أخذت رقعة الاحتجاجات الفئوية في قوات الجيش والأمن تتسع لتصل إلى مراكز أقرباء الرئيس علي عبدالله صالح والتي باتت تبدو وكأنها هدفا مقصودا لإسقاط الجيش والأجهزة التي لا تزال موالية للأخير إن لم يكن ظاهرا للعيان مدى ما مارسه هؤلاء خلال قيادتهم لهذه الجهات من إفساد وما أنزلوه من إجحاف بحق المنتسبين إليها ، ومع ذلك فإن هناك استغلالاً للاحتجاجات من قبل بعض أطراف الصراع وهو ما قد يجعل النزاع يعود إلى مربعه الأول بشكل حاد بين القوى التقليدية. وشهدت العاصمة صنعاء ومدن أخرى، تصاعداً لافتاً لمظاهر الاحتجاجات المطلبية في أوساط الوحدات الأمنية والعسكرية، تصدرتها مطالب بإقالة كبار القادة العسكريين في القوات البحرية ودائرة الأشغال العسكرية والقوات الجوية وجهاز الأمن السياسي في حين أكملت قوات الدفاع الجوي أسبوعها الثاني من الانتفاضة ضد اللواء محمد صالح الأحمر الأخ غير الشقيق للرئيس صالح. وفي واحدة من أكبر الاحتجاجات التي تشهدها المؤسسة الدفاعية والأمنية شهدت قيادة القوات البحرية والدفاع الساحلي احتجاجات حاشدة شارك فيها ضباط وصف وجنود القوات البحرية والدفاع الساحلي في كافة قطاعاتها عبروا فيها عن غضبهم واستيائهم الكبير من الفساد المستشري في مرافق القوات البحرية وما لحق بهم من سوء معاملة وتهميش. وطالبوا برحيل قائد القوات البحرية والدفاع الساحلي اللواء ركن بحري رويس عبدالله مجور وأركان حرب القوات البحرية عميد ركن محمد محمد فرحان وحاصر المعتصمون مقر القيادة والمساحة المحيطة بها. مرددين الهتافات المطالبة برحيل الفاسدين وتطهير القوات البحرية من الفساد..مما اضطر أركان الحرب إلى مغادرة مقر القيادة والرحيل مجبراً فيما لم يتمكن قائد القوات البحرية رويس مجور من الوصول إلى القيادة وعاد لإبلاغ الجهات الأمنية عن الحادثة ليقوم ومعه أطقم عسكرية من الشرطة والأمن المركزي بمحاصرة المعتصمين ومحاولة الاعتداء على البعض منهم ولم يفلحوا في تفريق جموع المعتصمين بل تواجهوا معهم بالتراشق بالحجارة وإغلاق الشارع المجاور للقيادة ومنع المرور منه ما أدى ذلك إلى انسحاب الأطقم..كما طالب المعتصمون بمساءلة قيادة القوات البحرية عن إهمالها المتعمد في وفاة العديد من الجنود والضباط غرقاً بالبحر الشهر الماضي وهم في مهمة ولم يتمكنوا من إنقاذهم في حينه رغم تلقيهم بلاغاً بذلك. وأكدوا مواصلة اعتصامهم حتى تستجيب القيادة العليا لمطالبهم برحيل قائد القوات البحرية و كافة القيادات المتورطة في الفساد. هذا ولايزال المعتصمون يسيطرون على مقر القيادة من خلال تواجدهم الكثيف والمستمر داخل ساحة مقر قيادة القوات البحرية والدفاع الساحلي. وفي صنعاء تظاهر العشرات من الجنود التابعين لدائرة الأشغال العسكرية وخرجوا في مسيرة احتجاجية جابت عدداً من شوارع العاصمة الرئيسة قبيل التوقف والاعتصام أمام مقر وزارة الدفاع للمطالبة بتحسين أوضاعهم المالية وإقالة مدير دائرة الأشغال العسكرية . وتزامن تصاعد المظاهر المسلحة في أوساط منتسبي القوات البحرية ودائرة الأشغال العسكرية مع احتدام المظاهرات والفعاليات الاحتجاجية للمطالبة بإقالة قائد القوات الجوية اللواء محمد صالح الأحمر، الأخ غير الشقيق للرئيس صالح الذي أبدى رفضه التنحي من منصبه، وهدد بالتصعيد ومجابهة الاحتجاجات التي تطالب بإقصائه بالعنف ، في حين قال مصدر عسكري إن وزير الدفاع محمد ناصر أحمد يشرف بنفسه على سير عمل القوات الجوية بحسب صحيفة "الجمهورية" الرسمية ، وهذه أول مرة تتناول صحيفة رسمية أنباء عسكرية تتماشى مع مطالب المعارضة . ونقل ضباط الدفاع الجوي اعتصامهم أواخر الأسبوع الماضي إلى أمام منزل نائب الرئيس، ناصبين خياماً، رافضين التفاوض حول أية مطالب دون إقالة الاحمر.