ما نقصده بمخاطر بقاء اليمن خارج منظمة مجلس التعاون الخليجي، ينصرف في معناه ونطاقه الى كل من اليمن ودول المجلس الست سواء بسواء،وايضا من كون موضوع عضوية اليمن في المجلس تمثل المحتوى الرئيسى للعلاقات اليمنية الخليجيةاو هكذا يفترض ان يكون.وبالتالي فان التطور الذي شهده هذا الموضوع، هو الذي يعكس تماما الخط العام لتطور العلاقات اليمنية الخليجية خلال العقود الثلاثة الماضية. وبالتاكيد فان هذا لايشمل، لا الاستجابة الخليجية تجاه ما جرى في اليمن من ثورة خلال (العام 2011)،ولا استجابة دول المجلس الخمس بقيادة المملكة العربية السعودية تجاه ما حدث فيها منذ (21 سبتمبر 2014) وتداعياته حتى اليوم. فهاتان الاستجابتان(وبصورة اكثر تحديد الاستجابة الاخيرة)، جاءتا في ضؤ معطيات خاصة، املتها احداث وتطورات مفاجئة، اتت من خارج السياق المتوقع في المنظور الاعتيادي لتطور هذه العلاقات (بالقياس الى الخط العام للعلاقات اليمنية الخليجية لحوالي ثلاثة عقود منذ نشؤ منظمة مجلس التعاون، 1981-2010). فبالاضافة الى كون الاستجابة الاخيرة على وحه الخصوص اخذت طابعا اضطراريا، لما لها من علاقة قوية ومباشرة بالامن القومي لدول المجلس وبالاخص السعودية، فان قدر لايستهان به من الغموض، لايزال يكتنف المسار الذي ستمضي فيه العلاقات اليمنية الخليجية،لما بعد "زوال" المبررات المباشرة للاستجابة المذكورة.وبالذات ان الموقف من انضمام اليمن الكامل الى عضوية المجلس،لم يشهد اي اختراق حقيقي، وظل خلال الفترة الزمنية مابين (العام 2011) والى تاريخ (21 سبتمبر 2014) على حاله، كما كان ما قبل ( 2011) . ويرى الكاتب، انه لو كانت جرت حلحلة حقيقية في موضوع انضمام اليمن الى عضوية المجلس، خلال الفترة التي تلت دخول اتفاقية التسوية السياسية الخليجية حيز التنفيذ اواخر العام (2011). من خلال صياغة "ترتيب" معين يتضمن الياتمحددة، يستند في الاساس الى الارادة السياسية لدول المجلس، لتصحيح ما سارتعليه الامور لعقود من الزمن في السابق،وكخطوة استباقية لما بدا يلوح في الافق من ان المنطقة مقدمة عليه. بحيث يتم وفقا لذلك التوصل لحل لهذه المسألة (العقدة)، يصب بوضوح وصراحة في اطار دعم دول المجلس الشامل للسلطات الانتقالية اليمنية،للمضي قدما في بناء اليمن الجديد.لكان مسار الاحداث قد جرى ربما بصورة مغايرة لما شهدته اليمن خلال العام والنصف الاخيروالمستمر حتى اللحظة. ان اجراء المقارنة على اي وجه كان،بين "الكلف"(بمختلف انواعها) التي تقدر دول مجلس التعاون الست تحاشي تحملها باستمرار استبعاد اليمن من العضوية الكاملة في مجلس التعاون الخليجي،وبين "الخسائر" المنظورة والمتوقعة جراء استمرار بقاء اليمن خارج منظومة الشراكة الاستراتيجية الكاملة لدول مجلس التعاون الخليجي.