بالرغم من عودة الهدوء إلى المحافظات الجنوبية التي عاشت أسابيع مشحونة بالعنف والمواجهات، لا تزال لهجة الخطاب الرسمي بنفس وتيرتها، إضافة إلى بقاء بعض المظاهر العسكرية واجترار قضايا الأحداث السابقة، وهو ما قد يجهض جهود اللجنة الرئاسية التي كلفت باحتواء التوتر في تلك المحافظات. ففي مدينة ردفان بمحافظة لحج جاب صباح الأحد الفائت عشرات من المحتجين الشوارع الرئيسية في مسيرة احتجاجية ضد تأخير رفع نقطة عسكرية غرب عاصمة المديرية (الحبيلين) ومصادرة وتوقيف الصحف المستقلة في صنعاءوعدن. المسيرة التي تحولت إلى اعتصام سلمي استبعدت الصدام مع الأمن وطالبت برفع النقاط العسكرية وفقا لوعود اللجنة الرئاسية والمجالس المحلية، كما طالبت بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعالجة الجرحى. وحاول المعتصمون عدم استفزاز الامن إذ تخلوا عن ترديد الشعارات الانفصالية، مكتفين برفع صور من سقطوا في المواجهات خلال الأسابيع الماضية، كما أن بيانهم جاء في ذات السياق، حيث دعا إلى وحدة الصف الجنوبي ورص الصفوف نحو تحقيق الأهداف المشتركة قائلا "إنه لن يستطيع أحد مهما كان أن يكسر رؤوس أبناء ردفان". وبالنسبة للمعتقلين في ردفان على ذمة الحراك الجنوبي ووصلت قضاياهم إلى المحاكم، فعلى ما يبدو أن اللجنة الرئاسية أخرجت الاتفاق بشأنهم قضائيا وذلك بأن تكون الأحكام الصادرة بحقهم مشمولة بوقف التنفيد. ومن ذلك أن قضت محكمة الحبيلين الابتدائية في جلسة مطلع الأسبوع الحالي بسجن عشرة من نشطاء الحراك الجنوبي في ردفان فترة ستة أشهر مع وقف التنفيذ، فيما برأت تسعة آخرين من تهم إشاعة الأخبار الكاذبة وتكدير السلم والأمن العام والاشتراك بمسيرات غير مرخصة. وفي الجلسة التي عقدت برئاسة القاضي أحمد شائف أحمد وحضور وكيل النيابة والمتهمين وهيئة الدفاع عنهم. جاء منطوق الحكم بمعاقبة كل من (مفيد صالح قاسم، نائف محمد أحمد، علي عبدالله سالم، حسن مهدي محمد، فضل سند فرج، عبدالرزاق ثابت، مارسيل عبدالكريم، أحمد عفيف، ملهم عبدالكريم قاسم، أحمد محمد جابر) بالسجن ستة شهور في قضية إشاعة الأخبار الكاذبة وتكدير السلم العام والاشتراك في مسيرات غير مرخصة، في حين برأ من ذات التهم كلاً من (حسن ثابت، عبدالحميد غالب، عبدالرب المطري، علي سعيد بن سعيد، عبدالباسط محمد ناجي، منير فضل محمد، فضل ثابت هيثم، رائد علي محسن، عبدالحكيم صالح). وفي قضية أخرى تتهم فيها النيابة (16) شخصا بطرد وعرقلة لجان الانتخابات في الدائرة (76) بردفان قضى منطوق الحكم بتبرئتهم جميعا مما نسب إليهم من تهم وذلك لعدم كفاية الأدلة التي قدمتها النيابة. صحيفة الأيام اليومية المستقلة التي تتخذ من عدن مقرا لها والموقوفو عن الصدور طغت على قضية الجنوبيين الأساسية وباتت قضيتهم الأولى، حيث شهدت مدينة الضالع صباح السبت الفائت مسيرة حاشدة انطلقت من وسط الشارع الرئيسي واتجهت صوب مدخل "جحاف" القديمة، وذلك تضامنا مع صحيفة الأيام وتلبية لدعوة مكونات الحراك الجنوبي. وردد المشاركون في المسيرة هتافات داعمة للصحيفة ومناهضة لإجراءات السلطة ضدها. كما دعت لتصعيد النضال السلمي. المسيرة التي لم تعترضها قوات الأمن قامت بتمزيق وإحراق الصحف الحكومية (الثورة والجمهورية و14 أكتوبر) والميثاق الناطقة باسم المؤتمر الشعبي العام وذلك تضامنا مع الصحف المستقلة الموقوفة. محافظة حضرموت التي تنتظر هي الأخرى توجيهات رئاسية بالإفراج عن المعتقلين والناشطين السياسيين، أعلن أحد سجنائها ممن تم اعتقالهم على خلفية المشاركة في الاحتجاجات الأخيرة بدء إضرابه عن الطعام. السجين البالغ من العمر 63 عاما هو سالم عبدالمنعم عمر باعثمان مضى على اعتقاله أكثر من أسبوعين وجه رسالة إلى الجهات الأمنية ونيابة غرب المكلا ودائرة الحقوق والحريات بنقابة المحامين يخطرهم فيها ببدء إضرابه عن الطعام -منذ الخميس الماضي 14/5/2009م- وخاطبهم فيها بالقول: سأبين لكم دوافع ومبررات إقدامي على الإضراب عن الطعام بالرغم