العنف يبلغ أوجه في الجنوب والحراك يحدد شروطه للحوار لا تزال تداعيات وردود أفعال القصف العسكري لمدينة الضالع منتصف الأسبوع الفائت تتوالى بشكل متصاعد وتكشف مدى المأزق الذي تعيشه السلطة يوماً بعد آخر في تعاملها مع القضية الجنوبية وتزيد بتصرفاتها الخاطئة الأزمة تعقيداً.لا تجد السلطة مضضاً في قصف مواطنيها وتبرر ذلك بحرصها على إعادة الأمن والاستقرار لمدينتهم ، وعندما ترى ردود الأفعال الغاضبة إزاء فضاعة ما قامت به ، تكتفي بإعلان تشكيل لجنة للتحقيق ليس بقصد معالجة أخطائها ولكن لاحتواء الغضب المتصاعد وتمييع القضية وهو ما لم يعد يجدي مع أزمة الجنوب. القصف العشوائي الذي طال مدينة الضالع وأسفر عن مقتل وجرح عشرات المواطنين وتدمير منازلهم أثار ردود أفعال غاضبة وزاد من حدة الأوضاع المحتقنة أصلاً . عقب الحادثة قامت السلطة التنفيذية بإصدار بيان ونسبته إلى مجلس محلي المحافظة يتهمون فيه عناصر تخريبية هاجمت منازل المواطنين وأشارت إلى مطالبتهم بمعاقبة الجناة وإدانة تصرفاتهم وهو ما نفاه أعضاء المجلس المحلي الذين احتجوا على ذلك بتقديم استقالتهم من المجلس بمن فيهم الأمين العام والمنتمون للمؤتمر الحاكم ." معللين استقالتهم برفضهم أن يكونوا شهود زور وشياطين خرس على ماتقوم به السلطات الأمنية في المحافظة. وأوضح البيان الصادر عن الأعضاء المستقيلين من عضوية المجلس المحلي لمديرية الضالع أنهم قدموا استقالاتهم حتى لا يصبحوا شهود زور لتغطية ماوصفوها ب"تلك الجريمة المتمثلة بالإبادة الجماعية ضد أبناء الضالع"، معبرين بالمناسبة عن احتجاجهم الشديد لذلك البيان الذي قالوا إن اللجنة الأمنية بالضالع أصدرته باسمهم، وأدانت من خلاله اعمال العنف التي قام بها من وصفتهم بالعناصر التخريبية المسلحة وحملتهم المسؤولية إزاء ماحصل من قتل وهدم وإصابات في المدينة، مؤكدين أن ذلك البيان الذي وصفوه بالكاذب والمزور، قد رفعته اللجنة الأمنية باسم السلطة المحلية" وب"إنه لا يعبر عن الواقع وأنه استخدم التزييف والخداع". وعبر بيان لأعضاء محلي الضالع عن صدمتهم عند تلقيهم نبأ مقتل ستة مواطنين وإصابة 26 آخرين وتدمير 23 منزلاً ، في ذلك القصف الذي استهدف المنازل بمختلف الأسلحة الثقيلة والخفيفة والمتوسطة،و تضررت جراءه منازل أخرى . مستنكرا بشدة ما وصفه ب"العمل الهمجي ذا النزعة العدوانية اللاأخلاقية". محملاً بالمناسبة السلطات العسكرية والسياسية بالمحافظة والدولة المسؤولية الكاملة عن ماوصفوها ب"المجزرة الجماعية التي ارتكبتها تلك القوات ضد المواطنين الأبرياء في الضالع". وبينما طالب محلي الضالع المنظمات المدنية والحقوقية المحلية والدولية بالتحقيق النزيه والعادل في الحادثة، ومحاكمة المسئولين عن إصدار الأوامر بتنفيذ تلك الهجمات، أكد على أنه قد تم الإقدام على هذا العمل الإجرامي بدون أي مبررات قانونية".وفق تعبير البيان الصادر عنه. كما دان أبناء الضالع في العاصمة صنعاء واستنكروا بشدة ما تعرضت له مدينتهم من "قصف عدواني همجي واستخدمت فيه مختلف الأسلحة ". وقال بيان صادر عن أبناء الضالع في صنعاء ، إنه "التقى أبناء الضالع من كوادر مدنية وقيادات عسكرية وأمنية للوقوف أمام هذا العدوان الهمجي الوحشي الذي يندى له الجبين ويتنافى مع الشرائع السماوية ويخالف الدستور والقوانين النافذة وكذا المواثيق الدولية لحقوق الأنسان". وطالب البيان "القيادة السياسية ممثلة بفخامة علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة تحقيق محايدة يكون فيها ممثلون عن أبناء المنطقة، وسرعة تقديم من اقدموا على هذه الجريمة الشنعاء والعدوان الغاشم إلى العدالة لينالوا جزاءهم الرادع". كما دعا إلى إنصاف الضحايا من أبناء الضالع الذين طالهم القصف الهمجي والحصار الجائر. وانتقد البيان