منذ ما يقرب من أسبوعين، وبالتحديد فى23 يونيو/ حزيران من العام الجاري، وصل إلى إسرائيل ستة عشر يهودياً يمنياً وبمساعدة الوكالة اليهودية للهجرة. الجديد هنا، أن هؤلاء المهاجرين الجدد وصلوا إلى إسرائيل مباشرة من صنعاء وبتعاون مع السلطات اليمنية. قبلها بعدة أشهر وتحديداً في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2008 وصلت دفعة أخرى من يهود اليمن إلى إسرائيل. هذا الاهتمام الإسرائيلي المتجدد بيهود اليمن ويهود البلدان العربية يحمل الكثير من الإشارات والتلميحات. لا تزال إسرائيل تدعي الحديث بالنيابة عن كل يهود العالم، وفي الوقت نفسه تعتبر أن أي يهودي هو مواطن إسرائيلي. ذلك الإلحاح من قبل الصهيونية، هو بمثابة الاستماتة في الحصول على الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل. تلك الهوية ''اليهودية'' الضائعة والمشكوك بها. فإسرائيل قد تحولت إلى دولة متعددة القوميات رغماً عن أنفها بفضل التزايد السكاني العربي في أراضى 48 وفي الضفة والقطاع، ناهيك عن هجرة اليهود السوفييت إليها والمشكوك في يهودية غالبيتهم. أضف إلى ذلك حجم العمالة الأجنبية المهول داخلها من أوروبا الشرقية وشرق آسيا وإفريقيا. خلاصة القول إن إسرائيل تلهث في سباق خاسر من أجل الحفاظ على هوية مصطنعة. لكن لماذا الآن يتردد الحديث بقوة في إسرائيل عن اليهود العرب وعن مسؤولية الصهيونية عنهم؟ تعرف إسرائيل جيداً أن أعداد من تبقى من اليهود داخل البلدان العربية ضئيلةٌ ورمزية، وأنها لن تنقذها في سباقها الديمغرافي الخاسر. إذا كان اليهود العرب لا يمثلون أهمية ديمغرافية لإسرائيل، فإنهم قد يمثلون البوابة الأسهل لاعتراف العرب بيهودية الدولة الذي يطالبهم به ''نتانياهو''. وهنا تكمن الخطورة في التساهل الحكومي العربي في السماح لإسرائيل بالتحدث باسم المواطنين العرب من اليهود. في هذا الإطار يبدو التركيز الإسرائيلي على يهود اليمن مستميتاً. يهود اليمن هم أقدم جماعة يهودية في العالم. هم مواطنون أصليون وليسوا بأجانب مستوطنين. دخلت اليهودية اليمن منذ عهد الملك سليمان، وعندما قامت دولة إسرائيل كان تعداد اليهود اليمنيين يناهز الستين ألفاً. الآن لم يبق في اليمن سوى 260 يهودياً فقط، أغلبهم يعتقد ببطلان دولة إسرائيل طبقاً لمعتقداتهم الدينية، والتي جعلت الكثير منهم يهاجرون إلى الولاياتالمتحدة الأميركية. ولعل هذا الموقف وراء الإصرار الإسرائيلي لاستهدافهم بشكل مثير. ولعل ذلك هو السر وراء ما نشرته صحيفة ''هآرتس'' الإسرائيلية في 14 أبريل/ نيسان العام 2008 حول الرئيس اليمنى السابق ''عبدالرحمن الإريانى''. لقد قامت الصحيفة الإسرائيلية بإعادة نشر مقال من صحيفة أسبوعية للمتدينين اليهود باسم ''مشباها''، تدعي فيه كاتبته الصحافية ''دوريت مزراحى'' أن ''الإريانى'' هو الأخ الشقيق لجدتها اليهودية اليمنية، وأنه كان لعائلة يهودية بعد أن توفي فيها الأب والأم قامت عائلة ''الإريانى ''اليمنية بتبني الطفل ذي الثمانية أعوام وفرض ديانة الإسلام عليه. وبالمناسبة الرئيس ''عبدالرحمن الارياني'' قد تولى حكم اليمن بعد الرئيس ''عبدالله السلال'' في العام 1967 وظل بالحكم حتى العام .1974 والحق أن ''الارياني'' قد استطاع أن ينجو باليمن في فترة عصيبة من تاريخه من الحرب الأهلية. استطاع الرجل أن يحافظ على النظام الجمهوري بعد انسحاب القوات المصرية من هناك. في عهده تم صياغة أول دستور يمني حديث وانتخاب أول مجلس شورى. ما حاولت الصحيفة الإسرائيلية إثارة الشكوك حوله، كان عن إمكان اتصال ''زاخاريا حداد''- الاسم اليهودي للارياني- بأهله وعن التدخل الإسرائيلي في حرب اليمن. فات الحملة الإسرائيلية الأخيرة أن تلك القصة تم نشرها في العام 1967 في صحيفة ''هاعولام هازيه'' الإسرائيلية الأسبوعية بعد تولي ''الارياني'' الحكم، وأنها أثارت الرأي العام الإسرائيلي حول رئيس اليمن الجديد الذي يعيش أقاربه في ''تل أبيب''. لم تنتبه صحافة إسرائيل إلى أن الارياني بقي في الحكم رغم ما أثير عن يهوديته حتى العام .1974 لم يثر اندهاش ''تل أبيب'' أن الارياني قد حضر مؤتمرات القمة العربية في فترة المواجهة مع إسرائيل وقبيل حرب أكتوبر/ تشرين الأول ,1973 وأن التسريبات التي وصلت إلى إسرائيل لم يكن وراءها الارياني (ذو الأصل اليهودي)، بل كان وراءها عرب أقحاح ذوو أصول شريفة. والعجيب أيضاً أن مروجي ''القصة الإسرائيلية'' لم ينتبهوا إلى معنى وصول شخص من أصل يهودي إلى الحكم، يعرف المحيطون به ومن تبنوه منبعه، والأكثر من ذلك أن يستمر في الحكم سبع سنوات بعد نشر قصته في العام .1967 ألا يعنى ذلك زيف الزعم الصهيوني بحق ''إسرائيل'' في الحديث باسم يهود العالم؟ وألا يعنى ذلك أن انتماء اليهود هو لأوطانهم التي ولدوا مواطنين بها وأن أي ادعاء باضطهاد ''اليهود العرب'' هو من قبيل الافتراء والمزايدة. توفي ''الارياني'' في منفاه في دمشق العام ,1998 ولم يكن يعلم أن بعد وفاته بأكثر من عشر سنوات سيأتي من يدعي الحق في الحديث باسم يهود اليمن، وأن خلفاءه في الحكم سيسمحون بتهجير يهود اليمن مباشرة إلى إسرائيل.