انشغل الأمن اليمني بعمليات القعيطي فعوض الوحيشي والشهري مااغتالته البرايدتور الاميركية مع الحارثي كتب/ نبيل الصوفي بعد رفض اليمن مرات عديدة الاعتراف أن للقاعدة تواجداً نوعياً فيها، وردها الثابت تحت كل الظروف وفي مواجهة أية توضيحات اقليمية أو دولية "اليمن ليست ملجأ للقاعدة" كشفت العمليات الأخيرة التي لم تتوقف حتى الآن منذ بدأت يوم ال17من ديسمبر العام الماضي أن التنظيم أصبح يمتلك "نقاط تجمع" شبه معلنة للتدريب والاختباء فيما يمكن اعتبارها "المناطق التاريخية" له في اليمن، منذ أول عملياته قبل ال11 من سبتمبر 2001م، والتي أدار منها أنشطة مختلفة، منها إصدار خمسة تسجيلات بالصوت والصورة وعشرة أعداد من نشرته "صدى الملاحم"، مترافقة مع ضعف ذات العدد تقريبا من العمليات في مناطق مختلفة في اليمن والسعودية منذ"الهروب الكبير" كما يسميه التنظيم ل23من سجن الاستخبارات اليمنية على رأسهم "أبو بصير ناصر عبد الكريم الوحيشي-38 عاما" والذي تمت مبايعته في السجن كأمير جديد لتنظيم اليمن الذي بقي بدون أمير منذ اغتيال (أبو علي الحارثي) في نوفمبر 2002م. مثلث الفراغ.. الى هنا تمر القاعدة قبل عمليات ال11من سبتمبر التي شقت مياه الجليد على التنظيم، كانت اليمن مسرحا لأخطر عمليات القاعدة وهي ضرب البارجة العسكرية يو إس إس كول في أكتوبر 2000م والتي قتلت أكبر عدد من العسكريين الاميركيين وأخرجت البارجة العملاقة عن الخدمة لسنوات. وفقا للتقارير الاستخباراتية عن سجلات التحقيق والمحاكمات فإن التخطيط والامداد لتلك العملية التي بدأت بمراقبة البارجة منذ دخولها مياه البحر الأحمر، تمت فيما يمكن تسميته "أرض القاعدة في اليمن"، وهو مثلث كبير يمثل نصف مساحة اليمن يبدأ من محافظة أبين شرقا الى محافظة الجوف شمالا، مرورا بأجزاء كبيرة من شبوة وحتى حضرموت، وتربطه بالعاصمة من جهة الشمال مديرية "أرحب"التي تطل على مثلث "مقفر" تجمعه حدود تماس بثلاث محافظات أخرى هي صنعاء وعمران وصعدة. ومع أن الأخير تشقه طريق إسفلتي من عاصمة المديرية التي شهد محيطها عمليات اشتباك نوعية بين التنظيم والدولة أهمها التي أسفرت عن اغتيال فواز الربيعي في اكتوبر 2006م، الى عاصمة محافظة الجوف، فإن المواجهات مع الحوثيين على مدى ست سنوات عطلت الطريق نهائيا، حتى أن الجيش أقام في مدخله مقدمة من عدد من الأفراد يغلقون الطريق في وجه من يحاول المرور منها الى ذلك المثلث. وقال للكاتب ضابط تلك المقدمة التي تغلق الطريق بحاجز حديدي: "لايمكنك المرور فالمنطقة خطرة". وهي من أكبر مناطق حركة التهريب والمهربين التي تضاعفت خلال المواجهات مع الحوثيين وأصبحت وسيلة مسكوتاً عنها لتوفير احتياجات سكان المدن في محافظة الحرب ومايحيط بها. السعوية - اليمن.. "هنا نبدأ".. من خطب بن لادن الى أفلام يتكرر هذا الجزء من التعبير الذي يربط البداية ب"جزيرة العرب"، وهو مضمون البيان الذي أعلن تحالف تنظيم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في 1998م، وذاته الذي سمي به أول تسجيل مرئي يجمع أول قيادة اقليمية من اليمن والسعودية والذي حمل إسم "هنا نبدأ وفي الأقصى نلتقي". ضمن مبررته لعميات ال11 من سبتمبر تحدث أسامة بن