لم يغير ظهور الرئيس علي عبدالله صالح بعد غياب فاق الشهر من المشهد في البلاد شيئاً سوى إجلاء الشائعات بخصوص مدى إصابته مع استمرار إراقة دماء المواطنين جراء الاحتفاء بإفاقته. وبالرغم من تحسن حالة الرئيس في ظهوره الثاني خلال أقل من أسبوع ،فإن ظهوره الخميس الفائت أثار ردوداً متباينة في أوساط مؤيديه ومناهضيه ،لقد أعاد لأنصاره نشوة التأييد التي كادوا يفقدونها إثر حملة التضليل التي تعرضوا لها من قبل قيادات المؤتمر حول صحة الرئيس كما شكل فرصة لهم لاستعادة بريق التظاهرات المؤيدة له، خاصة في العاصمة صنعاء. أما المعارضون للنظام فقد اعتبروا توقيت خطابه المتزامن مع ذكرى انتصار قواته في حرب صيف 1994 يمثل استفزازاَ لمشاعر أبناء الجنوب وتكريساَ لثقافة العنف التي تجاوزتها الثورة الشعبية وقال بعضهم إن ظهور صالح حياً يحتم على الثورة الشبابية التمسك بمطلب محاكمته على جرائمه التي اقترفها بحق الثورة الشبابية السلمية وما قبلها من جرائم في مجالات شتى. فيما اللجنة التحضيرية لمجلس شباب الثورة عدت الظهور "غير البريء" -حد وصفها- في يوم 7يوليو يذكرهم بالاجتياح الغادر لمدن الشعب في الجنوب والذي استبدلت فيه الوحدة الطوعية بوحدة الحرب والفيد والضم والإلحاق.وقالت إنها تعد توقيت ظهوره غير بريئ ، ومحاولة بائسة لاستعادة أجواء الحرب ، كما تكشف عن فصول تآمرية قاتمة تكنها الحكومة السعودية للشعب . وأكدت اللجنة التحضيرية بأن الثورة الشبابية الشعبية قامت في احد أهم تجلياتها لرد الاعتبار لشعب الجنوب ولإعادة الاعتبار للوحدة السلمية المغدور بها. وفيما خرج أنصار الحزب الحاكم إلى الشوارع مطلقين الأعيرة والألعاب النارية مبتهجين به وعودة الاحتشاد إلى ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، رأت المعارضة في ظهور الرئيس بتلك الصورة "المشوهة" دليلا على عجزه التام عن ممارسة مهامه، مما يستوجب الإسراع في عملية الانتقال السلمي للسلطة. وقال الناطق باسم اللقاء المشترك المعارض محمد قحطان إن ظهور الرئيس يؤكد عجزه عن ممارسة السلطة وبالتالي وجب انتقالها بصورة فورية وعاجلة وفق المبادرة الخليجية والدستور، وأكد أن الدعوة التي وجهها في خطابه إلى الحوار وتقاسم السلطة بلا معنى، فهو يتكلم دائما عن الحوار وتقاسم السلطة لكنه لم يكن يوما على استعداد للتفريط بالسلطة.لكن ظهور الرئيس للمرة الثانية لدى استقباله مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون الإرهاب بصحة تبدو متحسنة جعل المعارضة تصدر بيانا عاجلاً تشن فيه هجوما على النظام وتدعو للتصعيد. وجاءت عودة الاحتشاد إلى السبعين بعد ليلة من احتفال صاخب أقامه أنصار الرئيس، أطلقوا خلاله الأعيرة النارية بكثافة، ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات من المواطنين في أكثر من محافظة جراء إصابتهم بأعيرة راجعة. وتقاطر أنصار الحزب الحاكم منذ وقت مبكر صباح الجمعة الفائتة إلى ساحة ميدان السبعين لأداء الصلاة وهم يحملون صور الرئيس صالح ولافتات تؤكد ولاءهم له. وتفاوتت ردود أفعال مؤيدي صالح حيال ظهوره الأول منذ تعرضه لمحاولة اغتيال استهدفته في 3 يونيو الماضي، وتراوحت بين الاستياء والابتهاج، كونه يتزامن مع تصاعد تسريبات