هذا هو الوضع الطبيعي لمجتمع انشغل بمهاتراته السياسية وانساق نحو لعبة الديمقراطية واتكأ على ما تغذيه المنظمات الدولية لبعض مؤسسات المجتمع المدني التي لا يهمها أن تسأل ما وراء ذلك الدعم بقدر ما يهمها أن تجني المال وحسب.. هذا هو الوضع الطبيعي لوطن عاش رموزه ليبنوا أوكاراً يقتنصوا إليها الشباب والرجال ليقوم كل منهم بحض عصبته وعصابته على عداء الآخر ونفخ روح الكره والحقد في أرواحهم تجاه إخوانهم وباقي مجتمعهم.
هذا هو الوضع الطبيعي لأشباه رجال يعيشون في المهجر انسلخوا عن وطنيتهم، وباعوا هويتهم، وتنصلوا عن أصلهم ولم تعد اليمن تعني لهم إلا شبحاً مهتر يلعنون أيامها، ويهزؤون بأرضها، ويجحدون خيرها.
هذا هو الوضع الطبيعي لنظامٍ باع شعبه ووطأ عليه بقدمه فلم ينافح لإعلاء شأنه في الداخل ولا في الخارج، ولم يكلف نفسه السعي لبناء أبنائه ودعمهم ورعايتهم فكان من الطبيعي أن لا يجد لديهم حباً ولا تعاطفاً ولا ولاء.
هذا هو الوضع الطبيعي لشعب يقضي شبابه أكثر من 50% من يومه متكئاً على مجلسه يمضغ القات مستسلماً لأفراخ الأحلام تلعب به يمنة ويسرة وتبني له القصور وتشيد المدائن ثم ينفض من فراشه فلا يرى إلا مستقبلاً أسوداً وقلباً أخرقاً وجسماً صدئاً وحياة ملبدة.
هذا الوضع هو الذي جعل من الطبيعي أن يصرخ الرعاع والجهلة ويتداعون لإقلاق البلد وقض مضجعه والمتاجرة بأمنه وأمانه والتشهير به وزرع الأرض ورداً أمام أي تدخل أجنبيٍ محتمل بحجج جاهزة وأعذارٍ معلبة كالحفاظ على الأمن أو بناء الدولة أو فض النزاع أو أو أو مما لا تنتهي من قائمة الأسباب المقنعة لأي هيمنة غربية كانت أو شرقية.
ومع كل ما سبق وإن كان لابد منه لنجلد ذاتنا حتى نؤدبها كما نؤدب أبناءنا وهذا لا عيب فيه ولا تجريح فإنها تبقى وستظل وستبقى اليمن، محبوبتي ومحبوبة العرب أجمعين، إنها البلدة الطيبة يحميها الرب الغفور إن شاء المتنطعون أو أبوا .. إن فقهوا ذلك أو جهلوا .. إن أذعنوا طوعاً أو انهزموا قهراً .. إنها اليمن شموخ كل عربي، وعز كل ذو أصلٍ وإباء، يتغنى بمجدها وعزها كل روح تسري في الأرض من نسل عدنان أو قحطان، وليعلم كل جاهلٍ بها وجاحد أن من يبيع أرضه فلا خير فيه لغيرها فهذه قاعدة اتفق عليها العالم كله، ونشأت عليها فطرة كل إنسانٍ صالح معتدٌ بأصله ونسبه. فمهما انبرى الجاهلون في المجالس يتنصلون منها وينسلخون عنها فلن يزيدها إلا عزاً ولن يزيدهم ذلك إلا ذلاً، فسيبقون أولئك المرتزقة على أبواب تجار العرب يتسولون كرامة لن يجدوها في غير أوطانهم..
أرهقني حبك ياوطن .. أرهقني حبكِ يا يمن.. ولكن ما أحلاه من حب، وما أروعه من عشق .. وصدق الحبيب المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام حين قال: (الأزد أسد الله في الأرض، يريد الناس أن يضعوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم، وليأتين على الناس زمان يقول الرجل: يا ليت أبي كان أزديا ، يا ليت أمي كانت أزدية)..