يجهد الحزب الحاكم في إقناع أحزاب اللقاء المشترك على العودة للحوار، مقدماً العديد من التنازلات كان آخرها ما أعلن في اجتماع اللجنة العامة برئاسة على عبدالله صالح الجمعة الفائتة وذلك في محاولة لتهدئة الأوضاع وإبقائها تحت السيطرة . وعلى خلاف ما كان أعلنه رئيس الجمهورية من إلغائه للجان الحوار المختلفة كون استمرارها يعد إلغاءً للمؤسسات الدستورية ، دعا إلى مواصلة الحوار في إطار لجنة الأربعة وإيقاف الحملات الإعلامية والتوقف عن المظاهرات والمسيرات التي تؤجج الشارع من كافة الأطراف السياسية. ولجنة الأربعة هي آخر لجنة انبثقت عن لجنة الحوار المشتركة وتضم نائب رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي ومستشار الرئيس عبدالكريم الإرياني كممثلين عن الحزب الحاكم، وأمين عام حزب الإصلاح عبدالوهاب الآنسي وأمين عام الحزب الاشتراكي ياسين سعيد نعمان كممثلين عن المشترك. وهي اللجنة ذاتها التي كان الرئيس قد رفضها في وقت سابق وأدت إلى توقف الحوار بين الطرفين بسبب عدم اقتناعه بالنتائج التي رفعتها ولم تتضمن بند التعديلات الدستورية التي يرغب صالح بها. وجاءت هذه الدعوة المؤتمرية ، بالتزامن مع ثورة الغضب التي تجتاح الشارع المصري لإسقاط الرئيس محمد حسني مبارك، وفي أعقاب مظاهرات لآلاف اليمنيين خرجت في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات بدعوة من تكتل المشترك المعارض التي جاءت هي الأخرى بعد توقف الحوار ، وإعلان المؤتمر المضي في الانتخابات النيابية في ابريل القادم ، وقيامه بالتصويت منفردا على لجنة الانتخابات وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات من القضاة، والموافقة من حيث المبدأ على التعديلات الدستورية وهو ما جعل العلاقة بين الطرفين تتأزم أكثر ،فقد لجأ المشترك إلى الشارع ونفذ عدداً من المسيرات التي شملت معظم المحافظات كان آخرها الخميس الماضي.في حين قاد المؤتمر مهرجانات بالمحافظات ، مؤيدة للتعديلات الدستورية التي طرحها لإصلاح النظام السياسي، ورفضهم تأجيل الانتخابات. ومن دون أن تخلف أحداث عنف أو شغب واعتقالات، أنهى أنصار اللقاء المشترك ، وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في أمانة العاصمة صنعاء تظاهراتهم التي سعى كل طرف من خلالها لإظهار شعبيته والتنديد بما يقوم به الآخر. أنصار المؤتمر أيدوا الرئيس والتعديلات الدستورية التي طرحها حزبه لإصلاح النظام السياسي ، فيما رفع أنصار المشترك الشعارات الرافضة للتعديلات الدستورية، وشعارات تطالب بإلغاء كافة الإجراءات الانفرادية للحاكم فيما يخص الانتخابات. وكعادة الحزب الحاكم فقد أخرج طلاب المدارس للمشاركة في مهرجانه وقام بتجميع عمال "الحراج" من الشوارع كي لا يتم مشاركتهم في مسيرات المشترك، كما عمد إلى تسخير وسائل الإعلام الرسمية لتغطية الفعاليات المؤيدة له دون الإشارة إلى مهرجانات الطرف الآخر. غير إنه وعقب هذه التظاهرة بيوم رأى الحزب الحاكم أن الأمور تسير في اتجاه غير مرغوب به وقد تكون عواقبه وخيمة وهو