ليس أبشع من امتصاص دماء البسطاء باسم الوطنية، ولا أسوأ من المتاجرة بآلام المرضى ومعاناتهم تحت يافطة النزاهة والشرف. وليس أمر ولا أقسى من أن يتحول ملائكة الرحمة الى شياطين عذاب، مع سبق الإصرار والترصد، في بلد تجذر فيه الفساد حتى بدا وكأنه دستوره الذي يسير عليه، ليكون من البديهي أن يذهب الحق، كل الحق، للفاسدين الذين يحظون بالترقيات والامتيازات المستمرة، فيما توجه أصابع اللوم والتشهير ضد الشرفاء وذوي الضمائر الحية، مثلما هو الحال بناقدي الأوضاع العامة في البلاد، والمحذرين من عواقب كارثية بانتظار البلد، إن استمر على هذا النهج، والذين عادة ما يقابلون بتهم جاهزة، على سبيل النظارات السوداء والعقليات المأزومة... وغيرها الكثير. إعداد - قسم التحقيقات: بأردية بيضاء وقلوب سوداء، وإلى جانبهما مراكز قوى تدعم الفساد وتنتصر لرواده، تحول مستشفى الكويت الجامعي بصنعاء، الى وكر للفساد والفوضى، ومركز متقدم لنهب المال والصحة في آن. هو الفساد إذن.. غير أنه هذه المرة ينبع من داخل أحد بيوت الصحة، حيث الفساد هناك يعني المرض، ويعني الموت، ويعني أيضاً الانقلاب على أهداف الثورة ومبادئها العظام. وبعيداً عن الإسهاب في الحديث عن الاختلالات الفاضحة داخل مستشفى الكويت، نضعكم أمام تقرير رسمي يتحدث بلغة الأرقام والوثائق، عن مدى الهبر والنهب الجائر داخل هذا المرفق الصحي، وكيف تحول من مشفى يقصده المواطنون طلباً للصحة، الى دار لاتبيع سوى الموت والمرض. وخلال 4 شهور مضت، يتحدث التقرير عن جملة من المخالفات المالية والإدارية التي ارتكبها مسؤولون داخل مستشفى الكويت، وعلى رأسهم قيادته العامة تنوعت بين نهب مئات الملايين من الريالات، وتمرير مناقصات مشبوهة، والتساهل إزاء توفير خيوط عمليات ومتطلبات عاجلة، وإخفائها مقابل إلزام المرضى بشرائها، الى جانب توريد أصناف مخالفة للمواصفات. كل ذلك، الى جانب العديد من المخالفات الخطيرة التي تحملها مرضى لا ذنب لهم سوى وقوعهم ضحية لممارسات غير مسؤولة في دولة تفتقر لأدنى مقومات الرقابة والمحاسبة. مناقصات مشبوهة: قامت قيادة المستشفى بتمرير مناقصة الخيوط الجراحية بمبلغ يقارب 40 مليون ريال، وعمل على إرسائها على إحدى الشركات بطريقة مخالفة لقانون المناقصات والمزايدات. وكان بالإمكان توفير تلك الخيوط بنفس المواصفات بمبلغ لايتجاوز 30% من قيمة العطاء. وبينت وثيقة رسمية أن قيادة المستشفى أصدرت أوامرها بتمرير المناقصة، رغم توضيح المعنيين بالجانب المالي له بوجود مخالفة بالمناقصة («الوحدوي نت» تحتفظ بنسخة من المذكرة). ولأن التواطؤ والتساهل مع الشركة التي تم إرساء العرض عليها، كانا واضحين من قبل إدارة المستشفى، فإنها لم تلتزم بموعد توريد الخيوط الجراحية الهامة جداً، لتواجه الإدارة ذلك بإلزام المرضى بشراء تلك الخيوط من خارج المستشفى، وهو ما ضاعف من معاناة المرضى، وتحميل كواهلهم المتعبة أصلاً، مزيداً من الأعباء. المعاناة لم تنتهِ عند هذا الحد، بل بدأت: أقدمت الشركة المعنية بتوريد أصناف مخالفة للمواصفات التي تقدمت بها، والتي استخدمت كحجة واهية لإرساء العطاء عليها. الشركة قامت بتوريد خيوط جراحية بقيمة 40 مليون ريال، بمواصفات رديئة. ورغم ما يمثله ذلك من خطر كبير على صحة المرضى، كونها تدخل في العمليات الجراحية، إلا أن إدارة مستشفى الكويت قامت بقبول استلام الصفقة دون اتخاذ أية إجراءات قانونية رادعة تجاه الشركة، رغم المخاطبات المستمرة من لجنة المواصفات والشؤون المالية بضرورة الوقوف أمام ذلك. وهو