يمثّل "مؤشر اقتصاد المعرفة"( البنك الدولي) متوسطاً حسابياً بسيطاً لأربعة مؤشرات فرعية تمثل العناصر الأربعة لاقتصاد المعرفة، تتجسد في الحوافز الاقتصادية والنظام المؤسّساتي، الابتكار وتبنّي التكنولوجيا، التعليم والتدريب، بنية تحتية تكنولوجية حديثة للمعلومات والاتصالات. وقد غطّى تقرير هذا العام(أي 2012) ترتيب 146 دولة، شاملاً 15 دولة عربية. فاحتلت الإمارات المرتبة 42 وموريتانيا المرتبة 134 في الترتيب العالمي. كما احتلّت الإمارات المرتبة الأولى بين الدول العربية، والبحرين وعمان والسعودية وقطر والكويت المراتب الخمس التالية وفق الترتيب. وذلك يشير إلى تقدّم مراتب 3 دول من مجلس التعاون هي الإمارات وعُمان والسعودية، وإلى تأخر مراتب 3 دول هي البحرينوقطر والكويت، وكذلك إلى تقدّم السعودية 26 مرتبة وعُمان 18 مرتبة والإمارات 6 مراتب. في المقابل، بيّن "تقرير الأمم المتّحدة لجاهزية الحكومة الإلكترونية2012"، والذي يحدّد استخدام الحكومة الإلكترونية كأداة لزيادة وصول المعلومات وتقديم الخدمات الحكومية إلى الجمهور، بيّن أن دول مجلس التعاون الخليجي الست حقّقت مراكز جيّدة، فكانت ضمن الدول العربية العشر الأولى. فيما جاءت الإمارات العربية المتّحدة الأولى على مستوى منطقة الخليج ودول الشرق الأوسط؛ أما على المستوى الآسيوي فجاءت الإمارات في المرتبة الخامسة. كما أظهر التقرير أن البحرين احتلت المركز 36 بينما جاءت قطر في المرتبة 48 والكويت في المرتبة 63 وعُمان في المرتبة 64. وبحسب "تقرير التنافسية العالمية" للعام2011-2012، والذي يقوم بحساب تنافسية كلّ دولة استناداً إلى أدائها في ثلاث ركائز رئيسية هي: المتطلبات الأساسية، محفزات الكفاءة، عوامل الابتكار والتطوّر، وفق مرحلة التنمية التي تمرّ بها كلّ دولة، فقد حلّت قطر في المرتبة الأولى عربياً بعد حصولها على المركز 14 (من بين142 دولة)، فيما حلّت المملكة العربية السعودية في المرتبة 2 لحصولها على المركز 17، وتبعتهما دولة الإمارات لتحتلّ المركز ال27 والكويت (المرتبة 34) والبحرين (المرتبة37). ومن المشرق العربي حلّ لبنان في المركز ال 89 بين 142 دولة، بعدما تقدّم هذا العام ثلاثة مراكز مقارنةً بالعام الماضي بحصوله على نقاط عالية في مجالات الصحة والتعليم الابتدائي والتدريب وتطوير الأسواق المالية، وبعد تفوّقه على مصر التي حلّت في المركز ال 94 (متراجعةً 13 مركزاً عن ترتيبها في التقرير السابق للعام2010-2011(من بين139 دولة)، وسوريا التي حلّت في المركز ال 98 واليمن التي حلّت في المركز138. في حين أشار "تقرير اقتصاد المعلومات لعام2011"، والذي حمل عنوان "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كأداة تمكينية لتنمية القطاع الخاص"، أشار إلى أن نسبة انتشار الاشتراكات في الهاتف النقال ارتفعت من 5 فقط لكلّ 100 نسمة في العام 2005 إلى 33 في العام 2010. ولوحظ أن القيمة المضافة لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مصر بلغت 5.6 مليارات دولار أميركي مقابل 3.8 % من الناتج المحلي الإجمالي، معظمها من خدمات الاتصالات وقطاع الاتصالات المتنقلة. وتعرّف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية(OECD)اقتصاد المعرفة بأنه "الاقتصاد الذي تعدّ فيه المعرفة المحدّد الرئيسي للإنتاجية والنموّ الاقتصادي من خلال التركيز على دورٍ جديد للمعلومات وللتقنية والتعلّم في تحقيق أداء اقتصادي متميّز". وبالتالي، فإن أبرز ما تتميّز به المعرفة في هذا الإطار أنها لا تنقص بكثرة الاستخدام، بل تزداد وتتجذّر نتيجة ذلك، وأنها غير حسّية، وبالتالي غير ملموسة ولكن يمكن التحكّم بها، وأنها ليست خطّية، بحيث يمكن أن تتمخّض عن فكرة صغيرة نتائج مذهلة..إلخ(حمد اللحيدان، الاقتصاد الريعي والاقتصاد المعرفي، جريدة الرياض الإلكترونية، 3 شباط 2012). المعرفة، كركيزة أساسيّة في بناء اقتصاد المعرفة، باتت واقعاً قائماً خلال العقدين الأخيرين، بحيث تركّز اقتصاديات المعرفة هذه على عناصر الإبداع والابتكار والمهارات البشرية وتقنية المعلومات، على عكس الاقتصاديات التقليدية التي تعتمد على عناصر الأرض والعمال ورأس المال. في عالمنا العربي، ثمة نقص شديد في بيانات المعرفة، ويكاد يقتصر المتوفَّر منها على التعليم والاتصالات مثلاً، أكثر من تلك البيانات التي تتصل بالبحث والتطوير وصناعة النشر وبراءات الاختراع والإنتاج الأدبي والفنّي والإعلام والترجمة وغيرها من مجالات المعرفة، والتي غالباً ما تقوم في الدول العربيّة على جهود خاصة، وبدعم غالباً ما يأتي من المؤسّسات الدوليّة، ليتمّ الاعتماد بالتالي على التقارير الدوليّة. من ذلك مثلاً، "تقرير جاهزية الحكومة الإلكترونية" الذي يصدر عن "الأمم المتّحدة"، "تقرير التنافسية العالمية" الذي يصدر عن "منتدى الاقتصاد العالمي"، تقرير "مؤشر اقتصاد المعرفة" الذي يصدر عن "البنك الدولي"، "تقرير اقتصاد المعلومات" الذي يصدر عن مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)..