وانضم اليهم طلاب المعهد الفني التابع للقوات الجوية بكامل مستوياته الإعدادي والمتوسط والنهائي. ويتهم المتظاهرون الاحمر بتحويل القاعدة الجوية إلى ثكنة عسكرية للحرس الجمهوري ، مطالبين اللجنة العسكرية بإخراجهم من قاعدة الديلمي.وقالوا إن أنجال قائد القوات الجوية والدفاع الجوي هيثم ووليد وعصام يطوقون قاعدة الديلمي الجوية ومقر القيادة بكتائب من القوات الخاصة والحرس ويفرضون حصاراً وإجراءات رقابة على منتسبي القاعدة . وفي تعز نظم ضباط الدفاع الجوي عرضا عسكريا بالمدينة، مجددين مطالبتهم بإقالة الاحمر.كما نظمت اعتصامات جديدة تضامنية في القاعدة الجوية في لحج وحضرموت . الأمر الذي لم يكن متوقعا أن الاحتجاجات أمتدت إلى قصر الرئاسة وقوات الحرس الجمهوري حيث ذكرت مصادر عسكرية أن أفراد اللواء الرابع حرس جمهوري بمعسكر سواد حزيز، على مشارف العاصمة صنعاء، قطعوا أمس الاول خط صنعاءتعز للمطالبة بإقالة قائد اللواء بالمعسكر العميد عبدالملك العرعر وأركان حرب اللواء ومنعهما من دخول المعسكر .وهذا الاحتجاج يعد الثاني الذي ينظمه أفراد الحرس الجمهوري بعد معسكر فريجة، الموجود بمنطقة أرحب . غير أن مصدراً في قيادة الحرس الجمهوري نفى وجود اضطرابات في المعسكر ،مؤكداً أنها مجرد أكاذيب تندرج ضمن حملة التشويه والتضليل الإعلامي ضد قوات الحرس. كما احتج عشرات الموظفين في القصر الرئاسي بمحافظة الحديدة ، مطالبين بأراضي صرفت لهم من قبل الرئيس المنتهية ولايته علي عبد الله صالح ورفضت مصلحة أراضي وعقارات الدولية منحهم العقود. وانطلقت مسيرة بالعشرات من موظفي القصر الرئاسي بمحافظة الحديدة صباح السبت الماضي إلى مكتب أراضي وعقارات الدولة مطالبين بسرعة منحهم عقود التمليك ، مهددين بالتصعيد إن لم يتم الالتفات إلى مطالبهم. على صعيد متصل، دخلت الاحتجاجات إلى جهاز الأمن السياسي، حيث تجمع يوم أمس الاول المئات من عناصر الجهاز أمام مبنى المخابرات للمطالبة بإقالة رئيس الجهاز غالب مطهر القمش . ورفع المتظاهرون لافتات وشعارات تطالب بإقالة القمش بتهمة الفساد وبتحسين أوضاع أفراد الأمن السياسي في العاصمة وبقية مناطق البلاد وتطهيره من المحسوبية والفساد المسيطر عليه منذ سنوات طويلة . وفي تطور للصراع بين قيادة الجيش المنشق والجيش الموالي لصالح عادت الاتهامات المتبادلة باستهداف المعسكرات إلى الواجهة، ففي حين دوت عدة انفجارات عنيفة في معسكر الفرقة الأولى مدرع بصنعاء التي قالت إنه تم استهدافها من قبل قوات الحرس في حين قال الأخير إن مليشيات الفرقة والإصلاح عادت لإستهداف معسكراته في ارحب. واستهدفت 3 قذائف معسكر الفرقة الأولى مدرع مطلع الأسبوع الجاري احداها وقعت في محيط قيادة الفرقة.وأكد مصدر عسكري في الفرقة أن مصدر القذائف التي استهدفت المعسكر هي الجبال الغربية الجنوبية للعاصمة، من جهة عطان، التي تتمركز فيها عدد من ألوية الحرس الجمهوري. لكن وسائل إعلام المؤتمر الشعبي العام نقلت عن ضابط رفيع في الفرقة الأولى مدرع قوله إن الانفجارات التي هزت معسكر الفرقة بالعاصمة صنعاء حدثت نتيجة انفجار أربع عبوات ناسفه زرعت في مواقع مختلفة داخل الفرقة من بينها مقر القيادة الذي يضم مكتب اللواء (المنشق) علي محسن الأحمر "قائد الفرقة الأولى مدرع" نافيا سقوط قذائف هاون على المعسكر