أخذت تطورات الحرب في صعدة بالتسارع والانتقال لمرحلة جديدة تنذر بأقلمتها خاصة مع دخول السعودية طرفا فيها. وفي حين تذهب الاحتمالات إلى وجود اتفاق سعودي يمني للاشتراك في الحرب ضد الحوثيين فإن البلدين ينفيان ذلك باستثناء التعاون الاستخباراتي. غير أن الحوثيين يؤكدون مواصلة قصف الطيران السعودي لمديرية الملاحيظ وسوق الحصامة وقرى مديرية شدا والقرى المتاخمة للحدود السعودية (القباص والراقي) وعلى خلاف تصريحات لمستشار للحكومة السعودية أن طائرات حربية سعودية شنت غارات مكثفة على معاقل الحوثيين "ليس فقط على الحدود بل على مواقعهم الرئيسية قرب صعدة". فقد أكدت الرياض رسميا مطلع الأسبوع الحالي شن غارات جوية على مواقع للحوثيين داخل الأرضي السعودية، مشددة على أن الهجوم سيستمر إلى أن يتم القضاء على أي وجود لهم على أراضيها، فيما أعلن الحوثيون "انكسار الزحف السعودي على الأراضي اليمنية بعد أسر عدد من الجنود". التضارب ذاته ينعكس على تصريحات المسئولين اليمنيين حول مشاركة السعودية من عدمه في الحرب على الحوثيين داخل الأراضي اليمنية، ففي حين أعلن مسئول عسكري ميداني أن القوات السعودية واصلت قصف مواقع الحوثيين في صعدة نفى مسئول في وزارة الدفاع قيام القوات السعودية باختراق الحدود، لكنه أشار إلى أن الدولتين تتعاونان استخباراتيا. وتتعزز احتمالات الرضا اليمني بمشاركة السعودية في الحرب ضد الحوثيين من كلمة رئيس الجمهورية بمناسبة تدشينه تصدير أول شحنة غاز مسال السبت الفائت الذي قال "إن الحرب الحقيقية في صعدة لم تبدأ إلا منذ يومين" معتبرا الحروب السابقة بروفة تعرف الجنود فيها على المنطقة وتضاريسها وأضاف "الحرب لن تتوقف مهما كلفتنا من مال أو شهداء" مؤكدا "أن لا مصالحة ولا وقف للحرب الدائرة بصعدة إلا بعد نهاية الشرذمة الخائنة". وبررت السعودية هجومها على الحوثيين نتسللهم إلى جبل دخان، زاعمة أنه ضمن أراضيها فيما كانت السلطات اليمنية أعلنت الأسبوع الماضي استعادتها لهذا الجبل بعد سيطرة الحوثيين عليه. ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر سعودي مسئول قوله: إنه وبعد رصد تواجد لمسلحين قاموا بالتسلل إلى موقع جبل دخان داخل الأراضي السعودية بالقرب من مركز خلب الحدودي في قطاع الخوبة بمنطقة جازان الثلاثاء قبل الماضي، وقتلهم لجندي وإصابة 11 آخرين مع محاولة التسلل عبر القرى الحدودية المشتركة، وحيث أكدت المملكة أنها ستقوم بما يقتضيه واجب الحفاظ على أمن الوطن وحماية حدوده وردع المتسللين من أي جهة كانوا، فقد تمت المباشرة بإخلاء القرى الحدودية المجاورة لموقع الحدث إلى مناطق آمنة" وأضاف "باشرت القوات المسلحة بدعم حرس الحدود ببعض الوحدات العسكرية وتنفيذ ضربات جوية مركزة على تواجد المتسللين في جبل دخان والأهداف الأخرى ضمن نطاق العمليات داخل الأراضي السعودية وإسكات مصادر إطلاق النار وإحكام السيطرة على مواقع أخرى حاول المتسللون التواجد فيها". وأشار المسئول السعودي إلى أن "دخول الحوثيين إلى الأرضي السعودية والاعتداء على دوريات حرس الحدود وقتل وجرح عدد منهم هو انتهاك سيادي يعطي المملكة كامل الحق باتخاذ كافة الإجراءات لإنهاء تواجدهم غير المشروع، وعليه فإن العمليات ستستمر إلى حين اكتمال تطهير كافة المواقع داخل الأراضي السعودية من أي عنصر معاد مع اتخاذ التدابير اللازمة للحد من تكرار ذلك مستقبلا". وبغض النظر عن هذا النفي السعودي فإنها مشاركتها على الواقع في الحرب ضد الحوثيين تكون قد حققت رغبة الأخيرين في أقلمة الحرب وتسجيل انطباع عن ضعف الجيش اليمني وقوة الحوثيين الذين يواجهون جيشي دولتين. كما أن استمرار مشاركة السعودية في الحرب ضد الحوثيين إلى داخل الأراضي اليمنية سيخلق شعبية للحوثيين وتعاطفا معهم في أوساط اليمنيين باعتبار ذلك تدخلا وغزوا سعوديا لبلادهم. ورأى تقرير لوكالة "رويترز" إن التحرك العسكري السعودي المباشر لن يحظى بتأييد بعض اليمنيين الذين يشعرون بحيف جارتهم الشمالية وهي مشاعر يمكن أن يستغلها تنظيم القاعدة. وفي إطار تصاعد القلق من تعميق وتوسعة الحرب وأقلمتها حذر مندوب اليمن لدى جامعة الدول العربية عبدالملك منصور من أقلمة الحرب في صعدة، وقال إن تسلل الحوثيين إلى الأراضي السعودية جاء من رغبتهم في إعطاء بعد إقليمي للحرب بعد أن أيقنوا بأن الجيش اليمني يكاد أن ينهي التمرد. وأوضح منصور لوكالة أنباء شيخوا بأنه كان لا بد -في نظر الحوثيين- من تدخل سعودي في الحرب حتى تتخذ إيران من ذلك ذريعة لتدخل بعد أن تصبح الحرب إقليمية وليس مجرد شأن داخلي لليمن". وفيما أكد منصور نجاح الحوثيين في إقحام السعودية وإيران في الحرب استبعد أن تدخل طهران بشكل سافر فيها، مشيرا إلى أن الحكومة اليمنية لديها أدلة على دعم بعض الحوزات في طهران للحوثيين، وقال "إذا تطلبت الملاحقة السعودية للحوثيين دخول الجيش السعودي للأراضي اليمنية، فإن ذلك سيتم بالتنسيق والتعاون بين حكومة الرياض وصنعاء". دخول السعودية طرفا في الحرب زاد من تفاعلاتها الخارجية حيث أعربت واشنطن عبر وزارة الخارجية عن "القلق لاتساع النزاع على الحدود بين السعودية واليمن ودعت جميع الأطراف إلى حماية أرواح المدنيين، في حين دعت الحكومة الفرنسية إلى وضع حد للمعارك الداخلية في اليمن والبحث عن تسوية سياسية في البلاد تسمح بإرساء السلام والاستقرار، معبرة عن قلقها من توغل الحوثيين في الأراضي السعودية. ودان المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسي في تصريح صحفي بشدة ما أسماه "سلسلة الاعتداءات من قبل الحوثيين على القوات السعودية والتي تسببت بوقوع ضحايا من الجانب السعودي" وقال إن بلاده تدين بشدة أي انتهاك لسيادة وسلامة أراضي المملكة العربية السعودية". من جهتها أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة تأييدها ووقوفها إلى جانب السعودية في الدفاع عن أراضيها وتأمين حدودها من أية اعتداءات تتعرض لها ودانت اعتداءات الحوثيين عليها. وقال وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إن ما تقوم به السعودية دفاع عن أراضيها وحفظ لسيادتها" موضحا أن أي مساس بأمن السعودية هو مساس بأمن الإمارات ويحتم عليها الوقوف معها للتصدي لذلك بقوة وحزم. أما الإخوان المسلمين في مصر فقد دعوا العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوقف القتال مع الحوثيين على الحدود مع اليمن وحقن دماء المسلمين. وناشدت الجماعة في بيان الملك عبدالله بالسعي الجاد "إلى عقد لقاء بين الفرقاء اليمنيين لإصلاح ذات البيت حفاظا على وحدة اليمن وسلامة أبنائه.. وقالت الجماعة "لقد ألم الحزن في نفوسنا لكل هذا القصف المتبادل وتلك الدماء المهدرة على الحدود اليمنية السعودية ودخول جيش المملكة ساحة القتال الدائر منذ فترة بين أبناء الشعب اليمني الشقيق". من جهتها حملت أحزاب اللقاء المشترك السلطة مسئولية ما آلت إليه حرب صعدة "في مساراتها التصعيدية الراهنة التي كان بالإمكان تفاديها" كما حملتها المسئولية الكاملة عن صيانة السيادة الوطنية لليمن وحماية حدودها الإقليمية". وقالت في بلاغ صحفي إنها تابعت بقلق بالغ المسارات المتفاقمة لحرب صعدة المأساوية ولا سيما البعد الإقليمي الذي أضيف إليها بإدخال السعودية في المواجهات العسكرية نتيجة لإدارة السلطة السيئة للأزمات الداخلية، مجددة مناشدتها للأشقاء إلى دعم الجهود الوطنية الدافعة إلى حقن دماء اليمنيين والوقف الفوري للحرب والحيلولة دون أقلمتها. واستهجن بلاغ المشترك ما وصفه تجدد خطاب القوة والعنف ومفردات التخوين ضده من قبل جهة عسكرية -اللجنة الأمنية- غير ذات صفة دستورية. وكانت اللجنة الأمنية العليا التي يرأسها رئيس الجمهورية اتهمت المشترك بضلوعه وبشكل علني ومكشوف في تأييد ودعم الحوثيين والانفصاليين وتجاوز الدستور، ملوحة بحل أحزابه "إن أي تشجيع على الخروج على الدستور والقانون سوف يمس شرعية هذه الأحزاب وأساس وجودها قبل غيرها". على الصعيد الميداني للمواجهات قال الحوثيون إن الجيش السعودي واصل غاراته الجوية على مواقعهم في المناطق الحدودية وداخل اليمن" في حين أبقت السلطات اليمنية على صمتها إزاء التطورات على الحدود. وأوضح الحوثيون أن القصف السعودي للأراضي اليمنية متواصل وأن طيرانها الحربي نفذ مساء الاثنين الماضي أكثر من 30 غارة جوية.. وبحسب بيان صادر عن مكتب الحوثي فإن القصف استهدف بشكل مباشر مديرية الملاحيظ وسوق الحصامة وشدا والقباص والراقي. وأشار البيان إلى أن القصف كان كثيفا الاحد الماضي وأن السعوديين استخدموا قنابل فسفورية أحرقت مناطق جبلية". وسبق للحوثيون اتهامهم الجيش اليمني باستخدام هذا النوع من القنابل كما سبق للسعودية أن نفت تنفيذ أي عمليات داخل اليمن. وأكد المتحدث باسم الحوثيين إن القصف السعودي شمل أهدافا داخل تراب اليمن، معتبرا ما يعلنه السعوديون عن محاربة متسللين حوثيين إلى الأراضي السعودية واقتصار العمليات ضمن نطاق أرض المملكة، "مجرد ذرائع لهجوم منظم". ونفى الحوثيون سيطرة السعودية على جبل الدخان الحدودي، مؤكدين استمرار تواجدهم فيه وهو الموقع الذي كان الجيش اليمني أعلن استعادة السيطرة عليه. وقالوا في بيان: إن ما أعلنته السعودية حول السيطرة على جبل الدخان مجرد أكاذيب وتقديم انتصارات وهمية لا أساس لها". وأعلن الحوثيون أسر عدد من الجنود السعوديين بينهم ضابط مخابرات كبير يدعى الزهراني وأن الزحف السعودي على الأراضي اليمنية انكسر بعد أسر مجموعة من جنوده والاستيلاء