حول تفاقم وضعه الصحي والصدمة جراء آثار الإصابات التي لحقت به وأعراضها الواضحة على ملامحه. وسارع العديد من مؤيدي الرئيس إلى مشاركة القوات الموالية للنظام احتفالاتها الصاخبة عبر إطلاق الأعيرة النارية المكثفة في سماء العاصمة، بالتزامن مع تصعيد الأوساط المناوئة للنظام من انتقاداتها واتهاماتها للقوات الموالية للرئيس وأنصاره بالتسبب في مقتل 12 شخصاً وجرح العشرات نتيجة الإطلاق المكثف للنيران في سماء العاصمة وإثارة صخب استغل من قبل بعض المتعصبين للرئيس الذين بادروا إلى إطلاق أعيرة نارية باتجاه موقع ساحة التغيير وليس إلى السماء. وشن خطيب جامع الصالح هجوما حادا على أحزاب المشترك والمعتصمين بساحة التغيير، محملا إياهم مسؤولية فرض الخيارات الصعبة على الشعب بعدم القبول بالحوار الوطني، حيث استعرض الخطيب ما وصفه ب"خريطة الإنجازات" التي حققها الرئيس صالح خلال سنوات حكمه الممتدة منذ العام 1978 من قبيل بناء المساجد في كل مدينة وقرية والجامعات والمدارس، كما أشاد ب"سعة صدر الرئيس وتحمله للصعاب والمخاطر خلال سنوات حكمه الماضية من أجل مصلحة الشعب اليمني" . من ناحيته جدد الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم الدكتور أحمد بن دغر دعوة الحزب الحاكم لأحزاب اللقاء المشترك المعارض بالمشاركة في حوار وطني شامل لا يستثني أحدا وبما يسهم في "إيجاد خارطة طريق للخروج من الأزمة". وفي المقابل، هيمن على المطالبين بإسقاط النظام أجواء من الغضب والسخط العام جراء استهداف الساحة من قبل متعصبين من أنصار الرئيس، ما أسفر عن مصرع وإصابة العشرات. وتظاهر المعارضون في صنعاءوتعز ذات اليوم التالي رافعين شعار "لا للوصاية الأجنبية". وقرأ المطالبون برحيل نظام الرئيس علي عبدالله صالح ظهوره في خطاب تلفزيوني ، بأنه ورقة سعودية فاشلة لمواجهة الثورة، حيث ندد المحتشدون في ساحات وميادين التغيير في " جمعة رفض الوصاية " بالتدخلات الخارجية وخاصة السعودية، مطالبين بوقف التدخل في الشأن اليمني. وأكدوا أن الثورة الشعبية ستنتصر بإرادة ثوارها الأحرار لا بمبادرات الأشقاء والأصدقاء التي تغلب مصالحها على رغبات وتطلعات اليمنيين. وشنت اللجنة التحضيرية لمجلس شباب الثورة هجوماَ على الحكومة السعودية.وقالت إن الحكومة السعودية اعتادت خلال زمن طويل إدارة اليمن من خلف الحدود والتحكم بقراراته ومصيره ، مذكرة " الشقيقة" بأن عهد لجنتها الخاصة قد ولى وان الشعب اليمني شعب عريق قال عنهم الله بأنهم أولو قوة وأولو بأس شديد. وأضافت "من الصعب التعامل مع هذا الشعب العريق بغير الاحترام والعلاقات الودية ، مذكرة أيضا بأن رسائلها الفاشلة لم يعد لها أي صدى لدى الشعب اليمني وثورته الشبابية والتي لا تعير الرسائل والتهديدات الخرقاء الآتية من وراء الحدود انتباها حيث وان هناك عهداً جديداً تشهده اليمن فيه الثورة الشبابية هي الحامية لمصالح الشعب اليمني والقادرة على الدفاع عن سيادته واستقلاله وضمان تقدمه واستقراره. وعدت اللجنة التحضيرية وجود صالح على قيد الحياة ، سيحقق هدفا مهما من أهداف الثورة الشبابية الشعبية ، وهو محاكمته جنائيا ومدنيا على ما ارتكبه من جرائم بحق الشعب. كما ستعتبر الحكومة السعودية متواطئة مع علي صالح وشريكة له في جرائمه. وظهر الرئيس علي عبدالله صالح الخميس الفائت في كلمة مسجلة بثها التلفزيون الرسمي ليضع حداً للتكهنات والشائعات حول صحته بعد أكثر من شهر على إصابته في تفجير استهدف مسجد دار الرئاسة في الثالث من يونيو الفائت. وبدا صالح محروق الوجه ومضمد اليدين وفي حالة صحية سيئة، وجالساً على كرسي ولم يتحرك ليبدو مدى تأثر حالته الصحية بمحاولة الاغتيال ومساعي إنقاذه.