مع كل تقارب بين وجهات نظر السلطة والمعارضة حول ضرورة الحوار تعمل أزمة الثقة بين الطرفين -كالعادة- على إعادة إنتاج الخلافات البينية والانتهاء بالحوار إلى طريق مسدود . لكن أزمة الثقة هذه المرة لم تترك مجالاً لاستئناف الحوار الذي كان مفترضاً بدءه السبت الفائت بحسب إعلان السلطة ، غير أنه لم يلتئم ..حيث لا يزال المشترك ينتظر الوفاء بالقرارات الرئاسية التي أعلنت عشية 22 مايو الماضي والتي عدت خطوة أولى نحو التهيئة للحوار. وتشترط المعارضة لبدء الحوار إطلاق بقية المعتقلين في السجون على ذمة حراك الجنوب وأحداث صعدة. وبحسب المعلومات فإن الأطراف المعنية بالحوار لم يكن لها علم بموعد الحوار أو بمضامينه إلا عبر ما نقلته وسائل الإعلام الرسمية عن المصدر المسئول ، وبالطبع فإن إعلان بدء الحوار من طرف واحد دون التفاهم مع الآخرين حوله ومن ثم عدم التآمه يعد أمراً مشيناً ويصيب العلاقة بين الفرقاء بمزيد من تعميق حالة عدم الثقة المتبادلة . وذكرت المعلومات إن أحزاب المشترك قالت في رسالة بعثتها مساء الأحد الماضي للرئيس: لا حوار دون الوفاء بالقرارات التي أعلنت عشية 22 مايو وفي مقدمة ذلك الإفراج عن كافة المعتقلين على ذمة حرب صعدة وأحداث الجنوب دون استثناء احد. وجاءت رسالة المشترك هذه للرئيس رداً على رسالة شفوية بعثها رئيس الجمهورية عبر إحدى قيادات المشترك تضمنت دعوة لبدء الحوار. في اتجاه آخر يحاول اللقاء المشترك جاهداً كبح جماح لجنة تحضيرية الحوار المنبثقة عنه والتي تحولت إلى عبء عليه بدل من أن تكون عوناً لتوجهاته. فاللجنة التي تقدم نفسها كبديل للمشترك - كما يحلو لمنتقديها وصفها - عقدت أواخر الأسبوع الفائت اجتماعها غير الاعتيادي في أمانة العاصمة وسط حالة من عدم الرضى على ادائها، خاصة بشأن ما يطرح عن تحولها إلى مشروع شخصي. وبالرغم من أنها حاولت إظهار ما ينفي ذلك عبر عدم تضمين بيانها الختامي ما يناقض مواقف اللقاء المشترك الأخيرة وقد تم فيه تجنب الخطاب التصعيدي والترحيب بقرار العفو الرئاسي عن معتقلي صعدة والجنوب والدعوة للحوار السياسي ، فإن حالة عدم الرضى عنها وصلت حد التصادم مع قيادتها وتقديم عدد من الأعضاء استقالتهم وفي مقدمتهم عبدالباري طاهر رئيس لجنة قادة الرأي والنائب أحمد سيف حاشد عضو اللجنة التحضيرية رئيس منظمة التغيير وتوكل كرمان عضوة اللجنة التحضيرية، عضو لجنة الحقوق والحريات.والذين أعادوا استقالتهم إلى الخلل في عمل اللجنة وآلية إدارتها واتخاذ القرار فيها . وذكر بيان صادر عن المعلنين استقالتهم من اللجنة عدداً من الأسباب التي دفعت بهم إلى ذلك ومنها حدوث ما كانوا يخشونه من تحول اللجنة التحضيرية للحوار الوطني الى كيان بديل يقام على أنقاض الأحزاب السياسية وفي مقدمتها أحزاب اللقاء المشترك وكافة المكونات المدنية الأخرى مسفرة عن مشروع شخصي صغير وكيان خليط غير مدني وغير سياسي . مشيراً إلى أن كل التوقعات خابت في مساهمة اللجنة التحضيرية للحوار في عمل حراك وانتفاضة شعبية لإيقاف الانهيار وفرض أجندة الإصلاح السياسي على الحاكم . وأكد البيان أن اللجنة على الصعيد العملي" لم تفعل شيئا وبقدر ما تحولت إلى ظاهرة صوتية إعلامية اكتفت بعقد الندوات وإصدار البيانات، فإنها تحولت كذلك إلى ملهاة وكابحة لنضالات مكونات اللجنة من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات اجتماعية وعامة ". وحسب البيان فإن رئاسة اللجنة وأمانتها العامة لم يتم تدويرها منذ تأسيسها وان الأمانة العامة دائمة وغير قابلة للتدوير فضلا