أو استهدافه بقصف مدفعي . وعن الجهة التي تقف خلف سلسلة الانفجارات لم يستبعد إعلام المؤتمر وقوف عناصر وراء الهجوم تم تجنيدها مؤخرا داخل الفرقة في إطار التحالف القائم بين حزب الإصلاح وأولاد الأحمر واللواء المنشق الأحمر وتتبع جهات (حزبية وقبلية) باتت ترى في اللواء الأحمر مجرد كرت محروق وعبء ثقيل عليها، مؤكدا أن التحقيقات الأولية التي أجريت تؤكد ذلك . وبحسب موقع "المؤتمرنت" ربط مراقبون بين هذه المعلومات وما كانت تقارير سياسية وإعلامية قد تحدثت عنه بشأن نجاح مساعي وساطة بين قيادات عليا في النظام وشخصيات عسكرية وقبلية أعلنت انشقاقها عنه خلال الأحداث التي شهدتها البلاد العام الماضي وهي الوساطة التي انتهت بلقاء مصالحة في دار الرئاسة جمع رئيس الجمهورية قبل سفره بيوم بعدد من القيادات العسكرية المنشقة والوجاهات القبلية في (مديرية سنحان) ، وهو ما أثار حفيظة قيادات في التجمع اليمني للإصلاح بينهم الشيخ حميد وأخيه الأكبر صادق الأحمر وأن الأخير أعتبر ذلك اللقاء انقلابا على اتفاقات مبرمة ، مهددا بنسف أي تسويات تستثنيه وإخوته الذين قال إنهم دفعوا الفاتورة الأكبر للأحداث التي تعصف بالبلاد منذ قرابة العام" . وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي يواجه فيه الأخ غير الشقيق للرئيس علي عبد الله صالح، محمد صالح الأحمر حركة احتجاج واسعة في القوات الجوية للمطالبة بإقالته من قيادة القوات الجوية.وبالتوازي ايضا مع احتجاجات انفجرت في معسكر السواد التابع للحرس الجمهوري بصنعاء، للمطالبة برحيل قائد اللواء الرابع، الأمر الذي اعتبر بداية لحركة احتجاجية في الحرس الجمهوري قد تتطور إلى المطالبة بإقالة نجل صالح العميد أحمد علي عبد الله صالح من قيادة الحرس الجمهوري. واعتبرت مصادر سياسية القصف الذي تعرض له معسكر الفرقة بصنعاء محاولة من قبل نجل صالح وأخيه غير الشقيق للرد على الاحتجاجات التي يواجهونها في القوات الجوية والحرس الجمهوري. ولم تستبعد المصادر أن يلجأ نجل صالح وأخوه غير الشقيق إلى توتير الأوضاع العسكرية مجددا بهدف احتواء الاحتجاجات التي يواجهونها. وعلى ما يبدو فإن اللجنة العسكرية التي من مهامها في مرحلتها الحالية إنهاء التوتر في أوساط قوات الجيش تمهيدا لإعادة هيكلته في المرحلة الثانية التي ستعقب الانتخابات الرئاسية المبكرة لم تستطع انجاز شيئ في هذا الجانب لكون الصراع يغلب عليه الطابع الشخصي بين قيادات الجيش الموالية للرئيس والمنشقة عنه. وتواجه اللجنة العسكرية صعوبات في إحلال عملية التطبيع الكامل للأوضاع الأمنية والعسكرية، خاصة في العاصمة صنعاءوتعز جراء تجدد مظاهر التمركز من قبل مجاميع عسكرية وقبلية مسلحة . والتقى سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وسفراء دول مجلس التعاون الخليجي للمرة الثانية خلال أقل من عشرة أيام بأعضاء اللجنة لمعرفة أسباب تأخرها في إنجاز مهامها إذ لا تزال الأخيرة تكرر تعهدها بمتابعة تنفيذ توجيهات الإفراج عن المعتقلين لدى مختلف الجهات الأمنية وتحميل أية جهة تخالفها المسؤولية القانونية الكاملة مع أن هذا الأمر كان يفترض أن يتم خلال الأيام الأولى لتشكيل اللجنة . وأما ما يتعلق بإنهاء المظاهر المسلحة يلاحظ أنه بدل من أن يتم إعادة المسلحين إلى قراهم نجدهم يوسعون انتشارهم -وخاصة الموالين لصالح – بقطع الشوارع الرئيسة وسط العاصمة. على الصعيد السياسي دعت أحزاب اللقاء المشترك حكومة محمد سالم باسندوة إلى تشكيل لجنة حوار مع المحتجين الذين ما