أفرزت ثورة الشباب في اليمن خلال العشرة الأشهر من هذا العام العديد من المفاهيم التي عرفت كل شرائح المجتمع وبصرتهم بحقوقهم ومطالبهم العدالة التي حرموا منها منذ عقود عدة وسط تهميش ونسيان كبير من قبل الذين أُوكلت لهم قيادة البلد إلى بر الأمان كما كان يقال خلال تلك المرحلة من نظام الحاكم . الثورة حملت بين طياتها كل ما هو ايجابي في وجهة نظر شباب الثورة وحتى على مستوى شرائح المجتمع التي تعاني من الأمية وانتشار الجهل وثقافة العنف والثأر وحمل السلاح ،المنتشرة بشكل كبير بين اليمنيين وخلفت مآسي كثيرة نتيجة الوعي الضئيل بين أوساط المجتمع . ورغم كل ما تعرض له الشباب خلال تلك المراحل من عمر ثورتهم إلا أنهم اثبتوا صمودهم وجدارتهم على التغيير ورسم ملامح الدولة المدنية دولة النظام والقانون الذي يكفل لكل مواطن حقوقه المشروعة والعيش بحياة كريمة بعيداً عن التطرف ولغة العنف . الثورة اليمنية احدث صدى واسع على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وأظهرت للعالم أن هناك شعب له إرادة ولا يمكن لها إن تنكسر وقادرة على إرساء قواعد الحرية والتغيير وإعطاء مساحة كبيرة لحرية الرأي والتعبير وخلق جو من التناسب بين كل فئات المجتمع . أحدثت الثورة تأثيرا كبيراً على حياة اليمنيين واستطاعت إن تدخل كل منزل في أنحاء اليمن عامة وأصبح حديث الناس عن الثورة عادة يومية وما أنجزته من أهداف وما سيتم تصحيحه خلال المرحلة القادمة بناءً على الأهداف التي خرج من اجلها كل شباب اليمن بعد فترة مريرة عاشوها . وبفعل العمل الثوري والعنفوان الكبير لدى الشباب وقناعتهم بالثورة التي غيرت مجرى التاريخ وأدخلت اليمن منعطف جديد وحولت الناس إلى مستوى كبير من الوعي والولاء للوطن انتشرت جذور الثورة من ساحات الحرية وميادين التغيير إلى أعماق مؤسسات الدولة ومرافقها الحكومية تأثراً بالأهداف والمطالب التي قُتل من اجلها الشباب والنساء والأطفال أثناء مواجهتهم لآلات القمع . جذور الثورة أشعلت العديد من الاحتجاجات داخل المؤسسات الحكومية بفعل ما كان يعاني منه كل العاملين لدى هذه المؤسسات ومصادرة حريتهم وحقوقهم منذ بداية العمل فيها وحتى هذه المرحلة . لم تكن المؤسسات المدنية وحدها قد أشعلت الثورة في أروقتها ضد كل المفسدين بل امتدت إلى المؤسسات العسكرية والمطالبة بإقالة كل المفسدين ومحاسبتهم على نهب المال العام . كانت مؤسسات حكومية بارزة انتفض موظفيها على مدرائهم للمطالبة بحقوقهم وإعادة هيكلة تلك المؤسسات وفقاً لإدارات قادرة على الانتقال والتطوير إلى مراحل جديدة واستبدال كل الفاسدين بآخرين أكفاء . مؤسسة وراء مؤسسة شهدت احتجاجات وشعارات تطالب بالتغيير فكانت المؤسسات الصحفية ابرز تلك المؤسسات وكذا مكاتب التربية والتعليم والنفط والمعادن والمياه والكهرباء وشركة الطيران ومؤسسات عسكرية عدة . ان ما قام به العملين والموظفين في المؤسسات الحكومية في صنعاءوتعز والحديدية والضالع وحضرموت ومحافظات يمنية أخرى لدليل كبير على انتشار جذور الثورة إلى كل مكان لتصحيح كل الأخطاء والتجاوزات