( ورقة لندوة : تحرير الإعلام في اليمن – صنعاء 26 أغسطس 2007م – نظمها ملتقى المرأة وموقع التغيير ) التغيير صنعاء: عرفات مدابش* منذ قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م ومحبو الحرية يتطلعون إلى خطوات فعلية تجسد تزامن وترابط قيام الوحدة بالديمقراطية والتعددية السياسية , تنعكس بصورة حقيقية وفعلية بوجود إعلام يمني حُر ومستقل في مختلف فروعه ( المرئي , المسموع والمقروء ) . حُلم الذين ناضلوا لعقود طويلة في شطري البلاد من اجل يمن ديمقراطي حر تبخر بعد الحرب الأهلية صيف العام 1994م , فذلك الزخم الذي ساد الحياة السياسية والصحفية بعد الوحدة وحتى الأزمة والحرب وتلاشي تلك المساحة الشاسعة من حرية الرأي التي انكمشت أضعاف المرات حتى أن البعض اعتقد انه كان في حلم أفاق منه على واقع قديم مع تحسينات طفيفة كلزوم للتعامل مع المجتمع الدولي ومسايرة التيار . لكم أيها السادة أن تتصوروا معي لو انه جرى تحرير الإعلام اليمني عام 90م أو مطلع التسعينيات , كيف كان سيكون عليه حال إعلامنا في الوقت الراهن خاصة مع التطورات التقنية والتكنولوجية التي غزت العالم خلال العقد والنيف الماضي ؟ ولكم أيضا أن تتخيلوا ايجابيات وجود إعلام مستقل على الحياة السياسية والديمقراطية في بلادنا , بل على مختلف مناحي الحياة وربما كنا نضاهي اليوم بعض الدول الأوروبية في مجال حرية الإعلام ؟ لكننا مع الأسف لم نفعلها وها نحن اليوم محاصرون من قبل جيراننا في المنطقة بإعلام يتفوق علينا بكل ما تعنيه الكلمة رغم أن أنظمة الحكم من حولنا ملكية وأميرية أسرية !! لكن باعتقادي أن الوقت لم يفت بعد وان الفرصة ما زالت سانحة و أن الحاجة ماسة اليوم والضرورة تقتضي تحرير الإعلام من القبضة الحكومية والسيطرة البيروقراطية ونفض غبار العقلية البوليسية التي تقادم عليها الزمن . هناك اليوم العديد من الضرورات الموضوعية والمنطقية التي تجعلنا ننادي بتحرير الإعلام وتحتم على صاحب القرار الاستجابة للنداء .. ويمكن إيراد بعضها كالتالي : - تحصين وتعزيز التجربة الديمقراطية الناشئة والتي نفاخر بها يتطلب إعلاما حراً ومستقلاً , ما لم فان الهامش المحدود سيستمر في الانكماش وربما نصبح ذات يوم وقد تلاشى وبالتالي سنجد أنفسنا أمام نظام شمولي بكل المقاييس . - الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي وغيرها من المسميات أو الشعارات والتي يمثل المساس بها خطرا على البلاد والعباد , هي أيضا تستدعي وجود إعلام حر ومستقل يساهم بشكل فاعل في الحفاظ عليها . - الأوضاع الاقتصادية التي تجاوزت حد التدهور وباتت مؤشراتها مبهمة ومحيرة للخبراء مع المخاوف من انهيار عظيم للاقتصاد الوطني لا يمكن لها أن تتحسن وتتعافى إلا بوجود إعلام لا تسيطر عليه الحكومة أو يحتكره الجيش أو تحصي أنفاسه أجهزة الأمن ومن وراءها قوى متطرفة لا تقل خطورتها عن الأخريات . أيضا المحيط العربي الغني لبلادنا والمجتمع الدولي والدول المانحة والمقرضة والمتصدقة وغيرها لن تستمر في دعمنا وتغطية عيوب اقتصادنا إن لم تجد حقائق على الأراضي تتعلق بتطوير الممارسة الديمقراطية وكيف لنا أن نطورها دون إعلام حر ومستقل مرئي ومسموع ومقروء يستطيع تسليط الضوء على مؤشرات السياسة والاقتصاد . - بعد 17 عاماً على قيام الجمهورية اليمنية أصبح لدينا " جيل الوحدة " , وبعد اقل من عام واحد سيكون هذا الجيل مؤهلاً للانخراط في الحياة السياسية الجديدة بالنسبة إليه ,فهو لم يعش تجربة الشمولية والأحزاب السرية , وسيكون بمقدور " جيل الوحدة " التصويت في الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة والمقررة في 2009م .. فماذا ستقدم إلى هذا الجيل من جديد ؟ هل سنلقنه الأساليب الإعلامية القديمة في ممارسة السياسة ؟ أو ممارسة الإعلام بأساليب معتقة في ظل ثورة المعلومات التكنولوجية الهائلة التي نعيشها والتي تتطور بصورة متسارعة ؟ - مع تطور إعلام دول الجوار بفضل تحريره واستقلاليته , نجد انه أصبح جاذبا للكوادر الإعلامية المؤهلة والمحترفة في كثير من دول المشرق والمغرب العربيين واليمن ضمن ذلك , وهناك أمثلة حية لوجوه وأسماء إعلامية يمنية لم تستطع البقاء في البلاد لانعدام حرفية وحرفنة الإعلام اليمني , فهاجرت واستقطبتها محطات فضائية وإذاعية دولية . وإذا كان الرئيس علي عبد الله صالح حضر قبل بضعة أسابيع في حفل تخرج قرابة عشرة ألاف طالب وطالبة من جامعة صنعاء فقط ؟ فانه يمكننا تصور العدد الهائل من خريجي كافة الجامعات في الداخل والخارج من اليمنيين وعدد غير قليل من هؤلاء هم خريجو إعلام وصحافة في مختلف التخصصات وأيضا في العلوم السياسية وغيرها من التخصصات القريبة من حزمة السياسة والإعلام , ولا شك أن من يحالفه الحظ لن يتردد في ترك البلاد ليس بحثا عن مصدر رزق فقط وإنما أيضا بحثاً عن الذات التي لا تتوفر سبل العثور عليها في بلادنا في ظل احتكار الحكومة للإعلام . الضرورات السياسية والإعلامية وغيرها متوافرة ن اجل أن يتم تحرير الإعلام اليمني سواء منها ما أشرت إليه في سياق هذه الورقة المتواضعة أو ما اغفلناه دون قصد أو لضيق الوقت والمساحة وحباً في الاختصار وعدم الإطالة . فالمجتمع المدني وللارتقاء به وتطوير أدائه ليمثل مستقبلاً بديلاً حقيقياً للمجتمع التقليدي , لا بد له أيضا من مساحة إعلامية مستقلة منعتقة من الرقابة ليمارس مهامه سواء كتحركات نقابية أو منظمات تنشط في مجال التثقيف والتوعية ونشر قيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان . ثورة النت يمكن للمراقب عن كثب للحياة السياسية والإعلامية في اليمن وهنا أتعمد دائماً الربط بين المسألتين لعدم القدرة على فصلهما عن بعض سيجد أن السنوات القليلة الماضية مثلت نقلة نوعية للإعلام اليمني الذي أصبح عالميا اليوم بفضل شبكة المعلومات الدولية أو الشبكة العنكبوتية ( انترنت ) . فإلى سنوات قليلة خلت كنا ننتظر الخبر أو مقال الرأي يوماً كاملاً للاطلاع عليه في الصحافة الرسمية اليومية وهي بالطبع لا تفي بالغرض ولا ترضي الاذواق , كما كنا ننتظر أسبوعا لصحيفة حزبية أو مستقلة لمطالعة الخبر بصيغة ومنظور مختلف ولقراءة الرأي الآخر .. لكننا اليوم ومنذ تأسست المواقع الإخبارية ومواقع الصحف اليمنية على شبكة الانترنت , بتنا نتابع الأخبار أولا بأول بفضل نحو ثلاثين موقعا إخباريا وصحفياً مختلفة الاتجاهات والمواقف السياسية تنقل الأخبار لحظة وقوعها وباتت هذه المواقع أيضا مساحة رأي سريعة لم يكن احد يتوقعها . وقد يقول قائل إن تأثير هذه المواقع الاليكترونية محدودة للغاية نظراً لقلة عدد مستخدمي الانترنت في اليمن وانتشار الأمية الأبجدية وكذلك الأمية الاليكترونية , وهذا صحيح لكن علينا أن ننظر إلى تأثير هذه المواقع والصحف الاليكترونية رغم ما يقال .. كما أن التطور الطبيعي لتقنية الإعلام وثورة التكنولوجيا تجسدت في ما نشاهده اليوم على شبكة الانترنت وأيضا في تطور آلية تقديم الخدمات الإخبارية من خلال الهواتف النقالة وعبر رسائل ال " اس . ام . اس " وهي خدمة بتنا كرجال سياسة وإعلام ونخب غير قادرين على الاستغناء عنها , بل على العكس من ذلك فإننا ننشد المزيد وبالتالي لا يمكن لأي نظام في العصر الراهن أن يصمد أمام التطورات الجارية من حوله , والأمر الطبيعي انه وفي غضون وقت قريب جداً أن نشاهد قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية خاصة على غرار مواقع الانترنت وخدمات أخبار الهاتف الجوال . في الأخير لا يسعني سوى أن أتعشم أن تبادر الجهات المختصة ومن منطلق الحرص على مستقبل اليمن سياسيا واقتصاديا , إلى القيام بتقديم تصورات إلى صانع القرار السياسي بشأن تحرير الإعلام لان الأمر يتطلب قرارا سياسيا شجاعا قبل أن يتطلب تشريعاً قانونيا يمكن أن يظل في الإدراج .. فالأولى بنا كيمنيين أن نسارع إلى تطوير حياتنا السياسية والإعلامية بدافع وقناعة ذاتية قبل أن تفرض علينا من الخارج سواء بشروط الدعم الاقتصادي أو بفعل عوامل التطور التقني والمقصود من ذلك أن كل من لم يجد مساحة للتعبير عن نفسه في الداخل سيلجأ إلى الخارج لينشأ القنوات والإذاعات في فضاءات أكثر حرية وديموقراطية وهو أمر ليس في صالح اليمن مطلقاً . ملاحظة : موضوع ندوة تحرير الإعلام ليست فكرة جديدة .. فقد جرى طرحها والإعداد والتحضير لها منذ أواخر العام المنصرم 2006م وكانت ستقام الفعالية بمناسبة دخول موقع التغيير عامه الرابع مطلع العام الجاري .. أي قبل حركة الاحتجاجات التي نفذت خلال الشهرين الماضيين من قبل صحافيين وناشطين حقوقيين في ساحة الحرية أمام رئاسة الوزراء .. غير انه كانت للقدر كلمة أخرى فقد تعرضت في ديسمبر الماضي لحادث مروري في عدن أقعدني حتى اللحظة بقدمين مكسورين . . رئيس تحرير " التغيير " نت ، مراسل راديو سوا الأميركي . . التغيير .. أول موقع إخباري يمني مستقل ، تأسس في 13 يناير 2004م