إنها كارثة فضيعة تنتظر البلد، ورصاصةُ موتٍ حارقة ستصيب الوحدة اليمنية مالم ينتبه عقلاء اليمن في السلطة والمعارضة والحراك، ومختلف التكوينات الاجتماعية والسياسية والثقافية لخطورة الموقف والعمل على تفادي التمزق والصوملة. الوضعُ جد خطير، وعلى اليمنيين ترك خطابات وسياسات التصعيد والمواجهة، والاعتراف بالأخطاء وتشكيل جبهة وطنية واسعة لتدارك الأزمة وحلحلتها. مالم فإنَّ فصول جديدة من الفوضى والقتل، والتدمير ستحل، ستكون هي الملمح الجديد لليمن. تطورٌ جديدٌ في فعاليات وأحداث الحراك الجنوبي وصل حد البواح بالانفصال، ورفع خيار المواجهة المسلحة، إذا استمرت السلطة بقمع فعالياتهم، فيما أعلنت السلطات تشكيل هيئات شعبية لحماية الوحدة في إيحاء لتحويل الصراع إلى صراعٍ شعبي تحت عباءة الحفاظ على الوحدة. والمرعب في الأمر أن هذا التوجه يعد الشرارة الأولى لصوملة اليمن. لا يمكن لأحد إنكار سياسات السلطة عقب حرب صيف 49م، والتي استباحت المحافظات الجنوبية، وأقصت كوادرها، كما هي عادتها في التعامل مع المحافظات الشمالية لصالح مشروعٍ غير وطني، هو مشروع الحفاظ على السلطة، ولا يمكن أن نزايد على أبناء المحافظات الجنوبية في وحدويتهم ونضالاتهم من أجل تحقيق الوحدة، والأمر ينطبق أيضاً على أبناء المحافظات الشمالية، إلا أن نظام الحكم منذ ما بعد عام 09م وحتى اليوم، فشل في تحقيق أهداف الوحدة اليمنية في تحسين وضع المواطن، ورفع مستوى البلد، وأجهض دولة التحديث والمدنية، بل إنه أقصى مشروع الدولة من أجل الحفاظ على السلطة. الأسبوع الفائت اشتعلت معظم المحافظات الجنوبية، وتحولت إلى ساحة مواجهات تنذر بمرحلة جديدة من إدارة الصراع، والتي قد تلجأ لاستخدام العنف، والراسخ أن لا عزة لليمن إلا بوحدة ترتكز على قاعدة الشراكة الوطنية المتساوية ودولة النظام والقانون، وليس دولة الفوضى التي أصابت الوحدة بحالة إغماء، لن تصحو منها إلا بإعادة الاعتبار لمعاني الوحدة ومفهومها، التي ضحى من أجلها اليمنيون بالغالي والرخيص. نقف اليوم أمام أزمة ضخمة، تحتاج من الجميع الاحتكام للعقل والحوار، وجعل مصلحة الحفاظ على اليمن وتقدمه أكبر من الحفاظ على السلطة، أو الارتهان للحقوق المطلبية التي تضخمت إلى أزمة مخيفة. اليوم البلد بحاجة لصفحةٍ جديدةٍ عنوانها الأبرز، تنازل الجميع على السلطة، و الكف عن سياساتها غير الوطنية التي تصنع العزلة حول كرسي العرش، مدمرةً أوصال بلدٍ موحد منذ الأزل، كما عليها أن تعترف بأخطائها وتسير نحو معالجة تلك الأخطاء وفق رؤية وطنية علمية، وفي المقابل على الحراك الجنوبي أن يتمسك بمطالبه الحقوقية والسياسية على طاولة حوار وطني، ومعالجة كل المشاكل تمهيداً لمسيرة إعادة الاعتبار لوحدة 22 مايو 09م. وسط هذه الأجواء وبعد أن تتوفر هذه الإرادة، يجب على أحزاب اللقاء المشترك أن تلعب دوراً مهماً في لملمة