عن عدم شفافية التمويل وإعطاء الرواتب والأجور مقابل ما يفترض انه عمل نضالي طوعي . بالإضافة إلى التفرد بالقرار والضيق الدائم من قبل الأمين العام -حميد الأحمر - من الرأي المغاير واتخاذ القرارات بالنيابة . وأضاف "إن التفرد والعبث طال الوثيقة التي تمثل الانجاز الوحيد والمهم للجنة دون الرجوع لأعضائها وذلك بالتبديل والزيادة، حيث حذفت مثلا العبارات الرافضة لكافة أشكال التمييز وفي تشخيص جذور الأزمة" . وأوضحوا أنهم ترددوا كثيرا في إعلان استقالتهم خشية أن يتم استغلالها بطريقة سيئة من قبل إعلام الحزب الحاكم " لكن لحسن الحظ إنكم في حالة هدنة معه على إثر ترحيبكم بدعوته للحوار مما يجعل تلك المخاوف غير واردة الآن". أمين عام اللجنة التحضيرية الشيخ حميد الأحمر الذي جعل من منصبه هذا غير قابل للتدوير كان يعرف مدى الضيق الذي بلغ ببعض أعضاء اللجنة وانفجر في الجلسة الافتتاحية لأعمال الاجتماع غير الاعتيادي للجنة الحوار الوطني ..لم يقبل الرجل أي نقد وعندما بدأت توكل كرمان بالحديث عن أداء لجنته عبر عن انزعاجه بشدة وانسحب من منصة الاجتماع الذي كان يديره هو . وبالرغم من أن ما قالته توكل كرمان لم يكن بجديد، فقد سبق وضمنته في ورقة عمل سابقة لها، إلا أن حميد الأحمر بانسحابه من الجلسة حاول أن يضع حداً لمنتقديه حتى وإن أدى تصرفه ذلك إلى انشقاقات عن اللجنة. كما قدم الدكتور محمد علي جبران استقالته من لجنة الحوار الوطني كرابع عضو في اللجنة يقدم استقالته التي أعادها لقناعته أنها لم تعد لجنة حوار بل لجنة أحزاب ، إضافة إلى عدم اهتمام اللجنة برؤى المتخصصين حيث أهملوا رؤية اقتصادية كان قدمها للجنة حين رأى خللا في رؤية الحوار الوطني لمعالجة الجوانب الاقتصادية قائلاً "لا يريدون الا ما يكتبونه وما يرونه"، واكتملت أسباب استقالة جبران -كما قال- بانضمام الحوثي للجنة الحوار. وكان صالح هبرة، ممثل عبدالملك الحوثي، حضر الجلسة الافتتاحية للجنة الحوار الوطني وذلك من كلمة ألقيت نيابة عنه، وبرر عدم حضوره شخصيا ب" الظروف الأمنية"، ونتيجة لما أسماها الممارسات الخاطئة والسياسات الفاشلة من جانب السلطة. وفي كلمته دعا هبرة إلى العمل على توسيع دائرة التحرك الشعبي للتغيير ليشمل كل المستويات وليستشعر الجميع مسئوليتهم، ليعم كل أبناء الشعب، ضمن خطوات عملية واضحة ومدروسة تكون حكيمة ومنظمة وفاعلة وقوية، لفرض" واقع التغيير". وحملت رسالة الحوثيين نوعاً من الحدة تجاه النظام، متهمة إياه ب"إهدار سيادة البلد وكرامته وجعل من البلد ومن سيادته سلعة رخيصة يعرضها في المزادات الدولية التي يقال عنها مؤتمرات دولية، بل إنه عمل على تقديم الشعب اليمني إلى دول إقليمية ودولية بأنه مصدر خطر واستجدى الدعم الأجنبي بدعوى حماية الأجنبي من شعبه الخَطِر فلم يكتف بسياساته العدائية تجاه الشعب بل استعدى الخارج في متاجرة بالسيادة والأمن والدم. وخاطب هبرة اللجنة التحضيرية للحوار قائلاً "إننا ومن خلال الاتفاق التاريخي معكم الذي انزعجت السلطة وأكثرت من الصراخ والعويل والضجيج واللوم عليكم ولكم ، نؤكد أنَّا معكم في خدمة شعبنا وفي طليعة أحراره الغيورين عليه . وضمَّن الرسالة مقترحات لتحقيق الأهداف المنشودة التي قال إنه وجماعته مستعدون لأن يكون لهم دور فاعل في تطبيقها على أرض الواقع بعد التشاور للتحرك في عمل منسق ومنظم وهي: - العمل على توسيع دائرة التحرك الشعبي للتغيير ليشمل كل المستويات وليستشعر الجميع مسئوليتهم في ذلك ليعم كل أبناء الشعب وليس فقط السياسيين من أبناء الشعب بل يشمل التحرك كل مواقع الحياة الثقافية والاجتماعية وغيرها، ليتحرك الجميع ضمن خطوات عملية واضحة ومدروسة تكون حكيمة ومنظمة وفاعلة وقوية للخروج من الأسلوب المتبع في المناورة والمراوحة - تعميم الوعي بين أبناء الشعب وكشف وفضح زيف السلطة عبر نشاط إعلامي وثقافي واسع ومكثف يخاطب الجميع ويصل إلى الجميع ويشمل كل الأساليب التوعوية وبجميع مستويات الخطاب التي توضح الحقيقة للجميع من أبناء الشعب حسب مستوياتهم الثقافية.