يزالون في الساحات العامة مطالبين بمحاكمة الرئيس علي عبد الله صالح ورفض المبادرة الخليجية. وقال بيان صادر عن المجلس الأعلى للقاء المشترك إنه يدعو الحكومة لتشكيل لجنة الاتصال والتواصل للشروع في تنفيذ برنامج حواري واسع مع مختلف المكونات الشبابية والنسوية والشعبية للثورة في مختلف ساحات الحرية وميادين التغيير لإشراكهم في العملية السياسية . وأضاف البيان إن العملية السياسية مناط بها تحديد الملامح الرئيسية لحاضر ومستقبل البلاد، وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية التوافقية المبكرة المقرر إجراؤها يوم 21 فبراير 2012. وجاء بيان المشترك إثر استمرار اعتراض الآلاف من الشباب في الساحات على تشكيل حكومة الوفاق برئاسة باسندوة ، ورفضهم المبادرة الخليجية التي أعطت صالح الحصانة من الملاحقة القضائية عن فترة حكمه المستمرة منذ نحو 33 عاما. وفيما يظهر اللقاء المشترك للشاب في الساحات أنه يدعم مطالبهم في محاسبة نظام صالح وخاصة أعوانه ممن ارتكبوا جرائم قتل بحق المتظاهرين وشملهم قانون الحصانة ، يعمل أكبر أحزابه (الإصلاح) جاهدا على توسيع وعاء الحصانة ليشمل أعضاء فيه محكوم عليهم بالإعدام وهو ما لوحظ جليا في بيان المشترك الأخير، إذ تضمن توجيه نداء عاجل للقائم بأعمال الرئاسة عبدربه منصور هادي " بوقف أحكام الإعدام الجائرة ضد أولاد نهشل على ذمة الانتخابات الرئاسية الماضية باعتبارها قضية سياسية تندرج في إطار قانون الحصانة، فضلاً عن أن تلك الأحكام صدرت عن مؤسسات تم تشكيلها خارج إطار القانون والدستور". يذكر أن قضية أولاد نهشل تعود إلى الانتخابات الرئاسية في 2006 حيث أدينوا بقتل مدير مديرية خيران بمحافظة حجة أحمد علي الظاهري وابن عمه رجل الأمن /محمد حسين الظاهري، وهما من قبيلة بني ظبيان- خولان وقياديان في حزب المؤتمر وصدر حكم نهائي في 24 يونيو 2009م بإعدام ثلاثة من أبناء نهشل وحبس 24 آخرين وجميعهم من قيادات وأعضاء حزب الإصلاح في محافظة حجه. وأكد المشترك حرصه العمل على "إجراء مصالحة وطنية شاملة بين أفراد المجتمع تنهي كافة الصراعات السياسية منذ عام 1978م مروراً بحرب صيف 1994م وحروب صعدة وانتهاء بالثورة الشبابية الشعبية السلمية وإنصاف وتعويض وجبر ضرر من انتهكت حقوقهم أو عانوا من تلك الصراعات ليغدوا المستقبل أكثر أمناً واستقراراً". وعلى صعيد التحضير للانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة في 21 فبراير الجاري فلا تزال المخاوف قائمة من عرقلة سيرها إذ جدد المؤتمر الشعبي العام من طرق هذا الموضوع وحذّر رئيس دائرته السياسية عبدالله أحمد غانم من استمرار مظاهر الفوضى الموجودة في العديد من المحافظات والذي –بحسبه- يهدّد بإفشال المبادرة الخليجية والفترة الانتقالية وقد يهدّد إجراء انتخابات الرئاسية المبكرّة. ويتهم المؤتمر أحزاب اللقاء المشترك بمواصلة "حملتها التخريبية الشاملة وتصعيد الفوضى في أكثر من محور وبمختلف الوسائل والأساليب وذلك في كل من ذماروتعز، والحديدة ضمن سيناريو الانقلاب على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة".مشيرا إلى مجاميع مسلحة من المشترك والإخوان المسلمين قامت في محافظة ذمار بشن هجوم مسلح وإطلاق وابل من الرصاص من أسلحة خفيفة وثقيلة على موقع للدفاع الجوي التابع للحرس الجمهوري في منطقة عنس. أما في تعز فقد قال حزب المؤتمر إن المشترك أصدر بياناً تحريضياً وتصعيدياً للفوضى في الجامعة والشوارع بهدف إفشال المبادرة الخليجية والانقلاب عليها .