على عدد من سياراته العسكرية المتنوعة وكذلك العتاد والمؤمن، وهربت بقية الجنود في صورة غريبة إلى عمق الأراضي السعودية وقد سيطر على مشاعرهم الخوف والهلع". وحذر عبدالملك الحوثي السعودية من انتهاك السيادة اليمنية "إننا إذ نحذر النظام السعودي من الاستمرار في عدوانه وانتهاكه للسيادة اليمنية، نذكره مجددا أن تورطه واستمراره في الحرب والعدوان سيضعه أمام رهانات خاسرة" معتبرا "أن الحرب السعودية على اليمن كانت مدبرة ومخططاً لها، وهي نتاج طبيعي لتدخلات كثيرة وكبيرة زادت بشكل ملحوظ يوما بعد يوم خلال هذه الحرب، وانتهت بهذه الهجمات المكثفة، وأن ما يقال عن دخولنا الأراضي السعودية الهدف منه إيجاد مبررات فقط لهذا العدوان المدبر". وفيما حمل الحوثي السعودية آثار ما سينتج عن عدوانها عليهم فقد أكد جهوزية جماعته الكاملة لمواجهة عدوانها". وذكرت وكالة فرانس برس أن سبعة سعوديين لقوا مصرعهم منذ اندلاع القتال وأصيب 126 آخرين بجراح. وأسفر القتال بين الجانبين الجمعة الماضي عن مصرع جنديين سعوديين وإصابة العشرات. ونقلت الوكالة عن مصدر في مستشفى صماطة بجيزان أن يوم الجمعة كان أصعب الأيام من حيث عدد الجرحى الذين استقبلهم المستشفى. وقالت وسائل إعلام سعودية إن عمليات الجيش السعودي قتلت عددا من الحوثيين وألقت القبض على أكثر من 150 فيما استسلم 40 منهم وهو ما نفاه الحوثيون. وقال المتحدث باسم الحوثيين إن السعودية "لن تتمكن من تحقيق أهدافها" وإنهم ينتظرون الهجوم البري السعودي ليواجهوه بأسلوب حرب العصابات. وأرفق الحوثيون أحد بياناتهم بمقاطع مصورة تظهر جنوداً يهرعون تحت وابل من النيران قالوا إنهم سعوديون إضافة إلى صور مركبتين من طراز همر ومستندات. إلى ذلك أفادت صحيفة الشرق الأوسط ذات التمويل السعودي إن السلطات قامت بإجلاء واسع لمواطنيها من المناطق الحدودية وأن هذه العملية شملت حوالي خمسين ألف نسمة وذكرت الصحيفة نقلا عن مصادر قبلية إن المنطقة العسكرية التي أعلنتها القوات السعودية تمتد على طول أربعين كيلومترا على الحدود من اليمن وبعمق عشرة كيلومترات وتشمل عمليات الجلاء 240 قرية. وعلى الصعيد الإنساني فقد أدى التورط السعودي في الحرب إلى زيادة حجم الخسائر البشرية والمادية وارتفاع حجم القلق على المدنيين على جانبي الحدود وقالت المفوضية العليا لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة الجمعة الماضية إنها تبحث عما إذا كانت الهجمات السعودية على متمردين في شمال اليمن أثرت على ما يتراوح بين نحو (3500 و 4500) نازح تجمعوا بالقرب من الحدود. وفيما يخص المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين في الجبهات الأخرى قال الحوثيون إن الجيش حاول الزحف على جبهة مديرية حرف سفيان بعمران وآل عقاب محيط صعدة والمقاش لكنه سرعان ما تراجع، مشيرين إلى أن المواجهات والجبهات الأخرى اقتصرت على القصف الصاروخي والمدفعي المتقطع. وأعلن الحوثيون إسقاطهم طائرة حربية من نوع سوخوي برازح وتعتبر ثالث مقاتلة يتبنى الحوثيون إسقاطها منذ بدء الحرب السادسة، فيما نفت الدولة ذلك وقالت إن الطائرة سقطت نتيجة خلل فني.