الغموض يحيط بعودة الرئيس اليمني على عبدالله صالح الى بلاده- بعد غياب أكثر من ثلاثة أشهر في رحلة علاج في السعودية إثر اصابته خلال محاولة فاشله لاغتياله. فهذه العودة المفاجئة تأتي في وقت يعاني فيه اليمن أزمة حادة، خاصة في ظل اشتباكات حادة بين مناوئي صالح ومؤيديه، أسفرت حتى الآن عن سقوط أكثر من 70 قتيلا، معظمهم من المدنيين والمتظاهريين العزل. في أول رد فعل على عودة الرئيس صالح، خرج الموالون يبتهجون في شوارع العاصمة صنعاء، وفي المقابل خرج المعارضون يحتجون على هذه العودة «غير المرغوبة»، خاصة أنها جاءت متزامنة مع تصعيد أمني غير مسبوق من قبل القوات الحكومية ضد المحتجين، وبعد إعلان الحزب الحاكم أن صالح لا يزال على رأس سدة الحكم. وكان صالح قد خول الأسبوع الماضي نائبه عبدربه منصور الهادي التفاوض مع المحتجين حول نقل السلطة سلميا في اطار ما يسمى ب«المبادرة الخليجية» التي اقتضت سفر رئيس مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف بن راشيد الزياني إلى صنعاء، ليتابع من هناك ما إذا كانت تنفذ بطريقة جادة بين الطرفين. غير أن الزياني غادر من دون التوصل إلى اتفاق مثمر. الاحتراب الأهلي على الأبواب توشك الحكمة اليمنية أن تفشل في الحفاظ على مصداقيتها، ويكاد نذير الشؤم أن يحقق مراميه في إحراق الأرض السعيدة وتحميل أبنائها مآسي الاحتراب والاقتتال على مغريات سلطة مجنونة وكرسي حكم، يسعى الكثير من الطامحين للجلوس عليه، وذلك مع استمرار ما يدفع بهذه الحكمة الى أن تخرج من عقال سلمية الثورة ضد نظام عبدالله صالح التي أكدت أحزاب المعارضة والجيش المؤيد للثورة التمسك بها. بقيادة اللواء علي محسن صالح الاحمر حتى يتحقق التغيير، وتتم تلبية تطلعات اليمنيين في الانعتاق من نظام حكم الرئيس علي عبدالله صالح الذي استمر 33 عاما. كما ان التصعيد الخطر الذي شهدته الأزمة السياسية اليمنية مؤخرا يعطي مؤشرا على نفاد مخزون ضبط النفس الذي قالت قوات الجيش الموالي إنها لن تفرط به أمام «الاستفزازات» التي تتعرض لها من قبل المعارضة لجرها الى مربع المواجهات والعنف! فالأزمة السياسية اليمنية المحتدمة منذ نحو ثمانية أشهر، وصلت الى مرحلة من الاحتقان الذي تسببت به تناقضات أطرافها وتوجهاتهم تجاه الوصول الى حل، وتجاه التعاطي مع ما يمنع اشعال فتيل تفجيرها لتتحول الى حرب أهلية، على الرغم من الجهود والمساعي التي بذلتها الأطراف الأقليمية والدولية لمنع انزلاق اليمن الى محرقة الحرب والدماء. هذا الانفجار الذي لم يستطع أحد ايقافه تحقق بكل أسف خلال الأيام الماضية، حيث شهدت صنعاء ومحافظات أخرى مواجهات واشتباكات طاحنة بين القوات المواليه لصالح والقوات المؤيدة للثورة، ترافقت مع تبادل الاتهامات حول مسؤولية كل طرف في تفجير فتيل المواجهات سعيا لادخال البلاد في دوامة الاحتراب الداخلي والحرب الأهلية. تبادل الاتهامات وفي هذا الخصوص، قال نائب وزير الإعلام عبده محمد الجندي ل القبس إن دعوة الحسم الثوري التي دعت اليها المعارضة