الأوصال السياسية والوطنية والدفع تجاه دولة المؤسسات والنظام والقانون. ما يعيب السلطة أنها لم تلتفت للتحذيرات منذ فترةٍ طويلةٍ للكف عن تدمير أواصر الوحدة الوطنية، لكن للأسف يبدو أن نصر حرب 49م، أدخل النظام حالة من الغرور وفتل العضلات ليقصي شركاءه السابقين، والسير نحو إفراغ محتوى الشراكة، ليحل محلها مفهوم الواحدية في السلطة. وهذا الشعور العنتري أضعف كل مؤسسات الدولة من هيئات حكومية، وأحزاب سياسية، لينتج عن ذلك مجتمع ضعيف أمام سلطة تملك الثروة والقوة وتتمسح بالديمقراطية. من منَّا يستطيع أن ينكر أن بعض الأصوات الداعية للانفصال نمت وعشعشت تحت ظلال المؤتمر الشعبي العام ونظام الحكم. من منَّا لا يعرف مثلاً، أن طارق الفضلي حديد المتشيعين للانفصال كان إلى قبل أسابيع قليلة أحد أعمدة النظام الحاكم في المحافظات الجنوبية، واليوم صار في نظر السلطة نهاب أراضي، وإرهابي، وكأنها لم تكتشف ذلك إلا بعد انضمامه للحراك، أما قبل فكان وطنياً وحدوياً بامتياز. ومن منَّا يغفل أن من بين قادة الحراك من وقفوا مع النظام الحالي في حرب صيف 49م. لو تأملنا في إدارة نظام الحكم الحالي للبلد، سنجده يغيِّب المشروع الوطني الجامع ويبرز المشروع الفردي، كما سنجده يغيِّب سلطة مؤسسات الدولة ويعتمد المزاجية في إدارة شؤون البلد. والأخطر في الوضع اليوم، أن تظهر الدولة بموقف مواجه وصدامي مع ما يحدث في المحافظات الجنوبية، وتصعِّد من خطابها ضد رموز يمنية في الخارج، في الوقت الذي تفترض المصلحة الوطنية أن تقدم تنازلات للوطن، ولو حتى من باب التكفير عن خطايا 91 سنة من تسخير اليمن لصالح السلطة. ما يحدث اليوم أن السلطة بدأت بتشكيل هيئات شعبية على مستوى القرى والمديريات والمدن للدفاع عن الوحدة، وكأنها تريد من الشعب أن يتقاتل مع بعضه دفاعاً عن مصالح النخبة الحاكمة وليس دفاعاًً عن الوحدة. في عبارة للدكتور محمد الظاهري رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء، يجب أن نعلقها في مكاتبنا ومجالسنا وغرفنا تقول: «لاوحدة مع استبداد ولا ديمقراطية مع تشطير»، تتجسد فيها خيارات اليمنيين في وضع مأزوم كهذا، كما أنها تفك طلاسم الأزمة، بمعنى أن لا ديمقراطية أو تنمية في ظل التشطير، وأن معالجة الوحدة تكون بإسقاط الاستبداد وتبديد النظام الفردي الديكتاتوري بنظام ديمقراطي مدني. لابد من حماية الوحدة والدفاع عنها عن طريق التصدي لكل الممارسات المضرة والأخطاء المرتكبة تحت عباءتها، وإشعار الجميع بخيرات الوحدة. لا شك بأنَّنا سنحمي الوحدة من خلال تحويلها إلى مدخل لإصلاح أوضاع اليمن، وإيجاد دولة المؤسسات والقانون، وترسيخ مفهوم المواطنة المتساوية وعدالة توزيع الثروة، سنحميها من خلال إخضاع النافذين والنهابين لسلطة النظام والقانون، وليس عن طريق تأزيم الأوضاع واللعب بتناقضات الواقع لتوسعة شرخ الوحدة الوطنية.