من بين أكثر من 6600 منظمة مجتمع مدني تنتشر على خارطة الوطن، تمثل نقابة الصحفيين اليمنيين الكيان الأهم جزافا في هذا التواجد المدني انطلاقا من الأهمية التي بات يمثلها الإعلام في عالمنا اليوم والدور الذي يقوم به أرباب المهنة في صناعة الرأي العام وقيادته. ومن دون ريب أو حنق فإن ما يشهده هذا الكيان من فعل أو حدث يمثل محل متابعة وتطلع المجتمع من رجل الشارع العادي إلى أكبر رأس في الدولة على حد سواء مع فارق الحسبة والنبض. بعد غد السبت يلتقي في العاصمة صنعاء قادمين من ثلثي محافظات الوطن ما يقارب 1277 عضو وعضوة من زملاء وزميلات التعب المهني هم قوام الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين وذلك لعقد المؤتمر العام الرابع للنقابة وانتخاب مجلس تنفيذي مكون من النقيب و12 آخرين إلى جانب مناقشة العديد من الوثائق المقدمة إلى المؤتمر والمتضمنة التقرير المالي وتقرير الحريات ومشروع التعديلات في النظام الأساسي للنقابة ومشروع ميثاق الشرف الصحفي وهي وثائق تحظى من الأهمية والمصير ما يفرض على المؤتمرين المرور عليها بتأن تام وحذر شديد حتى لا تكون براقش هي من جنت على نفسها، والقرارات والتوصيات الختامية أشبه بوصية موت لمحتضر لم يوفق إلى نطق الشهادة. مؤتمر الصحفيين الرابع يأتي بعد مرارة انتظار دامت أكثر من عام تعرض فيه للتأجيل أربع مرات متلاحقة منذ فبراير من العام الفائت (موعد انعقاد المؤتمر الطبيعي) لدرجة أصبحت العبارة الشائعة "لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد" أشبه بحكمة ضالة لم تجد من يعينها على الاستقامة في بلاط صاحبة المتاعب. ورغم المرارة الممتدة إلى التراق إلا أن الصحفيين لم يفقدوا في قاموس الأثر الشعبي المأثور ما يستعينوا به على مواجهة أيام استطاعت أن تحفر في ذواكرهم ومفاصلهم فزعا قد لا ينسوه كلماعاد بهم التقويم إلى 26 يوليو -22 نوفمبر – 14 مارس (أيام التأجيل) وظل المثل الشعبي "كل تأخير وفيه خير" هو ذخيرتهم التي يطلقونها عزاء يتواسون به كلما فجعهم مجلس النقابة بفرمان تأجيلي يزيد من أعمارهم ويجر الصحفيين إلى الانقطاع والإحباط ومخالفة مذهب اللائحة. فترة التأجيل إلى جانب أنها مثلت انتكاسة جديدة في رصيد مهنة متخمة بالألم والفجائع، إلا أنها لعبت دورا في إتاحة الفرصة لأكثر من شخص وحزب لتقليب مصالحه وإعادة ترتيب أوراقه والإرساء على قناعات ما لبثت تتأرجح من تأجيل إلى آخر. وهو ما ظهر جليا من خلال فترة باب الترشيح لمنصب النقيب وعضوية المجلس التي كانت دشنتها النقابة في منتصف يونيو 2008م وفترة الترشيح الأخيرة مارس 2009م. حيث شهدت الأولى ركضا مبكرا وتدافعا حزبيا وشلليا لدودا باتجاه السيطرة على كرسي النقيب وحجز أغلبية مريحة في مقاعد المجلس دون الاهتمام أو حتى الالتفات إلى قضايا المهنة ومعاناة الصحفيين. وكانت النتيجة 4 مرشحين لمنصب النقيب وما يقارب 40 مرشحا ومرشحة لعضوية المجلس تنافست فيه اتجاهات من مشارب مختلفة حصد الإصلاح والمؤتمر العدد الأكبر في المحصول مما أنبأ حينها عن معركة ساخنة بين الضدين في محاولة للسيطرة على السنوات الأربع القادمة من عمر صاحبة الجلالة النازلة في الهبوط، وفيما ظهر الناصريون والاشتراكيون أكثر زهدا من الصوفية في التعامل مع الحدث وهم من اعتادت انتخابات النقابة على حضور مبكر لهما والفوز ببضع مقاعد في المجلس. كان الصحفيون العسكر التابعين للتوجيه المعنوي للقوات المسلحة يزحفون نحو المعركة الانتخابية بحماس أكثر منهما في صف المؤتمر المحظوظ بمؤازرة المؤسسات الإعلامية الرسمية أكثر من صحفيي إعلامه الحزبي. وقبل أن تعلن قيادة النقابة قرار التأجيل وقتها إذعانا لألسنة الاحتجاجات المتصاعدة من اعتصامات الصحفيين في ساحة