لادن عن رؤيته للملكة العربية السعودية باعتبارها رأس حربة البداية، مشيدا بأيدلوجية شعبها الدينية منبها لخطورة المواجهة مع جيشها لتجنب إثارة الفتنة بينه وبين القاعدة واعتبار عملية سبتمبر هي لاشغال العالم عن دولة النفط حتى يتمكن التنظيم من السيطرة على "بلاد الحرمين والزحف بعدها لتحرير فلسطين". وتتطابق ذات الرؤية لمؤسس وقائد التنظيم، السعودي من أصول يمنية لليمن، وقد نقل مجندو "الشيخ أسامة" ومنهم حارسه الشخصي "ناصر البحري" إنه طلب من الخلية التي كلفت بضرب كول محاولة انجاز المهمة قبل أن تصل المياه الاقليمية اليمنية، ونقل عنه توجيهه لمجنديه "إذا واجهك الجندي اليمني فاستسلم". وهذه ليست رؤية جديدة، بل هي نتيجة تنظير "ديني" مستند ل"قراءة اجتماعية سياسية لوضع المجتمع اليمني ودولته" من قبل الجيل السابق لبن لادن في الجهاد الأفغاني، طورها هو عبر توطيد العلاقة ب"المجاهدين اليمنيين"، وهي ذاتها الأسس التي اعتمد عليها التنظيم حتى اليوم في استقطاب مجنديه في البيئة اليمنية، حتى أن منشورا خاصا صدر عام 1999 بعنوان "مسؤولية أهل اليمن تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم" لأستاذ سوري كان يعمل في المعاهد العلمية اليمنية قبل التحاقه بالجهاد الافغاني ثم بالقاعدة واعتقل في باكستان مؤخرا، تصف اليمن بأنها "القلعة الطبيعية المنيعة لكافة أهل الجزيرة، بل لكافة الشرق الأوسط، فهي المعقل الذي يمكن أن يأوي إليه أهلها ومجاهدوها". وبغض النظر عن المواجهات التي فرضتها التكتيكات المختلفة للدولتين من جهة والتنظيم من جهة فقد ظل الهدف ثابتا ل"الشيخ"، وهو الانتقال ل"جزيرة العرب". وبالتأكيد تحظى اليمن بالأولوية لعدة أسباب أضيف لها "قربها من الصومال" حيث تمثل كل منهما طريقا للآخر ممايسهل الانتقال بينهما عددا وعدة، فقد ثبت للتنظيم من خلال تجربة حركة طالبان التي تنشط في دولتي افغانستانوباكستان، إن الاحتماء من حرب دولية تتطلب خيارات جغرافية واسعة تتشابه طروف إدارتها. يزيد من تأهل اليمن قاعديا، ظروف الصراع السياسي بين الرئيس علي عبدالله صالح وأحزاب المعارضة التي ينتمي لها عدد كبير من رجال قبائل مثلث الفراغ المشار له. ولايشير هذا لعلاقة القبائل بالقاعدة فللرئيس علاقات مباشرة مع مشائخها غير أن الصراع السياسي يساعد أفراد التنظيم على الحركة بأمان مستفيدين من إضعاف خطاب الصراع السياسي لشرعية الدولة في منطقة هي أصلا محكومة بالانتماء للقبيلة أكثر من الانتماء للدولة، ولاوجود فيها لمؤسسات الدولة إلا عبر القبيلة. القاعدة.. تنظيم الجزيرة في يونيو 2009م نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) ليون بانيتا ان الوكالة تركز على دول مثل الصومالواليمن باعتبارها مآوي ممكنة للقاعدة، وعن مصادر أخرى إن "عشرات من مقاتلي وقادة تنظيم القاعدة بدأوا ينتقلون من مناطق القبائل في باكستان الى الصومالواليمن"، بسبب"الضغط الهائل الذي نمارسه على القيادة" في تلك التنظيمات، مع تكثيف الغارات الجوية بطائرات من دون طيار تنطلق من باكستانوافغانستان منذ تسلم الرئيس الاميركي باراك اوباما منصبه، و"كون الصومال بلدا من دون دولة اضافة الى ضعف الحكومة المركزية