كتب/د.علي عبدالكريم 1)هل نحن في الفصل الأخير من المسرحية العبثية التي تعرض على مسرح حياتنا قسرا وجبرا؟!! المخرج فيها لا يريد أن يغير المشاهد المتوترة الملطخة بالدماء ومساعدو المخرج يلعبون دور الملقب الخسيس فهم لا يشيرون للجرح والداء ولا لطبيعة الدواء المناسب لإطفاء حرائق المشهد الدامي. هم مجرد دمى تتحرك على خشبة المسرح، تعرف ونحن نعرف أنها تحضك على نفسها قبل أن تضحك على شعبها. الممثلون يمثلون بسذاجة، مملون في أدوارهم التي لا يبدعون فيها ولا يظهرون ملكات إبداعية تنتمي إلى مسرح راق، إنهم ممثلو الدرجة الثالثة فناناً.. الراسبون في قاموس الشعب قبلا، يقبلون القيام بأدوار رخيصة بلا ترابط جدلي أخاذ وبلا تصاعد إيقاعي إبداعي ونفسي يصور الأزمة بطريقة مقنعة.. إنهم أضعف جزء في مسرح الصفقات البائس الذي يكرر المخرج عرضه على خشبة مسرح عليل ينتمي إلى المسرح اسما وجوهرا هو ينتمي إلى مسرح السلخانات، حيث تجري الذبائح وأعمال الاصطياد لكل شيء قابل للبيع والشراء، مسرح العبث واللامعقول في إطار تسليع كل شيء، بدءا من أعمال المسرح العالمي وانتهاء بقتل الأفكار وقتل هموم الشعوب في سلخانات الرقص وهز الأرداف وعقد الصفقات التجارية وانتهاء بالسياسية منها. 2)ماذا نقول للمخرج؟! نقول له لم يبق إلا الرمق الأخير!! مشهد الحوار والدعوة إليه بات باهتا مزعجا لا يتضمن جواهر تتلألأ لتعكس جديتها من خلال لمعان معدنها وجوهرها الحقيقي غير المزيف لأن رحلة الحوار الحقيقية التي تبغي وجه الله ووجه الوطن لها مقاييسها ومعاييرها ولها تجلياتها ونواميسها التي تعكس رغبة الجمع في تجاوز آفاق محنة الوطن الطاحنة، الوطن الذي تعلو مكانته وقامته قامة المصالح الضيقة. ما يعرضه الممثلون السذج على خشبة مسرح الطوارئ، مسرح الانتحار، كلها مشاهد تفتقر إلى الترابط الجدلي للجدية التي تسعى وتفتش فيما وراء المشاهد المظلمة للوصول إلى بؤر الضوء المشير إلى نقطة الخروج من مستنقع الأزمة ونفقها المظلم. تعلو على خشبة المسرح الصيحات وتشير أصابع الاتهام، لكنا لا نرى ولا نجد ولم نجد إلا حروبا تطحن الأجساد، وتأزمات في المعاش والمأكل تسحق الأبدان وممثلين فاقدين للإرادة لأن المخرج الكبير يريد أن تعود إليه وحده كل خيوط اللعبة المسرحية وحبكتها القاتلة ليبقى الجميع يلعبون أدوار الكومبارس وأي محاولة للخروج على النص تلقي بصاحبها خلف أعمدة المسرحية المنهارة ليتحول إلى مجرد ركام من تراكمات مسرح العبث والضياع. 3) النجدة يا هملت: نحن أيها السادة في عرض مسرحي مثير لليأس، دامٍ، فاقع للنظر، كاتم للأنفاس، ويزيد من احتقان الأزمة ويجعل من مدرجات المسرح سجنا إضافيا لسجن حياتنا المملة، مسرح تتصاعد أزمة البقاء بمدرجاته مع تصاعد فترات انقطاعات الكهرباء وتصاعد تعريفاتها وبالخمسين في المائة لتضاف إلى متاعب رياح الخماسين وملامح شد الأعصاب القاتلة التي تحدثها جرعات الحكومة المجورية المنقادة بطريقة سبهللية مع أفيونات وعلاجات صندوق النقد والبنك الدولي اللذان يلعبان على شعوب العالم الثالث مسرحية أكثر هزلا وأشد إيلاما ومنها كانت بدايات شرارات رياح الخماسين التي أهلكت الحرث والنسل. والمسرحية التي نشاهد فصولها وفصلها الأخير القاتل تحيلنا إلى تذكر الحالة البوهيمية التي مثلتها حالة الضياع والقلق واللاوعي في مسرحية هملت الشكسبيرية، تلك الحالة التي تمثلت في التناقض الصارخ بين الفكر والفعل، بين القول والعمل وانتفاء القدرة على إعادة التوازن بين العالم الحقيقي المنشود والعالم المضطرب كالذي نعيشه! ونسأل: ما الذي تبقى ولم يعمله الحاكم؟!! وما الذي تبقى ولم تعمله المعارضة بشتى أطيافها؟! الحاكم مارس كل شيء عنفا وتسويفا وعودا ونكثا بالوعود.. مارس كل الأشياء إلى الحكم الرشيد السليم بطريقة تصون حقوق البلد ومواطنيه، صفقة بيع الغاز، وسالت دماء كثيرة على الطريق والحروب لم تهدأ والقلاقل تتزايد والتباعد الوطني يتجذر في النفوس مع الأسف الشديد وقد أوصلتنا تلك الأمور إلى حالة أشبه ببرميل بارود على وشك الانفجار في وجه الجميع والمسرحية كما نشاهد في جزئها الضعيف تحاول إرباك