النقابة والبيانات الساخطة من أكثر من محافظة ومؤسسة إعلامية تنديدا بما وصفوه بالسياسة الازدواجية لمجلس النقابة لا سيما إجراء منح العضوية وتظلمات أخرى كانت أسماء صحفية قد برزت كمرشحة أقوى للفوز بكرسي النقيب مثل نبيل الصوفي رئيس تحرير صحيفة "الصحوة" سابقا وصاحب مجلة "أبواب" وموقع "نيوز يمن" الإلكتروني وعضو اللجنة الاستشارية لتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية الذي لم يترك لأحد ذرة شك في خلافته لنصر طه مصطفى بدعم منه. ومن يونيو 2008م إلى مارس 2009م كان الوقت كفيلا بامتطاء رغبات أخرى غير خيارات الأمس وظهر الصوفي مشدودا للانتقال من السلطة الرابعة إلى السلطة التشريعية أكثر بعد أن أعلن عن نفسه مرشحا في إحدى الدوائر النيابية في أمانة العاصمة ليلحق به مدير مكتب العربية في اليمن حمود منصر مرشحا هو الآخر في مسقط رأسه بشرعب. هذه المرة ومع تدشين النقابة باب الترشيح تدافع الصحفيين كالجراد المنتشر مع الغبش نحو تزعيم أنفسهم وتقنيط الآمال بمهنة محترمة وحياة أقل عقابا في وادي السباع ومستطيلات "الزنقلة". وفيما كان منصب النقيب يشهد عزوفا إلا من 8 هم إجمالي المرشحين أبرزهم نعمان قايد سيف وياسين المسعودي ود. رؤفة حسن كانت قائمة المرشحين لعضوية المجلس تكتظ بأسماء من كل حدب وصوب وصلت إلى 132 مرشح ومرشحة لأول مرة في تاريخ النقابة. هذا العدد وإن كان أعطى زخما عريضا للمنافسة إلا أنه أحدث شروخا نفسية ومناطقية وشللية في الوسط الصحفي. وبصورة لم تختلف عن أجواء الانتخابات النيابية والمحلية إلا ربما بغياب التزوير تجري الآن الاستعدادات والتحضيرات ليوم الاقتراع الصحفي في أجواء ممزوجة بالغليان والعراك والابتسامات والضغائن والمقاربات، وبدأت الأسماع تصلها أنباء موثوقة عن تجمعات مناطقية لعدد من الصحفيين، فيما استنفرت بعض المؤسسات الإعلامية والصحفية العاملين فيها لعقد جلسات طارئة حسمت من خلالها أسماء مرشحيها بين القبول والرفض. الأحزاب السياسية وكعادتها وهي تولي انتخابات نقابة الصحفيين اهتماما لا يقل عن انتخاباتها النيابية والمحلية والرئاسية إلى اللحظة وهي تنشط في تحركاتها، وظهرت أحزاب المشترك سباقة في حسم قائمة مرشحيها والبد في إعداد القائمة الجماعية التي يؤكد الكثير أن الركون عليها من أهم تعجيل السقوط اعتمادا على تجارب سابقة أخفقت بالخيانات والمكر السيئ. ورغم أن صحفيي إعلامها لا يتجاوزون ثُمن أعضاء الجمعية العمومية إلا أن الاعتداد بأعضائها المغروسين في أكثر من وسيلة رسمية ويقينها بتصويت بعض إعلاميي المؤتمر لمرشحيها يمنحها ثقة بتكرار تجربة انتخابات فبراير 2004م. المؤتمر الشعبي العام الذي بدا أكثر إرباكا من المشترك في ظل عدم بناء أي حسابات على قاعدته الصحفية غير الثابتة إلا أن حصته في الفوز بمنصب النقيب هي الأرجح حتى الآن. ويقرأ البعض قرار ترشيح د. رؤفة حسن الذي فاجأ الجميع في ساعة متأخرة من مساء يوم إغلاق باب الترشيح من خارج الوطن دورا في أن يتحسس المؤتمر قلبه حتى إعلان النتيجة. انتخابات النقابة رغم توفر لها بيئة من نخب المجتمع إلا أنها لم تبتعد بأجوائها عن ترسيخ مفهوم سابق أن الديمقراطية بالنسبة لمجتمع كأمثالنا ليست سوى خيار خاطئ علينا أن ندفع فاتورته ثمنا باهظا حتى ننضج. وفي كل الأحوال فإن انعقاد المؤتمر الرابع للصحفيين اليمنيين وفق إجماع صحفي يأتي بالتزامن مع انبجاس تحديات كبيرة وظروف رديئة بامتياز أضحت معها المهنة مهانة والصحفي فيها "في محل جر" حد تعبير حسن عبدالوارث وفكري قاسم، وامتهانها أصبح أشبه باقتناء ميتة لمضطر يدرأ بها عن نفسه هلاك واقع، وهو ما يضع أعضاء الجمعية العمومية في أيام المؤتمر الثلاث أمام رهان مطلوب منهم أن يكسبوه في كل حال أو الموت