ما يعلل اجتماع اللجنة العامة للمؤتمر برئاسة رئيس الجمهورية وفي يوم إجازة رسمية لتخرج بدعوة إلى "التهدئة وإيقاف كافة الحملات الإعلامية بين كافة أطراف العمل السياسي وبما يهيئ الأجواء المناسبة لإنجاح الحوار وتنقية مناخات العمل السياسي من أي شوائب من شأنها أن تعكر صفوه وبما يعزز من التآخي والتلاحم والوحدة الوطنية ويخدم المصلحة الوطنية". وعلى مايبدو فإن هذه الدعوة أيضاً أتت كقبول بمبادرة مجلس التضامن الوطني الذي يتزعمه حسين الأحمر -تتلخص في العودة إلى طاولة الحوار، وتأجيل الانتخابات النيابية لمدة أقصاها عام كامل لحين الاتفاق على جميع القضايا المختلف عليها وفق برنامج زمني محدد وإيقاف الحملات الإعلامية، وأن يتم ذلك بإشراف طرف خارجي نظراً لانعدام الثقة والمصداقية بين الطرفين-. كما دعت اللجنة العامة إلى "التوقف عن المظاهرات والمسيرات التي تؤجج الشارع من كافة الأطراف وبما يجنب الوطن الانزلاق نحو أتون الفتنة والصراع أو استغلال حق التعبير السلمي عبر المظاهرات والمسيرات من قبل عناصر مدسوسة أو متطرفة للانحراف بها نحو ما يضر بالوطن وأمنه واستقراره ومصالحه العليا-حسب ما ورد في وكالة الأنباء الرسمية- وبالطبع فإن ما يطرحه المشترك من ضرورة تراجع الحزب الحاكم عن كافة الإجراءات المنفردة التي قام بها في التحضير للانتخابات لم تعد ملبية لمطالب الشارع الذي يتوق للتغيير وفي حال قبوله الخوض في مفاوضات جديدة مع الحاكم فإن ذلك سيعد خذلاناً للجماهير وسيبدو وكأنه يستغل هيجانها لعقد الصفقات السياسية وتحقيق مكاسب حزبية فقط . ويتعزز هذا القول أكثر بالنظر إلى شعارات رفعت في مسيرة طلابية خرجت السبت الفائت من جامعة صنعاء تأييداً للشعب المصري تطالب برحيل النظام وعبر خلالها الطلاب المتظاهرون عن استيائهم من اقتصار مطالب المعارضة على الإصلاحات الانتخابية دون رحيل النظام الحالي. وفي إطار الضغط الخارجي للعودة إلى الحوار أنهى نائب رئيس المعهد الديمقراطي الأمريكي لشئون الشرق الأوسط -الذي وصل صنعاء منتصف الأسبوع الفائت- آخر مساعيه في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الحاكم والمشترك للعودة إلى الحوار والوصول إلى توافق للدخول في انتخابات تنافسية.حيث طرح على السلطة ضرورة إعادة فتح السجل الانتخابي وتأجيل الانتخابات ويجري أثناء ذلك الحوار حول القانون وبقية القضايا المطروحة من المشترك . وحتى الآن لم يصدر عن المشترك موقف تجاه دعوة المؤتمر للحوار باعتبار أن الدعوة لم تصله بشكل رسمي بل إنه دعا للتظاهر غدا الخميس مواصلاً مع الحاكم التصعيد الإعلامي ومن ذلك أن اتهم المشترك المؤتمر بتحويل مقراته في العاصمة صنعاء إلى ثكنة عسكرية تنطلق منها الآليات والقوات العسكرية، لمواجهة فعالياته الاحتجاجية السلمية .