بالتزامن مع تصاعد أعمال العنف في المحافظات الجنوبية ، شنت السلطة حملة اعتقالات واسعة في أوساط المواطنين رافقتها بعض التطورات في أداء قيادات الحراك .لقد حفلت الأيام القليلة الماضية بالعديد من المفاجآت التي تنبئ بمرحلة جديدة للأوضاع في المحافظات الجنوبية وفي مقدمة تلك المفاجآت الدعم الأمريكي الواضح لإجراءات السلطة والاتفاق الغامض مع الفضلي . وبالنظر الى تصريحات مساعد وزيرة خارجية امريكا لشئون الشرق الأوسط السيد جيفري فيلتمان نجدها رسالة خذلان لقيادات الحراك الجنوبي، والذي وصف العلاقات اليمنيةالأمريكية بالقوية، مشيرا الى أن الرسالة التي أتى بها من واشنطن هي رسالة قوية لدعم وحدة اليمن. واضاف قائلاً : إحدى الأعمدة التي نركز عليها هي وحدة اليمن, وزيارتي هذه ليست في إطار جولة اقليمية ولكنها زيارة خاصة لليمن وأكدت خلالها مجددا التزامنا بالعمل مع الحكومة اليمنية خلال مواجهتها للتحديات، سواء كانت قريبة المدى أو بعيدة المدى , وسواء كانت هذه التحديات في المجال الأمني أو التنموي أو السياسي " مشيراً الى أن الموقف الأمريكي الداعم لليمن جلب معه مواقف دولية أخرى. وحول ما يجري في بعض مديريات المحافظات الجنوبية قال فيلتمان: نحن نعتبر ما يجري في المحافظات الجنوبية شأناً داخلياً يخص اليمن وحدها ولا نعتقد أنه يجب على أي طرف خارجي التدخل فيها , ولكننا نشجع جميع الأطراف على الساحة الوطنية اليمنية على أساس اتخاذ اجراءات ومعالجات لأي حقوق ومظالم وبما يعزز الوحدة الوطنية .. وشجعني كثيرا ما سمعته من المسئولين الحكوميين من حرص على تواجد الخدمات الحكومية في جميع المناطق اليمنية المختلفة وخصوصا منها تلك التي كانت الخدمات غير متوفرة فيها في الماضي , وهو ما يعني إدراك الحكومة اليمنية ورؤيتها لتحقيق المطالب المشروعة لمختلف المناطق . وفي تعبير بائس عن خيبة أمل القيادات الجنوبية في الخارج من عدم مساندة قضيتهم اتهم علي سالم البيض دولاً - لم يسمها- بأنها شريكة النظام في "جرائمه" تجاه الجنوب وشعبه المسالم. وقال "إننا نربأ بأشقائنا العرب في الجوار أن يكونوا عوناً لهذا النظام". ولفت البيض إلى أن ما وصفها ب"العمليات البربرية الشنيعة" التي استمرأت قوات النظام "الغاشمة" القيام بها ، ما كانت لتقدم عليها لولا حصولها على الضوء الأخضر من بعض الدول الإقليمية المجاورة والدولية. وأضاف البيض في بيان "إن مثل هذا النهج غير العادل سوف تكون عواقبه وخيمة على النظام وعلى أمن واستقرار المنطقة برمتها, فلن نسكت على ذبح شعبنا بهذه الطرق وهذه الوسائل الإجرامية القذرة, ولن نقبل بالركوع او الخضوع لطغيان وجبروت نظام صنعاء مهما استقوى علينا بمساعدة الأشقاء أما ما يخص الفضلي فقد توجت مشاورات رسمية معه أواخر الأسبوع الفائت بهدنة لمدة شهرين يلتزم خلالها بعدم قيادة تظاهرات احتجاجية مقابل عدم تعرض القوات الامنية لأتباعه ، وقد ترجم هذا الاتفاق بقيام طارق الفضلي بنزع جميع الاعلام الشطرية وصور قتلى التظاهرات وكل مايتعلق بالحراك من منزله ومنصة 22 مايو القريبة منه . وتداولت معلومات عن تكليف رئيس الجمهوري لجنة للحوار مع طارق الفضلي أفضت إلى رفع الأمن للحصار عن منزله الذي فرضه عليه الأسبوع الفائت ودام لساعات، مقابل التزام الفضلي بالهدوء وعدم دعوته أو مشاركته في الفعاليات الاحتجاجية . وقالت مصادر إن الفضلي وضع شروطاً - لم تسمها - مقابل التهدئة في محافظة أبين التي تسودها أعمال عنف ومصادمات بين قوى الحراك ورجال الأمن، وتعيش انفلاتاً أمنياً غير مسبوق. وخلال ذات الأسبوع كان وزير الدفاع ووزير الداخلية يتواجدان في أبين ويعتقد أن يكونا قادا وإلى جانبها شخصيات اجتماعية من أبين ومقربة