من قناعتي التامة بأن الأسباب الكامنة وراء ذلك لستم مكترثين بها لما تمارسونه من إجراءات تعسفية تفتقر إلى أبسط مقومات القانون والدستور الذي لا يحمل على ارض الواقع سوى الاسم والعنوان. وأضاف "إن احتجازي وتوقيفي بشرطة فوه بحي المستقبل ليس له ما يبرره سوى ممارسة الضغط والإرهاب وتكميم الأفواه عن قول الحقيقة، وانتزاع روح المشاركة في المهرجانات المعبرة عن فضح أساليب وممارسات الاحتواء والقضاء على ما تبقى من الجزء اليسير لهامش الديمقراطية. وأوضح السجين باعثمان أن تهمة إثارة الشغب المحتجز على إثرها مخالفة لمواد قانون الإجراءات الجزائية، مشيرا إلى أنه تم احتجازه ظهر يوم الجمعة الموافق 1/5/2009م على بعد أمتار من سكنه أثناء توجهه للصلاة دون أمر بالقضاء عليه وذلك بعد أربعة أيام من مهرجان احتجاجي شارك فيه قرابة ثلاثين ألف مواطن. وإذ يعلن الرجل إضرابه عن الطعام -وهو يعاني عدداً من الأمراض- فقد حمل كل من يعنيه أمر احتجازه "دون أي مبرر كامل المسئولية عند حدوث أي انعكاسات أو مردودات قد تؤدي إلى تدهور حالتي الصحية". وكانت وزارة الداخلية قالت نهاية الأسبوع الماضي إنها ضبطت ما بين 40 إلى 50 شخصا من المتهمين بالاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم واستهداف رجال الأمن والنقاط خلال أعمال الشغب والفوضى ومسيرات الحقد والكراهية التي استهدفت وحدة الوطن واستقراره في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية خلال الأيام القليلة الماضية". وذكر مركز الإعلام الأمني: إن بعض المتهمين الذين ألقي القبض عليهم قاموا بإلقاء قنابل يدوية على المواطنين الأبرياء ورجال الأمن وبعضهم أطلق النار على النقاط الأمنية ومنتسبي القوات المسلحة، ومنهم من شارك في أعمال التدمير والتخريب واستهداف ممتلكات المواطنين والمؤسسات الحكومية والمرافق العامة". وفي تحذير مبطن للمواطنين لمنعهم من المشاركة في مهرجانات احتجاجية قالت الأجهزة الأمنية في تصريحها إنها وثقت بالصورة كافة الجرائم المرتكبة والأفعال الخارجة عن القانون وهو ما مكنها من متابعة جميع المتورطين بهذه الجرائم وإلقاء القبض على معظمهم وإحالتهم للتحقيق فيما لا يزال البحث جار عن من تبقى منهم". وفي حين أعادت السلطات اعتقال رئيس فرع حزب التجمع بمحافظة حضرموت على خلفية المشاركة في مهرجان 27 إبريل بمدينة المكلا، وذلك بعد يوم من الإفراج عنه ترفض السماح بنقل حسن باعوم إلى الخارج للعلاج، حيث تعرض لكسر في فخذه الخميس المنصرم ويتلقى حاليا العلاج في مستشفى ابن سيناء التخصصي بالمكلا وقال نجله في تصريح لنيوز يمن إن والده -الذي يرأس ما يسمى بالمجلس الوطني لتحرير الجنوب- سقط في منزله ما أدى إلى كسر فخذه"، مشيرا إلى أن الأطباء نصحوا بنقله للعلاج في الخارج. وأضاف "إنهم تواصلوا مع السلطات الأمنية بغرض السماح لوالده بالسفر للخراج، غير أنها رفضت إعطاءه جوازه المحجوزة لديها منذ فترة سابقة". وكان الأمن أفرج عن ناصر محفوظ باقزقوز بضمانة حضورية فيما أحيل ملفه إلى النيابة بتهمة تحريض الناس والدعوة للانفصال والمشاركة في أعمال شغب وتخريب. من جهة أخرى تتواصل بيانات الدعم الخارجي للوحدة ومن ذلك أن حدد الاتحاد الأوروبي دعمه لاستقرار وديمقراطية اليمن. وفي حين عبر الاتحاد الأوروبي في بيان صحفي عن قلقه حيال ما وصفه "حوادث العنف السياسي في جنوباليمني وبعض مناطقه الأخرى، فقد دعا "جميع الأطراف إلى التحلي بضبط النفس والامتناع عن أعمال العنف". مطالباً "الحكومة والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني الدخول في حوار من أجل تسوية جميع المشكلات". وأعرب الاتحاد عن قلقه مما اعتبره "قيودا على حرية وسائل الإعلام في اليمن" مشددا على أهمية دعم الحكومة لحرية الصحافة ولفت البيان إلى أن دول الاتحاد "ترحب بدور مجلس التعاون الخليجي في دعم التنمية في اليمن، كما عبر عنها المجلس في الاجتماع الوزاري الأوروبي الخليجي ال19 في 29 إبريل في مسقط".