الفشل الذي منيت به السلطة في إدارة البلد وفرض هيبة الدولة جعلها تتجه لضرب وإزاحة هامش الحريات باتجاه الهاوية عبر محاولتها تقييد حرية التعبير وتكبيلها بمجموعة من القوانين التي يمكن القول بأنها تعيد البلد إلى العصور القديمة . نهم النظام الحاكم على بقائه فترة أطول واعتقاده أن طريق ذلك هو عبر قوانين الطوارئ ، جعل الحكومة تتقدم بمشاريع قوانين قمعية من بينها طلب لإدخال تعديلات خطيرة على بعض مواد قانون العقوبات السيئ أصلاً والذي أطلق عليه حينها ب"قانون العيب" ولازال عبارة عن مشروع ، وأقل ما يمكن وصفه به أنه يقوض ما تبقى من هامش ديمقراطي . في طلب التعديل الموجه إلى مجلس النواب من الحكومة أوضحت بأن مبررات تعديل بعض مواد مشروع قانون العقوبات وإضافة مواد أخرى لسببين ليس منها التعرض للفاسدين أو لمن ينهكوا البلد بالحروب والصراعات الداخلية .أول تلك الأسباب هو أن هناك بعض الجرائم والأفعال لم يتم النص على تجريمها وفرض العقوبات المناسبة والرادعة عليها، وخاصة الجرائم التي تمس بالثوابت الوطنية أو الخروج عليها ، والتحريض على أعمال العنف والشغب والتخريب والإساءة للاديان السماوية والرسل والأنبياء وغيرها من الجرائم . والثاني لكون بعض العقوبات الخاصة ببعض الجرائم بحاجة إلى تشديد لتحقيق عنصر الردع والزجر لكل من تسول له نفسه ارتكاب مثل تلك الجرائم، فمن مبادئ العقاب أنه ليس كافيا وضع العقوبات وتطبيقها وإنما أيضا أن تشكل تلك العقوبة عنصر ردع وزجر وبالتالي منع ارتكاب الجرائم . وبالنظر إلى طبيعة التعديلات على مواد القانون الذي هو في الأصل سيئ يتبين أن القصد منها هو جعل المواد مطاطة بحيث يمكن إنزال العقوبة بموجبها على أي شخص خاصة ممن يوجهون انتقاداتهم لرأس النظام الحاكم أو القيادات العليا في السلطة ، ومن ذلك أن إحدى المواد تفرض عقوبة الحبس مدة خمس سنوات لكل من تعرض لشخص رئيس الجمهورية بأي شكل من الأشكال بما لا يليق أو يدعو للتهكم أو السخرية أو التشهير أو التجريح ولكل من عاب علناً في حق ملك أو رئيس دولة أو ممثل لدولة أجنبية معتمدة في الجمهورية اليمنية بسبب أمور تتعلق بوظيفته إضافة إلى كل من أهان علناً رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء أو غيرها من الهيئات النيابية أو النظامية أو الجيش أو المحاكم أو النيابات العامة أو السلطات أو المصالح العامة. والتعديلات المقترحة الأخرى كما وردت في مذكرة طلب التعديل المقدمة من وزارة العدل تتعلق بفرض مزيد من القيود على حرية الرأي وهي كالتالي : المادة (136) كما هي في النص الأصلي لمشروع قانون الجرائم والعقوبات تقول: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من أذاع أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو أية دعاية مثيرة وذلك بقصد تكدير الأمن العام ، لتصبح في مقترح التعديل: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من أذاع أو نشر أو أعد خبراً أو بياناً أو إشاعة كاذبة أو مغرضة أو أية دعاية مثيرة ، بقصد التحريض على ما يمس الثوابت الوطنية أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق ضرر بالمصلحة العامة. وضمنت الحكومة مقترحاتها بتعديل بعض مواد مشروع قانون العقوبات طلباً بإضافة مواد جديدة تتعلق بتنظيم المسيرات والإحتجاجات ونشاط الأحزاب وهي كالتالي : - للمواطنين في عموم الجمهورية وللأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية والنقابات المهنية حرية تنظيم المظاهرات والمسيرات السلمية بما لا يتعارض مع الدستور وأحكام القوانين النافذة، ولا يخل بحق الجهات الأمنية