فضلاً عن الزج بالعديد ممن وصفهم بالبلاطجة المأجورين والعناصر الأمنية بملابس مدنية في مظاهرات مصطنعة مناهضة لفعاليات المعارضة وفي مواطن قريبة منها في مسعى غير مسئول وغير مسبوق لأي من دول العالم لتكريس عوامل الفتنة والفوضى واستفزاز جماهير وأنصار المعارضة في الفعاليات الاحتجاجية أو من خلال دس هذه العناصر من البلطجية في أوساط المحتجين لإثارة الشغب والفوضى تمهيداً لتبرير استخدام القوة لقمعها. ودان المشترك بشدة هذه الأساليب ، محملا السلطة وحزبها كامل المسئولية عن النتائج والتبعات الخطيرة الناجمة عنها. كما أعرب عن قلقه البالغ للحالة التي وصل إليها الممسكون بالسلطة في ترهيب قيادات التغيير والنضال السلمي حد التهديد الرئاسي بالقتل الذي تعرضت له الناشطة الحقوقية توكل كرمان. المظاهرات المناهضة للحاكم أصابته بخضة وإن لم يحاول إظهار آثارها عليه بشكل مباشر ، فالمحتجون وخاصة الطلاب رفعوا شعارات تتجاوز ما تتطالب به المعارضة وفي مقدمتها إنهاء حكم الرئيس علي عبدالله صالح الممتد منذ عقود مستلهمين ما يجري من أحداث ساخنة في مصر وقبلها تونس ، حيث ردد المتظاهرون هتافات تندد بالحزب الحاكم وتطالب الرئيس صالح بالرحيل عن سدة الحكم، حاملين أعلام اليمن ولافتات تندد بالتردي الاقتصادي في البلد. ومن بين الهتافات التي رددها المتظاهرون ضد الرئيس "يكفي حكم الثلاثين.. تونس ثارت من عشرين" و"يا سعودية خلي بالك.. عاد في واحد بانتظارك" و" يا سعودية شدي حيلك.. باقي واحد با يجي لك" في إشارة إلى فرار الرئيس التونسي المخلوع إلى المملكة السعودية. كما رددوا شعارات تندد بالتمديد والتوريث. وعلى ما يبدو فإن تخلي أمريكا عن دعم الأنظمة الحليفة لها في أزماتها الداخلية التي تكون الشعوب طرفاً فيها وراء جعل النظام يوجه دعوة للمشترك بالعودة إلى طاولة الحوار مجدداً. لقد أعربت واشنطن عن دعمها لحق اليمنيين في "التعبير عن أنفسهم والتجمع بحرية" وهو ذات الموقف الذي أطلقته عند تصاعد الأحداث في تونس وإزاء ما يجري في مصر. وقال فيليب كراولي المتحدث باسم الخارجية الأميركية "نحن نعلم أن تظاهرات تجري في صنعاء وغيرها من المدن اليمنية، ورسالتنا هي واحدة". وفي وقت سابق هذا الشهر زارت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون اليمن بهدف مساعدة الرئيس علي عبد الله صالح على معالجة عدد من المشاكل السياسية وغيرها من المسائل ومن بينها تهديد القاعدة لبلاده والغرب. كما عاد السفير الأميركي لدى اليمن جيرالد فايرستاين إلى الولاياتالمتحدة الأسبوع الماضي لإجراء حوارات مع رموز الجالية اليمنية في كل من نيويوك وميشغن الولايتين اللتين تستضيفان كبرى تجمعات المهاجرين اليمنيين في الولاياتالمتحدة. وفي اللقاءات أطلع السفير الأمريكي بصنعاء المهاجرين اليمنيين في الولاياتالمتحدة على الخطوط العريضة للسياسة الأميركية في اليمن على المدى الطويل، واستمع إلى آراء غاضبة وأصوات عالية بين اليمنيين الأميركيين طالبوا خلالها السفير أن ينقل إلى إدارة الرئيس أوباما احتجاجهم الشديد على دعم الولاياتالمتحدة لنظام الرئيس صالح الذي وصفوه بأنه "دكتاتور فاسد حان وقت رحيله بعد 33 عاما من التسلط والفساد قضاها في تنمية أسرته وأقاربه وأتباعه وشن حروباً متعددة على بقية أفراد شعبه وقتل الآلاف