ما يكشف عن توريط القائمين على المستشفى بتمرير صفقات مشبوهة مقابل حصولهم على «الكوميشن»، حتى ولو كان ذلك على حساب آلام الناس ومعاناتهم. فضيحة مالية وقانونية أخرى فاحت رائحتها من داخل مستشفى الكويت، وهذه المرة بقيمة 400 مليون ريال: تم الإعداد والإعلان، خلال الشهور القليلة الماضية، عن مناقصة عامة للمستلزمات الطبية بما يساوي 400 مليون ريال، دون الرجوع الى لجنة المناقصات، حيث تم طبخها فقط بين مدير المستشفى ومدير التموين الطبي. وبالطبع يعرف الجميع حجم النهب الذي قد تخرج به صفقة كهذه. من خلال التقرير الرسمي، يتضح أن قيادة مستشفى الكويت، لم تكن تكترث كثيراً للوائح والقوانين المنظمة للعمل، وضرورة إتمام العمليات المالية وفق دورة مستندية كاملة. ومن بين المخالفات المالية والإدارية التي أوردها تقرير مخالفات قيادة المستشفى مع الوثائق المؤيدة لذلك عدم إشراكه الشؤون المالية والإدارية بالإجراءات، وعدم استكمال الوثائق، والمبالغة المفرطة في قيمة الأثاث الخاصة بمكتب المدير العام ومكتب مدير العلاقات في المستشفى، لدرجة مخالفة القانون واللوائح الخاصة، وذلك بتقديم عروض بالدولار في مناقصات الأثاث، الى جانب عدم القيام بتوريد المشتريات رسمياً الى مخازن المستشفى، وعدم إشراك الشؤون المالية بذلك، وعدم تدوين المساعدات والهدايا، بل عدم توضيح أوجه الصرف والإنفاق نهائياً، وهو ما كشفته المذكرات التي كانت ترفع من قبل الشؤون المالية والحسابات، وكذا مندوب وزارة المالية، الى مدير المستشفى. ما يعني أن المستشفى تحول الى ضيعة خاصة بمديره العام، ينفق منه ما يشاء، ويبدد أمواله العامة كيف يشاء، دون حتى أن يكلف نفسه عناء تفصيل أوجه صرف المبالغ التي يوجه بصرفها، مكتفياً فقط بتحديد رقم المبلغ والشخص الذي يسلم إليه. وبصورة عشوائية، يوضح التقرير الذي رفعه الشهر الماضي نائب مدير المستشفى مدعماً بالأدلة الى كل من رئيس جامعة صنعاء ومكتب رئيس الجمهورية ووزير التعليم العالي والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، أن قيادة المستشفى قامت باتخاذ عديد قرارات مخالفة وعشوائية وارتجالية أيضاً. حيث قامت بإدخال شركة خدمات أمنية بدون علم المعنيين بهذا الموضوع، وبدون تعاقد رسمي مع الشركة. وإن كان القرار يمثل مخالفة صريحة للنظم واللوائح المالية، فإنه في الأساس يعبر عن الحد الذي وصل إليه تبديد ونهب المال العام في المستشفى الذي لايحتاج أصلاً لحراسة أمنية، خاصة كونه يتمتع بحراسة أمنية حكومية مثله مثل بقية المرافق الحكومية في اليمن، وكل بقاع العالم. موضوع تعيين الحراسة الأمنية الخاصة لم يعرف عنه أحد في المستشفى، إلا عند توجيه مدير المستشفى بصرف مبلغ مليون و300 ألف ريال لعدد 15 شخصاً، تحت مسمى حراسة أمنية تابعة للشركة. ولكم أن تتصوروا ما الذي كان سيعنيه هذا المبلغ فيما لو سُخر لصالح عشرات بل مئات المرضى المعدمين الذين يقدمون الى المستشفى طلباً للصحة، ويخرجون يجرون آلام المرض وخذلان الدولة التي لم تقدم لمواطنيها أدنى خدمة تذكر. وباستثناء الشعارات الجوفاء التي يرددها المسؤولون والإعلام الرسمي عن الصحة المجانية، فإن كل ما تقدمه الدولة للمرضى ليس أكثر من الإحباط وحرق الدم داخل مرافق صحية متهالكة، لم تضف الى جانبها الدولة شيئاً منذ سبعينيات القرن الماضي، وإلا فمن يتذكر مرفقاً صحياً حكومياً آخر غير الثورة والجمهوري والكويتبصنعاء، ومثلها أو أقل منها في بقية المحافظات؟! على العكس من ذلك، فإن هذه المرافق الصحية