديث رسوله الأكرم, ولا تغلقوا كل المنافذ إلى عودة حميدة من اجل مكاسب سياسية وشخصية أو حتى مذهبية, فإذا خسرتم الإنسان خسرتم كل شيء.