أعادت الأحداث التي شهدها ميدان التحرير، بوسط العاصمة المصرية، منذ مساء الثلاثاء، الأذهان إلى ما شهده الميدان ذاته يوم 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، وما أعقبه فيما عرف إعلامياً ب”موقعة الجمل”، وهي الأحداث التي جاءت بعد ساعات من الحكم القضائي بحل المجالس المحلية، التي كان يتمتع أعضاء الحزب “المنحل” بالسيطرة على مقاعدها . وعلى مدى 24 ساعة، كان الميدان وضواحيه على وقع اشتباكات متقطعة مع أجهزة الشرطة، والتي استخدمت خلالها العصي الكهربائية والقنابل الغازية والرصاص الحي، حسب بعض الشهود، وهو ما خلف مئات المصابين، تضاربت الأنباء الرسمية بشأن عددهم، كما تضاربت الأنباء ذاتها عن أطراف الاشتباكات مع أجهزة الشرطة، فيما كان الاتفاق على أسبابها واضحا، حسب شهود العيان . وحسب الشهود، فقد اشتعلت شرارة الاشتباكات بمدخل مسرح البالون في ضاحية العجوزة، عندما حاول مؤيدو الرئيس السابق الدخول للمسرح لتكريم حسني مبارك، في محاولة منهم لإفساد تكريم إحدى الجمعيات الخيرية لأسر شهداء الثورة بالمسرح ذاته . وعلى إثر رفض أمن المسرح دخول هؤلاء، وقعت اشتباكات متبادلة بين الطرفين، خلفت وراءها مصابين، ما دفع العديد منهم إلى التوجه مسرعين إلى ساحة “ماسبيرو”، حيث يعتصم شباب الثورة قبل أيام مطالبين بسرعة محاكمة رموز النظام السابق على جرائمه بحق المصريين وقتله لمتظاهري 25 يناير . ونجح مؤيدو مبارك، مع عدم إبراز هوياتهم، في إثارة معتصمي “ماسبيرو”، محاولين تعبئتهم وشحنهم ضد وزارة الداخلية، داعين إياهم إلى التوجه معاً إلى مقر الوزارة في ميدان لاظوغلي للتنديد ببطء محاكمة النظام السابق . ولم يكن يدرك معتصمو “الثورة” أن هذه حيلة، للوقيعة بينهم وبين ضباط الشرطة، وإثارة الفتنة مجددا بين المصريين، فما أن وصلوا حتى أظهر مؤيدو مبارك الأسلحة البيضاء، مشهرين العصي الغليظة، وقاموا بإلقاء الأحجار على عناصر الشرطة التي بادلتهم بإطلاق القنابل عليهم . وفي هذه الأجواء تعاظمت الفتنة والإثارة بأن الشرطة توجه قنابلها للشعب والثوار، فما كان إلا المزيد من الاحتقان، التي لم ينجح خلالها الثوار في تهدئة جموع المحتجين، وما اختلط بينهم من حابل ونابل، ما أشعل الموقف بين الجميع، فيما كان اللافت استعانة بعض الضباط بالبلطجية على نحو ما كان يفعل النظام السابق، لتختلط الأمور جميعا، وكان الأبرز فيها الوقيعة بين الشعب والشرطة، والتي أدركت أخيرا أبعاد الوقيعة ذاتها فأعلنت انسحابها من جميع الشوارع التي كانت ترابط بها في محيط الوزارة، لتقوم بتعزيز الأماكن الحيوية، مدعومة بقوات الجيش . الغالب على كل هذه الاشتباكات سيطرة الشائعات على نحو لافت، وكان من تداعياتها بروز حالة من الاحتقان بين الثوار وعناصر الشرطة، جعلت بعض الحركات الاحتجاجية تعلن عزمها الاعتصام في الميدان، لحين تحقيق مطالب الثورة . كما أن تضارب الأرقام كان سيد الموقف بامتياز، وخاصة بين المصابين . ففيما أعلنت وزارة الصحة أن عددهم يقدر بنحو 1036 مصاباً . ذكر مجلس الوزراء أن عددهم يقدر بنحو 65 مصاباً . غير أن الاتفاق التام فيما بينهم كان عدم وقوع قتلى بين المصابين . بدورهم، نفى مسؤولون بالوزارة توجه قوات الأمن إلى ميدان التحرير لقمع المحتجين، وأنها تعاملت فقط مع الأعداد التي تواجدت أمام الوزارة، فيما نفت أيضا تقدم وزير الداخلية باستقالته، على خلفية مطالبة المحتجين بإقالته، وهو ما نفاه أيضا مجلس الوزراء .