من الواضح ان التواجد الغالب للعسكريين والمقاتلين في قيادة المجلس الإنتقالي قد همش دور السياسة في المجلس لصالح العسكرة ، في تغليب واضح لدور العضلات على دور الفكر والعقل . تبدى هذا بوضوح في قيام الجناح العسكري للمجلس الإنتقالي بحضور رئيس المجلس نفسه ،بتوجيه انذار مزّمن للرئيس هادي ينتهي اليوم لإحداث تغيير حكومي ، مالم فسوف يأتي دور الحسم ، والبتر ، والإستئصال ، والإجتثاث وما الى ذلك من مصطلحات استعراض القوة المفتقده للحكمةوالكياسة . جاءت اللغة المستخدمة في الإنذار خشنه وغليظة تتوافق مع عقلية " العسكري " الجلفة لكنها تفتقد الى لغة " السياسي " الناعمة ، اضافة الى ان توقيت الإنذار بدا ملتبساً يثير الريبة اكثر من اليقين ، والرفض اكثر من القبول، خصوصا مع اشتداد المعارك التي يخوضها جيش الشرعية والتحالف العربي في اكثر من جبهه ،مُلحقا بالميليشيات الحوثية انكساراتكبيرة، حيث بدا وكأن اختيار هذا التوقيت جاء بهدف تخفيف الضغط عن الحوثيين اكثر من كونه استجابة لحاجة ملحة للجنوبيين انفسهم ، يُرجِّح هذا ان المبررالذي قُدم لهذا التحرك كان فساد الحكومة ، وهي قضية قديمه عمرها عشرات السنين ولم يستجد فيها شيء يستدعي تحرك مصحوب بالإرعاد والوعيد . المبرر يبدو واهياً ولا يصمد امام السؤال .. واذا افترضنا ان الحكومة تغيرت اليوم هل سيختفي الفساد او يقل منسوبه من حياتنا ؟ فالجميع يعرف ان الفساد منظومة بناها عفاش خلال فترة طويلة من حكمه الفاسد ، والقضاء عليه يحتاج الى معالجات اكبر بكثير من مجرد تغيير حكومي . نحن لا نعرف الدوافع الحقيقية لإقدام المجلس على هذه الخطوة وفي هذا الوقت بالذات ، لكن بغض النظر عن الدوافع فالخطوة مغامرة غير محسوبة العواقب ، والمبررات التي طُرحت لا تتناسب مع المخاطر المحتملة لها على حياة الناس ،وأمنهم، واستقرارهم . عدم استجابة الرئيس هادي للغة التهديد والوعيد طبيعي ومتوقع ، فالإستجابه تحت الإنذار بالعواقب لرئيس جمهورية ، خطرها اكبر بكثير على السكينة العامة والسلم الإجتماعي من عدم الإستجابه ايا كانت المحاذير . المجلس الإنتقالي يدفع بالمواجهه نحو حافة الهاوية ، لكن المواطنين الجنوبيين لم يعودوا يتحمسون للحروب الداخلية فقد خاضوا منها مايكفي . حتى الآن يكون قد مر ما يزيد عن 54 عاما على بداية الكفاح المسلح ضد البريطانيين ،لم يهنأ الجنوبخلالها بفترة استقرار ولو وجيزة ، فلم يكن ينتهي من مواجهة الا ليدخل أخرى ، والأكيد ان نفوس الجنوبيين تاقت الى الاستقرار والسكينة ولم تعد تستهويهم المواجهات بين الفرقاء المحليين ، فقط ما يعتبره الجنوبيين تهديدا خارجيا هو ما يمكن ان يدفع الجنوبي الى حمل السلاح من جديد ، وما عدا ذلك فحمل السلاح لم يعد يُغري أحدا . اذا دفع تحريض المجلس الإنتقالي بالأمور الى مواجهة مسلحةمع الشرعية غدا فمن المتوقع ان تترتب عليها عدة نتائج هامة : اولا : سوف يكون المجلس في نظر الاقليم والعالم مسؤولا عن كل قطرة دم تسيل ، في حين سيُعتبر رد فعل الشرعية دفاع عن النفس ، اذ لا يجب ان ننسى ان المواجهة هي بين مجلس انتقالي غير شرعي او على الأقل لا يعترف به احد ، وشرعية يعترف بها العالم ، وفي هذه الحالة فان رد فعل الشرعية سيكون مُبرَر ومفهوم من قبل الجميع . ثانيا : بالنسبة للشارع الجنوبي يعرف الجميع انه منقسم على نفسه ، فليس الجميع مع المجلس الإنتقالي كما يصور الأمر مناصرو المجلس ، الواقع ان المعارضين للمجلس الإنتقالي حتى قبل ان تسيل دماء وتزهق ارواح هم كثيرون جدا ، اما اذا سالت دماء وازهقت ارواح فمن المؤكد ان يتحول المزاج الجنوبي الغالب الى رفض وشجب واستنكار للمجلس وما يصدر عنه من تصرفات ومواقف . ثالثا : التحالف العربي هو الآخر سيكون له موقف سلبي من المجلس في حال قادت الإحتجاجات الى تصادموحتى لو لم تقد الى تصادم ، فافتعال معارك جانبية مع الحكومة الشرعية في هذا الوقت بالذات ، هو تشتيت لجهود وتعطيل لطاقات لن يستفيد منها سوى الحوثيينفي لحظة مفصلية من الحرب . وهو ما يعني في المحصلة خسارة المجلس الإنتقالي على كل صعيد ، محلي ، واقليمي ، ودولي . ما نرجوه هو ان يمر الغد بسلام ، وأن يتغلب صوت العقل على صوت الرعونة والنزق والطيش ، بحيث ينتهي الإنذار الى مجرد فعالية واحتجاج سلمي حضاري . اما على المدى الطويل فما نتمناه هو ان يعلو صوت السياسي في المجلس الإنتقالي على صوت العسكري والمقاتل ، فالمجلس امامه فرصة مؤكده لأن يكون اللاعب الاساسي في الجنوب اذا قدم نفسه ككيان سياسي داخل منظومة السلطة والمعارضة التي يقرها ويعترف بهاويفهمها العالم ، وهي الفرصة التي قد لا تتوفر ابدا اذا استمر المجلس في تقديم نفسه كميليشيا . ... لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet