لايمكن لأي مشروع سياسي أن ينجح بلا جذور فكرية من داخله ، وأي محاولة لإستعارة الجذور الفكرية والإيدلوجية لخلق رافعة سياسية لذلك المشروع تُعد بمثابة خطأ تاريخي وتندرج في دائرة الزيف والخِداع السياسي ، ولا يمكن تعريفها سوى بأنها حلولاً تلفيقية للأزمة الداخلية لذلك المشروع الهش ، هذه المقدمة ضرورية للدخول في الموضوع ، وبالنظر إلى المشاريع السياسية المطروحة حالياً في اليمن سواء المشروع الإنفصالي البغيض في الجنوب المتمثل بالحراك الجنوبي البائس ، أو المشروع الإنفصالي في الشمال المتلحف بأسم الحوثية ومشروعها الماضوي البغيض ، سوف نكتشف من خلال هذه التناولة أن كلا المشروعين ومشاريع أخرى ليست سوى حركات إنفصامية بالمعنى الدلآلي للكلمة ، ففي الجنوب مُعظم الحاملين للمشروع الإنفصالي الإنفصامي في حقيقته كانوا ضمن إطار النظام الماركسي الذي كان قائماً حتى 22 مايو 1990م شخصية القيادي والكادر الوسطي في تلك المرحلة أعتمدت على التربية الفكرية وفق آليه حرق المراحل ، بدو وقبائل تم تفيخهم فكرياً بالماركسية اللينينة ، والنتيجة كانت قتال دامي رافعة قبلية ، وبعد نهاية تراجيديا العنف والقتل ، عادت القبلية والمناطقية إلى ما كانت عليه في القرن السابع عشر ، تطورت الأمور لتعيد القبيلة ترتيب أوضاعها في ظِل حكم المشير علي عبدالله صالح القبلي ،وعادت لتطل برأسها من جديد بمشروع إنفصالي وبأدوات يسارية خائبة قيادات الأممية بالأمس هم ذاتهم قيادات الإنفصال اليوم ، من البيض لعيدروس ومحمد علي أحمد والآخرين ، الأدوات التي جرى إستخدامها في الأمس الماركسي هي ذات الأدوات التي جرى ويجري إستخدامها اليوم في المشروع الجهوي المناطقي الإنعزالي المسمى إستعادة الدولة ،وبنفس الأليات القديمة التى عفى عليها الزمن مع تغيّر العناوين ، هذه هي حالة الفِصام السياسي ، التي لن تقود إلا إلى طريق مسدود في المستقبل ، أنها لعنة القبيلة والمناطقية التي ستلاحقهم، مشروع بلا أفق وبلا رؤية بلا عقول وخبرات لن يفضي إلا إلى المزيد من الأزمات بفعل تحييد العقل والمنطق ، وفي المقابل المشروع الحوثي الذي إتكئ ولايزال يتكئ على الخطاب الماضوي التحريضي للوصول إلى مرحلة الفناء السياسي عندما تكون أدوات الأمس المعادية للحداثة والعصرنة والثورة السبتمبرية الخالدة أعادة إنتاج ذاتها في منظومة قوية إعتمدت وإستعارت المسميات الثورية التقدمية لليسار "مسمى اللجان الثورية " كِلا المشروعين في الشمال والجنوب يشكل حلولاً تلفيقية لا طائل منها ، وفق حالة إنفصام سياسي واضحة المعالم ولا لبس فيها ، وما ينسحب على المشروع الإنفصامي جنوباً وشمالاً ينسحب على بقية القوى السياسية ، أحزاب وقوى لم تتجاوز المنطقة سواء تلك القومية التي لم تخرج من دائرة القرية وتنادي بالقومية العربية وهي لا تزال حتى اللحظة ومنذ عقود تعيش حالة من الإنكفاء السياسي في محيط جغرافي وفق الثابت وليس وفق المتحولات والمتغيرات وتطورات العالم التي تفرض نفسها على الفكر والبناء والإيدولوجيا ، المحصلة لدينا إنفصام سياسي بات هو من يتحكم في المشهد السياسي ويفرض قوانين جديدة للعبة النفوذ والصراع على السلطة ، وعندما نقول النفوذ لا نعني به فرض إرادة ذاتية وطنية فجميع القوى الإنفصامية في الداخل اليمني لكن في واقع الأمر ظلت تلك القوى ذراع طويلة للتدخل الإقليمي والعربي في الداخل اليمني "وكلاء شريعة " ليس إلا وهذا ما يتضح من تبعية الحركة الحوثية والقوى القوى الجنوبية وباقي مجاميع الإنفصام السياسي في اليمن طوال العقود الزمنية الماضية