أجمع باحثون شاركوا في ندوة سياسية أمس الاثنين أن اليمن تعيش حالياً حالة فراغ دستوري في ظل عجز سياسي، إضافة إلى ضعف في الأداء الثوري، ترافقه تدخلات خارجية عملت على تأخير عملية التغيير رغم سقوط رأس النظام. وأوصت الندوة السياسية التي نظمها مركز أبعاد للدراسات، وقُدِمت بها أربع أوراق عمل لباحثين سياسيين، على ضرورة التعامل مع الخارج وفق المصلحة المستقبلية للبلاد ومن خلال التمييز بين من يريد إنجاح الثورة الشعبية ومن يريد إعاقتها. الندوة التي كانت بعنوان "الثورة اليمنية بين إرهاصات الداخل وتدخلات الخارج" وأقيمت صباح اليوم الاثنين في ساحة التغيير بصنعاء، طالبت الساحات بضرورة العودة لتصعيد العمل الثوري والابتعاد عن تصفية الحسابات السياسية قبل وصول الثورة إلى هدفها، واقتناص اللحظة التاريخية التي تخرج البلاد إلي بر الأمان عبر فرض "المشروعية الثورية" بدلا عن مشروعية "النظام الساقط". ويرى الباحث ثابت الأحمدي إن التدخل الخارجي في الثورة اليمنية قادم من ثلاثة اتجاهات: الأمريكي والأوروبي والخليجي، وكل منهم يبني مواقفه من الثورة اليمنية بناء على مصالح بلاده، مستطرداً "بإمكاننا أن نقول أن الموقف الخليجي هو سعودي بالأساس إذا ما استثنينا قطر". واعتبر التدخل الأمريكي والسعودي "عائقا أساسياً" أمام تحقيق الثورة اليمنية لأهدافها، وقال "تعاملت الولاياتالمتحدة مع الرئيس صالح بموجب قاعدة (جني تعرفه ولا انسي ما تعرفه) ، وهناك عدد من النقاط كمبررات لتدخل واشنطن في اليمن منها الموقع الجيوسياسي لليمن على خط الملاحة والسيطرة عليه والتحكم فيه من يتم من خلال التدخل في العمل سياسي، إضافة إلى الشراكة في الحرب على القاعدة والحضور النفطي عبر شركة هنت". وعن الحضور الأوروبي قال الباحث الأحمدي إن الحضور الفرنسي والبريطاني يغلب عليه الطابع الاقتصادي، وإن بدا اقل من الحضور الأمريكي، إلا أن له دور في تكوين سياسة النظام اليمني. وشدد الباحث على أن اللاعب الأكثر حضوراً في اليمن هو السعودية، وقال "السعودية الحليف الاستراتجي لأمريكا والمخلص لها بل وتعد الوصي الإقليمي على منطقة الشرق الأوسط التي تسلمت العديد من الملفات، خاصة بعد تراجع الدور المصري ومن بينها ملف اليمن". وأضاف "حضور السعودية في اليمن ليس بجديد، بل كان لها تأثير على صنع القرار في اليمن على المدى الطويل حتى أن هناك مقولة تنسب لولي العهد السعودي سلطان بن عبدالعزيز بغض النظر عن صحتها إلا أنها تشير إلى مدى التأثير السعودي علي اليمن فقد نقل عنه انه قال (أنا اعرف باليمن من علي عبدالله صالح)". وأشار الباحث إلى أن اليمن لم تغب عن أي حدث يمني وهي حاضرة في اليمن منذ الثلاثينيات، وقال " كان لها حضور سلبي، والوحدة اليمنية خير شاهد فلم تقتنع بها إلا بعد إقناع الولاياتالمتحدةالأمريكية لها، وعند استقراء الكتب والمراجع كان موقفها واضحا من ثورة 48 وكذالك من انقلاب 55 من ثورة 26 سبتمبر 1962م". وأشار الأحمدي إلى دلائل تربط السعودية بحادث بيحان الذي استهدف مشائخ من الشمال لتأزيم الوضع بين الشمال والجنوب خاصة حين بدأت العلاقات بين الشطرين تتطور، متهما إياها ببتر حضرموت والمهرة من خارطة الجمهورية اليمنية في المناهج