ما وصفه ب"الصمت غير المقبول للرأي العام المحلي والدولي ومنظمات حقوق الإنسان عن هذا العدوان الغاشم دون أي إدانة أو استنكار ". وجاء هذا البيان في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس علي عبدالله صالح عن تشكيل لجنة مكونة من أعضاء مجلس الشورى للتحقيق في الأحداث التي جرت في مدينة الضالع الاسبوع الماضي. وأعلن صالح تشكيل اللجنة الخميس الفائت أثناء لقاء عقده بأعضاء مجلس النواب وأمناء عموم المجالس المحلية ومدراء المديريات في محافظتي لحج والضالع وأثناء اللقاء، أكد الرئيس "إن الهاجس الأكبر هو تثبيت الأمن والاستقرار وتطبيق النظام والقانون". وحمل الرئيس أعضاء مجلسي النواب والشورى وأمناء عموم وأعضاء المجالس المحلية في المحافظتين مسؤولية حل القضايا واقتراح الحلول لأي مشكلات في إطار المديريات، وبحيث يتعاون الجميع على إيجاد الحلول بدلا من تراكمها أو أنها تزداد تعقيدا. وكان من اللافت خلو منصة اللقاء من أي تمثيل جنوبي ، حيث كان جميع الجالسين إلى جوار الرئيس شماليين. تصرف السلطة هذا واتجاهها نحو العنف خلق مزيد من التضامن والتعاطف مع الحراك الجنوبي حيث خرجت العديد من المسيرات احتجاجاً على قصف المدينة ، ففي محافظة لحج احتشد آلاف من نشطاء الحراك الجنوبي أواخر الاسبوع الماضي في مسيرة ومهرجان حاشدين بمدينة لبعوس يافع نظمها ما يسمى ب"اتحاد شباب الجنوب" للتضامن مع مواطني الضالع. ورفع المشاركون شعارات اتحاد شباب الجنوب وأعلام التشطير وشعار وحدة الصف الجنوبي صمام أمان كما رفعوا الرايات الخضراء وصور نائب رئيس دولة الوحدة،الرئيس السابق للجنوب علي سالم البيض،ولافتات تضامنية مع أبناء الضالع وعزان.وحضر المهرجان قيادات الحراك الجنوبي ومنهم الشيخ عبد الرب النقيب- شيخ مكاتب يافع،والقيادي علي هيثم الغريب،والعميد محضار الكلدي والدكتور عيدروس اليهري،والعميد عبد العزيز المنصوري،وتطرق الشيخ عبد الرب النقيب،في كلمة له في المهرجان،إلى أهمية مواصلة النضال ومواجهة التحديات والتغلب على المصاعب في سبيل تحقيق الأهداف،معبرا عن إجلاله وإكباره ل"علي سالم البيض،والشيخ طارق الفضلي"،وكل المعتقلين والمناضلين. وتناول النقيب في كلمته ما أسماها ب"جريمة القصف الوحشي وحرب الإبادة" على مدينة الضالع،الاثنين 7/6/2010, مبديا استعداده بمد الضالع بالرجال إذا تطلب الأمر ذلك،وقال "إنها جريمة لا يمكن الصمت عنها". وخصص مهرجان يوم الأسير في ردفان الذي يحيه انصار الحراك كل خميس لذات الغرض وشارك فيه الدكتور ناصر الخبجي الذي قال: "إن ما يجري في الضالع من قصف عسكري وحشي مباشر يرتقي إلى جرائم حرب ضد الإنسانية ويعبر عن العقلية القبلية العسكرية المأزومة ويدخل ذلك ضمن سياسات أمنية عسكرية مخطط لها بدقه تامة". وحذر الخبجي "من التعامل مع قيادات وأفراد الوحدات العسكرية والأمنية المتواجدة في أراضي الجنوب مثل البيع والشراء وتأجير المنازل والتموين والإمداد والحركة والمرور داخل المدن والقرى الجنوبية"،مشيرا إلى أن ذلك "يعتبر شكلاً من أشكال النضال السلمي وصولا إلى المقاطعة الشاملة والعصيان المدني الكامل". وقال: إن "هذا أقل ما يمكن أن نفعله لحماية شعبنا وأرضنا في الجنوب"،محذرا مما أسماها ب"المشاريع الصغيرة" التي قال إن البعض يروج لها،وهي ليس بما يطمح إليه شعبنا الجنوبي . وبالرغم من ذلك فلم تقم السلطة بما يلزم لاحتواء الأزمة المتفجرة بل واصلت عنفها وقمعها لاحتجاجات المواطنين، حيث قمعت قوات من الأمن والجيش مسيرة حاشدة دعا لها الحراك الجنوبي في مدينة الضالع، للتنديد بما تعرضت له المدينة الاثنين قبل الماضي،ما أدى إلى إصابة 10 مواطنين. وقال مصدر محلي في مدينة الضالع إن مسيرة جماهيرية خرجت الخميس الماضي في الشارع العام للمدينة،إلا أن