"جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    هبوط المعدن الأصفر بعد موجة جني الأرباح    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    إيفرتون يصعق ليفربول ويوجه ضربة قاتلة لسعيه للفوز بالبريميرليغ    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الثالثة خلال ساعات.. عملية عسكرية للحوثيين في البحر الأحمر وتدمير طائرة    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    الوجع كبير.. وزير يمني يكشف سبب تجاهل مليشيا الحوثي وفاة الشيخ الزنداني رغم تعزيتها في رحيل شخصيات أخرى    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    يوكوهاما يصل لنهائي دوري أبطال آسيا    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العسلي :قراءة علمية لمشروع الموازنة العام لعام 2011
نشر في الوسط يوم 15 - 12 - 2010

كتب/ بروفيسور سيف العسلي تعتبر الموازنة العامة لأي دولة من الدول في العصر الحديث احد اهم المؤشرات التي يجب ان تحظى بأكبر قدر من الاهتمام فيما يخص اعدادها و مناقشتها. فان كانت الحكومة هي التي تتولى إعدادها فان مناقشتها لا بد و ان يتم من قبل المواطنين و المؤسسات الاقتصادية و مؤسسات المجتمع المدني في هذه الدولة. لذلك فان الموازنة العامة للدولة تختلف جذريا عن ميزانية اي شركة او مجموعة من الافراد، لان ما تتضمنه له علاقة بمستقبل جميع المواطنين في هذه الدولة. فالموازنة العامة للدولة هي الخطة المالية السنوية لها. اي انها تحتوي على التقديرات المالية للسنة القادمة. انها تحتوي على تقديرات الانفاق العام خلال السنة القادمة و مصادر تمويل هذه النفقات. و لذلك فان المجتمع باسره يتأثر بتقديرات الموازنة العامة إلا نه هو الذي سيدفع فاتورة النفقات العامة من خلال الضرائب و من المفترض انه من سيستفيد من الخدمات العامة التي يتوقع ان تقدمها الحكومة. و على هذا الاساس فان الموازنة العامة لا بد و ان توضح لجميع افراد المجتمع الكيفية التي بنيت تقديراتها عليها حتى يستطيع المجتمع ان يتعرف على النتائج المترتبة على ذلك. فما من شك في ان تقديرات الموازنة العامة للدولة ستأثر على الافراد و الاسر و المؤسسات الاقتصادية و مؤسسات المجتمع المدني. و سيترتب على ذلك تغير في تصرفات هذه الوحدات، سواء من حيث الاستهلاك و الادخار و الاستثمار و الاكتناز و العمل و عدم العمل. و مما لا شك فيه فإن ذلك سينعكس على كل من مستوى الدخل المحلي الاجمالي و التشغيل و البطالة و الاسعار. انه من المفترض ان يتم اعداد الموازنة العامة للدولة وفقا لأسس فنية كافية ووفقا لمعايير متعارف عليها دوليا. ان تقديرات الموازنة العامة لا ينبغي ان تعكس فقط تقديرات و رغبات وزارة المالية و لا الحكومة و لا الجهات التابعة لها. بل انه يجب ان تعكس مصالح كل مكونات المجتمع. اي ان على من يعد الموازنة العامة للدولة ان يأخذ تطلعات المجتمع بعين الاعتبار حتى تكون تقديرات الموازنة مبررة و مقبولة من الجميع. ان القراءة العملية لمشاريع الموازنة العامة للدولة لعام 2011 في اليمن تهدف الى تقيم الاسس الفنية التي اعدت وفقا لها و كذلك الى تقيم الآثار المترتبة على تقديراتها. ستركز هذه القراءة على ثلاثة زوايا. الزاوية الاولى تتعلق بالناحية الفنية. اما الزاوية الثانية فتتعلق بالناحية الخدمية. في حين تتعلق الزاوية الثالثة بتأثيراتها الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية. فمن المتعارف عليه