في الثالثة من مساء كل يوم، تحرص رغدة على الخروج من منزلها محملة بطموحات التغيير، لكن تفاؤل الشابة اليمنية بمستقبل الثورة في بلادها أضيف إليه الأحد الفائت، 'شعور بالسعادة والفخر' وهي تقدم نفسها للناس كأديبة من إحدى خيمات ساحة التغيير. حافظت الأديبة الشابة رغدة جمال على أناقتها كالعادة، وتوجهت نحو 'المكان الأطهر' في صنعاء، على حد وصفها. إنها في مهمة توقيع كتابها الأول وهو عبارة عن نصوص شعرية صدرت باللغة الإنكليزية. وقد اختارت 'ساحة التغيير' مكاناً لتوقيع كتابها المعنون ب'تائهة بين طيات حكاية' (Lost in a fairy tale)، وذلك ك'تحية للثوار والجرحى والشهداء' قائلة ذلك ل'الجريدة'. وتضيف الأديبة الشابة: 'أشعر بالفخر وأنا أحتفل بإنجاز ثقافي وسط مجموعة شباب لا أعرف أغلبهم إلا أننا نسعى إلى ذات الهدف السامي، وهو صناعة مستقبل مشترك'. غازات سامة لم تكن تتوقع ذلك الحضور لاسيما بعد الاعتداءات التي حدثت في اليوم الذي سبقه في صنعاء، حين اعتدت قوات الأمن على المعتصمين ليلاً وقتل فيها شخص وأصيب ما يقارب 2000 شاب بالرصاص الناري أو المطاطي وأغلبهم بالغازات السامة. وتعلق رغدة: 'فوجئت بالحضور الذي أثبت أن هؤلاء الشباب ماضون نحو هدفهم دون وجل'. التقت رغدة صديقتيها أفراح وشيماء اللتين جاءتا للمشاركة في الاحتجاج ضد النظام والاحتفاء بتوقيع باكورة الأعمال الأدبية لصديقتهما في خيمة 'شباب مع الحدث'؛ وهي إحدى مئات الخيام التي ينشط فيها الشباب بشكل يومي. وتحولت ساحات الاحتجاجات في عدد من محافظات اليمن إلى مجتمعات مدنية مصغرة تنشط فيها السياسة والثقافة والأدب والفن الإبداع والعلاقات الاجتماعية. وتقام أنشطة وفعاليات عديدة بشكل يومي في مختلف ساحات المحافظات لمناقشة قضايا الشباب ومستقبلهم والتطورات اليومية، فضلاً عن الاحتفاء بمناسبات كالأعراس. لباس إسلامي تتسلم شذى العماري وهي طالبة جامعية بابتسامة، نوبتها كشرطية ب'لباس إسلامي' تصطف في أحد مداخل ساحة التغيير وسط صنعاء، إذ تقوم فتيات شُكلن من خلال لجنة خاصة بالمعتصمات في الساحة، بتفتيش الزائرات عند دخول الساحة. يتدفق عدد كبير من الزئرات والزوار باتجاه إحدى الخيام التي احتضنت معرضاً بعنوان 'أطفال الشهداء يرسمون الحياة'، وصور الشهداء تعلو رؤوس زوار 'ساحة التغيير'. أما الشاب محيي الدين الأصبحي -ناشط حقوقي، فيحتفي بعقد قرانه في خيمة أحد المراكز الصحافية للساحة على وقع الأغاني الوطنية والحماسية، ويسجل بفعاليته هذه رقماً آخر يضاف إلى عشرات الشباب الذين أقاموا حفلات زفافهم في منصة ساحات الاحتجاجات في مختلف المحافظات، كنوع من مشاركة المعتصمين الفرحة، بينما تحدث بعضهم عن أن الفرحة ستكتمل برحيل النظام. يعتقد أغلبية الشباب اليمنيين أن محاولة العيش بهذه الطريقة في ساحات الاعتصام نوع من خلق روح الحياة في ظل اكتظاظ الساحات بالجرحى، وفي ظل تزايد الألم والحزن بعد سقوط عشرات الشهداء من جراء المواجهات. احتجاجات ولم ينس الشباب السياسة في مجتمعهم المصغر: ساحات الاحتجاجات، إذ عمدوا على توفير كل الرؤى والأفكار السياسية الخلاقة التي سيقودون بها مستقبلهم بعد رحيل النظام. ويقول أحد منسق مجموعة 'صحافيون من أجل التغيير' عبدالله دوبلة ل'الجريدة': نحرص في أي فعالية سياسية عاى أن نناقش كل النقاط والتفاصيل المهمة، محاولة منا للإسهام في بلورة رؤية واضحة للمستقبل الذي ينشد فيه المشاركون في الثورة السلمية ملامح الدولة المدنية النظام السياسي العادل الذي يتيح الفرص للجميع. في ساحات الثورة نوع من العيش الجديد يجربه اليمنيون، إذ يحظى كل مواطن بفرصة للتعبير عن رأيه ويشارك في بناء مستقبل بلاده، دون قمع ينشر اليأس ويهمش المجتمع ويبقيه خلف القضبان.