على وقع اللمسات الأخيرة لطي صفحة الكهنوت الجمهوري والإمامي، تلوح في أفق اليمن ابتسامة الأمل لغد مشرق، ينعتق كل لحظة بجراحة أليمة من منظومة الأحقاد، والمرض الأسري والطائفي البغيض، الذي صفدته بها لعنة الحوافيش لعقود من التاريخ، بعد داء عضال ألم بالجسد اليمني الأصيل هاهو يستعيد عافيته، بجرعات السم، ليكتسي من جديد عافيته، ونضارته، وطموحه في وجه المستقبل الواعد. اليوم،،، رجال البأس الثوري المسلحة بعقيدة التحرير الوطنية، واستعادة الدولة تحبس أنفاسها على مشارف صنعاء لتلقي إذن مناجزت استئصال الشر المستطير لعفاش، وتوابعه من المرض الإمامي البائد في صنعاء وصعدة. ونحن على أعتاب مرحلة مشهد ما بعد الحوافيش، تحضرنا وبكل ثقة بالنصر الإلآهي ترتيبات البيت اليمني في مسيرته المستقبلية. هذا المستقبل وحده، يجب رسمه بعيدا عن العواطف والشطحات الفردية، فالواقع اليمني السياسي الراهن هو من التعقيد والأزمات بحيث لا يملك أحدا لمسة سحرية لكي يفك كل تعقيداته، وحلحلة أزماته. والهم الوطني المشترك الذي نتقاسمه من وحي الروح الوطنية، التي تخاطبنا فيها القيادة السياسية، وتحثنا على تقاسم التفكير فيها، وابتكار الحلول المعقولة للمساعدة في بلورة الحل المرضي لمعظم الشعب اليمني، يقتضي تشخيص الحل الممكن للأزمات العديدة والمتفاقمة. وهذه الرؤية تأتي في سياق إثراء التصور الجديد للقيادة السياسية بأفكار مهمة، ومعقولة، للوصول إلى صيغة وطنية مقبولة لشكل الدولة الموحدة، تلملم الصف اليمني، وتنزع فتيل التوتر، وتمتص رواسب الكراهية والحقد، وتذيب عفن العنصرية التي تزداد كل يوم بفعل الممارسات الخاطئة للحكم التسلطي، الذي رزحت تحته البلاد منذ العام 1994. ومن منطلق الهم المشترك نعرض على القيادة السياسية، والمعنيين في لجنة متابعة قضية الأقاليم بعض الأفكار المفيدة من وجهة نظرنا، في ضوء المعطيات الممكنة والمتواضعة، والتي هي في متناول تصوراتنا، ومازالت بحاجة ماسة لإثراء السياسيين والمتخصصين كلا من زاوية موقعه القيادي، وتخصصه، وخبرته الشخصية، والتراكم المعرفي التاريخي والسياسي. هذا المقترح هو لفتة متواضعة خاضعة للدراسة والنقاش، ومتروكة لتقييم القيادة السياسية الشرعية، من منطلق أن حلا كاملا، ومرضيا للجميع يضل حلما وأملا، لكننا نفكر في إطار الممكن، وأي حلول سليمة تظل ناقصة، فكل قاعدة ولها شواذ سواء في طبيعة النظام السياسي، وشكل الدولة، وغيرها من المشاكل والأزمات الأخرى التي نعيش هما الجمعي في بلادنا. وفي سياق تصويب نظرة جغرافية واقتصادية وديمغرافية وإدارية مدروسة لخريطة الجمهورية اليمنية، نقترح بأن يكون هناك ثلاثة أقاليم جغرافية على خارطة اليمن، إضافة إلى صنعاء كعاصمة لليمن بعد استقرارها، يمتد الإقليم الأول: ليشمل كلا من محافظاتتعز وجزء من إب والضالع ولحج وأبين وعدن كعاصمة للإقليم. الإقليم الثاني: يتوزع على رقعة محافظة صنعاء وعمران وصعدة وحجة وريمه وذمار والبيضاء والحديدة تكون عاصمة لإقليم الحديدة. الإقليم الثالث: هو إقليم الموارد الطبيعية والإستراتيجية، ويمتد من مآرب الجوفوشبوةحضرموت المهرة وسقطرى وعاصمته المكلا، وبالتالي استطعنا أن نضمن ثلاثة أقاليم