دوليا أن الاعداد السليم للموازنة العامة للدولة يجب ان يتم وفقا للمعاير المهنية و العلمية. تتضمن المعاير المهنية التوافق بين تقديرات الموازنة و الوثائق التي استخدمت في اعدادها حتى تعكس القدر المطلوب من الشفافية. اما المعاير العليمة فتتضمن الالتزام بالطرق العليمة في وضع التقديرات و التوقعات. فقط في هذه الحالة تتمتع الموازنة العامة بالقدر الكافي من المصداقية و الثقة. للأسف الشديد فان مشاريع الموازنة العامة لعام 2011 لم تعد وفقا للقدر الكافي من المهنية و العلمية. و الدليل على ذلك عدم تطابق الاسس و المستندات التي قيل انها استخدمت في اعدادها و التي تضمنتها. فعلى سبيل المثال فانه على الرغم من الادعاء بان تقديراتها تمت وفقا لمتطلبات الاصلاح المالي و الاداري و تنفيذ برنامج فخامة الاخ الرئيس الانتخابي و الموازنات التي تقدمت بها الجهات و توصيات مجلس النواب فان تفحص هذه التقديرات يشير إلى انها لا علاقة لها بذلك بل انها تناقضها تماما. فالتقليص العشوائي للنفقات العامة يعني تكريس حدة الانكماش الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد، الامر الذي يعني زيادة البطالة و تدني مستوى الدخل و تدهور الخدمات العامة. فقد تم تخفيض النفقات العامة في مشاريع موازنة عام 2011 الى تريليون و ثمان مئة مليار ريال بعد ان وصلت في موازنة عام 2010 و اعتمادها الاضافي الى تريليونين و ثلاثمائة مليار. ان تخفيض النفقات العامة إلى ما لا يقل عن 28% امر غير معقول و لا مقبول. لا شك انه ستترتب عليه نتائج كارثية لا تتفق لا مع برنامج الاصلاح المالي و الاداري و لا برنامج الاخ الرئيس و لا توصيات مجلس النواب. بالاضافة الى ذلك فانه من غير المقبول مهنيا ان لا يتم تحديد المجالات التي ستتأثر بهذا التقليص بشكل واضح. صحيح ان تقديرات الموازنة تشير الى تقلص النفقات الاستثمارية و مخصصات الضمان الاجتماعي لكن ذلك لا يتوافق مع تضمن مشاريع الموازنة مشاريع استثمارية جديدة بالاضافة الى المشاريع المتعثرة. و كذلك فان ذلك لا ينسجم مع القول بان موازنة عام 2011 قد تضمنت اجراءات و سياسيات تعمل على محاربة الفقر. فالنفقات الاستثمارية في مشاريع موازنات عام 20011 قد انخفضت الى 399 ملياراً بعد ان كانت 522 مليارا في موازنة عام 20010. و مخصصات الدعم و الضمان الاجتماعي قد انخفضت في مشاريع موازنة عام 2011 الى 390 مليارا بعد ان كانت 522 مليار في موازنة عام 2010. و تتضح اهمية ذلك من حقيقة كون اليمن من افقر البلدان في العالم حيث ان ترتيبها هو 140 من 184 دولة و ان نسبب الفقر في اليمن تزيد عن 40%. و مما يشير الى غياب المهنية و العلمية في تقديرات مشاريع موازنة 2011 تجميد تقديرات الايرادات العامة. و لا شك ان ذلك يتناقض مع اهداف و مكونات برنامج الاصلاح المالي و الاداري و توصيات مجلس النواب. فالإيرادات المقدرة في مشاريع موازنة عام 2011 هي تريليون و خمس مئة مليار ريال و هي نفس تقديرات موازنة عام 2010. و لا شك انه لا يوجد اي مبرر معقول لذلك. و مما يشير الى غياب الاسلوب العلمي في تقديرات مشاريع موازنة عام 2011 هو عدم تناسب التغيرات فيها. فالنسب التي اعتمدت من اجل ذلك عشوائية و غير منتظمة و غير مبررة. فالتراجع في المجاميع الكلية لجداول مشاريع الموازنة و للجداول التفصيلية لا يرتبط باي تغير معقول لا في الظروف المالية و لا الاقتصادية و لا الاجتماعية و لا السياسية. انها نسب عشوائية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. و