يبذل الحراك الجنوبي جهوداً غير عادية لمواجهة ما يلصق به من تهم التحالف مع القاعدة التي كثفت خلال الآونة الأخيرة من عملياتها ضد المراكز الأمنية وأفرادها في المحافظات الجنوبية وكذا ممارسة العنف والاعتداءات بالهوية فضلاً عن تهم حول عقد بعض قياداته صفقات مع السلطة والانشقاقات الداخلية. وبالنسبة للسلطة فإنها تعيش حالة من خيبة الأمل من عدم جني أي ثمار لما تعتبره استجابة لبعض المطالب السياسية والحقوقية في إحتواء القضية الجنوبية مثل الإفراج عن المعتقلين من أتباع الحراك ، في حين يتصاعد قلقها من إصرار بعض المفرج عنهم على العودة للمشاركة في الفعاليات الاحتجاجية وكذا من تأثير عودة بعض قيادات الحراك وفي مقدمتهم حسن باعوم لقيادة هذه الفعاليات الداعية لفصل الجنوب عن الشمال. ف(حسن باعوم) رئيس ما يسمى بالمجلس الوطني الأعلى للحراك الجنوبي الذي عاد الاثنين الفائت إلى اليمن وسط استقبال شعبي حاشد وذلك بعد رحلة علاج استمرت عاماً ونيف خارج البلاد شملت ألمانيا والهند خضع فيها لبرنامج طبي مكثف لمعالجته من حالة صحية متدهورة تفاقمت خلال مكوثه في سجن الأمن السياسي في العام 2008. وتحدث باعوم آنذاك عن تعرضه لأعمال تعذيب في السجن قابلها بالإضراب عن الطعام لأسابيع . وعلى ما يبدو فإن السلطة كانت تخطط لاحتجازه فور عودته وأخذ تعهد منه بعدم تنظيم أي فعاليات ترفع شعارات انفصالية في محافظة حضرموت التي لم تشهد نشاطاً من هذا النوع طوال فترة غياب باعوم وهو ما تنبه إليه اتباع الحراك باكراً ليحذروا السلطة من إقدامها على اعتقاله. وكان باعوم أثناء وجوده خارج البلاد للعلاج، قد عقد لقاءات مع عدة قيادات في معارضة الخارج، أبرزهم نائب الرئيس السابق علي سالم البيض أثناء زيارة قام بها الأول إلى النمسا في إبريل الماضي، والتي يتخذها الثاني مقراً لإقامته. وتواصل السلطة عبر وسائل متعددة وفي مقدمتها اللعب بالورقة الأمنية مواجهة الحراك الجنوبي في محاولة منها لإبقائه تحت السيطرة مع أن هذه الأساليب أثبتت فشلها. أواخر الأسبوع الفائت قتل ضابط كبير في جهاز الأمن السياسي بمحافظة لحج وسارعت السلطة لتوجيه الاتهام بقتله إلى من قالت إنهم عناصر تخريبية تابعة للحراك وهو ما نفاه الأخير بشدة. وقال موقع الحزب الحاكم إن "عناصر تخريبية انفصالية أقدمت على قتل العقيد على عبد الكريم فضل 43 عاماً بإفراغ 20 رصاصة في جسده قرابة الساعة السابعة مساء الجمعة الماضية". ونقل الموقع عن مصدر أمني في إدارة أمن لحج قوله إن "العناصر التخريبية قامت بمباشرة إطلاق النار على العقيد في إدارة الأمن السياسي بلحج عندما خرج من منزله الكائن بجانب مدرسة 22 مايو بمنطقة الحمراء، في مديرية تُبن لأداء صلاة العشاء". ونقلت السلطات الأمنية جثمانه إلى مستشفى بن خلدون، فيما قامت بتطويق المنطقة والقيام بحملة تفتيش عن المسلحين الذين نفذوا عملية اغتياله. وحسب الموقع ذاته، فقد حاولت "مجاميع تخريبية" اغتياله قبل ستة أشهر بإلقائها قنبلتين، الأولى سقطت في مزرعته الخاصة، والثانية في منزله بمنطقة الحمراء. مشيراً إلى أن العقيد البان يعد من أفضل وأنزه الكوادر الامنية ويحظى بحب وتقدير أبناء لحج حيث تم تنصيبه عاقلاً لمنطقة الحمراء وهو من مواليد محافظة