تحتاج الدول العربية إلى نموذج تنمية جديد يعمل على الحد من الفقر وتحقيق الأهداف التنموية للألفية، وفقاً لتقرير "تحديات التنمية في الدول العربية: نهج التنمية البشرية"، الذي يتم إطلاقه اليوم ضمن فعاليات الدورة التاسعة والعشرين لمجلس وزراء التنمية والشئون الاجتماعية العرب. يبرز التقرير ستة تحديات رئيسية ومتشابكة تواجهها دول المنطقة، وتشمل: إصلاح المؤسسات، وتوفير فرص العمل، وتعزيز وتمويل عمليات النمو لصالح الفقراء، وإصلاح نظم التعليم، وتنويع مصادرالنمو الإقصادي، وزيادة الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في ظل القيود البيئية القائمة. ويشدد التقرير على أن التعامل مع هذه التحديات يحتاج إلى نموذج شامل يعتمد نهج التنمية البشرية القائم على الحريات كأساس لتحقيق التنمية. التقرير يصدر في جزئين، يناقش في الجزء الأول تحديات التنمية الاجتماعية والاقتصادية من منظور منهجيات التنمية الشاملة بينما يركز الجزء الثاني على تحدي الأمن الغذائي تفصيلاً. وهو نتاج عام كامل من التعاون بين جامعة الدول العربية، وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، ومجموعة كبيرة من كبار الخبراء العرب. وقد تم إعداده بتكليف من مجلس وزراء التنمية والشئون الاجتماعية العرب في إطار التحضير للقمة العربية الاقتصادية الاجتماعية التي عقدت في الكويت في مطلع عام 2009. وأكد معالي الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى في تقديمه للتقرير أن "القمة العربية الاقتصادية الاجتماعية في الكويت عبرت عن توافق كبير في آراء القادة العرب حول أهمية رفع معدلات التنمية ومواجهة تحدياتها كضرورة لتحقيق الأمن الاجتماعي والإقتصادي لدول المنطقة، والذي لا يقل أهمية عن مواجهة التحديات التي تواجه أمنها الوطني." وأضاف، "القمة إتخذت قرارين هامين بناءاً علي تحليلات ونتائج التقرير الذي نطلقه اليوم، الأول دعا الدول العربية إلى اعتماد برامج محددة لخفض الفقر بنسب مقدرة علي مدي السنوات الأربع القادمة فيما وجه القرار الثاني بتأسيس برنامج عربي لمتابعة تقدم العمل على تحقيق الأهداف التنموية للألفية في الدول العربية". وتجدر الإشارة إلى أن الأممالمتحدة ستعقد في سبتمبر القادم قمة عالمية بمناسبة مرور عشر سنوات على تبني قادة العالم -في توافق دولي غير مسبوق- لإعلان الألفية والذي تعهدوا من خلالة بتحقيق الحد الأدني من الكرامة والرفاه الإنساني المتمثل في تخفيض الفقر والجوع إلى النصف عن معدلاتة المسجلة في عام 1990، وذلك في إطار مجموعة من الأهداف المحددة باتت تعرف بالأهداف االتنموية للألفية التزموا بتحقيقها بحلول عام 2015. وأكدت السيدة منى همام، نائب المدير الإقليمي للمكتب الإقليمي للدول العربية التابع لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي على أن "معدلات التقدم نحو تحقيق الأهداف التنموية للألفية في الدول العربية لا ترقى إلى مستوى طموحات الشعوب العربية في تحقيق الطفرة التنموية المطلوبة." وأضافت، " التقرير يوفر معلومات وتحليلات على قدر كبير من الأهمية تساعد على تبني منهج عمل محدد وعملي لتحقيق التنمية العربية. المطلوب الآن ونحن علي أعتاب الثلث الأخير من المهلة المحددة لتحقيق الأهداف التنموية للألفية هو إرادة سياسية تتعامل مع التنمية كضرورة ملحة تتطلب نهج غير تقليدي للعمل، يركز علي الفجوات التنموية القائمة ذات الأولوية وعلى السرعة والحسم في الانجاز" تقدم محدود نحو الحد من فقر الدخل يوضح التقرير أنه على الرغم من تحقيق معدلات نمو إقتصادي مقبولة منذ عام 2000 في المنطقة مما انعكس على خفض معدلات اللامساواة التي كانت تتزايد قبل ذلك، إلا أن نسبة الفقر العام لا زالت مرتفعة وتصل إلى 40% في المتوسط مما يعني أن ما يناهز 140 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر الأعلى. فضلاً عن ذلك تدل المؤشرات على أنه لم يحدث أي انخفاض في متوسطات الفقر على المستوى العربي خلال السنوات العشرين الماضية (قياساً علي معدلات عام 1990) ، بل إن بعض البلدان شهدت زيادة في معدلات الفقر.