لا شك ان ذلك يشير الى عدم وجود اهداف واضحة للنفقات العامة و الايرادات العامة و لا لتفاصيلها. و في ظل عدم وجود اهداف واضحة فان الحديث عن التخطيط المالي و الانضباط المالي نوع من العبث و التضليل. من الواضح انه سيترتب على الموافقة على مشاريع الموازنة لعام 2011 كما هي تأثيرات ضارة على كل من الاوضاع الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية. فيما يخص التأثيرات الضارة على الاوضاع الاقتصادية فانه من المسلم به ان الاقتصاد اليمني يعاني من اختلال هيكلي مزمن. فخلال العشرين تراجعت مساهمة قطاعاته الاساسية الصناعة (7%) و الزراعة (15%) و الصيد و الكهرباء (2%) و المياه (3%) و لذلك لصالح قطاع استخراج النفط (28%) و الخدمات (40%). و بذلك فقد اصبح النمو الاقتصادي مرتبط بشكل اساسي بما يحدث من تطورات في انتاج النفط و اسعاره. ة نظرا لتراجع الانتاج النفطي فان الاقتصاد يتراجع بصورة مفجعة. فالنمو الاقتصادي المحقق لم يتجاوز 3% في احسن الاحوال. و الى جانب ذلك فان الاقتصاد اليمني يعاني من الكساح الشديد. و يتمثل ذلك في عدم قدرة القطاعات الاخرى للتعويض عن الآثار السلبية لتراجع انتاج النفط و عوائده. و يرجع ذلك الى انه تم تبذير عائدات النفط في نفقات غير مجدية. بل الادهى من ذلك ان الاستخدام غير الرشيد للإيرادات النفطية قد خلق تشوهات كبيرة في بنية الاقتصاد وتوقعات و انطباعات غير صحيح لدى كل من الحكومة و بعض مكونات المجتمع. و لذلك فقد اصبحت مشكلة الاقتصاد اليمني مركبة. اي انها لم تعد فقط تنحصر في تنميتها و تطويره و انما اصبحت مرتبطة و الى حد كبيرة بعملية تصحيح التشوهات التي تسبب بها الاستخدام غير الرشيد للإيرادات النفطية. و الدليل على ذلك هو عدم قدرة الاقتصاد اليمني على الاستفادة من موارده المتاحة الداخلية و من المساعدات الخارجية. بالاضافة الى ذلك فان الاقتصاد اليمني يعاني من عدم الاستقرار الحاد. و يتمثل ذلك في التصاعد المستمر للأسعار (20%) و التذبذب الحاد في قيمة العملة اليمنية (15%) و تآكل الاحتياطات الاجنبية (30%) و العجز المتصاعد في الموازنات العامة (10%) و في الحساب الجاري (8%)و ميزان المدفوعات. لذلك فان عملية انقاذ الاقتصاد اليمني من الانهيار يتطلب القيام بعدد من المهام و في وقت واحد. اي انه يتطلب تغير هيكليته و ذلك من خلال تطوير قطاعات داخلية قادرة على التعويض عن الآثار السلبية لتراجع انتاج النفط. و في نفس الوقت انه يتطلب معالجته من الكساح و ذلك من خلال تبني اولويات تتلاءم مع ما يتمتع به اليمن من مزايا نسبية ( البشر و الموقع و المناخ). بالاضافة الى ذلك انه يتطلب تحصينه من الازمات من خلال تطبيق مبدأي الثواب و العقاب اي التوقف عن معاقبة المجيد و مجازاة المخطئ. ان ذلك يعني الحرص على اعطاء اصحاب الحقوق حقوقهم و على منع الفاسدين من السطو على حقوق غيرهم. ان تقديرات موازنة عام 2011 لا تشير الى اي توجه حقيقي للتعامل مع هذه الاوضاع بهدف تحسينها او على الاقل التقليل من الاثار الضارة لها. و على الرغم من اظهار مشاريع موازنة عام 2011 تراجع في العجز فان ذلك لن يكون له اي اثر على الاطلاق. فمن غير المتوقع ان يتراجع عجز الموازن في عام 2011 الى 312 مليار ريال بعد ان وصل في ربط موازنة عام 2010 الى 800 مليار ريال. ان العجز المتوقع اكبر بكثير من هذا الرقم مما يعني انه يفوق الحدود الامنة. ان عجزا كهذا ستكون له آثار خطيرة على اليمن. و يرجع ذلك الى