الحكومية قد تحولت الى مراكز لجباية أموال المرضى دون تقديم أدنى خدمة صحية. وإن كانت ميزانية مثل هذه المرافق تدخل خانة المليارات، فإنها تذهب الى جيوب عدد من القائمين عليها، الى جانب أنها تتحول الى مرافق صحية خاصة بالمقربين والذوات. وإلا ما الذي يعنيه توجيه قيادة مستشفى الكويت بصرف سريري عناية مركزية مع توابعهما لأحد الأشخاص، والسماح لهما بالخروج من البوابة بصورة شخصية، مع العلم أن تكلفة سرير العناية المركزة تتجاوز 007 ألف ريال للسرير الواحد خاصة اذا ما علمنا أن مستشفى الكويت يعاني من عجز كبير في أسرة العناية المركزية، ولا تفي لتغطية الحالات الوافدة، حيث وجه مدير المستشفى بتاريخ 3 / 5 / 2007م، بصرف سرير عناية مع اسطوانة أكسجين، وفي تاريخ 6 / 6 / 2007م، وجه بصرف سرير متعدد الحركات بالريموت خاص بالعناية المركزة. ألا يعد هذا أبشع أنواع الفساد الذي يتجرد صاحبه ليس فقط من قيم وأخلاق المهنة، بل والجوانب الإنسانية أيضاً؟! مرضى يفدون الى المستشفى في حالات خطيرة للغاية، تتطلب إدخالهم العناية المركزة، يرمون في حوش المستشفى أو غرف الاستقبال في أكثر الحالات، فيما أسرَّة العناية المركزة تباع من داخل المستشفى، وبتوجيهات رسمية تخرج من البوابة. مذكرات رسمية من داخل مستشفى الكويت تقول إنه يتم أخذ رسوم الدعم الشعبي من المرضى الراغبين في العلاج، دون أن يحصلوا على الخدمة الطبية التي أُخذت منهم المبالغ المالية لأجلها. المذكرات المرفوعة لإدارة المستشفى تقول إن ذلك يحصل وبصورة متكررة، لأسباب واهية، وهو ما خلق استياء وتذمراً من قبل المرضى.. فأين أجهزة الرقابة المعنية حيال ما يحصل داخل مستشفى الكويت كل هذه الفترة؟ قيادة مستشفى الكويت تواصل إصدار قرارات عشوائية ومخالفة للنظم واللوائح، وتؤثر بشكل مباشر على أداء المستشفى. ومن بين تلك القرارات تعيين مدير تموين طبي ليس له علاقة بالجانب الطبي، وتكليفه وحده فقط بعمل الخطط والاحتجاجات للمستشفى، دون إشراك المختصين بذلك، وهو المدير الطبي الذي تولى مع المدير العام الإعداد لصفقة عامة بقيمة 400 مليون ريال. مركزية قيادة المستشفى دفعتها الى سلب وتقليص صلاحيات جميع موظفيه، بمن فيهم نائب المدير العام، والمعين بقرار رئيس الوزراء، وإعطاء صلاحيات أوسع للمقربين منها، بينهم مدير مكتب المدير العام التي خولته بمهام مخالفة للقوانين واللوائح المنظمة. ليس هذا وحسب.. فقيادة المستشفى تتصرف بالمنح الدراسية بصفة شخصية، دون إشراك المعنيين. ووصل ذلك التجاوز حد إعطاء المنح لأشخاص لايمضي على توظفيهم سوى شهر واحد، بل إنها أعطت منحاً لأشخاص لم يوظفوا بعد. وهو ما خلق حالة من التذمر والإحباط لدى العاملين في المستشفى. بذخ: أوامر الصرف التي تضمنها التقرير، والتي تحمل توقيع مدير المستشفى، تؤكد حقيقة الإسراف المالي المبالغ فيه لأشخاص مقربين من قيادة المستشفى، سواء كانوا من داخل المستشفى أو من خارجه. حيث يوجه مدير المستشفى، وبشكل عاجل، بصرف 20 ألف ريال بشكل دائم، ابتداءً من شهر يونيو 2007م، لكل من مدير مكتبه، مدير العلاقات العامة، والسائق. ونظراً لكثرة توجيهات قيادة المستشفى بصرف مبالغ مالية، رفع كل من مدير إدارة الحسابات ومدير عام الشؤون المالية، مذكرة لمدير المستشفى، تخبره أن العُهد التي يوجه المدير بصرفها لأمين الصندوق يجب الا تصرف إلا في ظروف خاصة، ولأغراض مبينة ومحددة حسب ما جاء في لائحة القانون المالي . وأشارت الرسالة الى أن المبالغ المحصلة كرسوم هي مبالغ خاصة بموارد الدولة، ولا