" التغيير" علي سالم: ما الذي يمكن أن يقوله د.محمد علي السقاف لو قيض له رؤية شابين عدنيين يرتديان الثوب ويتمنطقان الجنبية، تماما على ذات شكل الزي الذي كان يرتديه الرئيس علي عبد الله صالح أثناء حضوره قمة الدول الثمان الكبار في جزيرة نيو ايسلاند، وهو الزي الذي بسببه انتقد السقاف، حينها، الرئيس لكون نمط الزي الذي ظهر به ا بجوار بوش لا يمثل الزي العام لليمن بعمومه،حسب ما كتب السقاف آنذاك . بيد أن الشابين المتمنطقين الجنبية كانا فعلا عدنيين ويتحدثان أمام مقهى العدانية في ميدان التحرير بصنعاء، لهجة عدنية قح.حدث ذلك غداة اختتام معرض رداء الدولة الذي قادت فكرة تحقيقه د.رؤوفة حسن والذي ضم معروضات وصور لكبار رجال الدولة منذ الإمام يحي إلى عهد الرئيس علي عبد الله صالح. حكام من الشطرين والسلطنات بعضهم خاض صراعا على كرسي الحكم، كما دخلت دول-دويلات- البعض منهم في صدامات وحروب، فيما بينها، من اجل السيطرة. ..بينهم من قاد انقلابا فاشلا أو ابيض وهناك من عرف عنه نظم الشعر ،لكنهم آلو جميعا إلى فرجة ثقافية سياسية . ملوك ،سلاطين ،رؤساء جمهوريات ،بعضهم بالبزة العسكرية ،رؤساء حكومات ،وزوجة أحدهم.. وهناك أيضا وزيرة دولة ونائبة برلمانية ..جميعهم ،بازياءهم وعملاتهم وسيرهم الذاتية..بأناشيدهم الوطنية وطوابع بريدهم ، باتوا مثبتين على حائط أخذ شكل حدوة فرس ، يمسك بتلابيبهم في فرجة ثقافية قادت فكرتها د.رؤوفة حسن رئيسة مؤسسة برامج التنمية الثقافية منظمة المعرض الأول لرداء الدولة ومكونات الهوية (1948-2004م). على مقربة من القصر الجمهوري،في وسط العاصمة اليمنيةصنعاء ،يقع بيت الثقافة الذي ضم معرض رداء الدولة خلال الفترة 23- 30 آب(أغسطس) الماضي . تصعد درجات قليلة فتواجه، بدءا، بصور فوتوغرافية، بالأبيض والأسود، لسلاطين حكموا سلطنات قامت خلال النصف الأول من القرن العشرين في ما عرف بالجنوب اليمني المحتل آنذاك من قبل بريطانيا. السلطان علي عبد الكريم فضل العبدلي ،سلطان لحج (1952-1955م) الذي درس في كلية فيكتوريا في الإسكندرية ، يرتدي عمامة تشبه الديسمان الهندي وقميص ذو طابع هندي يربط بالمعجر ومن تحته خنجر مذهب لا يبدو منه سوى رأسه . تقسيم المعرض إلى أربعة أجنحة. خضع لعوامل سياسية. الجناح الثاني يمثل "فترة مقاومة ومحاولات تحرر واتحاد..والجناح الثالث يمثل استمرار لدولتين منفصلتين لمدة 26 عاما " . وفي حين خصص الجناح الرابع والأخير لدولة الوحدة (الجمهورية اليمنية ) فقد عكس الأول مرحلة "تشرذم إلى دويلات غير مكتملة المقومات (1948-1958م)". في هذا الجناح الذي يؤرخ، أيضا ، لبروز ظاهرة العنف السياسي ،ثمة صورة لملك المملكة المتوكلية اليمنية ،الإمام يحي حميد الدين (1904-1948م) . الإمام بدا مرتديا عمامة مقولبة على قاوق مذهب تتدلى منها عذبتان بارزتان، تميز بهما الإمام يحي،كما تميز بطريقة حبكة العمامة .