لكنه وبعد ثلاثة أيام ظهر بصورة أكثر تحسنا وهو يلتقي (جون برينان)مساعد الرئيس اوباما لشؤون الإرهاب ما يعني أن ظهوره الأول كان قد سُجل قبل فترة من بثه وهو تسجيل ربما قصد به كسب التعاطف. وفيما دعا خصومه للحوار ، تعهد صالح خلال كلمته ب«مواجهة التحدي بالتحدي». وجدد اتهامه للمعارضة بقطع الطرقات وإقلاق السكينة العامة قائلاً: "لقد فهم الكثير الديمقراطية فهماً خاطئاً من خلال الممارسات الخاطئة قطع الطريق.. قطع طريق البترول والمازوت والديزل والغاز، وإقلاق الحالة الأمنية". وأضاف «نحن نرحب بالشراكة في إطار الدستور والقانون على أسس ديمقراطية.. دستور الجمهورية اليمنية الذي قام على التعددية .. لكن هذا هو الرأي والرأي الآخر هم الذين يقومون هذه الأيام بقطع الطرقات وإخافة السبيل وإقلاق عامة الناس، فلابد من إعادة النظر من كافة القوى السياسية دون تعاطف أو دون مجاملات». وتابع قوله "نريد أن يكون القاسم المشترك بين القوى السياسية الحوار وليس لي الذراع ونطالب جميع الأطراف أن يقفوا مع الحوار للوصول لحلول مرضية". وأشاد صالح بنائبه عبدربه منصور هادي شاكراً إياه على جهوده التي يبذلها من أجل «رأب الصدع» بين كل أطراف العمل السياسي. وهو ما اعتبره بعض المراقبين إشارة غير مباشرة إلى نقل السلطة لنائبه. على الصعيد السياسي قدم نائب رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي خطة جديدة لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد ستبقي الرئيس على عبد الله صالح في السلطة لفترة أطول مما اقترحته مبادرات سابقة،إلا أن المعارضة ترفض مناقشتها. وتتضمن هذه المبادرة أن تبدأ الفترة الانتقالية بتشكيل حكومة انتقالية بقيادة المشترك وتغيير مواعيد انتخابات الرئاسة من 60 يوما لفترة أطول دون نقل السلطة بشكل كامل لنائب الرئيس. والخطة الجديدة خطوة للوراء بالنسبة للمعارضة التي تطلعت الى أن عهد صالح قد ولى عندما غادر البلاد لتلقي العلاج في السعودية.و ترفض ذلك قبل أن يتم نقل السلطة أولا للنائب كما أن اللواء علي محسن الأحمر كان أشد من عارض المقترح لتضمنه إشارة إلى بقاء الرئيس في منصبه رمزيا ومع ذلك فلا زالت اللقاءات مستمرة مع قيادات المشترك للوصول إلى نقطة تفاهم رغم استمرار التصعيد العسكري والسياسي على الميدان ، حيث تواصل قوات الحرس الجمهوري قصف أحياء في تعز ومواجهات تدور في أرحب بصنعاء ، في حين دعا اللقاء المشترك أبناء الشعب للاستنفار والمرابطة السلمية في ساحات التغيير وميادين الحرية وتصعيد العمل الثوري السلمي لإسقاط ماتبقى من أسماهم "العصابة المارقة" عن إرادة الشعب وتطلعاته والمتمردة حتى على الشرعية الدستورية التي تدعيها. والأسبوع الماضي، سعى هادي، خلال أول مقابلة تلفزيونية له منذ توليه مهام