ولا يقتصر التحدي الذي يواجه الدول العربية هنا على تحقيق معدل نمو مرتفع، وهو أمر ضروري للحد من الفقر بشكل سريع، بل يجب أيضاً تحويل النمو بشكل أسرع وأكثر فعالية إلى الحد من الفقر من خلال تطبيق سياسات فاعلة لإعادة توزيع الدخل. أعلى معدلات بطالة في أوساط الشباب عالمياً يشير التقرير إلى أن نسبة الشباب من إجمالي السكان العاطلين تزيد على 50% بالنسبة لمعظم الدول العربية مما يجعل معدل البطالة بين الشباب في الدول العربية الأعلى في العالم كله. فوفقاً لتقديرات منظمة العمل العربية بلغت نسبة البطالة بين الشباب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 25.7% قي عام 2003 وهو المعدل الأعلى عالمياً ويفوق المعدل العالمي بنسبة 77.8%. يتمثل التحدي العربي في هذا المجال في ضرورة توفير 51 مليون فرصة عمل جديدة خلال السنوات العشر القادمة أي بحلول عام 2020 حتي تتوفر المرونة المطلوبة في سوق العمل العربية. الجدير بالذكر أن توفير هذا العدد من فرص العمل لن يخفض معدلات البطالة بل سيسهم في منع زيادتها وإبقائها ثابتة حتى عام 2020. أمن غذائي منقوص لا يزال الأمل العربي بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء عصياً على التحقيق، وإن نجحت دولتان عربيتان (سورية والسودان) في تحقيق الإكتفاء الذاتي من الحبوب. فلم تشهد نسب السكان الذين يعانون من نقص التغذية أي تحسن يذكر عن معدلات عام 1990. التقرير ينبه كذلك إلى خطورة أوضاع نقص التغذية علي وجه الخصوص في الدول العربية الأقل نمواً وتلك التي تعاني من أزمات سياسية وبيئية كما في الصومال والسودان واليمن. في سياق الأزمات العالمية في الغذاء والوقود يتمثل التحدي الرئيسي في أن الدول العربية التي يقطنها غالبية السكان الفقراء هي دول مستوردة للغذاء وهي كذلك إما مستوردة للوقود أو لديها صادرات وقود محدودة ومتناقصة، من ثم يكمن التحدي في إقرار سياسات الاقتصاد الكلي التي تعمل على المحافظة على استقرار الاقتصاد وتحد من تأثير ارتفاع الأسعار على المستهلكين الفقراء. نحو عقد اجتماعي جديد في الدول العربية يدعو التقرير الدول العربية إلي اعتماد نهج إقتصادي جديد يعتمد هذا النهج علي عنصرين مترابطين: التحول من نموذج نمو قائم على البترول والمواد الأولية لا يحقق التنمية، إلى نموذج الدولة التنموية الذي يتوقف مقياس النجاح فيه على أداء القطاعات المنتجة و الحد من كل من الفقر وعدم المساواة وإيجاد فرص عمل. ضمان حق الغذاء لكافة الشعوب العربية من خلال عقد إجتماعي عربي تتعهد بموجبه الدول الغنية بدعم عملية القضاء على الجوع في المنطقة كلها، وعلى وجه الخصوص في الدول الأقل نمواً. ويكون ذلك من خلال تحالف تنموي تساعد فية الدول العربية الغنية بالبترول شقيقاتها الأقل نمواً في الخروج من الركود الذي تعاني منه والشروع في تنفيذ خطط تنموية تقوم على النمو الشامل وتحقيق الإكتفاء الذاتي. على الرغم من عظم التحديات التي تواجه التنمية في الدول العربية يبقى التقرير متفائلاً بانسبة للمستقبل. فكما يؤكد التقرير، فإن المنطقة العربية لديها كل ما تحتاج إلية من وفرة في الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، ومن ثروات طبيعية وإقتصادية وتدفقات مالية كبيرة، فضلاً عن ثروة بشرية هائلة توفر أيدٍ عاملة متعطشة للحصول على عمل مناسب. وكما أوضح السيد ابراهيم السوري، مدير إدارة التنمية والسياسات الاجتماعية بالجامعة العربية: "في ظل ذلك كلة ومع توافر إرادة سياسة لتحقيق مستوى أعلى من التضامن والتعاون إقليمياً تستطيع الدول العربية كلها تجاوز الحد الأدنى من التنمية الذي تمثله الأهداف التنموية للألفية إلي آفاق تنموية أسمى وأرحب لصالح كافة الشعوب العربية."