وصول حجم الدين الداخلي الى حوالي تريليون و خمسمائة مليار الامر الذي يعني ان السوق المحلية لا تستطيع استيعاب اي دين جديد. و لا شك انه سيترتب على ذلك ارتفاع في اسعار الفائدة و انخفاض في قيمة العملة بهدف توفير التمويلات الضرورية لهذا العجز. ان الارتفاع في اسعار الفائدة (30%) في ظل جمود معدل الادخار سيعمل على توجيه ما هو متاح من تمويلات من القطاع الخاص الى القطاع الحكومي. و اذا كانت النفقات الجارية تشكل اكثر من 96% من النفقات العامة فان معدل الاستثمار الخاص و العام سيتراجع. و لا شك ان ذلك سيؤدي لا محالة الى تراجع معدل النمو الاقتصادي الامر الذي يعني زيادة حد الانكماش في الاقتصاد اليمني مما يعني استمرار تدهور الدخل الحقيقي و تنامي معدل البطالة و توسع ظاهرة الفقر. و لا شك ان ذلك سيعمل على تفاقم الاوضاع الاجتماعية فمن الواضح ان التفاوت بين فئات المجتمع يتسع لصالح فئات قليلة من المتنفذين و على حساب غالبية افراد الشعب و خصوصا الطبقة الوسطى اي طبقة المتعلمين و الحرفين و اصحاب المواهب. و من الواضح ان هذا التفاوت ليس عفويا بل من خلال منهجية متعمدة. و لا شك انه اذا لم يتم تفادي ذلك و على وجه السرعة فان ذلك سيخلق شرخا اجتماعية خطيراً ستكون له نتائج اقتصادية وخيمة سواء من حيث نتائجه الضارة او من حيث تكاليف معالجته في المستقبل القريب. ان تأثير ذلك على الاوضاع السياسية ليس بالأمر الهين. فبالإضافة الى معاناة البلاد من ازمة سياسية مظاهرها طافحة على السطح فان تأثير تفاقم الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية عليها سيكون كبيرا جدا. فالمناكفات السياسية على اشدها و التمرد على الدولة يستشري كما تستشري النار في الهشيم. و من الواضح ان ذلك قد شغل القيادة السياسية و جمد عمل مؤسسات الدولة. و لقد ترتب على ذلك قدر كبير من عدم الثقة في المستقبل. و ما من شك ان النتائج الاقتصادية الضارة لهذه الاوضاع لا يمكن الاستهانة بها و لا التقليل من آثارها. فالمناكفات السياسية تأجل اتخاذ القرارات الضرورية للإصلاح الاقتصادي و تستنفد جزءاً كبيرا من الموارد النادرة. صحيح ان من اعد هذه التقديرات لا يتحمل مسئولية كامل هذه التداعيات و لكنه يتحمل مسئولية عدم اظهار انعكاساتها الخطيرة على الاوضاع الاقتصادية و الاوضاع المالية و التستر عليها. و كذلك مسئولية عدم بذل الجهد الكافي لمعالجة ما يمكن معالجته منها. و لذلك فان على القيادة السياسية ان لا تنخدع بما تضمنته مشاريع الموازنات بل ان عليها ان تتعرف على حقيقة الامر و ان تلزم الحكومة على البحث عن المعالجات الصحيحة. ان عدم الاكتراث بما يجري سيؤدي الى تراكم
الالتزامات بدون تخطيط للقدرة الاستيعابية و للكفاءة المالية. و في نهاية المطاف فان ذلك سيؤدي الى ارهاق كل مخصصات الموازنة بالتزامات التي لا تتفق مع القدرة على توفير التمويل اللازم لها و على امكانية ربطها بما تقدمه من قيمة حقيقية لأنشطة الدولة و ما يعكسه ذلك من محفزات سلبية لنشاطات بقية مكونات المجتمع مثل الافراد و الاسر و المؤسسات و الوحدات الاقتصادية و منظمات المجتمع المدني. و نتيجة لذلك فان مصداقية الحكومة ووزارة المالية و الجهات المؤسسات الاخرى ستكون في تراجع مستمر. من الواضح ان الموافقة على مشاريع موازنة عام 2011 كما هي سوف لن ينعكس ايجابا لا على اداء الحكومة و على الجهات التابعة لها و لا على الخدمات التي تقدمها الدولة و لا على الاداء الاقتصادي بشكل كبير. ان ما تتضمنه