على ظهر الجدار. في غمرة قلق البعض من تمرير التعديلات أو مشاريع قاتلة قد تمثل المسمار الأخير في نعش الصحافة اليمنية، واشتغال البعض الآخر حد الإرهاق والتلف بالانتخابات وحسابات الربح والخسارة كما في حال المرشحين ومن ورائهم أو الانهماك في استغلال الحدث للفيد والزنقلة كما في حال القلة أقول في ظل هذا كله يبقى افتقاد الأسرة الصحفية لامبراطور الصحافة اليمنية الزميل الرائع خالد سلمان رئيس تحرير صحيفة "الثوري" السابق واللاجئ السياسي في مدينة الضباب (لندن) هو الآخر شعور لم يغب وسط اشتعال العديد من المشاعر المبثوثة وبصمة صحفية واضحة تشير إلى واقع المهنة وأصاحبها بلغة ربما أبلغ من التقارير الدولية والمحلية العادلة. وهو ما أخذ البعض إلى الهمس بتوجيه تحية إلى هذا العملاق في منفاه وإفراده بإحدى التوصيات. ومن مدينة الضباب إلى شارع القيادة في أمانة العاصمة يتطلع العديد من الصحفيين إلى المؤتمر الرابع أن ينبثق بقرار يقضي بإسقاط اسم مدير عام التوجيه المعنوي للقوات المسلحة ورئيس تحرير صحيفة "26 سبتمبر" التابعة للجيش العميد علي حسن الشاطر من عضوية النقابة وفي مقدمة المتطلعين الصحفيين الضحايا الذين أفصحوا عن أنفسهم مآسي نازفة مستمرة لقراراته العسكرية الجائرة والمستعجلة لاعتبارات منصبه والتزامه بالقانون العسكري أكثر من قانون الصحافة والمطبوعات. وهو تطلع وهبوه آمالا عريضة في معايير نجاح المؤتمر الرابع. الصحفيات ومع الحديث عن التمكين السياسي للمرأة النشط في أكثر من بقعة وفعالية وجدن هن الأخريات مساحة في مشروع النظام الأساسي المقدم للمؤتمر عبر تخصيصهن بنسبة 15% من مقاعد مجلس النقابة وفقا لمبدأ نظام الحصص (الكوتا) وبدت حصة وصولهن إلى منصب النقيب وعضوية المجلس مرتفعة عن أسهم كثير من الصحفيين. إلا أن الأغلبية من الصحفيين يبدون تحفظا على إقرار (الكوتا) النسائية في بيئة نخبوية مثل نقابة الصحفيين باعتبار أن لديها من الوعي ما يعزز مشاركة المرأة ووصولها إلى موقع القرار دون الحاجة إلى (كوتا) يعتبرونها في الأخير تميزا سلبيا ضد المرأة الصحفية أكثر من كونه إيجابيا وانتقاص بحقهم سيعملون على رفضه وإن كان حال الصحفيات غير ذلك. وكالة الأنباء (سبأ) كمؤسسة إعلامية ممثلة من معظم الأحزاب وتحظى بنسبة تمثيل هي الأعلى في قوام الجمعية العمومية أكثر من ثلاثمائة صحفي وصحفية يؤكد البعض بحدس هو الأقرب إلى الصواب والقبول بصعود أكثر من اسم منها إلى عضوية المجلس يبرز اسم واحد من الصحفيات إحدى هذه الأسماء بقوة لامتلاكها مقدمات الفوز السهل وتناغمها مع صفات الشخصيات المطلوبة لقيادة المرحلة القادمة. مجلس النقابة السابق في الوقت الذي تطاله اتهامات بالتقاعس عن إنجاز مهامه والوقوف ضد المطالب العادلة للأسرة الصحفية فيما يخص التحضيرات للمؤتمر الرابع لكنه مع ذلك شغل مساحة في نجوى الوسط الصحفي سرا وعلانية وفي حضرة الانتخابات ظهر اسم ياسين المسعودي في قائمة المرشحين لمنصب النقيب فيما فضَّل حمدي البكاري ومروان دماج وعبدالله الصعفاني وسعيد ثابت وراجح الجبوبي إعادة ترشيح أنفسهم لعضوية المجلس على أمل الفوز بدورة ثانية. وفي ضوء ذلك يبدي الوسط الصحفي تعاطفا ضروسا مع البعض منهم في منحهم أصواتهم وإعادة فوزهم دون الحاجة حتى إلى اتصال منهم أو ابتسامة على اعتبار نجاحهم الشخصي والمهني والقيادي في التجربة السابقة بعيدا عن التعامل الحزبي الجارح. وفي هذا الشأن ينوي الصحفيون العمل على إقرار مادة تقضي بعدم جواز الترشح لأكثر من دورتين تكون ضمن جديد المؤتمر الرابع. وبين ألم الحاضر وأمل الغد ينتظر جمهور الصحافة بشغف طازج ما سيكتبه أربابها عن أنفسهم بعد أن ينفض المؤتمر ويحددون مصيرهم ومستقبل مهنتهم وكل امرئ بما كسب رهين.