وبعد هذه المرحلة التي تشهد حملة توعوية نشطة منظمة مكثفة ينتج عنها التحرك الشعبي العام بطريقة سلمية من قطاعات الشعب وأبناء المجتمع , فالتحرك الجماهيري هو الكفيل بتحقيق التغيير. - من المهم جدا العمل الدؤوب لتوعية إخوتنا في القوات المسلحة والأمن بمخاطر مساعي النظام إلى فصلهم عن شعبهم وأمتهم وتحويلهم إلى أداة بيده يمارس بها الظلم والقهر والتسلط والاستبداد وكسبهم ليكونوا أداة أولى للتغيير . من جانبه أكد الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد في كلمته -قرأها بالنيابة عنه النائب الاشتراكي عيدروس النقيب- أن الأزمة اليمنية سياسية بامتياز وأن مصير الوطن ووحدته واستقراره مرهون بحل مشاكله وأزماته المتلاحقة، حلاً جذرياً لا يقبل لغة التسويف والترحيل والمسكنات الآنية. وطالب بالاعتراف بالقضية الجنوبية وحلها، وقال: "إن الشعب ينظر بأمل كبير إلى كل خطوة وطنية في اتجاه حلحلة أزمة الوطن وإنقاذه من مصير مجهول يعرب الجميع عن خشيتهم منه". وحث ناصر جميع أعضاء اللجنة التحضيرية للحوار الوطني على ضرورة الخروج بمحددات موضوعية للأزمة الوطنية، بما يعيد الحقوق لأصحابها ويعزز أسلوب الشراكة الكاملة والمواطنة المتساوية ويرسخ الوحدة الوطنية. وقال إن الوحدة لن ترسخ بشعار "الوحدة أو الموت" أو بعسكرة الحياة المدنية وخنق ما كان يسمى الهامش الديمقراطي، مؤكدا أن ما يرسخ الوحدة هو طمأنة جميع المواطنين وإشعارهم بأن كرامتهم مصانة. كما اكد ناصر أن تجفيف منابع الإرهاب لن يتحقق إلا بتجفيف منابع الفقر والفساد والبطالة وتحقيق العدل والمواطنة المتساوية وترسيخ الوعي الثقافي ودعم التعليم. وعن حرب صعدة قال إنها أنهت دورتها السادسة قبل أشهر وتمر حالياً بهدنة، ولم تجر معالجات جذرية لإنهاء أسبابها التي يشوبها الغموض، وإنما جرى رفع لبعض النقاط العسكرية في عدد من مناطق المحافظة، ولم يتم حل المشكلة سياسياً أو اقتصادياً، وكان المفروض أن يجري تحقيق في الأسباب التي أدت إلى هذه الحروب حتى لا نكون على موعد مع حرب سابعة لا يستفيد منها سوى تجار الحروب وصناع الأزمات . اللجنة التحضيرية للحوار الوطني التي لم تعقد اجتماعاتها العادية منذ أكثر من فترة اعتبرت القرار الرئاسي بإطلاق سراح السجناء السياسيين والمعتقلين على ذمة حرب صعدة نافذة للأمل بتهيئة الظروف الملائمة للسير نحو حوار وطني شامل ، ودعت السلطة الى أن تفي بقرارها باستكمال الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين بدون تلكؤ , وإبعاد عملية تهيئة الظروف الملائمة للحوار الوطني عن التلاعب والابتزاز السياسي . من جانبه أكد حميد الأحمر أن اللجنة التحضيرية ستبذل جهودها من أجل السير مع السلطة في حوار جاد لإخراج البلد من أزماته المركبة "وسنقترب من أجل حل مشاكل اليمن وليس مشاكل السلطة". كما طمأن السلطة بأنه سيلين معها،: "سنلين وسنبدي مرونة مع الاحتفاظ بثوابتنا ومبادئنا الأساسية وهي استعادة روح الثورة والجمهورية والوحدة وأن نحقق الشراكة والمواطنة المتساوية.