مشاريع موازنات عام 2011 لا يعكس حقيقة الاوضاع المالية البلاد. فبعض الجهات قد تحصل على اكثر مما ينبغي و البعض الاخر على اقل مما ينبغي. هذا من ناحية و من ناحية اخرى فان تقليص النفقات لا يعني شيئا لان الالتزامات الحالية ستظل تتصاعد بغض النظر عن ذلك مما يجعل امر مواجهتها مسألة وقت. لكن هذه الصورة لا تكون واضحة للمتخذي القرار و لا للجهات التي تتأثر بها. لا شك انه سيترتب على تقليص النفقات العامة تراجع مستوى الخدمات العامة مثل التعليم و الصحة و الامن و العدل و الضمان الاجتماعي و غيرها من الخدمات العامة الاخرى. و اذا كان مستوى هذه الخدمات الحالي متدني بمعاير الدول المشابهة لليمن و حسب توقعات المواطنين فان تذمر المواطنين من اداء الحكومة سيزداد. و لا شك ان لهذا التذمر حساسية غير عادية نظرا لكون عام 2011 هو عام الانتخابات العامة. انه بالإمكان تلافي نسبة كبيرة من القصور في تقديرات مشاريع موازنة عام 20011. ففيما يخص النفقات العامة فان هناك العديد من مخصصات الانفاق التي يمكن تقليصها و بدون التسبب في اي اختلال لا في الجوانب المالية و لا الاقتصادية و لا الاجتماعية و لا السياسية. فعلى سبيل المثال فان مشاريع موازنة عام 2011 قد تضمنت زيادة في مخصصات الباب الاول اي المرتبات و الاجور في حين ان المنطق المالي و الاقتصادي كان يقتضي تقليص هذه المخصصات او على الاقل تبني خطة لإعادة توزيعها. فمن المعروف ان كشف المرتبات يحتوي على عدد كبير من الوظائف الوهمية و المكررة و الغائبة. كذلك فقد تصاعدت مخصصات المكافئات و النثرية على حساب المرتبات مما احدث فارقا كبيرا بين ما يحصل عليه موظفو الدولة و ما يحصل عليه المتنفذون تحت مسمى حوافز و مكافئات. ان حذف الاسماء المكررة و الوظائف الوهمية و منع الازدواج بين الوظائف الحكومية و الوظائف لدى القطاع الخاص سيوفر ما لا يقل عن 25% من مخصصات هذا الباب. و اذا ما تم اعادة توزيع مخصص المكافآت و الحوافز على جميع العاملين بعدالة فان ذلك سيعمل على زيادة مرتبات الموظفين بما لا يقل عن 10%. اي انه يمكن تخفيض مخصصات هذا الباب بما لا يقل عم 35% او انه يمكن زيادة مرتبات و اجور العاملين فعلا في مؤسسات الدولة بأكثر من 40%. كذلك فانه يمكن ترشيد النفقات الاستثمارية من خلال التركيز على المشاريع الاستراتيجية و تحديد تلك المشاريع التي تتوفر لها تمويلات كافية. فمن المعروف ان قائمة المشاريع الاستثمارية تشبه " كيس طالب الله" التي يحتوي على الحبوب الجيدة و الحبوب الرديئة. فقائمة مشاريع الموازنة تضم الحابل و النابل. فهناك مشاريع غير استراتيجية يتم اعطائها اولوية و مشاريع استراتيجية يتم اهمالها و يتم ادرج مشاريع لا اهمية لها و لا يتم توفير تمويل كافي لها. لا شك انه قد ترتب على ذلك اهدار اموال طائلة على مشاريع متعثرة و زيادة الاسعار و عدم تطبيق المعاير. و الدليل على ذلك هو عدم قدرة اليمن على استيعاب مساعدة المانحين بحجة عدم توفر مخصصات مالية للدراسات و المساهمة المحلية. بل ان اليمن تعاني من تدني قدرتها الاستعابية للمشاريع الممولة من المنظمات الدولية والتي لم تتجاوز 50% لنفس الاسباب. كذلك فانه يمكن معالجة قدر كبير من القصور من خلال بذل جهود اكبر فيما يخص تحصيل الايرادات العامة. فمن الملاحظ ان هناك تعمدا مقصودا في تقديرها في قل قدر ممكن على اعتبار ان ذلك يخفف من الضغوط على وزارة المالية و المصالح التابعة لها. فعلى سبيل المثال فان الايرادات النفطية تقدر باقل