في أقل من شهر، صارت صفحة "معرصون يمنيون" في "فايسبوك"، واسمها الصادم، مثار أحاديث اليمنيين وتفاعلاتهم في موقع التواصل الاجتماعي، وتحولت الى موضع اهتمام وجدل النخبة، بشكل خاص... صفحة ناقدة ومثيرة، اشتهرت سريعاً بتناولات عميقة الدلالات ضد شخصيات من كل التيارات، ومؤثرة في المشهد السياسي في البلاد، إذ بلغ عدد المعجبين بها بعد 21 يوماً على تأسيسها 11 ألف و430 معجباً. وإذ تبدو كلمة "تعريص"، للوهلة الأولى، ذات إيحاءات قبيحة أو سوقية أو مبتذلة ، إلا أن المتصفح سرعان ما سيكوّن انطباعاً استثنائياً عن هذه الصفحة ذات الرسالة الحقيقية في النقد، فضلاً عن الإدراك التام بأن استعمال مفردة "تعريص" يأتي في السياق، بما يتضمنه من اعتبارات ساخرة لا تهادن في المواقف، وأيضاً كخيار تعبيري يلاقي اهتماماً شعبياً أكبر عند التناول والبوح والكشف.
وتقول معلومات الصفحة الرسمية إنها تأسست في 7 فبراير2015، أما الانتماء فهو "بالتعاون مع الجمعية اليمنية لمكافحة التعريص السياسي والديني". وبحسب الوصف القصير لهذه الصفحة الأولى من نوعها في اليمن، فإنها تضم "نماذج من الشخصيات العامة والسياسية والدينية والكتّاب والمثقفين والصحافيين الذين أفسدوا، وزيفوا ويزيفون وعي الناس". وسنقرأ في خانة بيانات الصفحة إن "التعريص فن وذوق وأخلاق". وتتضمن صورة غلاف الصفحة عبارة "لا تسمح لأي عرص شبعان يقولّك إصبر على الجوع". وبما أن مواضيع الصفحة أبدعت في هذا الفضاء، فإنها تلاقي مشاركة واسعة في "فايسبوك" و"تويتر"، كما يتم تناقلها عبر "واتس آب" بكل ضراوة تهكمية، إذا جاز التعبير. ويمكن الجزم، جراء التفاعلات المتسارعة معها، بأنها صفحة خبيرة في صنّاع القرار في الواقع اليمني وتحولاتهم التاريخية اللامتوقعة، كما أنها تؤكد، وبشدة، حاجة المجتمع اليمني إلى كلمة ناقدة غير مزيفة، كلمة حرّة لا تقبل أنصاف المواقف، ولا ترتهن لمزاج ايديولوجي معين.
ففي لغة حادة ومتماسكة وذكية، يشرح مدير الصفحة (الأدمن) أن "هذه الصفحة ليست للمؤدلجين الذين يصفقون لها كثيرا،ً إذا كان العرص ممن يختلفون معه، ويصفونها بصفات مَن يختلفون معهم إذا كتبت عمّن يحبون من المعرصين". ويضيف: "إذا كنت منهم، فأمامك خياران: إما أن تتخلى عن إيديولوجيتك عندما تبدأ في القراءة هنا، وهذا سيقودك إلى إعادة التفكير في من تحبهم من المعرصين، أو أن تلغي الإعجاب لكي لا يضايقك ما نكتبه".. ويتابع: "نحن نكتب عن المعرصين عموماً وليس عن المعرصين الذين تكرههم فقط، كما أننا لا نقيّم أنفسنا من خلال اعتقاداتك، ولا نكتب عن المعرصين لنثبت تلك الإعتقادات أو لندحضها". الحاصل ان اليمَنيين في الإنترنت وفي الميديا، يتساءلون بإلحاح عن "أدمن" الصفحة والمسؤول عنها، كما يتكهنون في شأن هويته دون أن يستطيعوا اليها سبيلاً. وهو الذي يكتب: "هناك أشخاص يتحسسون من كلمة معرص، ولا يتحسسون من أفعاله التي قادته ليكون معرصاً!.. إذا كنت ترى أيضاً بأن أخلاقك عالية جداً وتستفزها كلمة معرص، بينما لا تستفزها أفعاله التعريصية، فهذه الصفحة ليست لك، قم بإلغاء الإعجاب واستشر أقرب طبيب نفسي!".
وتعتمد الصفحة التذكير بالمواقف المنسية للشخصيات، وأحياناً على ذكر جوانب غير معروفة. كذلك يبدو من الواضح في صفحة "معرصون يمنيون" بأنها لا تستثني أحداً، في اليمين أو الوسط أو اليسار. بل إن "الأدمن" كان أورد توضيحاً تعريفياً لمقاصد الاسم وموقفه من الاتهامات التي سيقت للصفحة بعدم المنهجية، بقوله: "نحن صفحة ساخرة نهتم بالحديث عن المعرصين والتعريص، ويس بيع المواقف والتستر على الكذب والدفاع عنه فقط، بل إن الفساد تعريص، والرشوة تعريص، والتدليس تعريص، وتزييف وعي الناس تعريص، والمكابرة تعريص... التعريص هو كل ما كرهناه طوال 33 سنة من حكم المعرص الأكبر علي عبد الله صالح، وحتى لحظة الخروج العظيم على حكمه، ومنذ ذلك الحين حتى اليوم". ويعتقد الناشط المدني، جابر النبهاني، أن "الأسلوب الجاد لم يعد مجدياً في نقاش القضايا واستعراضها"، موضحاً في تصريح ل"المدن" أن اسم الصفحة "اللاذع واللطيف، شدّني، كما أصبحتُ أحترمها جداً، لأنها صفحة فاضحة وحميمة، كأنها لسان حالنا وهي تعرّي تناقضات الوسط اليمني من الصحافيين والساسة والعسكر والمشايخ والحقوقيين الملوّثين". "صحيفة المدن"