بحكومات يسهل من خلالها إدارة الشأن العام في تلك الأقاليم، وحل مسألة الموارد بطريقة مقنعة نتفادى من خلالها مسألة العشوائية في إلحاق هذه المحافظة أو تلك لأنها نفطية، لنخرج بخريطة غير منظمة، وغير ذات جدوى اقتصاديا وجغرافيا وديمغرافيا. وهذا التقسيم الذي نحن بصدد مناقشته ودراسته تم تقسيمه بناء للاعتبارات الآتية : 1- الاعتبار الجغرافي من منطق الجغرافيا، فقد راعينا في التقسيم الثلاثي مسألة الجغرافيا، بحيث تم إلحاق عددا من المحافظات المتقاربة جغرافيا، وضمها في إقليم حتى يسهل تواصلها وإدارتها، كما تم الأخذ بعين الاعتبار مسألة الرقعة الجغرافية من حيث المساحة باستثناء إقليم الموارد، فإقليم عدن يتقارب مع إقليم الحديدة مساحة، وتنوعا من الجبل إلى السهل وغيرها من الاعتبارات الجغرافية الأخرى. ومن وحي الجغرافيا فإن التقسيم ربما مناسبا من حيث وجود ثلاث حكومات معتبرة، بدلا من فكرة أربعة أو خمسة أقاليم موزعة، ومتناثرة بطريقة عشوائية، وتبعاتها في تضخم الحكومات واستحقاقاتها العديدة ماليا وإداريا ولوجستيا، وفي نفس الوقت التخلص من حطام الانفصال وتبعاته، الذي يطالب به بعض أبناء المحافظات الجنوبية خصوصا عند طرح فكرة الإقليمين شمال وجنوب.
2- الاعتبار الاقتصادي لا يوجد هناك تفاوتا يخل في طبيعة النشاط الاقتصادي وحجمه، فالتوزيعة الزراعية، وتنوعها حاضرة في الإقليمين، كذلك هو الحال في إقليم الموارد وعاصمته المكلا، يشمل كل إقليم ميناء تجاري "الحديدة" "عدن" "المكلا"، كلها موانئ تؤهل لنجاح حكومات إقليمية تمارس النشاط الاقتصادي والتجاري، تتواصل فيما بينها داخليا، ومنفتحة على الخارج من خلال نوافذها البحرية. عدا عن إمكانية قيام نشاط صناعي مستقبلي تنافسي من خلال الموارد البشرية، ورأس المال الذي سوف يستأثر به كل إقليم من موارده المحلية والمركزية. معضلة التنافس بين الأقاليم لاستئثار كل إقليم بنصيب الموارد الطبيعية، ولو من باب ضمها في إطاره الجغرافي، تم حله من خلال إفراد إقليم بذاته للموارد الإستراتيجية (النفط والغاز) يمتد من مآرب الجوفشبوةحضرموت المهرة، كسهل مترابط، وممتد من المحافظات الشمالية إلى آخر نقطة في المحافظات الجنوبية، كموارد مركزية بعد معالجة احتياجات الإقليم، مع ما تجود به بقية الأقاليم من موراد إستراتيجية في باطنها. 3- الاعتبار الديمغرافي(السكاني) أزمة الهوية جزء كبيرا منها يرجع إلى التنوع الثقافي، رغم أنه ميزة وإثراء ثقافي للشعب، لكن الرواسب العنصرية تحمل في طياتها بذرة التمايز الثقافي، كما نسمعها ونتابعها هذه الأيام ونفخ فيها مرض الحوافيش، ومن الاستحالة بمكان حل هذه المعضلة جذريا، فالله خلق الناس مختلفين الألسن والثقافات والتقاليد. ونحن بني البشر قادرين على تجاوز هذه المعضلة، والتعايش في سقف وطني، لكن تركة العقدين الماضيين التي اتسمت باستقواء طرف على حساب طرف آخر في المعادلة، بين المحافظات الشمالية والجنوبية، ولد كل تلك الكراهية والنقمة عند البعض لكل ما هو شمالي، ولو كان المعني جاره وابن عمه في الأرض والحدود الشطرية السابقة، وبالتالي لا بد من فرملة هذا الشحن العنصري الذي يمارسه البعض، وامتصاص الكراهية بحلول مقبولة، كجزء