حتى التجار.. في ظل هذا الواقع السياسي الردئ على أرض السعيدة ، وهو واقع يملئه الهم والحزن ، و يلوغ فيه كل من هب و دب ، وكأن هذا الشعب لايملك بين أبنائه من يملك الدراية بتصريف شئونه ، أقول: حتى التجار.. لم يجدوا بداً من الإنضمام إلى الجوقة الناعقة. تجار اليمن، الذين يبيعون أوراق القات المسممة ، والمعلبات المنتهية ، ويستوردون الأطعمة والأشربة الغير صالحة للإستهلاك الآدمي ، يبيعونها للفقراء والمعوزين الذين يريدون أن يسكتوا صرخات الجوع بما تناله أيديهم مما تستطيعه نقودهم القليلة. تجار اليمن ، الذين ترفض بضائعهم إذا صدروها ، إما لأنها غير مطابقة للمواصفات الدولية ، أو لإنها " غير صالحة للإستهلاك الآدمي" كما سرت الأخبار عما حصل مع مجموعة صناعية معروفة. تجار اليمن.. يثرون بإحتكارات مقززة للسلع ، ويتلذذون بلعق دماء الفقراء ، يبيعوننا الموت والأمراض ، واليوم لا يجدون حرجاً من بيع ما تبقى لنا من حرية و قليل الكرامة. ليتهم وقفوا مع "الحامدي" ، زميل مهنتهم ، ليتهم إنتصروا له ، ليتهم منعوا عنه قتلة العنجهية الكاذبة، ليتهم جمعوا لأطفاله المساكين شيئاً. تجار اليمن.. ليتهم ينتصرون لأنفسهم وأعمالهم و وقفوا وقفة واحدة شريفة أمام مرتزقة و عصابات الجباية الغير قانونية ، وهم الذين يجمعهم صوت ناعق وتفرقهم عصا. تجار اليمن ليتهم أجتمعوا لما يخدم مجال التجارة والإستثمار ، وهو شأنهم وديدنهم. بل ليتهم أجتمعوا و خرجوا بما يقدم شئياً لزبائنهم الذين فتتت الفاقة عظامهم وأمتص الجوع طاقاتهم. لكنهم لم يفعلوا ، فما عسى مكسبكهم يكون من فعل ذلك؟ لكنهم- بالرغم من كل ذلك - أبوا إلا أن يجتمعوا ليخرجون على الناس بآفة جديدة: التزلف ، وكأن اليمن ليس فيها من ذلك ما يكفي! أستئت جداً وأنا أقرأ خبر إجتماع رجال أعمال وجمع مليار ريال لدعم حملة الرئيس الإنتخابية.. استئت جداً.. وضحكت جداً ..عندما قرأت خبر تهديدهم بالإضراب ، أحقاً وصلنا هذا المنخفض؟! الإضراب عن ماذا؟ عن أعمالهم؟ عن أرباحهم وتجارة لن تبور؟! حتى ألفاظهم لا يحسنون أختيارها! لكن.. لنكن منصفين ، لهم الحق ، كل الحق ، في ترشيح ودعم من يريدون. هكذا تقول الديمقراطية. غير أن السؤال الحقيقي هو: هل يا ترى يحتاج حزب المؤتمر الشعبي العام ومرشحه القادم – سواء أكان الرئيس صالح أم غيره- إلى جمع المال ، بينما البلد يعاني من فقدان محددات إستخدام المال العام؟ أفهم أنها حسابات مصالح ، لكن أليس ثمة حسابات أخرى؟ من سيشتري بضاعائهم ، إذا واصل مؤشر الفقر إرتفاعه نتيجة الأوضاع الإقتصادية القاسية ، والتي هي إفراز الوضع السياسي غير السوي؟ا ثم أين أمانة الكلمة ، وحرمة الشهادة؟ لما نبيع كل شئ بأي شئ؟ لماذا الآنية و الذاتية في كل شئ؟ لماذا لا نفكر فيما نتركه لأجيالنا القادمة؟ أليس العمل من أجل صنع مستقبل زاهر لهم ، خير من أن نتركهم عالة يتكففون الدول والشعوب منحاً و قروضاً كما نفعل اليوم؟ أقول لهؤلاء التجار: الشعب اليمني - و الذي أحسبكم تعيشون فوق مآسية وبعيداً عن آلامة – يحب الرئيس صالح دون شك ، لكنه لايحب الوضع العام للدولة. والذين يحبون الرئيس صالح بحق ، لابد أن يحفظوا للرجل هيبتة من أن يخدشها رجوعه عن قرار هو أحوج ما يكون إليه. الذين يحبون الرئيس صالح بحق ، هم الذي يربأون به من أن يستمر في السحب من رصيد منجزاته وتاريخه. والذي يحبون الرئيس صالح بحق ، هم الذين يعملون بجد على حفظ تاريخ الرجل من الشوائب ، وتأمين خروج تاريخي حقيقي ومشرف له من دوامة الحكم و مشاقه. أما الذين لا ينظرون إليه إلا من خلال مصالحهم ، وما سيخسرونه أو ما سيكسبونه من وراء هذا الموقف أو ذاك ، فأولئك لايحبونه مقدار حبة من خردل ، وإن قالوا .. وإن زعموا. الرجل قالها – كما أحسب - بصدق: مل الحكم ، ومله الحكم ، فلماذا تصرون أنتم على المزايدة على مايراه ويريده؟ تمنيت لو نأى تجار اليمن بأنفسهم عن هم المزايدات السياسية وتفرغوا لبناء الإقتصاد اليمني ، بدلاً من إهلاك الشعب بإحتكاراتهم. السيدة آمنة العمراني تقول: الرئيس ضروري كالماء والهواء ، أبعد هكذا تزلف؟ أبعد هذا كذب؟ أم أن عبقري الشعر غلبنا على أقوالنا، فأجمله أكذبه؟ لماذا نختزل الأمة في الأفراد؟ لماذا نختزل الوطن في شعارات جوفاء؟ و لماذا نستمرئ الخداع في الأمس واليوم وغدا؟ أقول لملكة البرتقال (!) هذه : لا بأس فيما تعتقدينه ، ولكن الهواء الذي تستنشقيه في مزارعك يا سيدة آمنة ، هو بالتأكيد غير الهواء الذي يستنشقه من لايملكون ثمن برتقالة واحدة من برتقالاتك. ولقد تمنيت لوأن تجار تركوا الخبر لخبازة ، فلسياسية رجالها ، إلا أن المثل " كله عند العرب صابون" ينطبق على حالنا- كما يبدو! وتمنيت... و تمنيت .. وتميت: وما أكثر الأماني وما أطول الآمال.. ولكن تجار اليمن خيبوا كل الآمال وأضاعوا كل الأماني.. فصمتوا حين صمتوا دهراً ، ونطقوا يوم نطقوا كفراً .. وياليتهم ما نطقوا.