كانت إحدى مراحل مخططها لتفجير الحرب الأهلية، وان قرارا اتخذته قيادات المعارضة والجيش المنشق في اجتماع عقدته في صنعاء قبل أسبوع من تفجر المواجهات، الاحد 19 سبتمبر الجاري، تم فيه اعطاء اشارة البدء لعناصرها من المسلحين الذين تم جلبهم من محافظات أخرى والمسنودين بقوات من الجيش المنشق بقيادة اللواء علي محسن صالح الاحمر. وكشف الجندي عن تفاصيل مكالمة هاتفية جرت بين اللواء محسن والفريق هادي، أخبر فيها اللواء الاحمر الفريق هادي ان قادة أحزاب المعارضة الذين يتحاور معهم -هادي- بشأن تنفيذ المبادرة الخليجية، هم من اتخذوا قرارا بتفجير الوضع العسكري بداء من صنعاء كمرحلة أولى ثم الى بقية المحافظات، وذلك ضمن تصعيد خيارات الحسم الثوري لاسقاط النظام. من جانبها، كررت لجنة تنظيم ثورة الشباب أن حركة الاحتجاجات ستظل «سلمية»، داعية اليمنيين الى الاعتصام «ليل نهار» حتى سقوط النظام، نافية ضلوعها في مخطط لتفجير الأوضاع الأمنية، واعتبرت أن بقايا عائلة صالح وأقرباءه هم من يسعون لإدخال البلاد في دوامة الاقتتال الأهلي. واتهم اللواء علي محسن صالح قائد الجيش المساند للثورة ما أسماه ب «عصابة عائلة صالح» باغتصاب السلطة والوقوف في مواجهة الثورة الشعبية ضد النظام، وحمّلهم مسؤولية تفجير الوضع. وأكد أن الثورة ضد نظام صالح «سلمية» حتى تحقق أهدافها في التغيير وانهاء نظام صالح بالطرق والوسائل السلمية. يذكر هنا أن بعثة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان في اليمن، اتهمت في تقرير لها السلطة في صنعاء بالافراط في استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين، وحثتها على وقف العقاب الجماعي واتخاذ اجراءات فورية لحماية المدنيين، واحترام الحق في التظاهر السلمي ومواجهة الوضع الانساني المتدهور. خطر المراوحة مجريات الأحداث اليومية تنبئ بأن اليمن ينزلق بسرعة مخيفة الى الحرب الأهلية، وهذا من شأنه وضع أمن البلاد والمنطقة والعالم أمام المحك، نظرا للمخاطر الكبيرة التي قد تنجم عن ابقاء الوضع الراهن في خانة المراوحة من دون الضغط على أطراف هذه الأزمة لإبقاء الصراع في الإطار السياسي والتحذير من الانجرار نحو محاولة تفجيرها الى مواجهات مسلحة. كما أن هذه المراوحة تضع دول مجلس التعاون الخليجي- على وجه الخصوص– وهي التي تبنت مبادرة في ابريل الماضي لحل هذه الأزمة، أمام مسؤولية التحرك السريع وعدم البقاء في موقع من قدم المبادرة واكتفى بمشاهدة «مباراة التصعيد السياسي والعسكري بين طرفيها»، ذلك لأن المراوحة في المواقف «الاقليمية والدولية» اغرت طرفي الأزمة - السلطة والمعارضة – على ممارسة ضغوطهما المتبادلة لتحقيق مكاسب سياسية ضد كل طرف، والتنصل من التزامهما بتنفيذ بنود المبادرة الخليجية، حيث ان استمرار ذلك لن يدفع ثمنه فقط اليمنيون الذين لا ناقة لهم ولا جمل في ما يدور من صراع على «كرسي الحكم والسلطة»، وانما ايضا اشقاؤهم واصدقاؤهم في العالم، الذين لن يسلموا من تداعيات خسارة استقرار اليمن وامنه.