المختصة باتخاذ كافة الإجراءات والتدابير والوسائل الكفيلة بحماية الحقوق والأملاك العامة والخاصة. - كل من أسقط أو أعدم أو أهان أو أحرق العلم الوطني للجمهورية اليمنية أو لإحدى الدول الأجنبية أو دهسه أمام جماعة من الناس أو أمام وسائل الإعلام بأية طريقة كانت كراهة أو احتقاراً لسلطة الحكومة أو لتلك الدول وكان ذلك علناً أو في محل عام يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات أو بالغرامة، وذلك مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد مقررة قانوناً. - إذا ارتكب الحزب أو التنظيم السياسي أياً من الجرائم المنصوص عليها في المواد [ (131) و (132) الفقرة (7) و (194) و(195) ] من هذا القانون يعاقب في هذه الحالة الشخص متخذ القرار بارتكاب الفعل المجرم. - يكون للجنة الأحزاب بحسب جسامة الفعل وفقا للفقرة السابقة اتخاذ الإجراءات التالية ضد الحزب أو التنظيم السياسي: 1- وقف النشاط أو طلب حل الحزب أو التنظيم السياسي طبقا للقانون. 2- الحرمان من المشاركة في دورة أو دورتين انتخابيتين . 3- للحزب أو التنظيم السياسي في حالتي وقف النشاط أو الحرمان من المشاركة حق الطعن في قرار لجنة الأحزاب أمام المحكمة المختصة وذلك خلال ستين يوما من تاريخ صدور القرار. 4- مع مراعاة الفقرتين( أ، ب) من هذه المادة للجنة شئون الأحزاب والتنظيمات السياسية توجيه تنبيه أو إنذار لأي حزب أو تنظيم سياسي يرتكب مخالفة لأحكام قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية، فإذا كان الفعل المرتكب يشكل جريمة جزائية وفقا للقوانين النافذة تحال الواقعة إلى النيابة العامة للتصرف فيها طبقا للقانون. وفي ذات الاتجاه هناك قانون آخر تهدف الحكومة من خلاله تشديد الخناق على الصحافة وحرية الرأي ، حيث شكل مجلس الوزراء الأسبوع الماضي لجنة مصغرة من أعضائه لمراجعة مشروع قانون للإعلام السمعي والبصري اقترحه وزير الإعلام حسن اللوزي. يرأس اللجنة نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الأمن والدفاع رشاد العليمي ، وتضم وزراء العدل والثقافة والشؤون القانونية وأمين العاصمة . ويحرم مشروع القانون على الأحزاب السياسية حصولها على تراخيص لإنشاء قنوات فضائية أو اذاعات كما يلزم المستثمرين والشركات بعدم التأثير سلباً على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية والآداب العامة، والامتناع عن كل ما يسيء إلى الذات الإلهية والأديان السماوية والرسل والمذاهب، والامتناع عن كل ما يمس رمز الدولة - رئيس الجمهورية -.ويفرض مشروع القانون على كل من أراد امتلاك وسيلة إعلامية مرئية أو مسموعة سداد الرسوم المالية ورسوم ترخيص عملها لمدة عامين تورد إلى حساب خزينة إعلام الدولة، وحددها على النحو التالي (20 مليون ريال رسوم ترخيص إنشاء موقع الكتروني، 10 مليون ريال رسوم ترخيص استخدام جهاز البث الفضائي sng ، 15 مليون ريال رسوم ترخيص خدمة الرسائل الإخبارية وبالوسائط المتعددة ، و30 مليون ريال للقناة الفضائية). ويمنح مشروع القانون وزيري العدل والاعلام صفة الضبطية القضائية، وحق ممارسة الرقابة والتفتيش على المنشأة الإعلامية الخاصة والاطلاع على سجلاتها ومستنداتها ونظام العمل فيها ، كما تشكل لجنة للإشراف عليها ومن بين أعضائها وكيل جهاز الأمن القومي وأن يلتزم صاحب الترخيص بأية تعليمات أو قرارات تصدرها هذه اللجنة، وعليه أن يلتزم أيضاً بعدم بث أي موضوع أو تعليق اقتصادي من شأنه التأثير على سلامة الاقتصاد والنقد الوطني والاستثمار ، والتقيد بالتعليمات التي تضعها اللجنة في حالات الطوارئ والكوارث.