الدراسية، والتغرير بالقادة الجنوبيين للانفصال. وقال "السعودية تريد حاليا إفشال الثورة اليمنية من خلال تدخلها عبر ما يسمى المبادرة الخليجية"، معتبرا أنها "شكلت تنفساً صناعياً للنظام في اليمن بعد أحداث جمعة الكرامة والانهيار الذي أحدثته الاستقالات". وأضاف "ظهرت السعودية من خلال جرجرة أحزاب اللقاء المشترك إلى الحوار في موقف يشبه موقف الملك عبدالعزيز عندما جرجر عزام باشاً رئيس الجامعة العربية إلي المملكة بغرض التشاور لساعتين بعد أن كان متجها إلى اليمن لكنه حجز الوفد لمدة ستة أيام حتى تمكن الإمام أحمد لجمع الجيوش في صعدة ثم الالتفاف على صنعاء وإسقاطها". وفي ورقة أخرى حول (الأداء السياسي والثوري)، قال الباحث السياسي زايد جابر "كان الأداء الثوري حتى جمعة الكرامة يحقق كل يوم انتصارات كبيرة بلغت ذروتها في الاستقالات الكبيرة في الجيش التي كانت كفيلة بإسقاط النظام وفي هذه الإثناء دخلت الخليج في قواعد اللعبة السياسية للحوار بين السلطة والمعارضة إلا أن أحزاب اللقاء المشترك رفضت الحوار المباشر مع النظام". وأضاف " أعلنت أحزاب اللقاء المشترك تأييدها للثورة ما جعل الرئيس يدعو الأحزاب إلي الحوار السياسي حتى لا يعترف بشرعية الثورة بل يريد أن يصورها على أنها أزمة سياسية، وهو ما رفضته المعارضة". وتابع "من الواضح في ثورة تونس كانت الثورة عبارة عن مسيرات ومظاهرات ولم يكن هناك اعتصامات، وفي مصر بدأت بمسيرات ثم باعتصامات، وفي 18 يوماً سقط النظام، لكن في اليمن كان هناك زخما ثوريا اكبر رغم الفارق في التعداد السكاني بين مصر واليمن". وتطرق الباحث جابر إلى دور الجيش المصري والتونسي في حسم الثورة بهذين البلدين، وقال " في اليمن أعلن أكثر من نصف الجيش دعمه لثورة الشعب ومن ثم حدث هناك شلل، فلا الجيش أستطاع ان يحسم الثورة ولا النظام استطاع ان يجهضها". وقال "من هذا المنطلق أرادت أحزاب اللقاء المشترك أن تقوم بالدور الذي قام به الجيش المصري والتونسي وتكون حامية للثورة لكن المبادرة الخليجية حولت المسار من العمل الثوري إلي العمل السياسي، رغم إصرار الشباب لرفضهم لكل مسارات الحوار والمبادرة". وأضاف زايد جابر "لا ننكر دور أحزاب اللقاء المشترك في الساحات والحديث عن ثورة شباب فقط تمييز شكلي غير واقعي". وتطرق الباحث إلي ما بعد حادثة دار الرئاسة ورحيل الرئيس صالح للعلاج، وقال "حدث تحول لم يستغل بل صدر قرار إدانة من أحزاب اللقاء المشترك للحادث وتمنت من الرئيس حل الأزمة وهذا غير موضوعي". وأشار زايد جابر إلى خيارات لحصول التغيير من بينها "الانتقال السلمي للسلطة إلي النائب او تكوين مجلس انتقالي"، وقال "الخيار الأخير سيثير مشاكل من بينها المحاصصة، ومن هنا يبقي خيار انتقال السلطة للنائب هو الأفضل لكن يتم بموجب الشرعية الثورية وليست الشرعية الدستورية، وبإمكان المشترك القبول بهذه الآلية ومن ثم يتم الاتفاق على التعديلات الدستورية والقائمة النسبية في إطار الحوار مع الشباب في الساحات". وأضاف "الشرعية الدستورية تنص على انتقال السلطة إلى النائب ومن ثم تجري انتخابات خلال شهرين وهو ما يجعل النظام يفرز نفسه، فمدة شهرين لا تكفي أن يحقق فيها إصلاحات في السجل الانتخابي