إلخ، وهي تقارير على أهميتها، تشير إلى اعتماد عالمنا العربي على البيانات الدوليّة في محاولات رصد واقعه. لئن أشارت البيانات المتوفّرة في هذه التقارير، وربما في سواها، إلى تطوّر محرز لعدد من البلدان العربيّة على صعيد الّلحاق باقتصاد المعرفة، فإن السؤال الأساسي الذي لا بدّ من إثارته هو حول جدوى مأسسة هذا التطوّر. إذ إن هذه المأسسة تبقى مرهونة بدورها بجملة من العوامل، أبرزها طبيعة البرامج والخطط التي من شأنها أن تمكّن هذه الدول من رسم خرائط التحوّل من اقتصادات تقليدية إلى اقتصادات معرفة مفضية إلى تطوّر اقتصادي واجتماعي دائم. ثمة تقارير كثيرة أخرى أيضاً، مثل تقرير ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي وسواه، تؤكّد مرّة تلو الأخرى حاجة البلدان العربيّة إلى برامج وخطط تمكّنها من تعزيز إنتاجيتها، لمواكبة مستقبل الاقتصاد العالمي، ولاسيما في ظلّ المشكلات الاقتصاديّة البنيويّة التي تعاني منها الاقتصادات على المستوى المايكروي، مثل ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وسوء توزيع الدخل، واتساع العجز المالي، وارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، وضعف فعالية أسواق العمل والسلع وفاعلية التعليم العالي والتدريب...إلخ؛ كما أن تحقيق بعض التقدّم على صعيد الاتصالات وغيرها، حيث حقّق العالم العربي زيادة في الاتصال الإلكتروني خلال السنوات العشر الماضية بنسبة 1500%، مقابل زيادة بلغت 400% في الدول المتقدّمة، لا يلغي واقع وجود خمسة ملايين عاطل عن العمل في دول العالم العربي يحتاجون إلى فرص عمل سنوياً. في المقابل ثمة مؤشرات تدلّ على تحسّن مكانة بعض الدول العربيّة ضمن اقتصادات المعرفة، بما يجعلها بلداناً واعدة على هذا الصعيد؛ بحيث ارتفع تصنيف الإمارات مثلاً، وبحسب ما ذكر آنفاً، بحسب مصادر "مؤشر اقتصاد المعرفة"( البنك الدولي)، من المرتبة 49 عالمياً العام 2010 إلى المرتبة 42 العام 2012. إلا أن ذلك لا يخفي حقيقة عدم وجود أيّ دولة عربية- بعدما جرى تقسيم دول العالم إلى أربع مجموعات متساوية بحسب قيمة دليل اقتصاد المعرفة- ضمن المجموعة الأولى من الدول التي بلغ دليل اقتصاد معرفتها 5.7 أو أكثر. هذه الأرقام كلّها لا تخفي إذن، حاجة البلدان العربيّة بعامة إلى استقطاب صناعة المعرفة وزيادة حجم الاستثمار في هذا القطاع، وضرورة زيادة حجم الاستثمار في البحث العلمي والمعرفة. بحيث أشار الخبراء في مؤتمر "إدارة المعرفة بالشرق الأوسط" الذي عقد في أبو ظبي في 13/3/2012 إلى أنه مقابل انخفاض هذا الاستثمار، ينخفض الإنفاق الحكومي على تلك المناحي بما لا يتجاوز نسبة 1% من حجم الإنفاق الحكومي، كما ينخفض إنفاق الدول العربية على البحث العلمي، والذي لا يتعدّى نسبة 3 .0% من الناتج المحلّي. هذا في الوقت الذي تخصّص فيه الدول المتقدمة نحو 2.5 في المائة من الناتج المحلي لنشاطات البحث والتطوير، وينفق عليه القطاع الخاص ما يقارب 80 في المائة من إجمالي تكلفته(حسن العالي، من أجل اقتصاد مستدام ومتنوّع، الاقتصادية الإلكترونية، 14 يناير 2012). المؤشرات الواعدة تتطلّب العمل الجاد للنهوض، خصوصاً بعدما بيّنت التجارب أن بلداناً صاعدة مثل كوريا أو الصين تبوّأت خلال سنوات ليست بطويلة مكانة مهمّة في الاقتصاد العالمي، فإذا بكوريا الجنوبيّة مثلاً، تحافظ على موقعها في مقدمة التصنيف العالمي للمرّة الثانية على التوالي في ما يخصّ جاهزية حكومتها الإلكترونية بحسب "تقرير التنافسية العالمية" للعام 2011-2012، وإذا بالتنافسية في الدول المتقدّمة تتوقف خلال السنوات العشر الأخيرة، في حين يواصل بلد مثل الصين(الحاصل على المرتبة 26) شقّ طريقه بين الاقتصادات الكبيرة النامية معزّزاً مركزه بين أعلى 30 مرتبة.