لايظهر رجحان كفة الاخيرة فقط، بل ويؤشر بوضوح الى قابليتها للزيادة بمتوالية هندسية في قادم الايام،في ظل احتدام الصراع الجيوسياسي في المنطقة والاقليم عموما،الذي يضع دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة تحديات خطيرة وحاسمة بدرجة مصيرية (ونفس الامر اليمن)،منها ماهو ذو طابع وجودي مما لاتخطئه العين الخبيرة. وذلك بمالايقاسمقارنة مع "الكلف" المشار اليها، التي تتجه بدورها الى التضاؤل امام المنافع الهائلة الملموسة والمباشرة التي سياتي بها انضمام اليمن الكامل الى عضوية المجلس.سواء في الامد المنظور القريب او في المدى المتوسط والبعيد، وعلى مختلف الصعد تقريبا.مع بعض الاستثناءات المحتملة بصورة محدودة في بعض "المناطق" التي لايجوز البناء عليها كما لا يجوز في الوقت نفسه اهمال اخذها بالحسبان. ان "االرأي" او "القول"، بان انضمام اليمن الى عضوية مجلس التعاون سيخضع(او يجب ان يخضع) لاليات واجراءت مشابهة لنموذج توسيع العضوية في الاتحاد الاوربي،هو قوليفتقر الى الموضوعية والواقعية معا،فهو يدعو للتعامل مع هذه المسألة الخطيرة والاستثنائية من منظور اعتيادي وروتيني، وكانهذا القول ياتي فعلا ممن تعوزه المعرفة والاحاطة الشاملة بتفاصيل شبكة العلاقات المعقدة بين دول الجزيرة والخليج العربي بمستوياتها المتعددة،وخلفياتها المتنوعة، وخصوصيتها المميزة وعلى وجه التحديد اوضاعها الراهنة. اضافة الى كون هذا القول ينظر الى مسألة انضمام اليمن الى مجلس التعاون الخليجي، خارج سياقها الحقيقي بمختلف ابعاد هذا السياق،وهذا واضح من خلال دعوته لاخضاعها لاجراءات ومعايير منقولة من واقع اخر مختلف تماما في الشكل والمضمون، الى جانب انه يخرج الموضوع بكليته من دائرة الاولوية والتوجه الجاد والاستراتيجي الحالي لدول المجلس، والذي جاء اخيرا كقناعة تولدت نتيجة لتراكم تأثير عوامل كثيرة، وانقضاء فترة زمنية طويلة،اهدرت في التردد والمرواحة عندتخوم احداث وتصورات تجاوزها الواقع.اضافة الى انه يعيده مجددا الى دائرة القضايا والخلافات والتباينات ذات الطابع "التكتيكي" التجزيئي، و"الفني" للمسألة في احسن الاحوال. ان تقييم ما تحقق للعلاقات اليمنية الخليجية من نجاحات متواضعة واخفاقات كبيرة على حد سواء، يقودنا الى التامل في ثنايا "المقاربة" التي "استلهمتها" دول مجلس التعاون (في ظل الاخذ بالحسبان التفاوت بين الدول الاعضاء)، للتعاطي مع مسألة انضمام اليمن الى عضوية المجلس، باعتبارها كما اسلفنا، تشكل المحتوى الرئيسي لهذه العلاقات او هكذا يجب ان تكون. ولن يطول بنا الوقت قبل ان نتبين اوجه القصور العديدة التي شابتها، من بينها الافراط في التركيز على البعد الامني بمفهومه المباشر، وافتقارها الى النظرة الشاملة والبعيدة المدى، وخضوعها لحد مؤثر لطابع ردود الافعال، التي تفتقر في غالب الاحيان لترتيب دقيق وواقعي لاولوية عناصر هذه العلاقات، واهدافها، والى التوافق بشانها بين الدول الاعضاء في المجلس. ولعل اوجه القصور المشار اليها، قد شكلت الى جانب الاسباب والعوامل الداخلية كاساس بطبيعة الحال، جزء مهم من الاسباب والعوامل المهمة في الوصول باليمن الى ماافقنا عليه يوم 21 سبتمبر (2014) وتداعياته الى اليوم، وعليهفان استمرار العمل بمقتضاها، لن يفضي في قادم الايام الا الى زيادة الطين بلة.