المشهد والمشاهد معا إزاء موقف المعارضة من المشاركة في هذا العرض المسرحي العابث خاصة في اللقطات الحلزونية التي يديرها الكادر الفني وعبقرية المخرج بخصوص الاستحقاق الانتخابي بحيث تبدو المعارضة في موقف لا يحسد عليه في المشاركة من عدمها، فهي في كلا الحالتين ستكون أشبه بمن يقدم نفسه قربانا شبيها بالقربان الذي طلب إلى الأسيرات الفينيقيات تقديمه في مسرحية يور بيديس "الأسيرات الفينيقات". وهنا نسأل بعد تعرفنا على مأساة هملت وتردده هل علينا -والمخرج يدخلنا قسرا في لعبة المشاهد المبتورة والمفاجئة- أن نذهب إلى عراف يدلنا على الطريق كي ننقذ بلادنا من أزمتها وبنفس الطريقة الموجعة التي دل بها ذلك العراف الأسيرات الفينيقيات الذي قالت نبوءته بان إنقاذ مدينتهن مرهون بتقديم قربان غالي الثمن وكان القربان هو أن ملك المدينة الذي رفض والده الملك أوديب التضحية بولده، إذ وفقا لقراءة الملك ومصالحه فالولد أغلى وأعز من المدينة لكن الولد خالف أباه وقذف بنفسه من فوق أسوار المدينة ولكن فساد أمور المسرحية التي يخلط عجينها الملك -المخرج- لم تنته بهذا القربان إذا في المدينة أن الأخوين الغريمين أبناء الملك أوديب على وشك اللقاء في مبارزة لحسم الموقف نهائيا ولكن أمومة الأم اندفعت لتحول دون إتمام تلك المبارزة ولكنها وصلت للأسف متأخرة بعض الشيء. انتهى كل شيء بعد أن قتل كل من الأخوين الآخر.. فاتها القطار فات الأوان، سبق السيف العذل لم تجد مخرجا إلا أن تقتل نفسها وتلقي بجثتها فوق جثة ابنيها. إنها مأساة وأي مأساة يحضرها لنا القدر إذا طالت بنا فصول مسرحية مسرح القتل وتقديم القرابين من حرب 94م حتى حرب صعدة السابعة. قبل رفع الستار: لا نريد الانتظار طويلا في طابور طويل عريض، نشاهد عرضا مسرحيا قاتلا تتراءى خلال فصوله المدمرة النهاية المأساوية التي لا نريد مشاهدتها ولا نريد نيروناً جديداً يدمر المدينة على رؤوس الأشهاد. لا نريد شمشوناً آخر يهد المعبد على رأسه ورؤوس الجميع. نريد عقلا ونضجا وإعلاء وتمثلا حقيقيا للمصالح الوطنية العليا، فالوطن فوق الجميع ولتكن أجندة الاستعداد للتفاهم وأيقونات الإرادات الصادقة المستقلة واردة على أرض الواقع بدل الوعود الكاذبة والمخجلة جعلتمونا نصل إلى حافة الهاوية الشكسبيرية لحظة اليأس والمفارقة القاتلة (نكون أو لا نكون) TO BE OR NOT TO BE. تلك محطة قاتلة سيحاكم التاريخ المسئولين عن إيصالنا إليها. لا تجعلوا تطور الأحداث يقود الجميع إلى هاوية البحث عن الانتقام بدل الدخول في طريق الحوار الجاد الصادق لأننا لا نريد الاندفاع معكم نحو الهاوية. البقاء او الموت.. لماذا هذا الخيار القاتل كلاهما قاتل الوحدة أو الموت أو البقاء أو الموت هناك طريق صناعة إنسانية الإنسان جربوا ولو لمرة ولوج وهاده ووديانه وسهوله وجباله وبحاره وشعابه وبحاره وشواطئه جربوا ولو لمرة. نحن خياراتنا وطنية، نبحث عن عقل جماعي جاد يقود سفينة الخطاب الوطني بآفاقه الواسعة المفضية إلى دولة المواطنة والقانون. ارحمونا من مأساة هملت ونبوءة العراف والعرافة وأزمة الأسيرات الفينيقيات.. نحن نبحث عن وطن فيه ماء نظيف ومدينة تتكلم الصدق وجامعات تقدم العلم والمعرفة العصرية لا قرابين التزلف للحكام. وها نحن نعترف أيها السادة السائرون على طريقة هولاكو لدمارنا.. نحن نبحث عن وجه طفل سعيد في وطن لم يكن في يوم ما سعيدا ولن يكون إن كنتم المخرجين لمسرحية تواجدهم على ظهر البسيطة وسنعترف أمامكم وأمام أبنائنا وشعبنا كما اعترف ذات مرة هملت على لسان شكسبير بأن في نفوسنا أموراً هي أعمق من الحزن ومما تتصورون "لا عباءتي الحالكة وحدها يا أماه" ولا المألوف من ثياب الحداد السواد الحزين. ولا التنهدات العاصفة من ضيق النفس لا ولا النهر السخي عن العين إن في النفس ما يعجز عنه كل مظهر". تلك حالة الشعب ولغته وهي كافية للدالة على حقيقتي. تقول لكم لا نريد المشاركة في لعبتكم المسرحية أيها الحكام والتي تريدون في نهايتها إغلاق الستار وتوجيه ضربة "كش ملك" تموت بمقتضاها كل الأزهار الواقفة ويبقى الشيطان سعيدا ووحيدا متربعا على مسرحه العبثي.