لحج وحاصل على بكالوريوس زراعة وله من الابناء ثلاثة (طفلين وبنت) . وتبنى تنظيم القاعدة مؤخراً عدة هجمات استهدفت ضباطاً في الأمن السياسي بمحافظة أبين، بالإضافة إلى عمليات أخرى في شبوةوعدن جنوبي اليمن. وتصاعدت أعمال العنف مؤخراً في محافظتي لحجوأبين عما كانت عليه قبل أشهر وبشكل مثير للتساؤلات خاصة أنه يستهدف ضباط وأفراد أمن ومسئولين حكوميين ، ففي ذات اليوم الذي أغتيل فيه ضابط الأمن العقيد علي عبدالكريم فضل عثر على جثة مدير الاتصالات الأمنية بمديرية المحفد محافظة أبين المساعد سلطان عبد الكريم الشرعبي بجوار مبنى إدارة أمن المحفد، بعد يوم من مصرعه ولا زالت الأجهزة الأمنية تجري تحقيقها في الحادث، لمعرفة هوية الجناة. وبمقتل هؤلاء يرتفع عدد القتلى من الجنود جراء هجمات القاعدة إلى 37 منذ مايو الماضي، وفقا لإحصائية تقديرية. أما في محافظة أبين فقد أختطف مسلحون مجهولون مدير مشروع خليجي عشرين و اقتادوه إلى منطقة مجهولة. وحسب المعلومات فإن المهندس أنيس محمد من طاقم الشركة العربية القابضة ،والذي كان يستقل سيارته، تم اعتراضه من قبل مسلحين بمديرية زنجبار وخطفه .ولم تعرف الجهة التي قامت بالاختطاف و مطالب الخاطفين حتى اللحظة . وعلى صعيد النشاط الميداني للحراك الذي شهد خفوتاً مع حلول شهر رمضان المبارك باستثناء تنظيم بعض الفعاليات التي تأتي كردة فعل على إجراء من قبل السلطة إزاء قضيتهم ومن ذلك أن استقبل المئات من أنصار الحراك الجنوبي بمديريات ردفان ويافع بمحافظة لحج في ساعة متأخرة من مساء الخميس الماضي أربعة من المعتقلين المفرج عنهم من سجن جهاز الأمن السياسي بصنعاء بعد عام من الاعتقال. وجرى استقبال المفرج عنهم وهم "سالم وماجد طاهر طماح، وياسر وعمار محمد طماح" في مديرية لبعوس بموكب كبير ضم قيادات في الحراك، عبر أرتال كبيرة من السيارات التي أوقفت حركة السير على الخط العام. ونفى طاهر طماح قائد ما يسمى ب"جماعة سرو حمير" وجود أي صفقة مع السلطة قد تكون وراء عملية الإفراج عن نجليه وأولاد شقيقه. ونقل المصدر أونلاين عن طاهر طماح - وهو المتهم من قبل الجهات الأمنية بأعمال إجرامية وتخريبية واعمال خطف واستهداف الدوريات الأمنية ومحاصرة مركز أمني - قوله إن عملية الإفراج عن نجليه لم تكن وراءها أي صفقات أو اتفاقيات، وإنما تم الإفراج عنهم ضمن المعتقلين من الحراك الجنوبي الذين تم التوجيه بإطلاق سراحهم. مؤكداً أن "اعتقالهم كان باطلا وخارج إطار القانون". واعتبر طماح إفراج السلطات عن معتقلي الحراك رضوخاً للضغط الجماهيري في الجنوب، الذي ينظم مظاهرة كل يوم خميس للمطالبة بإطلاق المعتقلين. وأكد طماح في سياق تصريحه مواصلته لنضاله الذي قال بأنه سوف يستمر "حتى يحصل شعب الجنوب على حقه في تقرير مصيره واستعادة دولته جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية". ويقود طماح مجموعة مسلحين أطلق عليهم "جماعة سروحمير"، وسبق أن نفذت عمليات اختطاف بحق جنود للمطالبة بمقايضتهم بمعتقلين من الحراك، إلا أن تجاهل الحكومة أجبر الجماعة على الإفراج طوعاً عن الجنود المختطفين. وفيما يتعلق بالحضور السياسي للقضية الجنوبية ، فإنها باتت هامشية بالنسبة لحوار الحاكم والمشترك ، بالرغم من شعار الأخير