واللجنة العليا للانتخابات". واستغرب جابر من تسيير بعض الشبان لمسيرات إلي منزل النائب (عبدربه منصور هادي) للمطالبة بمجلس انتقالي، وقال "الثورة جاءت لتقتلع النظام بكامله وليس لتطالب النائب الذي هو من رموز النظام، والذي لا تعترف بشرعيته الثورة". وقال "هناك أخطاء أخرى تواردت ومنها مطالبة بعض الشباب من السفير الامريكي مساعدتهم في تشكيل مجلس انتقالي وهذا عمل سياسي وليس ثوري ومن ثم ستتحول الساحات إلى العمل السياسي وليس الثوري ومن هنا تكمن الخطورة لخلق التوتر في الساحات بين القوى"، متمنيا على الساحات ان تعود للعمل الثوري بمساعدة الأحزاب. وفي الجانب القانوني بشأن ما إذا كانت اليمن تعيش فراغاً دستورياً، أكد المحامي عبدالرحمن برمان ان البلاد تعيش حالة من الفراغ الدستوري، وقال "بحسب المادة 116 من الدستور فإن هناك خلو لمنصب الرئيس خاصة بعد مضي ما يقارب من شهر على حادثة النهدين لا نعرف عن الوضع الصحي الحقيقي للرئيس، كما ان البرلمان الذي يفترض انتقال السلطة إلى رئاسته لم يعد شرعياُ بعد انتهاء فترة التمديد المحددة بمرة واحدة". أما بخصوص وضع النائب الحالي عبد ربه منصور هادي فهو عين بقرار جمهوري في تسعينيات القرن الماضي وظل يمارس عملة بصفة دستورية وقانونية إلى عام2006م ، وبعد هذا العام لم يصدر قرار جمهوري بتعيينه نائباً، وهذا ما يجعل منصبه حالياً وفق شرعية توافقية وليست قانونية نظرا لإجماع الأحزاب السياسية. من جهته، يوجز الباحث السياسي محمد الغابري في محوره، المخرج للوصول بالثورة إلى تحقيق مطالبها بالقول "هناك لحظه تاريخية وهي إما تأخذنا إلى بر الأمان مع وجود التكاليف وإما إلى الانهيار الكامل للبلد أو عودة النظام، وهناك شرعية ثورية لابد ان تحل محل النظام الساقط". وأضاف "إذا لم تسد القوى الثورية الفراغ الدستوري الحاصل فسيقوم غيرها بسد هذا الفراغ، وما حصل في دار الرئاسة من اغتيال كان يشير إلى مخطط لانقلاب معد، بالدليل انه أعقبه حديث عن تشكيل مجلس عسكري، ولو كان لهذه المخطط أن ينجح سيجد هذا المجلس من يعترف به، ويتعامل معهم بل ويدعمهم". وقال محمد الغابري "على القوى الموالية للثورة أن تبادر بسد هذا الفراغ وان لا تتخوف من الاعتراف الدولي الذي ستفرض الشرعية الثورية نفسها باعتبارها المستقبل و النظام هو الماضي". وأضاف "هناك إمكانية لتأسيس جمعية وطنية، وعلى المعارضة أن لا تتخوف من تحمل رواتب الموظفين كون حكومة تصريف الإعمال لا تسقط مهامها مع تكوين هذه الجمعية التي تتلخص في تسير أمور الناس ومصالحهم وجلب الخدمات الضرورية بشرعيتها الوسعة بين الشعب بينما تظل الحكومة في مهامها حتى يتم تشكيل حكومة توافقية. وأشار إلى أن السعودية لها موقف من الثورة اليمنية وهي لا تريد ان تعترف بها وان ما يحصل في اليمن أزمة سياسية، وقال "بل وصف راديو الرياض المشهد في تعز بشكل استفزازي فعندما وقعت محرقة ساحة الحرية في تعز كان يتحدث عن ملاحقة القوات اليمنية لمتمردين في شوارع تعز". وأضاف الباحث الغابري "المشترك يعمل على انتقال السلطة إلى النائب عبدربه منصور هادي ونحن لا نراهن عليه، إلا إذا أظهر ولاءه للثورة وتعامل معها شكل ايجابي، أو فهو جزء من النظام وضد للثورة".