في اليمن". المخابرات هنا، سعت لمنح "الرئيس الجديد" للبيت الأبيض نصرا فرض على القاعدة الهرب من أكثر مناطق الحرب معها اشتعالا، فيما العمليات الأخيرة في اليمن تقول إن ماحدث هو أن "الهروب الكبير" أعاد لأسامة بن لادن أكبر عدد من جيله الأول قبل أن تنجح دولة الرئيس صالح في احتوائهم كما فعلت مع سابقين ضمن تسويات مختلفة تحت عنوان "لاعمليات ولامطاردات في اليمن"، وهو الاتفاق الذي يبدو أن الرئيس صالح حاول استعادته في رسالة عابرة ضمن آخر إشارة له مترافقة مع أسخن مواجهات دولته مع التنظيم حاليا حين تحدث عن قبوله الحوار مع القاعدة إذا وضعت السلاح. وهو اتفاق يناقض خطط بن لادن ومشاريعه لأنه يعطل التنظيم أو يهدد بتحوله الى أداة بيد الرئيس صالح نفسه. وبمجرد استقرار "القيادة الجديدة" خارج السجن فقد تلقت تزكية علنية في نوفمبر 2008م عبر خطاب للرجل الثاني في القاعدة أيمن الظواهري. وفيما انشغل ناصر الوحيشي والريمي بالبناء التنظيمي، فقد تولى حمزة القعيطي الإشراف على تنفيذ عمليات، وسلم القصع والبدوي نفسيهما لأجهزة الأمن. ومقابل نجاح الأمن في اغتيال عد كبير من الفارين أبرزهم الربيعي والقعيطي، فقد أفرج عن القصع قبل انتهاء عقوبته في سياق التسويات بين الجيل الأول للتنظيم والسلطة فقد نجح الوحيشي في مهمة بناء القيادة الاقليمية للتنظيم، وكشفت العمليات الأخيرة انضمام القصع لهم وهو الذي قال محافظ محافظة شبوة إنه "التزم بالبقاء في منزله بمحافظة شبوة دون أي نشاط" قبل أن يكتشف الأمن إنه "استخدم مسجده للاستقطاب والتنظيم". القاعدة.. عودة للمنطقة الأم الإعلان عن "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" في يناير 2009م، كان هو التتويج الجديد لانتصارات "المسار"، وهي المرة الأولى التي يتوفر للتنظيم في "أرض الميعاد" قيادة يمنية سعودية، وعبر مثلث الجغرافيا الفارغة في اليمن، بذلت جهد نوعي للتعبئة والانتشار والاستقطاب، محاولة للخروج من "إمرة طالبان وأمرائها" والتي هم لديها مجرد "ضيوف حماية" حيث لاتعمل القاعدة بشكل مستقل في تلك الديار. ورغم انجازات الأمن اليمني والسعودي ضد حلقات وصل بين التنظيم وجيله الجديد القادم من العراق بشكل خاص، فإن القيادة الجديدة، برئاسة "ناصر الوحيشي" ونائبه "سعد الشهري"، نجحت في "تأسيس قيادة للتنظيم داخل المنطقة"، وهو ماتحاول عمليات صنعاء المدعومة إقليلما من السعودية ودوليا من الولاياتالمتحدة الأميركية مواجهته حاليا. الزنداني مجددا في سباق بن لادن وصالح الملفت للانتباه أن من يوصف بأنه "شيخ أسامة بن لادن" الشيخ عبدالمجيد الزنداني عاد مجددا إلى واجهة النقاش بعد أن تولى تنظيم مؤتمر لقرابة 200 من الشخصيات التي وصفت بأنها "علماء وطلبة علم"، مصدرا بيانا عليه توقيعات -وهي الطريقة التي اعتاد عليها على مدى ثلاثة عقود للحصول على اجماع العلماء في القضايا التي يتصدر لها، تضمن البيان انتقادا ضمنيا للعمليات المسلحة للدولة، منددا بسياسات الحرب على الارهاب عموما موجبا مقاتلة أميركا إذا "أنزلت قوات مسلحة في اليمن"، وهو ماردت عليه السلطة بقسوة مذكرة "الشيخ" بما أوصل له مايوصف ب"الجهاد" مجتمعات كأفغانستان. الجدل أعاد لليمن