من الفضلي الوساطة التي أفضت إلى هذا التحول - الظاهري على الأقل - في تصرفات الفضلي. الذي نفى "أي تسوية بينه وبين الحكومة " مؤكدا تمسكه بمبادئه في مواصلة النضال السلمي مع شعبه في الجنوب حتى آخر لحظة لتحقيق المصير ، غير انه اشار الى وجود تهدئة . وأبدت مصادر في الحراك انزعاجها من خطوة الفضلي، غير مستبعدة بأن تكون ثمة صفقة قد عقدت بين الفضلي وعناصر في السلطة لإلزامه بالتخلي عن دعم الأنشطة الجنوبية، خاصة بعد حديث عن زيارة قام بها الشيخ عوض الوزير عضو مجلس النواب إلى منزل الفضلي من اجل إقناعه بعدم التصعيد، خاصة بعد حادثة مهاجمة منزل "علي صالح اليافعي" الذي تتهمه السلطة بالمتاجرة بالسلاح وأنه إحدى العناصر المتهمة بانتمائها لتنظيم القاعدة والناشط في صفوف الحراك والمزود الرئيسي لهم بالأسلحة - بحسب الاتهامات الرسمية - وهو الحادث الذي أدى إلى مصرع اليافعي وشخص آخر إلى جواره في اشتباكات مع رجال الأمن الذين جاؤوا للقبض عليهما. وقالت تلك المصادر إن الفضلي قد أبدى غضبه الشديد من منشور ضده تم توزيعه في محافظة أبين على نطاق واسع، حيث هاجم المنشور الفضلي بشدة واعتبره عنصراً مدسوساً من السلطة على الحراك، كما تم وصفه بأنه عنصر "سلاطيني"- في إشارة الى سعيه لإعادة السلطنة الفضلية في أبين - وان سلطته في الحراك لم تتجاوز عتبات منزله. وتوقع مراقبون أن يفرز الموقف الأخير للفضلي الذي أثار ريبة الحراك، الكثير من النتائج والتبعات التي ستنعكس حتماًً على أداء قوى الحراك، خاصة بعد بروز توجهات قوية لدى السلطة للقيام بمواجهة حازمة ضد أنشطتها. وقد بدأت أولى مؤشرات هذا الحزم بما تم من مواجهات أمنية في مدينة زنجبار وما يتم أجراؤه من تغيرات حالية أو مرتقبة في قيادات الأجهزة الأمنية بدأت بإقالة مدير امن أبين العميد الحارثي واستبداله بالعقيد عبد الرزاق المراني قائد النجدة في أبين والذي يوصف بالشدة والحزم . من جهتها أعلنت السلطات الحكومية مطلع الأسبوع الحالي حظرا للتجول بمدينة الضالع ابتداء من السادسة من مساء كل يوم . وقطع خطوط الاتصالات بجميع أنواعها الثابتة والمحمولة عن جميع مديريات المحافظة بتوجيه من وزارة الاتصالات . ويأتي هذا الإجراء بعد أحداث يوم السبت الماضي الدامية التي وقعت في عاصمة المحافظة بين الأمن وعناصر مسلحة من الحراك الجنوبي، أسفرت عن مقتل 3 جنود وإصابة حوالي 10 آخرين في اشتباكات عنيفة. واعقبها تنفيذ السلطة حملة اعتقالات واسعة لضبط مسلحين قالت إنهم : متهمون بقتل عدد من رجال الأمن وفي مقدمتهم قتلة مدير البحث الجنائي في المحافظة . وقال مدير أمن الضالع العقيد غازي أحمد محسن لالمؤتمرنت إن الحملة الأمنية تهدف إلى ضبط خارجين عن القانون متهمين بقتل وإصابة عدد من أفراد الأمن بينهم مسلحون قاموا مطلع الأسبوع الحالي بإطلاق الأعيرة النارية على دوريات أمنية بمدينة الضالع وإصابة (7) من أفراد الأمن . وأضاف محسن "إن المسلحين الذين جرى تعقبهم قاموا بمقاومة الأمن ولا زالت الأجهزة الأمنية تفرض طوقاً أمنياً على العناصر الخارجة عن القانون لتسليم أنفسهم للعدالة جراء جرائمهم في حق المواطنين وإقلاق السكينة العامة والاعتداء على محلات التجار ونهبها وإجبارهم على إغلاق محلاتهم بقوة السلاح والتصفية الجسدية . وأكد مدير الأمن أن الحملة هدفها ضبط المسلحين المتهمين بقضايا عديدة وتقديمهم للمحاكمة ليناولوا جزاءهم . غير أن الأمن ومع كل محاولة لتشديد إجراءاته تكون العواقب وخيمة في صفوفه حيث يصبح عرضة للاستهداف . وتشير المعلومات إلى أن شوارع مدينة الضالع لا تزال مملوءة بالأحجار وإطارات السيارات منذ السبت الفائت كما لاتزال المدينة تشهد طوقا أمنيا مشددا من