قوات عسكرية باشرتها بإطلاق الرصاص الحي تجاهها،ما أدى إلى تفريقها،وإصابة كل من: عبد الله أحمد مسعد،محمود محمد صالح،عبيد قاسم الأبيض،علي عبد الله أحمد،علي عبد الله أحمد،صابر محمد محسن،واثق محمد صالح،عبد الله علي مثنى علي،وضاح محمد سعيد،وفؤاد مزيدة. وسياسياً استنكرت أحزاب اللقاء المشترك بمحافظة عدن الأحداث الدموية التي شهدتها محافظة الضالع معبرة في بيان عن رفضها للواقع "المفروض بالقوة والقهر وعلى أنقاض الوحدة السلمية الطوعية المبنية على أساس الحوار والشراكة والديمقراطية". والتقى بيان المشترك مع بيان آخر لعلي سالم البيض في دعوة المجتمع الدولي إلى حماية مواطني الجنوب وصيانة دمائهم". وقال البيان الصادر عن الاجتماع الاستثنائي للمشترك بعدن إن "الوحدة التي قدمنا في سبيلها الغالي والنفيس هي غير ما هو قائم اليوم، ومن هذا المنطلق نقاوم بالطرق السلمية هذا الوضع الذي لا يمت إلى الوحدة بصلة". وبينما عبر مشترك عدن عن إدانته لما أقدمت عليه من وصفها ب"سلطة الحكم الفردي من أعمال عدوانية ضد مدينة الضالع". فقد جدد مطالبته بوقف عسكرة الحياة المدنية ورفع الحصار عن المحافظات الجنوبية وإخراج المعسكرات من المدن ووقف مطاردة النشطاء. داعياً اللجنة التحضيرية للحوار الوطني إلى "الأخذ بعين الاعتبار تحرير المؤسسة الأمنية والعسكرية وإعادة تشكيلها على أسس وطنية" قبل الحوار مع السلطة وإلغاء التعيينات غير القانونية . هذا التضامن قوبل بعدم الترحيب من قبل الحراك الجنوبي الذي يبحث عن مساندة ملموسة على الواقع وليس عبر البيانات حيث شن مجلس الحراك السلمي واتحاد شباب الجنوب هجوما حادا ضد "أحزاب المشترك" الذي قال إنها "تحاول استغلال ثقافة التصالح والتسامح والتضامن في الجنوب للاستيلاء على قيادة مجلس الحراك أو تغيير تسميته أو ترك الحراك الوطني الشعبي دون قيادة شرعية تمثل القضية الوطنية الجنوبية خير تمثيل". وقال البيان: "إن أحزاب اللقاء المشترك في صنعاء وهي ترحب بالحوار مع نظامها تطالبنا اليوم لكي تقف معنا أن نتخلى عن هوية الجنوب العربي،وأن تظل شعاراتنا يمنية مهما كان مضمونها،وأن ننكس أعلام التاريخ وتضحيات أجدادنا ضد الغزاة الأجانب،وما علمت تلك الأحزاب بقيادتها الشمالية الصرفة أن نصف قرن من التعبئة الخاطئة والتبعية والحزبية والنضال الأممي المشترك،لم تؤثر على شعب الجنوب،ولم يتخل أبناء الجنوب عن هويتهم ليتدثروا باليمنية". وأضاف "يمكن القول بكل ثقة أن مستقبل مجلس الحراك السلمي لتحرير الجنوب سيكون على أرض الجنوب العربي العظيم... لذلك نحذر البعض من المجازفة،ومحاولة إسكات شعب الجنوب العربي كما حصل في ستينيات القرن الماضي،وتقييد حركته المدافعة عن هويته". وشدد البيان،الصادر عقب مهرجان أقيم في لبعوس،على أن "أي حوار مع نظام صنعاء يجب أن يكون تحت رئاسة علي سالم البيض وباسم دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. ودعا إلى "عقد مؤتمر وطني يضم الداخل والخارج،وتتم إجراءاته عبر المحافظات وبالتوافق،ويكون محصور العدد،ولكن شامل التمثيل،وتحت رعاية الرئيس علي سالم البيض؛ وذلك للخروج من التوقف المقيت والتباينات التفصيلية التي تصغر كلها أمام خطر همجية قوات صنعاء،لتكون أولى مهام المؤتمر الوطني التمسك بالتسامح والتصالح والتضامن،وتوحيد شرعية الحراك ذي الأهداف المشتركة،لتتوحد معه الكلمة وتتوحد الوسائل النضالية التحررية لتصبح أكثر التزاما،وأكثر انضباطا للقيادة السياسية. حتى تسقط بعده ذرائع استخدام أحزاب المشترك التي بدأت تنشط في الجنوب،وعلى مستوى الخارج لتفتيت الحراك". كما أكد البيان عن رفضه ل"أي مشروع لأحزاب اللقاء المشترك،وذلك تجنباً لإعطاء الشرعية لنظام صنعاء عبر أحزاب اللقاء المشترك وعبر مشروعات التسوية الصغيرة".