مركزه في التنافس بين الفرقاء وهم هنا الرئيس علي عبدالله صالح وعبدالمجيد الزنداني واسامة بن لادن على قواعد القاعدة القدامى والجدد، ففيما وجه لهم صالح رسالته علانية "سنحاورهم إذا تركوا السلاح"، فإن مؤتمر الزنداني محاولة للخروج من الاتهام الدائم له من رفاقه وتلامذته القدامى من أنه لم يعد "يقف ضد السياسات الاميركية في اليمن". بن لادن والزنداني.. سباق قديم ذكر آخر رسل "الشيخ عبدالمجيد الزنداني للشيخ أسامة بن لادن" في 1990م، للحصول على مبايعته ضمن من بقي من الافغان العرب الذين أقنعهم الشيخ اليمني حينها بالعودة إلى اليمن، تمهيدا للمعركة مع "الشيوعيين اليمنيين" الذين كانت بوادر المواجهة معهم بدأت مع أزمة دستور دولة الوحدة مع الشمال. ويبرر الشيخ الزنداني حصوله على المبايعة ل"ضبط من بقي من المجاهدين بقيادته بدلا من التشتت بعد انتهاء الجهاد الأفغاني" بطريقة مأساوية. وتتضارب المعلومات والآراء بشأن موقف الشيخ السعودي من أصول يمنية من حرب 94م، وإن كان منع من المشاركة فيها أو قدم دعما ماديا لها عبر الشيخ عبدالمجيد الذي كان حينها أبرز الشخصيات التي ربطت بين حرب 94م والجهاد الافغاني ضد حكومة نجيب الله الشيوعية وحليفها الاتحاد السوفيتي. غير أن مصادر أخرى تقول إن أسامة اعتبرها "حرباً بدون راية" بسبب عدم اعترافه بإمارة الزنداني للأفغان العرب من جهة، ومن جهة أخرى لأن الإخوان المسلمين في اليمن هم من فرضوا قواعد تنظيم وإدارة مشاركة المتطوعين في تلك الحرب، ولاتربط أسامة بمرشدهم "ياسين عبدالعزيز" علاقات حسنة، ولم يكن الزنداني سوى مجرد عضو في مكتب الارشاد أو مجلس الشورى للإخوان ولايتولى أي مسئولية تنظيمية منذ أقصي في منتصف الثمانينان من منصب المرشد. ومنذ انتهت تلك الحرب عمل أسامة على الاستفادة كثيرا من الخلافات التي تصاعدت بين الإخوان اليمنيين والأفغان العرب ومنهم يمنييون من مبايعي الزنداني، وكانت العمليات التي ينفذها مقربون منه وأبرزها عملية أبوالحسن المحضار مؤسس جيش عدنأبين في ديسمبر 1998م تضاعف من الخلاف رغم تجنب الإخوان أي إدانات علنية لتلك العمليات، لكن الإخوان اليمنيين كانوا قد بدؤوا تمييزا واضحا ضد المقربين من القاعدة عبر التخلص ممن كان منهم في السلك الوظيفي للمعاهد العلمية وهي المؤسسة التعليمية التي كانت منحت الدولة إدارتها للإخوان في إطار صفقة مبكرة للتحالف ضد "الشيوعيين" مطلع الثمانينات، والتي جاء عبرها لليمن شخصيات مختلفة ظهرت بعد ذلك مع القاعدة. والسكوت عن استهداف الأمن لأفغان عرب قررت المؤسسة الأمنية طردهم من اليمن ضمن تسويات تبعات حرب 94م وبخاصة في سياق تطبيع العلاقة مع مصر والخليج. وحين نفذت قاعدة اليمن عمليتها ضد "كول" فإنها كانت تعلن تأسيس أول قيادة خاصة بها في "الجزيرة العربية" على رأسها أبو علي الحارثي، لكن اغتيال الأخير بعد نجاحه في التأسيس والإشراف على ضرب كول والسفارة البريطانية بعامين كان ضربة موجعة لخطط أسامة العودة إلى اليمن، قبل أن تفتح "غزوة مانهاتن" الحرب الدولية على مصراعيها ضد القاعدة التي لم تجد حليفا سوى "حركة طالبان" الأفغانية مما أبقاها بعيدة عن "أرض الميعاد"، خلافا لماكانت تخطط له وتتمناه.