على النظام والقانون. في صنعاء شهدت عدداُ من المكاتب التنفيذية مظاهرات حاشدة يطالب الموظفين لديها بحقوقهم وإقالة مدرائهم ومن ابرز تلك المكاتب والمؤسسات الكهرباء والميادة والتربية والتعليم والصحة ومؤسسات إعلامية كصحيفة الثورة والتلفزيون الرسمي ومؤسسات صحفية أخرى سببت بتغييرات جذرية لها . وعلى مستوى المؤسسات العسكرية فقد تظاهر العشرات من ضباط وجنود كلية الشرطة بالعاصمة صنعاء احتجاجاً على ممارسات عميد الكلية وتورطهم في قضايا فساد ونهب للمال العام أدت تلك الاحتجاجات إلى إقالة على الفور استجابةً لطلب المحتجين وهو اكبر دليل على وجود صحوة انتشرت على مستوى المؤسسات الحكومية والأهلية على حداً سواء . كان الوضع نفسه في مدينة تعزالمدينة التي لم تهدأ يوماً واحداً فقد شهدت عدد من المكاتب مظاهرات ضد مدراء منها مكتب التربية والتعليم والصحة والمياه والكهرباء والشؤون الاجتماعية والعمل والأجهزة الأمنية غيرها . وأيضا في محافظة الحديدة غرب البلاد أغلق مئات الموظفين والعاملين في مؤسسات حكومية عدداً من المكاتب التنفيذية هناك وطالبوا بتغيير مسئولين متورطين في قضايا فساد واختلاس أموال بطرق غير مشروعة من خزينة الدولة . والى جنوب البلاد في محافظة حضرموت احتشد المئات من الموظفين بمكتب النفط والمعادن بتسليم المكتب لأبناء المحافظة بعد أعمال نهب وسرقات لموارد المكتب من قبل مسئولين تابعين للنظام الحاكم في البلاد ،وكذا احتشاد مئات الجنود بمعسكرات في محافظتي الضالع وأبين لتغيير قادة الألوية . وكان آخر تلك المؤسسات سواءً المدنية أو العسكرية التي شهدت مظاهرات واحتجاجات وأبرزها التوجيه المعنوي التابع لوزارة الدفاع اليمنية الذي انتفض الضباط والجنود على مدير الإدارة الذي تولى المنصب قرابة ثلاثة عقود . والمؤسسة الأخرى التي شهدت احتجاجات وهي أهم مؤسسة باعتبار دورها كبير وهو جهاز الرقابة والمحاسبة ،حيث طالب جميع موظفيه بمحاسبة رئيس الجهاز وعدد من المقربين منه . وهناك مؤسسات مهددة بالسقوط وتنتظر مصيرها بعد مؤسسات سابقة لقيت مصير مخيب لمن كان يقودها بعشوائية وبغير مسؤولية حتى أصبحت على وشك الانهيار . فكانت عملية الاحتجاجات هذه قد انتشرت بشكل سريع وفي مدة زمنية قصيرة كانت نتيجة تجاوب بين موظفي تلك المؤسسات الذي عاشوا عقود تحت وطأت المسئولين والمتنفذين الذين مارسوا خروقات قانونية عدة ،وتجاوزات كبيرة ضرت بمصلحة المواطن اليمني . الاحتجاجات أو كما يقال ثورة المؤسسات الحكومية هي خطوة يعتبرها الجميع مؤشراً ايجابيا لدى كل الناس وخاصة عند مناصري النظام الذي هم الآخرين كانوا يعانوا نفس المعاناة وهم الآن مؤمنين بما يقوم به الشباب في الساحات وكذا ما يقوم به العاملين والموظفين في المؤسسات الحكومية وخاصة منها الخدمية . عملية التغيير الشاملة في كل مؤسسات الدولة أصبحت حاجة ضرورية ومطلب شرعي لا يختلف عليه اثنان وما سرعان انتشارها لأكبر دليل على ذلك إن الثورة امتدت جذورها إلى مؤسسات الدولة بل البعض يقول الثورة غزت مؤسسات الدولة.. حتى أيقن الجميع أن التغيير قادم .