يجوز الصرف والإنفاق منها بأية حال، باعتبار ذلك مخالفة قانونية. المذكرة قالت أيضاً إن التوجيه بالصرف لأمين الصندوق مباشرة قد أخل إخلالاً كبيراً بمسؤوليات ومهام ممثلي وزارة المالية، خاصة وأن الصرف يتم دون خصم الضرائب، في مخالفة صريحة للقانون الضرييبي. المدير المذكور اعتبر مثل هذه المذكرة استهدافاً شخصياً له، ورفضها رفضاً قاطعاً، ليوجه بعد ذلك بصرف مبلغ 500 ألف ريال عهدة لأمين الصندوق لمواجهة الأمور الطارئة والمستعجلة، مشدداً على أن أي مبلغ منها لايصرف إلا بتوجيهاته فقط. ولدى إخلاء أمين الصندوق العهدة، اتضحت حقيقة الأمور الطارئة والمستعجلة التي قالت عنها قيادة المستشفى، مثلما اتضح الى أي مدى يتم استنزاف الأموال العامة، وحجم الفساد الذي يعشعش داخل مستشفى الكويت. مبلغ النصف مليون ريال الذي طلبته قيادة المستشفى، صُرف في غضون أيام قليلة، وفي أمور تافهة، وبعيدة كل البعد عن مفردات «الأمور الطارئة والمستعجلة». أذ أن 200 ألف ذهبت مكافآت مقابل إعداد الندوة المستندية المالية والإدارية داخل المستشفى، قيادة المستشفى التي يهمها الإعلام كثيراً، وجهت بمعالجة الصحافيين مجاناً في المستشفى، وهو الخبر الذي هلل له عديد صحافيين تناسوا لوهلة أن مستشفى الكويت حكومي، وفي الأساس يجب أن يكون مجانياً، وكان كذلك فعلاً حتى موعد تعيين القيادة الأخيرة التي فرضت مبالغ مالية كبيرة على المواطنين. وبعد أن ضجت بعض الصحف جراء هذا الإعلان، وجه بعلاج الصحافيين مجاناً، في محاولة منه لامتصاص غضبهم وإسكاتهم أيضاً. وهو ما دفع بصحيفة 26 سبتمبر وموقعها الالكتورني لتغطية أخبار قيادة المستشفى، وبشكل واضح تنعدم فيه أحياناً كثيرة الشفافية والمصداقية، وهي التغطية التي تدعمها أيضاً علاقة شخصية بين مدير المستشفى ونائب رئيس تحرير "سبتمبر"، مثلما تدعم شخصيات نافذة في الدولة تصرفات وممارسات مدير مستشفى الكويت، وعلى رأس هذه الشخصيات يأتي عبدالقادر باجمال الذي عينه كمدير للمستشفى عندما كان رئيساً للوزراء. وعودة الى مبلغ النصف مليون ريال الذي طلبه مدير المستشفى لصرفه في الحالات الطارئة والمستعجلة، فإن مبلغ 77 ألفاً ذهب مقابل مكافآت وحوافز ل3 أشخاص، فيما ذهب مبلغ 60 ألفاً كنثريات لمكتب المدير العام وملحقاته، و10 آلاف مقابل شراء بوكيه ورد، و20 ألفاً مقابل شراء مرطبات لمكتب المدير العام (وكأنها لم تحسب من نثريات المكتب!). وبهذا تكون قيادة المستشفى قد أنهت مبلغ النصف مليون ريال، دون أن يصرف ريالاً واحداً في حالات طارئة، وما أكثرها في مستشفى الكويت. المخالفات كثيرة، والمساحة ضيقة. غير أن ما يحدث داخل مستشفى الكويت يعد بحق جريمة كبرى يمارسها القائمون عليه بحق المرضى الغلابى، والمال العام، وقبل ذلك بحق الدستور والقانون في البلد. لن نخوض أكثر في توضيح ما يجري داخل مرفق أهدته لنا دولة الكويت الشقيقة، وضيعه مسؤولونا. سنكتفي بما سبق، لنضع التقرير برمته بين يدي رئيس الجمهورية، الذي ينادي صباح مساء بضرورة محاربة الفساد، دون أن يلمس المواطن البسيط دليلاً واحداً على ذلك، ودون أن نرى مسؤولاً تم تحويله الى نيابة الأموال العامة ليكون عبرة لغيره. كما نضع التقرير الذي نحتفظ بنسخة منه، بين يدي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، ولجنة الصحة بمجلس النواب، ووزير الصحة، وكل المعنيين في البلد. وقبل ذلك نضع التقرير بأيدي قرائنا الكرام ومواطني هذا البلد المغلوبين على أمرهم، ليكون لهم الحكم الأول والأخير على ما يفتعل بحقهم.