تابعنا جميعاً، في الأيام القليلة الماضية، ذلك المشهد «الساخر» الذي نقله التلفزيون الرسمي الكويتي ل«الفنان» حسن البلام، ومجموعة من «الممثلين» الكويتيين، وهم يعكسون صورة مبالغ فيها لعادة من عادات المجتمع اليمني، المعروفة بتعاطي القات، والظروف المصاحبة لتلك العادة من فن ومجلس وغيره. على الأغلب، أُنتقد هذا العمل جملةً وتفصيلاً في اليمن، كونه دقَّ على واحدة من أبرز سمات وعادات المجتمع اليمني، ونال من شعب بأكمله، بإستثناء قلّة قليلة لا تتعاطى القات؛ هذه القلّة هي نفسها من رأت في المشهد شيئاً بديهياً، كونها تعارض فكرة القات أصلاً، ولأن المشهد من منضورها يُعتبر فنّاً ساخراً لا يرقى إلى الإهانة. موقف معتدل، مثّله مجموعة ممّن يتعاطون القات، لكنهم في نفس الوقت اعتبروا المشهد فنّاً ساخراً لا يعبّر عن الشعب الكويتي بأكمله، إنما عن أصحاب هذا العمل، محمّلين المسؤولية في نفس الوقت، الفنانين اليمنيين، و«الموالعة» المهووسين بنشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي وهم في «أسوأ حالاتهم»، مبررين ذلك بأن المجتمعات الأخرى لا تعرف الكثير عن القات، لذا يجب مراعاة الذوق العام عند نشر الصور ومقاطع الفيديو. من المعروف أن الكويت، هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تحظى بهامش من حرية الرأي والتعبير، كما أنها الدولة الصديقة لليمن من دون مصالح ولا تدخل في شؤونه، وليس لديها طموح أو نفوذ، هكذا برّر أصحاب الرأي المعتدل أمام أصحاب الرأي المتشدّد، الذي حمّل الكويت دولةً وشعباً كامل المسؤولية، وتوعّد بحق الرد. أمام هذا اللغط، والأخذ والرد، يظهر علينا «الفنان» محمد الأضرعي، في كل ليالي رمضان، ببرنامج «ساخر»، لا ينتقد فيه وضعاً سياسياً قائماً، ولا ميليشيا مسلّحة، لا يعالج ظرفاً من ظروف الأزمة الطاحنة، ولا يتطرّق لحرباً ضروساً يشهدها اليمن؛ بل يبدو لنا يومياً بدجلة وعمامة سوداويتين، ولكْنةٍ عراقية، يسخر من الطائفة الشيعية، ومن أتباع هذه الطائفة. إذا كان مشهداً عُرض في التلفزيون الكويتي أثار حفيظتنا كيمنيين، لسخريته من عادة من عاداتنا؛ فماذا نتوقع من الشعب العراقي الذي يتهكّم الأضرعي يومياً على لهجته، ومن طائفة شيعية تتوزّع على أغلب دول العالم، يتمسخر عليها الأضرعي بلا خجل. هذا الأضرعي، في نهاية المطاف هو محسوب علينا يمنياً، وقناة سهيل التي تبث برامجه صفتها يمنية، ومن المعيب أن ننتقد من ينتقد عادة من عاداتنا، ونتجاهل من ينتقد عقيدة وطائفة. إحترام الطوائف والأديان لا يقل أهميةً عن احترام العادات والتقاليد التي تخص الشعوب، حتى البوذية يجب أن نتعلّم بأن نحترم أتباعها، كذلك عابد البقر في الهند، وعابد النار، وعابد المرأة، لا بد أن نحترم خياراتهم. قال تعالى: «لكم دينكم ولي دين». الشهرة... وأحياناً التعصّب، هما من يأخذان بالفنان أو المبدع بعيداً عن موقعه. لا أحد ينكر بأن البلام، فنّاناً متميزاً، كذلك الأضرعي، له أسلوبه الخاص والفريد في النكتة والضحكة والإبداع، ولكن ماذا لو سخّرا، ومثلهما الكثير من المبدعين، فنّهم لمد الجسور وتوثيق الصِّلات بين أبناء الشعب الواحد، والشعوب الأخرى. ماذا لو كان هناك فنّاً ساخراً هادفاً، يُضحك لا يُبكي، يَبني العلاقات ويوثقها؛ لا يثير الخلافات المجتمعية والنعرات الطائفية، ففي نهاية المطاف لكل بلاد مجانينها، وإذا لم نضبط مجنون البيت؛ لا نلوم مجنون الشارع. ... لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet