نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    دولة الأونلاين    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    احتجاجات في لحج تندد بتدهور الخدمات وانهيار العملة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    تعاميم الأحلام    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    يافع تودع أحد أبطالها الصناديد شهيدا في كسر هجوم حوثي    لليمنيّين.. عودوا لصوابكم ودعوا الجنوبيين وشأنهم    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    نصف الراتب المتعثر يفاقم معاناة معلمي وأكاديميي اليمن    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    درب الخلاص    (السامعي) .. دعوات متكررة للحوار الوطني    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ محمد الشرجبي: لمعرفة حجم الإقصاء والقهر اللذين تعيشهما تعز انظروا إلى عيني عبد العزيز عبد الغني
نشر في التغيير يوم 20 - 02 - 2008

أجرى الزميل معاذ المقطري حوار لصحيفة " الشارع " مع الشيخ محمد احمد سيف الشرجبي تحدث فيه إلى حالة السكون الذي تعيشه مدينة تعز وارتباطه بالحراك السياسي والثقافي وعن لحظة تعز الراهنة . وفيما يلي نص الحوار :
* كيف تنظر إلى لحظة تعز الراهنة؟
- تعيش تعز حالياً حالة من السكون.. هذا السكون يُفسر عدة تفسيرات، لكن لاشك بأنه سكون مقلق. وأعتقد أنه السكون الذي يسبق العاصفة.
* الجنوبيون يرون في سكون تعز، وهي أكبر كتلة سكانية ومكانية شمالية قريبة منهم، خذلاناً لاحتجاجاتهم المطلبية؟
- أرجو ألا يفهم إخواننا الجنوبيون أن سكون تعز علامة من علامات الرضا.. معاناة أبناء تعز لا تقل عن معاناتهم، لكن تعز عندما تعبر عن رفضها للظلم والجوع والبؤس ستعبر عن نفسها أولاً.. أقصد أن احتجاج تعز سيكون نابعاً عنها أكثر مما هو إسقاط واجب تضامني أو شيئاً من هذا القبيل. ثم إن القوى السياسية والمنظمات الجماهيرية في تعز خرجت بعدة مسيرات في الآونة الأخيرة وأيدت بياناتها وشعاراتها الاحتجاجات الجنوبية، وأظنكم تابعتم هذا كصحفيين.
* لكن يقال إن مسيرات تعز مدجنة.
- لا.. صحيح أن تعز محاطة بالمعسكرات وفيها تشديدات أمنية ومخابرات غير عادية.. إلا أنها حتى عهد قريب كانت في مقدمة الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي في اليمن.. ويؤخذ على تعز أنها مندفعة ومتهورة. ما قبل الوحدة وما بعدها حتى عام 94، كانت تعز متهمة أنها فوضوية، وأن أبناءها مغامرون، وأن غيرنا من يدفع ثمن مغامراتنا غير العقلانية. هذا الكلام كنا نسمعه من صنعاء وعدن.. كانوا يحملوننا أوزارهم.. وأعتقد أن حالة تعز الراهنة مراقبة الأوضاع عن بعد.. لا تريد أن تلتحق بأحد المشاريع الصغيرة التي يحذر منها العديد من القادة السياسيين وفي مقدمتهم الدكتور ياسين سعيد نعمان الذي حذر مراراً من الانجرار والغرق في المشاريع الصغيرة.
* هل تعز مع المشروع الرسمي؟
- لا يوجد مشروع وطني كبير واستراتيجي واضح للسلطة. يبدو حالياً أن مشاريع السلطة تكتيكية. لدى الأخ الرئيس مشروع خاص في رأسه يتعلق بمستقبل الحكم وسينفذه بعصى موسى أو بعصى فرعون.. إذا في شوية زلط يعطيها الرئيس لعمي سنان يقسمها بين إخواننا الشماليين وأما إخواننا الجنوبيين لهم الله، إما يقسموا مع إخوانهم الشماليين قسمة إخوة أو تخرب من قرنة.
* حتى عهد قريب كان لمشائخ تعز مبادرات تواكب الحراك السياسي والمدني مثل المؤتمر الجماهيري عام 92 الذي كنت نائب الرئيس فيه. أين ذهبت مثل هكذا مبادرات؟
- في تلك الفترة فهمت تعز فهماً خاطئاً، واتهم المؤتمر الجماهيري بأنه يضر بالوحدة الوطنية التي كانت فتية.. وعودها لم يقو بعد. وكل ما في الأمر أن السلطة كانت تتحسس من قادة المؤتمر الجماهيري كالمرحوم عبدالحبيب سالم والشيخ سلطان السامعي والشيخ عبدالرحمن صبر رئيس المؤتمر والشيخ صادق الضباب وغيرهم من قادة الأحزاب والمنظمات الجماهيرية. وكان من مخرجات المؤتمر خروج تعز بأكبر مظاهرة شهدتها اليمن حتى اليوم.. مؤشراتها كانت خطيرة خاصة مع بوادر الأزمة بين شركاء الوحدة.
* ما هي الفكرة التي قام بموجبها ذاك المؤتمر الجماهيري؟
- الفكرة تقدم بها شباب وسياسيون ومثقفون ومشائخ، ويحسب الكثير من الفضل فيها للمرحوم عبدالحبيب سالم. كان الهدف من المؤتمر توحيد الجهود السياسية والاجتماعية والمدنية المواكبة للواقع الجديد الذي فرضته الوحدة من خلال دور جماعي للأحزاب والمشائخ والمجتمع المدني. وفعلاً حصل تلاحم قوي وضع تعز في مقدمة الحراك السياسي والاجتماعي للوحدة.
* ألا ترى أن هذا التلاحم غائب اليوم؟
- التلاحم لا يزال قائماً ولكنه غير فاعل كما يجب.
* غير الطغمة والزمرة هناك في الجنوب طرف ثالث يدعى "بالحجريين الجبالية" ويتهم بمواقف سلبية من الاحتجاجات الجنوبية حالياً، وسابقاً كان يتهم بتأجيج الفتن والشروخ المناطقية.. ما مدى صحة ذلك؟
- هؤلاء الذين يطلق عليهم "حجريون جبالية" أعتقد أن الرؤية أمامهم غير واضحة.. هؤلاء ينظر إليهم من قبل إخوانهم أصحاب الأصول الجنوبية بأنهم غير جنوبيين، وهذه النظرة تشعرهم بأنهم غير معنيين بالاحتجاجات الحاصلة في المناطق الجنوبية، وإن كانوا مظلومين أكثر من غيرهم خاصة العدنيين الذين لا تكفي رواتبهم لدفع فاتورة الكهرباء.. ثم لا يخفى عليك أن هناك ما يشبه الاحتكار للاحتجاجات الجنوبية، حتى إن اللقاء المشترك والحزب الاشتراكي يشعر بالتهميش والإقصاء، وهذا يرد في تصريحات قادة الاحتجاجات وبياناتهم في الداخل والداعمين لهم من الخارج.. قلة قليلة من قيادات الاحتجاجات مطلعون على خفايا الأمور، وبصراحة؛ المشهد الجنوبي غير واضح سواء أمام من يقال عنهم "حجريون جبالية" أو إخوانهم في الشمال.
* هنا في تعز يبدو اللقاء المشترك أنه المحرك الوحيد والفعلي للشارع في ظل غياب أو تغييب القوى الاجتماعية الأخرى.
- تعز -يا أخي- لا تقاد إلا بجهود جماعية للأحزاب والمنظمات الجماهيرية والشخصيات الاجتماعية. وهذا معروف عنها. تعز صعبة المراس ووعيها كبير.. لا يمكن لشخص أو أشخاص أن يقودوها.. ثم إنها فقدت في عقود سابقة الكثير من المشائخ الأقوياء. نحن لا نستجر الماضي بقدر ما نحن مطالبون بتجاوزه.. مشائخ تعز في الوقت الراهن عدة أصناف.. هناك مشائخ في تعز لو طلبت من أحدهم رأياً أو موقفاً أو مشورة وأنت وهو في صحراء لوحدكم، يقول لك "تعال أخافسك".. اليوم قيمة الشيخ في تعز 500 ريال يروح يستلمها من أحمد حبيش (أمين صندوق مصلحة شؤون القبائل) بعدما يوقف ينتظر 3 ساعات عند برميل القمامة.. التجار في تعز مظلومون أيضاً، خاصة التجار غير المقامرين أو تجار الغفلة..
* كثير من مشائخ تعز الآن لم يعودوا مؤثرين مثل آبائهم..
- مشائخ تعز عاشوا فصولاً من الإقصاء والقتل والتنكيل من قبل أطراف واتجاهات وقوى لا ترى بقاءها إلا على أشلائهم. بعض قوى التحديث، إن جاز التعبير، كانت تعتقد أنها لا تستطيع أن تقود الساحة إلا بالقضاء على المشائخ بشكل أو بآخر.
هم صحيح أزاحوا المشائخ لكنهم فشلوا في تقديم البديل. تصفية المشائخ عملية عبثية لأن أي قوى وطنية تريد أن تقود الساحة عليها أن تتحاور مع المشائخ وتستوعبهم في إطار مشروعها.. هذا ممكن، لكن هذه القوى كانت مستعجلة، والقتل بالنسبة لها كان طريقاً سهلة، مع أن اليمن عموماً وتعز وعدن خصوصاً لم تعش حالة حقيقية من الصراع الطبقي بمفهومه العلمي. لم يكن الرجعي رجعياً، ولا التقدمي تقدمياً ولا البرجوازي برجوازياً ولا الاشتراكي اشتراكياً.. الشعب اليمني بطبيعته بسيط واشتراكي وصوفي، ومنظومته القيمية لا تؤسس لصراع طبقي.
* هل قرأت مذكرات الشيخ عبدالله الأحمر؟
- أنا قرأت انتقادات لمذكرات الوالد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رحمه الله في صحيفة "الشارع" وغيرها، ولا أراها انتقادات منطقية، لأن الشيخ عبدالله تحدث في مذكراته عن دوره ودور حاشد في النظام الجمهوري، ولم يتحدث عن تاريخ الآخرين. أنا لم أقرأ سطراً في مذكراته أن الآخرين لم يكن لهم دور. الشيخ عبدالله، بتجربته الطويلة ونضج تفكيره، تجنب أن يخوض بما هو غير محسوب.. نحن أبناء تعز وإب والبيضاء والحديدة علينا أن نؤاخذ أنفسنا: لماذا لا نكتب مذكرات الشيخ البطل أحمد عبدربه العواضي، والشيخ محمد علي عثمان، والشهيد البطل عبدالرقيب عبدالوهاب، والاستاذ النعمان؟ نحن لدينا أساتذة في التاريخ ومثقفون ومؤرخون، لكن لماذا لا نكتب؟ هل هو الخوف؟ هل لا زال "طاهش الحوبان" وعسكري الإمام يعشش في عقولنا؟ أنا لا أريد أن نسلم بهذه الحالة.
* ماذا عن مذكرات والدك الشيخ أحمد سيف الشرجبي؟
- نحن الآن بصدد كتابتها ونتمنى أن ننتهي من كتابتها. وعمي سنان لا يزال حياً يرزق لنسمع ملاحظاته وتعقيباته لأن ما ندونه بحاجة إلى الكثير من الملاحظات والتعقيبات.
* شهدت المناطق الوسطى و"الحجرية" تحديداً دورات من الدم والعنف في عقود سابقة.. كيف تنظرون إلى تلك الأحداث وتداعياتها؟
- هذا سؤال متفرع لأن لكل منطقة خصوصيتها. المناطق الوسطى مثلاً دخلت في الكفاح المسلح في وقت مبكر. بعد أحداث أغسطس 68 انتقل الصراع من صنعاء إلى هناك، وهو في الحقيقة اقتتال بالإنابة: اليمني يقاوم اليمني بالنيابة عن الغير.. هناك من كان يقاتل نيابة عن الرجعية العربية والمعسكر الرأسمالي، وهناك من كان يقاتل بالإنابة عن مصر عبدالناصر والمعسكر الاشتراكي، لكن هؤلاء كانت قضيتهم عادلة لأنهم كانوا يقاتلون ضد مخلفات نظام إمامي كهنوتي بغيض ومرفوض جملة وتفصيلاً.
أنا قرأت مقابلة مع عمي الشيخ سنان أبو لحوم في صحيفة "النداء" فوجدت أنه تحفظ عن الخوض في أحداث المناطق الوسطى.. وأنا أتفهم أن المناطق الوسطى تشكل جرحاً عميقاً لعمي سنان لأن مجاميعه وشقيقه كانوا من أوائل الضحايا عندما نزلوا للقتال هناك واصطدموا بالمقاومين، وكان هناك زامل لا أريد أن أذكره ردده مجاميع سنان واستفز أبناء المناطق الوسطى وأدى إلى مصرع كثير من مجاميعه.. سنان في الستينيات والسبعينيات غير سنان اليوم.. سنان في الماضي كنا نعرفه "ملاوي" ومشاكس كبير، واليوم يحاسب نفسه أين أصاب وأين أخطأ.
والحقيقة أن قضية الدماء لا يحملها إلا الجبابرة.. وأنا تقديراً لمشاعر عمي سنان لن أخوض في تفاصيل أحداث المناطق الوسطى، خاصة وأن هناك من هم أكثر مني دراية بتفاصيلها كالحدي وآخرين. وكذلك أحداث شرعب هناك من هو أكثر مني دراية بها.
في الحقيقة "الحجرية"، أقل هذه المناطق معايشة للأحداث والعمل الجبهوي المسلح.. بدأ فيها نشاط الجبهة في فترة حكم الإرياني، وأذكر أن القاضي عبدالله الحجري رئيس الوزراء حينها التقى هو ووالدي في مطار تعز وكنت أنا مع الوالد، فقال للوالد: "جاه الله عليك يا أحمد سيف. الحجرية ستدخل في التخريب". طبعاً كان هناك نشاط للجبهة في الوازعية، وهو في الحقيقة صراع بين قبيلتين (البوكرة والمشاولة) من عهد الإمام، وكان القاضي الحجري يخشى أن تقطع طريق الحديدة.
رد عليه الوالد: "إن هؤلاء مخربين من وجهة نظرك لكنهم يعتبروا أنفسهم مقاومين للظلم والحرمان وقهر المشائخ ومدراء النواحي المتغطرسين. هم يا قاضي ناس محرومين من الخدمات وفقراء، وصلوا لهم خدمات التعليم والصحة، ووفروا لهم جوازات يسافروا يطلبوا الله على بطونهم في السعودية والخليج".
القاضي تفهم الموقف، وبدأت الدولة فعلاً بإدخال بعض الخدمات وتوفير جوازات، والطريق شقها الوالد على حسابه.
* ماذا عن أحداث مايو 78؟ ولماذا تكثف حضورها الحربي في الحجرية فقط؟
- أحداث مايو 78 لها سياق سياسي وتاريخي الحديث فيه يطول.. أنت تعرف أن مقتل إبراهيم الحمدي كان حدثاً كبيراً ومؤلماً لأن الذي حصل ليس اغتيالاً للحمدي بقدر ما كان اغتيالاً لتطلعات وآمال شعب. الحمدي لم يكن حاكماً عابراً من أجل الحكم بقدر ما كان قائداً لأهم تحول في التاريخ السياسي الحديث لليمن. تخيل أن هذا كله ينسف في غمضة عين... أكيد أن الصدمة كانت كبيرة للشعب اليمني، وبالذات أركان القيادة في صنعاء.. الأخ عبدالله عبدالعالم كان عضو مجلس قيادة الثورة وقائد قوات المظلات، رجلاً مهماً في النظام.. أكيد أن صدمته كانت مضاعفة، وأعتقد أنه كان مجبراً على مغادرة صنعاء فنزل "الحجرية" وهو لا يملك رؤية أو برنامجاً أو أي شيء هو مقتنع فيه. لم يكن يفكر في أن يقود معركة لا داخل صنعاء ولا في الحجرية.
* لماذا؟
- الرد على هذا السؤال؛ كنا نريد أن نسمعه من عبدالله عبدالعالم نفسه. حتى الآن لم نسمع ما يوضح لنا الحقيقة التي كلنا نبحث عنها ومن حقنا أن نفهمها. كما أن من حق عبدالله عبدالعالم وغيره من المنفيين أن يعيشوا في وطنهم اليمن.
* لكن هناك مخاوف معقولة من قيام بعض أبناء المشائخ من الانتقام منه حال رجع، برأيك هل هو قتل المشائخ بالفعل؟
- أنا لا أدافع عنه أكثر مما يجب أن يدافع هو عن نفسه، ولا أقبل أن أكون "شاهد ما شفش حاجة".. وسأتحدث فقط عما أعتقده أو أخبرني عنه والدي أو عشت جزءاً منه.
الوالد كان من أكثر الناس سعياً لاحتواء الأزمة في "الحجرية"، وكان أول من طرح مقترحات للحلول بين الغشمي وعبدالله عبدالعالم، وطالب الطرفين بالضمانات، وكان هناك من يفسد أي حلول..
* مثل من؟
- كان هناك الكثير من الأسماء: نعمان العديني، أحمد محسن، محمد طربوش، صالح النجار، وغيرهم.. هؤلاء ضباط يتحكمون بكتيبة المظلات ولهم اتصالاتهم وعلاقاتهم. مثلاً في أحد اللقاءات التي جمعت الوالد مع عبدالله عبدالعالم، أحد هؤلاء الضباط رفع مخزن سلاح "الكلاشنكوف" وقال للوالد: "لا يوجد بيننا وبينك تفاهم يا أحمد سيف إلا هذا". وكانوا يقولون لعبدالله عبدالعالم في بعض المواقف: "إذا لم تفعل كذا وكذا سنقتلك". عبدالله عبدالعالم كان في حالة أسر غير معلنة.
* لماذا لم يتخلص منهم؟
- يا أخي، عبدالله عبدالعالم لم يكن دموياً. نحن نعرفه عن قرب. لم يعهد في حياته العسكرية أنه سفك دم إنسان كما يفعل كثير من القادة العسكريين. الوالد والشيخ سعيد علي الأصبحي والشيخ منصور شائف العريقي، كان عبدالله يحترمهم كما يحترم أباه. الوالد سعيد علي الأصبحي استقبل عبدالله بكل كرم، ومنصور شايف كان يأتي إلى التربة ومعه الموائد والعزائم لعبدالله عبدالعالم، مش من أجل المصلحة، لكن كان بينهم ود غير عادي. عبدالله كانت أخلاقه عالية، ولم يكن قاسي القلب، ولا يعقل أن يقتلهم أو يأمر بقتلهم.
* القاضي أحمد الوزير شهد عملية قتل المشائخ أثناء انسحاب عبدالله عبدالعالم وجنوده إلى عدن، وأكد أن عبدالعالم سلم قيادة أمره للضباط الصغار وكان في حالة اللاوعي؟
- "بوعي وبلا وعي"، هذه الحالة أنا لا أريد الخوض فيها.. الوالد أحمد الوزير عاصر الأحداث واكتوى بنارها ولا أحد يستطيع أن يزايد عليه، لكن كنت أتمنى أن أسمع منه: " أن فلان قتل فلان أو أن فلان أعطى أوامر بقتل فلان". وأرجو الله ألا يكون الوالد (الوزير) بين نارين: نار التحقيق ونار الحقيقة.
* تقول إحدى الروايات إن أحداث الحجرية قامت بدرجة أساسية بين قائد لواء تعز علي عبدالله صالح وقائد كتيبة المظلات في الحجرية نعمان العديني ورفاقه من المقاومين الثوريين، فيما كان دور الغشمي وعبدالله عبدالعالم هامشياً.. هل صحيح هذا؟
- حكاية أن الغشمي مهمش بصراحة لا.. الغشمي لم يكن مهمشاً في يوم من الأيام لا من قبل أن يكون رئيساً ولا من بعد. أما بالنسبة لتهميش الآخرين ممكن.. عبدالله عبدالعالم وجد نفسه مهمشاً بعد مقتل الحمدي.. علي عبدالله صالح كان أقل من الغشمي وعبدالله حضوراً في القيادة العسكرية، لكنه كان محنكاً وناداه الغشمي بتيس الضباط. وأما نعمان العديني لم يكن له دور عسكري قبل "أحداث الحجرية".
* كلامك يؤكد أن الغشمي كان قوياً وشجاعاً والعكس عبدالعالم؟
- لا استطيع أن أقول إن الغشمي كان شجاعاً وعبدالله كان جباناً.. الأمور لا تقاس هكذا.. بل تقاس بحجم الإمكانيات والعلاقات الداخلية والخارجية وأيضاً القبيلة.. أما مسألة الشجاعة فكلهم أحفاد سبأ وحمير.
* كان كل من عبدالعزيز عبدالغني وعبدالله عبدالعالم عضوين في مجلس القيادة؛ الأول أصبح رئيس وزراء الغشمي، والثاني شعر بالتهميش والإقصاء والصدمة.. وغير ذلك.. ما الفرق بين الاثنين؟
- هناك فرق. الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني حالة أخرى هو حالة ثقافية سياسية لم يحشر نفسه في الصراعات، وهذا معروف عنه. استطاع أن يتعايش مع كل مظاهر الإقصاء والقهر والظلم الذي عاشته تعز. وأنا دائماً أقول إذا أرت أن تقرأ معاناة تعز طيلة العقود السابقة والحالية انظر إلى عيني عبدالعزيز عبدالغني.
* ما الدور الذي لعبه الشيخ أحمد سيف الشرجبي في أحداث الحجرية؟
- طبعاً الوالد كان رجلاً سياسياً مجرباً، كان عضو مجلس رئاسة وعضواً في المجلس الوطني ومشرفاً على حرس الحدود الشطرية في تعز.. عندما شعر أن الأمور خرجت من يد عبدالله عبدالعالم وأصبحت فالتة، غادر الحجرية ودخل تعز، ولم يكن أيضاً غائباً عن الأحداث في الحجرية، وأيضاً عندما ذهب نعمان العديني إلى المسراخ، وتم قتل الشيخ البحر بطريقة بشعة جداً، جرحت مشاعر كثير من الناس. بعد ذلك بدأ يدرس خيار الحسم العسكري من قبل الغشمي والأخ علي عبدالله صالح قائد لواء تعز حينها، لكن قرار الحرب لم يكن سهلاً، يجب أن يستند إلى معلومات تفصيلية دقيقة. والشيخ أحمد سيف الشرجبي كان من أهل الحل والعقد في محافظة تعز، وكان له وجهة نظر في الكثير من التفاصيل العسكرية.
* يحكى على نطاق شعبي واسع في الحجرية وغيرها، أن خلافاً حاداً نشب بين والدك والرائد علي عبدالله صالح يومها حول إجراءات الحسم العسكري.. ما مدى صحة ذلك؟
- حدث خلاف، هذا صحيح، لكن لم يكن كما يشاع أنهم تناطحوا وتعاصروا.. الحقيقة، كانت هناك رؤية أو تصور للأخ علي عبدالله صالح بأن أصحاب الحجرية دمويون، وأنهم كذا وكذا.. وهو في الحقيقة كان من النوع الغضوب والمندفع، لكنه لم يكن يصر على رأيه، هو لم يكن عسكرياً محضاً ولا مدنياً محضاً، كان بين هذا وذاك.. فاختلفوا هو والوالد حول رؤية إدارة المعركة.. طبعاً أثناء الأحداث الكبيرة تخرج كلمات انفعالية يتناقلها الناس. كان هناك رؤية رسمية لضرب "صبر" التي كان فيها الوالد الشيخ عبدالرحمن صبر قائد لواء السلام، على خلاف كبير مع الغشمي، وتم تجريده من رتبته العسكرية وقطعت رواتبه وهو قائد عسكري وشيخ وكان له تأثير يدركه الجميع. فتدخل الوالد وطلب من الغشمي وعلي عبدالله صالح إعادة رتبة عبدالرحمن صبر وصرف مرتباته بأثر رجعي وإعادته إلى موقع عسكري، واستجاب الغشمي اليوم الثاني، وعبدالرحمن صبر دخل والتقى بقائد اللواء وأعاد إليه رتبته ومرتباته، وعينه نائب مدير أمن تعز. هكذا حلت المشكلة.. وهناك مواقف أخرى خلافية.. بعد أن حسمت الأحداث بدخول علي عبدالله صالح الحجرية، بالقوات والسلاح بدون خروقات عسكرية وبدون مقاومة من أبناء الحجرية، وتم معالجة الأوضاع، خرج الوالد بعد الحملة فتفاجأ أنه قد تم دك بيوت عبدالله عبدالعالم وعبدالرقيب القرشي وأحمد محسن، فاعترض على ذلك، واتفق مع قائد اللواء والغشمي على أن تكون حراسة المنطقة من أبنائها.. بعدها فوجئ الوالد بوجود مجاميع قبلية من أماكن مختلفة على بوابير.. منع الوالد نزولهم من فوق البوابير، وقال للغشمي وعلي عبدالله صالح: "نحن أدرى كيف نحمي بلادنا..". وغادروا المنطقة فعلاً.
* نجا الشيخ أحمد سيف الشرجبي من تلك الأحداث فمتى وأين وكيف قتل؟
- استشهد والدي يوم السبت 16/8/1980، في منطقة نقيل الناقة بالنشمة برصاص غادرة جبانة أطلقها مجهولون من 3 كمائن على شكل مثلث.. أبي لم يكن معه مرافقون مسلحون، فقط ابنه، ومرافق من المنطقة بدون سلاح.. الكمين كان مخططاً بشكل محكم، نفذه عدة أشخاص أعتقد أن وراءهم جهات، مستفيدة من اغتياله.
* من تتهمون بقتله؟
- لا أريد أن أطلق اتهاماتي على ما أسمع أو كما يشاع. حتى هذه اللحظة لازلنا نسأل السلطة في صنعاء والإخوة في قيادة الحزب الاشتراكي الذي كان حاكماً في الجنوب: "من الذي قتل أحمد سيف الشرجبي".
أنا ابنه لا أعرف شيئاً. وكم سألنا واستفسرنا، ليس من أجل الانتقام أو الثأر، بل لأن من حقنا أن نعرف ولو بعد كل هذه السنين الطويلة.
* ألم تجر تحقيقات حول عملية قتله؟
- جرت تحقيقات، لكن أنا أحد أبنائه لا أعرف عنها شيئاً، ودائماً أسأل رجال السلطة في صنعاء: "أين وصلتم في تحقيقات مقتل الشيخ أحمد سيف الشرجبي".
اليوم أنا لا أطالب بمحاكمة القاتل المجهول بل أطالب بمحاكمة أبي، وأتمنى لو أنكم في صحيفة "الشارع" أو صحيفة أخرى تضعون اسم والدي في المقدمة لمحاكمته من كل أبناء اليمن وأبناء الحجرية.
إذا كان أبي أخذ حق إنسان أو سفك دماً أو هتك عرض إنسان، أنا ابنه مستعد لإنصافهم من دمي ومالي وعرضي. أبي لم يكن يطغى ولا يظلم ولا يبطش، وكان دائماً يقول لنا نحن أبناءه والآخرين: "إن تصفية الخصوم إفلاس وجبن وعيب وذلة". وقالت وصيته لنا: "تركت لكم تاريخاً ناصع البياض وسمعة طيبة ومشرفة إذا لم تحافظوا عليها ستصبحون أثراً بعد عين..".
نحن كنا جزءاً من الدولة ولم نكن جزءاً من السلطة، ولم نكن "شقات" مع أحد أو عصى بيد طرف من الأطراف.. وإذا ثبت أن أحداً من الناس قتل أبي أنا لشيء كبير وشيء عظيم هو العفو والتسامح، والتصالح، سأسأله سؤالاً واحداً: "لماذا قتلت أباك؟" وسأقول له: "سامحك الله"، لأن من قتل أحمد سيف هو كالذي يقتل أباه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.