الدكتور صالح سميع قدم استقالته من وزارة المغتربين وغادر الوزارة إلى البيت بانتظار قبول الاستقالة، لكن الرد جاء «إقالة» من خلال التعديل الوزاري الأخير.. ربما كان أحد المعنيين بالمانشيت العريض المنشور في الصفحة الأولى من الثورة في اليوم التالي للتعديل والذي أكد أن بعض الوزراء المبعدين عليهم ملفات لدى هيئة مكافحة الفساد، والبعض لديهم ملفات في طريقها إلى الهيئة، وهو التهديد الهادف إلى إلجام المبعدين وإجبارهم على الصمت، ويبدو واثقاً من نفسه وأكثر ثقة بالملفات التي عنده.. التقيناه في منزله الذي لا يمت بصلة لبيوت الوزراء الأثرياء وضليع في الفقه الدستوري ومؤلف كتاب أزمة الحريات في الوطن العربي وفي الحوار التالي يبدو الدكتور سميع متجاوزاً بكثير حد الدفاع عن سمعته، مجيباً على الأسئلة التي طرحت عليه وأخرى لم تطرح.. * هل فوجئت بقرار إبعادك من الوزارة؟ -لم أفاجأ بالقرار، وقد قلت هذا لأكثر من صديق وزميل، لأني يوم الاثنين 12-5 قدمت استقالتي للأخ رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء واعتكفت في منزلي إلى أن سمعت بقرار التعديل الوزاري، فكان تحصيل حاصل. * قد لا يكون هذا أكثر من تبرير، ماذا لو لم يقع التعديل؟ -نعم، لم يكن في بالي أنه سيجري التعديل لأن القضية طويلة وستعرفون من خلال وثائق نقدمها لكم أن القضية منذ أمد ومكثت أقول لعل وعسى، لكني وضعت سقفاً في النهاية، بحيث إذا استمروا على هذا النحو في قطاع التحقيق والتحري في هيئة مكافحة الفساد فليس أمامي إلا أن أقدم استقالتي. * أبعدت من الوزارة، ولم تعين في مجلس الشورى ولا سفيراً، لماذا أخرجت من كل الأبواب؟ -هذا سؤال يوجه إليهم وليس لي. * لديك تفسير؟ -الذي أنا متأكد منه أن إخراج مجموعة من الوزراء من الحكومة، ثم يلي ذلك تصريحات فيها تعريض وفيها خفة وفيها إساءة.. هي قضية مضحكة وسمجة. * ألا ترى أن الدكتور صالح قد لا يكون من محافظة ساخنة وليس لديه قبيلة قوية تضمن له أن يستمر في هذا السلك؟ -الناس هم الناس، انتماء فلان من الناس إلى القبيلة الفلانية لا يعني أنه سيتمتع بحظوة وآخر من محافظة مسالمة سيكون خاضعاً وعبداً، أنت الآن من محافظة ريمة.. * ليس منها وزير ولا وكيل وزارة ولا وكيل محافظة.. - لا يعجبني الطرح المناطقي على الإطلاق وإن كان لا بأس بهذا الطرح في سياق معين. * مصدر مسئول باسم الحكومة قال بأن هناك بعض الوزراء الذين أخرجوا أحيلت ملفاتهم إلى مكافحة الفساد ثم بعد ذلك تم تسريب للصحافة بأسماء ثلاثة وزراء كنت من ضمنهم.. - هذه بروبجندا إعلامية، وللأسف نحن ننشئ أشياء جميلة ثم نفسدها، عندما تتحول قضية الفساد إلى مادة للاستهلاك الإعلامي وربما الإعلاني ولا نكون جادين في قضايانا، فهذا أمر مؤلم، وأنا شخصياً لا أتألم بصورة كبيرة إلا على هذه القضية.. ننشئ أشياء عظيمة في حياتنا وجميلة لكننا عند الممارسة نفرغها من مضمونها، إذا كان هؤلاء فاسدين لماذا لا تحيلهم إلى القضاء؟ لماذا لا تجري تحقيقات؟ لا تتفوه بهذه الكلمة إلا وعندك ملفات جرى التحقيق فيها والتأكد مما فيها وأن هناك موجباً لإحالة القضية إلى المحكمة بدون ضجيج، لكن أن تتحول القضية إلى نوع من الابتزاز وإلى تبرير أمام الرأي العام، وتجرح آخرين بهذه الكلمات.. هذه مسألة أعتقد أنها ليست قانونية وليست أخلاقية، وهي تنم عن انحطاط في المستوى السياسي وفي التفكير. * هل تحول موضوع مكافحة الفساد إلى نوع من الاستخدام السياسي لإسكات صوت ما.. هل تعتقد أن موضوع مكافحة الفساد بدأ يستخدم استخداماً معيناً من خلال المصدر الذي قيل إن مجلس الوزراء استنكره؟ -ما جرى نوع من المماحكات التي هي أقرب من الخيال، وليس لها غير أحد تفسيرين: أن هناك فوضى تتحكم فيها أمزجة شخصية ولا يوجد ضابط لأمورنا، أو أن اللجنة العليا لمكافحة الفساد لم يكتمل بناؤها المؤسسي حتى اللحظة وأعضاؤها في مجملهم لم يستوعبوا مهامهم، وبالتالي ما هي إلا عبارة عن أجزاء مقطعة الأوصال، كل يتصرف بحسب مزاجه. أستغرب أن هناك قطاعات أخرى غير قطاع التحري والتفتيش والرقابة وقطاع الإعلام ميتة ولا نسمع عنها شيئاً باستثناء، قد يقول قائل إن هذا القطاع مهم لأنه يلامس قضايا الفساد.. طيب وعندك قطاع التفتيش والرقابة لا يقل أهمية عن هذا القطاع، لكنه ميت وفيه شخص جيد اسمه أحمد قرحش، لماذا هذا القطاع هو الذي يتحرك فقط؟ * لديك تفسير؟ -أقول بهذا الاحتمال الثاني إن قضايا الفساد يراد منها تصفية حسابات بين مراكز قوى. * أنت محسوب على أي مركز؟ -أنا محسوب على علي عبد الله صالح، لست محسوباً على أي مركز من مراكز القوى حقيقة، وبدأت أجمع أشياء وأركبها وأشعر من خلالها أن هناك مركز قوة من مجلس الوزراء إلى أماكن أخرى يُعد لشيء في المستقبل وربما يصل إلى شيء من غير السياق الديمقراطي وسياق التبادل السلمي للسلطة. * بشكل أوضح هل هناك قوى تعد لانقلاب وهي تزيح كل القوى المتحالفة مع الرئيس من طريقها مثلاً؟ - أجبت في السؤال السابق. *في استقالتك وصفت مجور بأنه «طاهر القلب واليد واللسان» هل هو تعريض بالآخرين أم أنه شهادة لشخص الدكتور مجور؟ -حقيقة أنا أشهد للدكتور على ما أعرفه منه، وهو -فعلاً- طاهر القلب واليد واللسان، وإذا كان فيه من عيب فهو الطيبة الزيادة. * هل تشعر أنك افتقدت كلمة معالي الوزير التي كنت تسمعها من الآخرين؟ -لم أفتقدها أبداً، لسبب بسيط هو أنني مدرك لهذه القضايا من نواحي نفسية واجتماعية، وتعاملت مع الآخرين متناسياً أنني وزير، فبيتي مفتوح لكل الناس من مأرب إلى المحويت إلى أي مكان آخر وأتعامل معهم بصفتي صالح سميع. * أين ستذهب مستقبلاً؟ كيف ستبرمج حياتك وكيف تفكر أن تقضي حياتك؟ - العمل العام متسع، وسيؤدي الواحد دوره في أي مكان في المجال العام. * بشكل دقيق، هل لديك خيارات غير خيارات الانحياز للسلطة؟ -سأحسمها في القريب العاجل، سأحسم اتجاهي في العمل العام في الأيام القادمة، فالعمل في مجال السلطة عندما أكون راضياً عنه سيكون خياراً وهو عمل عام، والعمل في المجال الأكاديمي خيار، والعمل في صفوف المعارضة خيار وطني أيضاً لا شك في ذلك. * سأقول إن هناك عدداً كبيراً من الذين عملوا في السلطة ليسوا راضين عما يدور كلياً أو يشعرون أن هناك قوى جديدة بيدها مقاليد القرار، هل يمكن أن تكونوا الكتلة الثالثة في المجتمع؟ -أياً كان الحراك الموجود الآن، إذا كان الحراك ينصب في اتجاه يحسم مشكلة السلطة حسماً تاريخياً فأنا أحييه. أي تيار في السلطة أو المعارضة أو مركز قوة سيوصلنا في نهاية المطاف إلى التداول السلمي للسلطة والخروج من هذا المأزق نكون قد دخلنا به التاريخ من أوسع أبوابه. * سمعت أن لك رأياً من قضية محافظ المحويت وربما هذا أثر على التعديل؟ -لا أظن أن ذلك له علاقة، محافظ المحويت رجل صديق وهي كانت وجهة نظر، كان لدينا مرشح آخر وتفاهمنا نحن والآخ وزير الإدارة المحلية، اتصل بي وقال دع الأخ محمد يحيى الشرفي عضو مجلس النواب -وهو رجل معروف- ينزل يترشح وهذا توجيه وما أنا إلا مأمور، اتصلت بالأخ محمد الشرفي وأتى إلى هنا، وصل الأخ المحافظ، أبلغت الأمين العام للمحافظة وأنا أعرف أنه صديق المحافظ وأنه سيبلغه بكل التفاصيل، قلنا هناك مرشح آخر وهو محمد يحيى الشرفي، بعدها اتصل لي وزير الإدارة وقال سيحسم الموضوع يوم الاثنين، اتصل بي يوم الاثنين وقال للأسف حسمت القضية للأخ أحمد علي محسن بفارق واحد، قلت له ما المانع طالما وكلهم من المؤتمر أن تكون هناك منافسة ديمقراطية ومن فاز منهما فعلى العين والرأس، بحيث يكون لقضية الانتخاب معنى؟ قال والله يا أخي هو هذا، اتصلت بالأخ محمد الشرفي، أطلعته على الوضع وقلت له الأفضل لك يا أخ محمد أن تجلس في البيت اتجاه الريح ليس في صالحك. * تلقيت مكالمة من مستوى عالٍ يعتب عليك بهذا المعنى؟ -هذا الكلام لم يحصل قط. * اتخذ قرار انتخاب المحافظين في مجلس الدفاع الأعلى، لماذا لم يأت منكم كمجلس وزراء؟ -هذه من عجائبنا، عندما نواجه تحدياً معيناً أو مخاطر معينة، لا ندرس أمورنا بروية ثم نتخذ القرار.. ما المانع أن يتخذ قرار المحافظين عبر مؤسسة أخرى دستورية!؟ أتصور أنها جاءت في لحظة غضب ولم يكن في بال متخذ القرار هذه القضية.. * كذلك شكلت لجان في موضوع المحافظات الجنوبية والشرقية.. نتساءل كمواطنين أين مهمة مجلس الوزراء إذا كان كل قضية عندها لجنة؟ - المسألة حقيقةً مسألة محيرة، لكن نعتقد أنها معالجات تأتي في ظل ظروف معينة وأنها ستخدمنا لكن يتضح في النهاية أن العمل بلجان خارج المؤسسات الدستورية لا يسمن ولا يغني من جوع بل يأتي بردات فعل سلبية. * هل هناك قرارات مشابهة اتخذت ولا علم لكم بها وأنتم حكومة؟ -أذكر قضية واحدة، تعيين محافظ صعدة مطهر رشاد المصري، ورأيت في ديباجة القرار: انطلاقاً من قانون السلطة المحلية وبناء على عرض وزير الإدارة المحلية وموافقة مجلس الوزراء.. حقيقة نحن لم نعلم شيئاً إلا في التلفزيون.. لكن قد تكون لظرف استثنائي يتعلق بمحافظة صعدة. * قانون مكافحة الإرهاب وحماية الوحدة الوطنية هل مر عليكم كمجلس وزراء ووافقتم عليه؟ -مر علينا وشكلت لجنة لقراءته برئاسة نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية آنذاك د. رشاد العليمي ووزير العدل ووزير الشؤون القانونية ومجموعة من الوزراء لها وضع خاص. * أنت مؤلف لكتاب الحريات في الوطن العربي، هل كنت موافقاً على مثل هذا المشروع؟ -أعتقد أن المشروع يأتي في إطار الشراكة، شراكة مكافحة الإرهاب. * ما يتعلق بمشروع حماية الوحدة الوطنية؟ -كان رأيي أن يفصل بين قانون الإرهاب وبين قانون حماية الوحدة الوطنية، بالنسبة لقضية الوحدة الوطنية هناك نصوص في الدستور واضحة، أنا شخصياً أنظر لهذا القانون وكأنه أشبه بقانون القيم «حماية القيم من العيب» الذي اتخذه السادات في لحظة غضب وأساء إلى مصر وسمعة مصر أكثر مما مثلها. * الوحدة الوطنية يحميها الناس في نفوسهم.. -هذه القضايا يحميها الناس بمحبتهم لوطنهم وإقامة العدل وبالحرية، تذكر أنت في قضية الوحدة كيف شكلت لحمة أثناء حرب الانفصال وكيف تسابق الناس من الشمال إلى الجنوب للدفاع عنها، هنا الحماية الحقيقية، لأنه كان هناك مشروع، كان يتصور الناس أن المستقبل سيكون أفضل بالوحدة وأن هذه حقيقة تاريخية مجسدة، وجدوا أنها تستحق التضحية فحموها. * شكلت لجنة برئاسة باصرة وعبدالقادر هلال وقالوا إن هناك (15) نافذاً في الجنوب نهبوا الأرض، هل ناقشتم هذا التقرير في مجلس الوزراء واتخذتم قرارات؟ -ناقشنا هذا الموضوع وبتفصيل، لكن الأسماء في معظمها ظلت طي الكتمان. * وأنتم في مجلس الوزراء هل تشعرون أنكم أصحاب صلاحيات واسعة تستطيعون اتخاذ قرارات، أم تخشون جهة ما وأنتم تتعاملون مع أي قضية؟ - باختصار، نشعر أننا موظفون. * نعود للمسألة الرئيسية في موضوع الفساد، كيف تطالبكم هيئة مكافحة الفساد بصرف مبالغ لشخص لا يعمل عندكم، هل لديك تفسير؟ -هذا هو الذي حيرني حقيقة، وهذا هو الذي دفعني لتقديم الاستقالة لأنني لم أستوعب القضية، كيف بقطاع معني بالتحقيق والتحري في هيئة عليا لمكافحة الفساد يعول عليها كثيراً في إصلاح البلاد والعباد، كيف تأمرني بصرف مستحقات رجل مختلس يعرفه القاصي والداني وليس في وزارة شئون المغتربين وهو عبارة عن سمسار فساد بين وزارة المالية وبين وزارة شئون المغتربين؟ عاش في ظل أجواء معينة واختلس ما يقرب من ستين مليون ريال من دعم جاليات المدارس ولا نعرف أين مرتبه بحجة أنه مدير مركز تعليمي في إثيوبيا.. كذب، انتهى هذا في عام 98م. * هل من صلاحيات اللجنة أن تأمرك بدفع مبالغ بهذه الصورة؟ -ليس من صلاحياتها، وأنا أعتقد أنها أجزاء مقطعة، أجزم أن الإخوة في اللجنة عندما يجتمعون مضللون ولا يعرفون الحقيقة، أجزم أن في أعضائها من لا يعلمون بالمذكرات التي تأتيني من قطاع التحقيق والتحري وتأمرني بصرف حقوقه، حتى أن أحمد قرحش يسأل ويقول هات مرتبه، قلت له تصدقني وإلا ما تصدقني؟ قال أصدقك، قلت له هذا الرجل ليس موظفاً عندي لا مالياً ولا إدارياً كيف أدي له؟ الرجل استغرب، تصور أن عضو رئيس هيئة قطاع التفتيش يستغرب أنه ليس عندي، ورئيس التحقيق والتحري يعرف هذا الكلام ومع هذا يأمرني أن أصرف مرتبه. * لاحظت أن من ضمن استقالتك تم إيقاف مخصصاتكم في البنك المركزي من قبل هيئة مكافحة الفساد؟ -نعم. * بأي مسوغ قانوني أجازت لنفسها إيقاف مستحقات وتحولت إلى جهة تحرّ وجهة تنفيذية وقضائية؟ -قلت إنها قضايا أغرب من الخيال، مثلما أنت مستغرب أنا استغربت عن هذه القضية ولهذا كانت ردة فعلي غاضبة لأنها أشياء غير معقولة، في البداية يسألني عن دعم المدارس كم هو؟ أقول له كذا، يرجع يوجه لي مذكرة ويرفق بهذه المذكرة دفع مستحقات الذماري، يرجع يعمل لي مذكرة يريد التفصيل والحساب، أدي له التفصيل والحساب، ويرفقها بمذكرة بصرف مستحقات الذماري، إلى حد أنني فهمت من هذا بشكل قاطع لا لبس فيه أن القضية مش قضية محاربة فساد، بل كأنه يساومني، المستندات أديها، والحسابات أديها ويرفقها بمذكرات الذماري، يعني هذه بتلك كأنه يريد أن يقول إذا دفعت مستحقات الذماري سنسكت عن بقية القضايا، قضية ابتزاز، واحدة بواحدة، لسنا في إطار محاربة جادة للفساد وإنما مساومة قضية فساد بقضية سليمة ليس فيها فساد، وهذه موثقة وأعطيك وثائق، هكذا القضية. * قالوا إنك دعمت برنامج «نوح الطيور»، بكم دعمته؟