يُقال ضمن ما يقال أن المرء يُقاس بالأثر الذي يتركه بين الناس سواء في حياته أو بعد رحيله إلى ربه، فإذا كان الأثر طيباً فإن سيفوح في الأرجاء عبيره ويتذكره الناس بكل فخر ترضيةً وثناء، وهذا ما جعلنا نكتب عن قامة صحفية يمنية رحلت إلى بارئها لتبقى ذاكرة أهله ومحبيه. قبل عام من الآن، رحل عن هذه الدنيا فقيدنا الأستاذ عرفات مدابش الصحفي والكاتب والإعلامي الشهير، رحل وقلمه لم يزل سيالاً لإعلاء مجد اليمن شأنه شأن معظم القيادات التاريخية والفكرية الذين استنزف الفكر والجهد وهموم الأوطان أعمارهم في بكور الصبا فرحلوا في مرحلة النضج والاستواء، الفقيد مدابش الذي شكل رحيله خسارة كبرى على كل الأوساط الصحفية والاعلامية والفكرية، فقد عاش عمره وبذل جهده جوالاً منتجاً غيوراً على وطنه ومخلصاً لمهنته الصحفية وقضايا أمته الوطنية ماضيها وحاضرها، فتمر علينا ذكرى وفاته هذه الأيام وكأنها غيمة سوداء تذكرنا بمأساة رحيله وتحيل فرحنا حزناً وبهجتنا شقاءً وكدر. عاش الفقيد مدابش حياته مناضلاً صبوراً عف اليد واللسان، لم تذكره لسان بسوء أو طرف بما يخل بتاريخه الإعلامي الناصع إلا من نكص وأنكر القيم الإنسانية النبيلة التي كان يحملها ونافح من أجلها سفراً حلاً وترحالا، الصحفي عرفات مدابش مثَّل صوتاً صداحاً للحقيقة والعدل داعياً إلى المساواة الإنسانية بين كل البشر منكراً للطائفية والتمييز بين الناس على أي أساس عرقي أو ديني أو مذهبي ولم يخش في ذلك لومة لائم، عاش وفي فمه بشرى لكل طامح وفي يده شعلة تهدي إلى كل طريق فيها نجاة أو باب فيه خير لهذه الأمة الجريحة جراء الأطماع باديها وغاديها. في الذكرى الأولى لرحيله عن هذه الدنيا، علينا تذكر أثره الطيب الذي تركه بعد وفاته، فقد حصل الفقيد على جوائز عدة منها جائزة "ديفيد بيرك" الأميركية للصحافة في العام 2016م تكريماً له كمبدع خدم الصحافة والأوساط الإعلامية كتابة ومراسلة، وعصر ذهنه وفكره غربة وحضور، وتنقل بين المدن اليمنية التي شكَّلت جزءاً من تكوينه الروحي والوجداني فكان اليمن كلها ماءها، ظلها، رملها، سهولها والجبال الشامخة. أسس الفقيد موقعاً إخبارياً كانت تسميته وحياً ملهماً وصَدىً لروحه وآماله وهدف من خلاله التغيير، فسماه "التغيير نت" عسى أن تطرق رسالته الأسماع، وحافظ من خلاله على شرف المهنة وبلَّغ الرسالة التنويرية دون تحيز أو ترضية أو مجاملة، فكان منبراً حراً راقياً لكل الكتاب المحترفين حاملي هدف التثقيف ونشر الوعي والصحوة العلمية والفكرية وغرس روح القيم السامية والحفاظ على الهوية الوطنية والتاريخية للأمة اليمنية. عاش أحبته وأهله وذويه أصعب اللحظات في حياتهم عند تورايه عن الأنظار لأن الغياب الأبدي لمن أحبه الناس سواء كان بالموت أو بغيره يعتبر أصعب المحطات العمرية للإنسان المفارق، لأنك مجرد أن تتخيل عدم وجود روح من تحب، شعورٌ حزين لا يوصف ولا يحتمل الأسى، غير أن سنة الله ماضية في خلقه ولابد لكلٍ إنسان أن يغادر هذه الدنيا وكلنا عنها راحلون. وفي هذا المقام الحزين، في ذكرى الرحيل السنوي لفارس القلم لا يمكنني قول شيء سوى ما عبر عنه الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي عرَّف فراق الأحبة ومرارتها بأبيات تسكب الحزن مزناً وتنكأ الجرح ألماً بقصيدة بكائية كان مطلعها: في ذمة الله ما ألقى وما أجد * أهذه صخرة أم هذه كبدُ قد يقتل الحزن من أحبابه بَعُدوا * عنه فكيف بمن أحبابه فقدوا رحم الله فقيدنا الأستاذ عرفات وإلى جنة الخلد إن شاء الله.