من تسوية مقبولة للمطالب المرتفعة والمتواضعة بحل وسط. وتسليما، بأنه لا توجد سلالة نقية أو لهجة واحدة، وتفكير واحد، وهموم متوافقة لأن لكل قاعدة شواذ، وتماشيا مع هذا الطرح، فقد تم الاقتراب لحل معضلة التنوع بنوع من النسبية، فالمناطق الواقعة في إقليم عدن إلا حد ما متقاربة ثقافيا مع بعض الاستثناءات البسيطة في جزء من محافظتي تعزوإب، لكن واقع المعادلة الوحدوية يستدعي أن يكون الإقليم بهذا الشكل الجغرافي، فمناطق مثل تعز هي أقرب ثقافيا لبعض المحافظات الجنوبية من مناطق صنعاء وغيرها من المناطق الشمالية كصعدة وحجة. كذلك هو الحال في إقليم الحديدة، فهو متجانس سكانيا وثقافيا، والشاذ في المعادلة قليلا هو عاصمة الإقليم وبعض المناطق المتاخمة، غير أن كل تلك الفوارق البسيطة يمكن تجاوزها في حال توفرت النوايا الصادقة والرؤى البصيرة. لا يختلف الحال مع إقليم المكلا، فالطابع البدوي لقاطني مآرب والجوفوشبوةوالمكلا والمهرة لا يختلف كثيرا، بحيث يمكن القول بأن هناك هوة كبيرة في التركيبة السكانية وتجانسها، مع التسليم بحضرية ومدنية قاطني المكلا وبقية مديريات حضرموت، لكن بعون الله سوف يكون هناك تجانس كبير في إقليم الموارد، وبقية الأقاليم الأخرى. وتنصهر كل تلك الخلافات والتباينات في التعاون بين الأقاليم في العاصمة صنعاء العاصمة الموحدة، مع احتفاظ كل إقليم ببعض الخصوصيات في إطار التواصل والإخاء والمحبة وعودة اللحمة الوطنية من جديد، وهذا ما نتمناه ونأمله من الله . 4- الاعتبارات الإدارية في حدود معرفتنا المتواضعة بأن الأقاليم الثلاثة يتوفر لديها بنية إدارية وهيكلية، وموارد بشرية تؤهلها مع بعض التطوير، والتحديث لأن تنشأ فيها حكومات إقليمية تمارس دورها بنجاح واقتدار، ولا بأس من التعاون، والتكامل، والاستفادة من بعضنا البعض في الأقاليم لتجاوز الصعوبات الإدارية مادية كانت أو بشرية لنجاح التسيير الحكومي في كل إقليم. في الأخير أقول بأن عقل الفرد لا يسعفه في فهم المشكلة من كل جوانبها، وإيجاد الحلول الكاملة لها، ولكن عندما تتوحد العقول، وتتلاقح رؤاها في فكرة الحلول للأزمات، فذلك هو عين المسار الصحيح، والحكمة التي تبطنها العقول، ونحن على أعتاب مرحلة مهمة وخطيرة تمر بها بلادنا، تجعلنا أكثر تفهما لبعضنا، وتواضعا في طرح أفكارنا، وتسامحا في القبول برأي الغير مهما كنا منكرين لنجاعة الحلول التي يقدمها إخواننا الآخرين، المهم أن نصل إلى حلول ممكنة ومقنعة يكون في متناولها حل المشاكل القائمة والملحة، فكل ما يهمنا أن تتعافى اليمن من شروخ الأزمات التي تعيشها القوى والجماعات، ونسعى للخروج منها. للعلم بأن هذه الرؤية المتواضعة قد تم تقديمها إلى مؤتمر الحوار في بدايته لكن لم تلقى الاهتمام الكافي لدراستها ومناقشتها. كما لا ننسى في الأخير، بأن نوجه شكر في حق القيادة السياسية ممثلة برئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي وحكومته الشرعية، وكل الوطنيين كلا من موقعه على كل الجهود التي يبذلوها، لقيادة اليمن إلى بر الأمان، والاستقرار، والتنمية، رغم ثقل المسئولية، وتحديات المرحلة، سدد الله خطاكم وبارك فيكم، وكان لكم نعم المولى ونعم النصير .