الرئاسة مع cnn ، إلى الرد على ادعاءات المشترك بأنه لا يمتلك أية صلاحيات تمكنه من إنهاء الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد في خضم احتجاجات شعبية حاشدة تنادي برحيل بقايا نظام صالح، مؤكداً أن لديه صلاحيات مطلقة للتوقيع على مبادرة جديدة لتسوية الأزمة ، تحظى برعاية الأممالمتحدة. وأمس الأول التقى نائب الرئيس عبدربه منصور هادي بمساعد الرئيس الأمريكي وأكد له أن هناك شبه اتفاق على الحوار بأسلوب جاد وبخطة جديدة بما يؤدي إلى الوئام والسلام وتجنيب اليمن المآسي وويلات الحروب. وتأتي زيارة برينان إلى صنعاء بعد يوم من لقائه الرئيس علي عبد الله صالح في إحدى مستشفيات الرياض، حيث دعاه للموافقة على نقل السلطة على وجه السرعة بسبب تزايد حالة عدم الاستقرار وتهديد القاعدة في اليمن. وفيما يهدد المشترك بتشكيل المجلس الانتقالي والذي أعلن قبل أسبوعين عن مسودة له لكنه أثار جدلاً واسعا لتجاهله معارضة الخارج والحوثيين واختزل ما يقارب نصف أعضائه في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني فقد بدأ بالتراجع عن ذلك والدعوة إلى تشكيل ائتلاف وطني عريض لتولي إدارة الوضع الراهن. وخلافا لما كان يلوح به اللقاء المشترك للسير نحو تشكيل المجلس الانتقالي الذي تطالب به ساحات الاعتصامات فإن عبدالمجيد الزنداني يقف معارضا لهذا المقترح ويرى أن الحل هو في "انتخابات رئاسية"، يشرف على تنفيذها نائب رئيس الجمهورية تليها انتخابات برلمانيه. وفي لقاء جمع عدداً من اتباعه بث تسجيلا له ابنه "محمد" على صفحته في الفيس بوك، قال الزنداني إن الانتخابات: "هو حل مرضي لجميع الناس.. ومن سيخالفه يخالف الشعب كله، ففيه طريق أمان وسلام". لان "دولة المجلس الانتقالي لن تكون لها شرعية خارجية الا ان اعترف بها المجتمع العربي والدولي". وهو ربما ما دفع المشترك لطرح تشكيل ائتلاف وطني بديل عن فكرة المجلس الانتقالي. الشيخ الذي طالب اليمنيين بتشكيل تكتل قوي من العلماء والشباب والمشائخ والاحزاب، رفض ماتسمى بشرعية الثورة وقال: "ماهي شرعية الثورة.. الشرعية عندنا اثنتان:الأولى: شرعية وضع القوانين والاحكام والتشريعات هذه لله والمرجع فيها للعلماء والذي يخالف هذا يراجع دينه الثانيه: حق الشعب في اختيار حكامه ونوابه". وقال "ليس حكم الشعب للشعب.. وانما حكم الشعب بحكم الله". وقال "الذي يتوهم انه اصبح ملكا على الشعب اليمني واختصر ارادة الشعب عنده فهو مستبد جديد". وتمسك الزنداني بدستور الجمهورية اليمنية، وقال: "الدستور اليمني من أحسن الدساتير. ومن أرقى الدساتير، والذي يريد ان يلغيه يريد الغاء الاسلام باسم المدنية، فالحل هو انتخابات وفقا للدستور، وعلى النائب تشكيل حكومة والدعوة للانتخابات ثم تعديل الدستور ولكن بشرط ان المواد الاسلامية في الدستور جامدة وثابتة ولا يجوز ان تعدل وهي شرطنا على انتخاب الرئيس القادم .. لان الإسلام غير قابل للنقض ولا للتعديل". وهاجم الدعوة للدولة المدنية وقال: "نريد دولة اسلامية شوروية وليس مدنية.. لازم نطبق دولة إسلامية فلسنا كفاراً" وقال: "الدولة مدنية، تقف ضد النظام الاقطاعي ضد النظام العسكري ضد النظام الديني"، وبرأيه فإن "أي شي له صلة بالله مرفوض عندهم".