ثم جوخ بالسيجة المذهبة عليه ازرار مذهبة وجنبية. هنا أيضا صورة للأمير عبد الله الوزير الذي قاد في 17/2/1948م انقلابا فاشلا أدى إلى اغتيال الإمام يحي وإعدام الوزير الذي كان بدوره يرتدي لباسا تقليديا شبيه بلباس الأئمة. بين معروضات الجناح الثالث صور وبدلات، مدنية وعسكرية، تخص عدد من رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات: المشير عبد الله السلال اول رئيس للجمهورية في الشمال، قحطان الشعبي أول رئيس للجمهورية في الجنوب. السلال عرف بارتداء البزة العسكرية المشابهة للطراز العسكري المصري في عهد عبد الناصر . بينما نحى زي الشعبي وعدد من الزعماء الجنوبيين، منحى الطراز الغربي والى ما كان يرتديه القادة الشيوعيون في الصين (بذلة مكونة من جاكت نص كم وبنطلون من ذات القماش ). فيما تراوح لباس قادة الدولة في الشمال مابين الزي التقليدي والبزات العسكرية.و في حين كان الرئيس المقدم إبراهيم الحمدي والرئيس الغشمي يظهران عادة ببزة عسكرية ،عرف عن الرئيس القاضي عبد الرحمن الارياني(1967-1974م) ارتداء لباس القضاة التقليدي المكون من عمامة وجوخ وجنبية . الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيس البرلمان اليمني لازال،هو الآخر ، يحرص على ارتداء ذات الطراز الذي كان عليه قبل نصف قرن . الرئيس علي عبد الله صالح رغم تنقله مابين الطراز اليمني التقليدي والظهور بالبزة العسكرية ا والبذلة الغربية أحيانا أخرى، على ما ظهر خلال اجتماعات قمة الدول الثماني، بجوار الرئيس بوش،مرتديا زيا تقليديا : شال مشدود على الرأس وثوب ابيض محزوم بالخنجر اليمني المعروف بالجنبية . المعرض خلا تماما مما يشير إلى شخصية الزعيم الجنوبي الأبرز علي سالم البيض الذي كان شغل منصب رئيس الجمهورية حتى حرب صيف 1994م. غير أن زوجة البيض النائبة البرلمانية السابقة (1990-1994م) السيدة ملكي كانت حاضرة عبر صورة لها . وكذلك صورتان لكل من وزيرة الدولة لحقوق الإنسان د.وهيبة فارع وللروائية عزيزة عبد الله زوجة رئيس الوزراء الأسبق محسن العيني . وحسب منظميه فان المعرض هدف إيجاد ذاكرة بصرية لدى شباب اليوم حول التاريخ اليمني وتعميق شعورهم بالشراكة والامتلاك لهذا التاريخ . لكن المعرض أشّر أيضا على مرموزات إيديولوجية ثقافية ينطوي عليها اللباس واختياره .وعلى ما يعتقد البعض فان اللباس هو لغة أيضا أو خطاب. في المعرض الأول لرداء الدولة غاب كثير مما له صلة بحياة رجالات الدولة ومن ذلك صحفهم وأماكن اغتسالهم. وكما أن صورة الانسجام الوطني مازلت مثار جدل بين الأطراف المكونة للمشهد السياسي اليمني، لدرجة أن الاتهامات حول الهيمنة وصلت إلى الرداء على ما سبق وأظهرت انتقادات د.السقاف لزي رئيس الجمهورية.كذلك لازالت مكونات الثقافة محل تجيير أيضا بشكل يوحي ويذكّر بمقولات ابن خلدون حول تقليد المغلوب لأنماط ثقافة الغالب .تذكرت هذا تحديدا وأنا أشاهد الشابين العدنيين وهما على زي حاكم اليمن الحالي الرئيس عبد الله صالح. وكان لافتا الغياب التام لنمط الزي التهامي رغم شهرته ورغم تسنم شخصيات تهامية مراكز عليا في الدولة مثل الدكتور حسن مكي الذي تولى العديد من المناصب ومنها رئاسة الوزارة، وكذا الشيخ عبد الله مهدي عبده، النائب البرلماني المستقل والشهير الذي رأس أيضا مجلس الشورى في عقد السبعينات إضافة إلى النائب الأشهر الراحل يوسف الشحاري الذي كان متميزا بلبسه للفوطة والشميز والشباشب العادية!