من أبناء اليمن الأبرياء من صعدة شمالا إلى عدن جنوبا دون أي إحساس بالرحمة أو المسؤولية". ونقل المصدر اونلاين عن مصادر خاصة رد السفير الأميركي على الأصوات الغاضبة بقوله إن الولاياتالمتحدة تطمح على المدى الطويل إلى إقامة علاقات مع اليمن كدولة وشعب وأن السياسة الأميركية تجاه اليمن لا تقوم على دعم أي شخص أو حزب أو حكومة، وإنما تسعى لدعم إقامة يمن ديمقراطي مستقر ومزدهر. وأضاف إن الولاياتالمتحدة سوف تتعامل مع جميع أطراف العمل السياسي في اليمن من حكومة ومعارضة ومع مؤسسات المجتمع اليمني وجميع الفعاليات الشعبية السلمية. كما شدد على أن السياسة الأميركية من الآن وصاعدا ستركز على علاقات قوية ووثيقة مع الشعب اليمني وليس مع الحكومة فقط، منوها إلى أن العلاقة مع الشعب لا تقل أهمية عن العلاقة مع أي حكومة وأن بلاده تتبنى إستراتيجية بعيدة المدى للمساهمة في تحقيق استقرار اليمن ولن يقتصر اهتمامها على محاربة الإرهاب فقط. تغطية وسائل الإعلام الخارجية للشارع اليمني شكل أيضاً نوعاً من الضغط على النظام لصالح معارضيه رغم أن هذه التغطية الإعلامية شملت حتى المسيرات المؤيدة له خاصة قناة الجزيرة التي اتهمها رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح بممارسة أساليب الإثارة والتأجيج والتحريض وتزييف الحقائق وتضخيم الأحداث. وطالب الرئيس من أمير دولة قطر, الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني التدخل لدى القائمين على قناة الجزيرة التي تبث من قطر للتهدئة الإعلامية، والابتعاد عن أساليب الإثارة والتأجيج والتحريض وتزييف الحقائق وتضخيم الأحداث في ممارستها للمهنة الإعلامية ، والتي قال إنها تنعكس بنتائجها سلبا في الوطن العربي وإحداث التصدع في المجتمعات العربية، وبما يضر بوحدتها وتماسكها ويشجع على أعمال الفوضى والعنف والتخريب. وبحسب وكالة الأنباء الرسمية فإن الرئيس علي عبدالله صالح أشار خلال اتصاله بأمير قطر إلى أن تلك الممارسات لا تخدم سوى الأهداف الصهيونية، والجماعات الإرهابية من تنظيم القاعدة وأعداء الأمة العربية عموماً، والذين ظلوا يسعون إلى تمزيق الأمة وإحداث التصدع في صفوفها من أجل استلاب مقدراتها وتهديد وجودها ومستقبل أجيالها. وذهب في التنظير للإعلام قائلاً: إنه رسالة نبيلة لخدمة الحقيقة، وزرع مشاعر الإخاء والمحبة والوحدة في صفوف المجتمع، وبما يخدم شعوب الأمة العربية، ويعزز من اقتدار الأمة على مجابهة التحديات والمؤامرات التي يدبرها لها أعداؤها وعلى أكثر من صعيد. وكانت قناة الجزيرة قامت الخميس الفائت بتغطية شاملة لمهرجانات المشترك التي قالت إنها طالبت بتنحي صالح عن الحكم، إضافة إلى مهرجانات المؤتمر المؤيدة للتعديلات الدستورية والانتخابات النيابية. هذه الشكوى ومجيئها من قبل الرئيس نفسه الذي كان قادر على أن يترك أمرها للمختصين –وزير الإعلام مثلاً-أظهرت مدى حالة الخوف والضعف التي يعيشها وأن مزيداً من التركيز الإعلامي على أداء حكمه وحالة الغليان الشعبي كفيلة بإسقاط نظامه المهترئ.