كافة الجهات ومنع دخول وخروج السيارات والمسافرين، فيما يشهد وسط المدينة هدوءاً مشوباً بالحذر، خاصة عقب أحداث يومي السبت والأحد التي خلفت 13 جريحاً بينهم 11 من رجال الأمن، بالإضافة إلى قصف 7 منازل بقذائف الدبابات واعتقال العشرات من عناصر الحراك الجنوبي . وفي الغضون تحدث مسئولون حكوميون عن أن لجنة رئاسية شكلت في وقت سابق -يرأسها نائب رئيس الوزراء وزير الإدارة المحلية رشاد العليمي وعضوية عبد القادر علي هلال ومحافظ الضالع علي قاسم طالب وعبد الحميد حريز عضو مجلس النواب- بدأت ممارسة مهامها في البحث عن معالجات لمشاكل محافظة الضالع. وفي محافظة حضرموت قام مجهولون في وقت متأخر من ليل الاحد الماضي بإشعال النيران في مبنى الأمن السياسي بمدينة غيل باوزير، دون أن تتمكن السلطات من القبض عليهم . تصاعد وتيرة الأحداث في المحافظات الجنوبية أوجد فيها مجالا ً للمناكفة السياسية بين أحزاب المعارضة والسلطة ، حيث أصدر المجلس الأعلى لأحزاب المشترك ولجنة الحوار التحضيرية المنبثقة عنه بلاغاً صحفياً عبر فيه عن إدانته الشديدة " لعملية القمع التي يتعرض لها الحراك السلمي والمواطنون في المحافظات الجنوبية، عبر تصعيد عسكري وأمني، استخدمت فيه السلطة الآلة العسكرية الثقيلة وراح ضحيتها الأبرياء وتم اعتقال العشرات من قيادات العمل السياسي" وطالبت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني والمجلس الأعلى للمشترك السلطة وقف التصعيد العسكري ووقف الملاحقات الأمنية والعسكرية وإطلاق جميع المعتقلين السياسيين والصحفيين. وحذر البلاغ المواطنين من الإستجابة لهذا التصعيد تفويتاً للفرصة على السلطة وحتى لاتستغل ردود الفعل لتبرير عملياتها العسكرية والتوسع فيها. كما دعا البلاغ فروع المشترك وقياداته الحزبية والمنظمات الجماهيرية ومنظمات المجتمع المدني وكل القوى الوطنية في جميع المحافظات والمديريات إلى إقامة اعتصامات احتجاجية في مختلف عواصم المحافظات والمديريات للتنديد بالعنف والتحذير من عواقبه الوخيمة وتضامناً مع ضحايا قمع وعنف السلطة ومع أسرهم ومع المعتقلين السياسيين والصحفيين والتعبير عن رفض قمع الحريات ومنع وسائل النضال السلمي. بالمقابل اتهم المؤتمر الشعبي العام أحزاب المشترك بتخليها عن المسؤولية الوطنية واشعال الفتن والحرائق في الوطن ، مستهجناً دعوتها لإقامة اعتصامات في جميع المحافظات احتجاجا على قيام الحكومة بواجبها في ضبط الأمن في الجنوب . أما حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) فقد أعلن عن مقترح لحل المشكلة الجنوبية والحفاظ على الوحده اليمنية والمتمثل في اعتماد دولة فيدرالية من إقليمين. وقال في بيان صحفي : إن السبيل لنجاة اليمن وأبنائها من مهالك الانهيار، ولوضع حد قاطع ومانع لكل مولدات التفكك والأحقاد والنزعات الجهوية والمناطقية والطائفية التي بلغت اليوم حدوداً تنذر بكل مالا يبقي لنا على وطن، ولا وحدة، ولا تماسك، ولا وئام ،هو اعتماد نظام: أن تكون الدولة الفيدرالية من إقليمين أو ولايتين-شمال وجنوب- تنضوي في إطار كل منهما وحدات حكم محلي بصلاحيات كاملة، على أن يتم في إطار كل منهما تطبيق نظام حكم محلي كامل الصلاحيات للوحدات في إطار كل من إقليمي أو ولايتي الدولة. واضاف الحزب "بهذا نضمن لليمن استمرارية وحدته، في ظل دولة فيدرالية واحدة متماسكة، بدستور واحد، ومواطنة واحدة، ورئيس واحد، وعلم واحد، وجيش واحد، وسياسة خارجية واحدة. وتأتي هذه المبادرة تجديداً لرؤية الحزب المعلنة قبل اكثر من عامين والتي تعتمد مشروعاً لتقسيم الوحدات المحلية في البلاد إلى خمس وحدات وأمانتين، وهي الرؤية التي لم تتعاط معها الحكومة او الاحزاب على الساحة.