الذي كان يردده حول أن القضية الجنوبية المدخل الرئيس لمعالجة أزمات البلد ، في حين السلطة لا توجد لديها نية للتعامل بجدية مع القضية الجنوبية لكنها ترغب من حوارها مع المشترك أن يثمر بدفع الأخير لأنصاره في الجنوب للمشاركة في الانتخابات ومنحها الشرعية ، وهو ما يعد أمرا صعب المنال كون المشترك بحد ذاته بات غير قادر على التأثير على قناعات اعضائه وقيادات فروعه في الجنوب حول القضية الجنوبية حتى إنه وصل بهم الأمر إلى اطلاق دعوة لفصل فروعهم عن المركز. ويجهد اللقاء المشترك في إقناع قيادات معارضة الخارج الجنوبية في المشاركة بالحوار ،غير أن مساعيه حتى الآن باءت بالفشل. وفي سياق متصل قال نائب الرئيس السابق علي سالم البيض إن الحوار بين المشترك والحزب الحاكم في صنعاء لا "يعنينا كجنوبيين". وأكد البيض أن المخرج الوحيد هو العودة إلى طاولة المفاوضات كجنوبيين أصحاب حق مستلب، وبين الشماليين كقوة (...) وبضمانات دولية وعربية، ومن أجل تنظيم عملية فك الارتباط"". حسبما جاء في تصريحات له نقلتها وكالة الأنباء الإيطالية "آكي" الأربعاء الماضي. وأشار البيض إلى أن الحراك وقياداته رفضوا ذلك الحوار "في صنعاء بين الفرقاء السياسيين، لأن هناك هدفاً أساسياً من دعوة نظام صنعاء للحوار وهو خلط الأوراق، والالتفاف على الوضع في الجنوب، في محاولة لتصفية وانهاء واحتواء الحراك الوطني الجنوبي السلمي". وقال إن الحراك استطاع خلال ثلاث سنوات أن يضع نفسه على الساحة كرقم صعب، بما يمثله كحركة تحرير وطني شعبية وسلمية، هدفها الحصول على حق تقرير المصير" . وأضاف "إن هدف نظام صنعاء من استدراج الجنوبيين للحوار، هو الإيحاء بأن القضية الجنوبية هي قضية مطلبية، تتعلق ببعض الإصلاحات الإدارية والسياسية والاقتصادية، وليست قضية وطنية هدفها استعادة استقلال الجنوب ودولته المستقلة وعاصمتها عدن". ودعا البيض نظام صنعاء إلى حوار جاد. وقال "هنا اغتنم فرصة حلول شهر رمضان الكريم لأدعو نظام صنعاء للإقلاع عن سياسة الهروب للأمام، وأقول كفى ما يعانيه الجنوبيون من قبل نظام "الاحتلال" من سفك للدماء وحصار للمدن وتعطيل للحياة الاقتصادية، فقد آن الأوان لحوار جاد يعود فيه الحق إلى أصحابه". وكان البيض قد دعا السلطة إلى وقف العنف ضد المواطنين في محافظات الجنوب "والجنوح إلى السلم والمفاوضات". وخصص البيض المقيم في المنفى منذ نزوحه عن البلاد عقب هزيمة قواته العسكرية أمام قوات الرئيس علي عبدالله صالح في 1994، كلمة له منتصف الأسبوع الفائت لتهنئة المواطنين في المحافظات الجنوبية بحلول شهر رمضان. ورجا البيض أن يلهم الله الرئيس علي عبدالله صالح العودة إلى رشده خلال رمضان طبقاً لكلمته. وجاء في الكلمة "ندعو الله العلي القدير أن يلهم رئيس الاحتلال في أن يعود إلى رشده خلال شهر رمضان المبارك و ألا يُنتهك صفاء هذا الشهر العظيم مثلما حصل في مناسبات مماثلة سابقة من جرائم ارتُكبت بحق الأبرياء من أهلنا في الجنوب". كما أهاب الرئيس الذي عاد للنشاط السياسي بعد عزلة دامت 15 عاماً بالمجتمع الدولي "ألا يدخر أي جهد في سبيل إيجاد حل عادل ودائم للقضية الجنوبية بما يمكّن شعب الجنوب من ممارسة حقه في تقرير مصيره واستعادة دولته المستقلة وعاصمتها عدن".