من مقدارها الحقيقي و ذلك من خلال المبالغة في الحيطة و الحذر. من يحلل ارقام الموازنات للاعوام الماضية سيجد ان كمية النفط المقدرة دائما تقل عن كمية النفط المنتجة فعلا ( 387 الف برميل يوميا خلال الاعوام السابقة). و كذلك فيما يخص حصة الحكومة من الانتاج و مقدار الكمية المصدرة و سعر الكمية المصدرة ( 55 دولاراً للبرميل في حين ان متوسط سعر 2010 كان 77 دولاراً للبرميل). و كذلك فان تقديرات الربط الضريبي دائما و ابدا اقل من المحقق و لنفس الاسباب. لا شك ان مثل هذه الممارسات لا تتفق و الممارسات المالية المسئولة. صحصح انه يجب الاخذ في الاعتار مقداراً معقولاً من الحيطة و الحذر و يتم ذلك من خلال الاعتماد على المتوسطات. و لكن تعمد تقليل الايرادات عن حجمها المعقول يشوه الموازنة و ينتج آثارا ضارة على الاوضاع الاقتصادية. فلولا هذه الممارسات لاختفت ظاهرة الاعتمادات الاضافية السنوية او لو كانت بشكل مختلف. ان هذه الممارسات تجعل من الاعتمادات الاضافية مؤكدة بغض النظر عن التطورات المالية الجديدة. اذا ان هناك فائضا مؤكدا في الايرادات مما يغري الجهات بطلب نفقات خارج الموازنة و مما يسهل على وزارة المالية الاستجابة لهذه الطلبات. و في هذه الحالة فان ذلك يؤدي الى حدوث اختلال كبير في كل من التخطيط و الانضباط و الكفاءة المالية. بل ان مفهوم الموازنة يختلف لصالح المراجل و المزاجية و عدم الوضوح. بالاضافة الى ذلك فان مثل هذه الممارسة تساعد على التساهل على الدخول في الالتزامات المالية على الرغم عن عدم وجود القدرة على الوفاء بها في اوقاتها المحددة. ناهيك ان ذلك يوقع الحكومة ووزارة المالية و الجهات في مخالفات دستورية و قانونية و اجرائية لا ضرورة لها. و نظرا لوضع الضرائب في اليمن و التي تتميز باعتمادها على النمو التاريخي و عدم ارتباطها لا بالنشاط الاقتصادي و لا بالقوانين المنظمة لها الامر الذي ترتب علي جمود في الحصيلة الضريبية و انتشار ممارسة الفساد الذي يشارك فيه محصلو الضرائب و دفاعيها و خصوصا كبار المكلفين فانه لا بد من رفع نسبة الربط الضريبي بنسبب تفوق مقدار الزيادة السنوية التي تقترحها مصلحة الضرائب. اما يبرر ذلك هو اعتراف الجميع ان ما يدفع من ضرائب لا يتجاوز 30% مما يستحق وفقا للقوانين و للضرائب و خصوصا الضرائب غير المباشرة. فان رفع نسبة التحصيل المستهدفة سيعمل على تحصيل ما هو مستحق و سيعمل على تقليل الفساد لان محصلي الضرائب لن يستطيعوا ان يبتزوا المحصلين و ان المحصلين قد يجدون ان الافصاح عن الضرائب الحقيقية افضل من مجاراة الفاسدين من محصلي الضرائب. انه لا يمكن تبرير الموافقة على مشاريع موازنة عام 2011 كما هي مع خلوها من الاهداف و تناقضها مع الواقع و تجاهلها للأسس العلمية في عملية اعداد الموازنة. و لا شك انه سيترتب على ذلك صعوبة كل من تنفيذها و مراقبة تنفيذها. ففي هذه الحالة فانه لا يحقق لنا من الناحية الفعلية و الاخلاقية طلب المساعدة من الاخرين قبل ان نستنفد جهودنا و مواردنا. و اذا ما صرينا على ذلك فانه لا احد سيستجيب لنا. و ما حدث خلال الاربع السنوات الماضية خير دليل على ذلك. فهل نتعلم من اخطائنا ام نظل نكررها؟ و في هذه الحالة فانه ينبغي ان لا نلوم الا انفسنا و ليس اي جهة اخرى. ان ذلك يتطلب وقفة جادة من القيادة السياسية و مجلس النواب و الا فانتظروا الانهيار الاقتصادي بكل ما يعني ذلك. آلا هل بلغت اللهم فاشهد!

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.