تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    "سيتم اقتلاعهم من جذورهم": اكاديمي سعودي يُؤكّد اقتراب نهاية المليشيا الحوثية في اليمن والعثور على بديل لهم لحكم صنعاء    وزير الخارجية الدكتور شائع الزنداني يطلع نظيره الباكستاني على آخر مستجدات جهود إنهاء حرب اليمن    أخيرًا... فتيات عدن ينعمن بالأمان بعد سقوط "ملك الظلام" الإلكتروني    حوثيون يرقصون على جثث الأحياء: قمع دموي لمطالبة الموظفين اليمنيين برواتبهم!    شعب حضرموت يتوج بطلاً وتضامن حضرموت للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الإرياني: استهداف ممنهج وغير مسبوق للصحافة من قبل مليشيا الحوثي    وكلاء وزارة الشؤون الاجتماعية "أبوسهيل والصماتي" يشاركان في انعقاد منتدى التتسيق لشركاء العمل الإنساني    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    د. صدام عبدالله: إعلان عدن التاريخي شعلة أمل انارت دورب شعب الجنوب    فالكاو يقترب من مزاملة ميسي في إنتر ميامي    الكشف عن كارثة وشيكة في اليمن    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة أمين مكتب الحزب بوادي حضرموت «باشغيوان»    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    خادمة صاحب الزمان.. زفاف يثير عاصفة من الجدل (الحوثيون يُحيون عنصرية أجدادهم)    الرئيس الزبيدي يعود إلى عدن بعد رحلة عمل خارجية    بعد منع الامارات استخدام أراضيها: الولايات المتحدة تنقل أصولها الجوية إلى قطر وجيبوتي    ميلاد تكتل جديد في عدن ما اشبه الليله بالبارحة    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    الخميني والتصوف    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية تحليلية نقدية للأزمة السياسية والوطنية الراهنة(5)
نشر في الوسط يوم 11 - 08 - 2010

كتب/قادري أحمد حيدر لأننا نرى بالعين المجردة محاولات الحكم العصبوي ، أختراق الحراك الاحتجاجي السلمي ، من القيادة إلى القاعدة ، بدس عناصر تدميرية تخريبية فيه ، بعد أن فشلت المواجهة الأمنية ، والعسكرية والقمعية الواسعة للحراك التي وصلت حد اسخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين . ووصول القتلى والجرحى إلى أكثر من تسعمائة شخص ، في وقت لا يكف الإعلام الرسمي عن تشويه صورة الحراك سياسياً ، واجتماعياً ، ووطنياً ، (الحراك القاعدي ، الحراك الانفصالي ، حراك القتل ، حراك الكراهية ) وفي واقع ضعف الرأس السياسي في افقه التاريخي والاستراتيجي (الوطني) ، لدى بعض قياداته ، وكل ذلك يتحول عمليا إلى وسائل أدوات في يد الحكم العصبوي ، إما لحصار وقمع الحراك لتفكيكه وتدميره ، أو لمحاولة حرفه عن مساره السلمي الديمقراطي ، بتحويله إلى حركة رد فعل عنفية ، قبلية ، عشائرية ، مشائخية، طائفية ، جهوية ، متخلفة ، وبذلك يكون الحكم العصبوي قد حقق أهدافه النهائية ، في إيصال الحراك إلى نفس مستواه ، في الموقف والخطاب ، وهي لحظة إعلان دفن الحراك، والقطيضة الجنوبية برمتها ، وهو ما يجب التنبه والحزر من الوصول إليه لتبقى القضية الجنوبية بوابة حل ومفتاح ليس للقضية الجنوبية فحسب ، بل ومفتاح حل للقضية الوطنية قاطبة . ثانياً : حروب صعدة وتداعياتها: أ - الحكم العصبوي، الفردي، وظاهرة الحرب: حين يُسأَل أحدنا عن حرب صعدة: مقدماتها، وأسبابها، وتداعياتها، يجد المرء نفسه حائراً، شديد الارتباك، من أين وكيف يبدأ الاجابة على سؤال الحرب في صعدة، هل من الوقائع والأحداث الناقصة، وغير المعلوم أسبابها، ولا تفسير أو تبرير موضوعي لها في واقع الممارسة السياسية، والعملية؟، أم يبدأ من تعليقات خطاب الحكم وتفسيراته المجزوءة والأحادية؟، التي يحاول فرضها بالقوة على جميع القراءات السياسية، دون التفات إلى الحقائق والوقائع القاسية والمتناقضة على الأرض؟!. ولا ندعي في هذه الرؤية أننا نمتلك إجابة موضوعية، سياسية، شافية على سؤال حرب صعدة: مقدماتها وأسبابها الحقيقية، أو الدواعي السياسية المباشرة لها، فهي من بعض إن لم يكن معظم جوانبها ما تزال أسراراً، وطلاسم، يلفها الغموض، وليس بمقدورنا في ضوء المعطيات الحاصلة تقديم إجابة موضوعية عقلانية نقدية واضحة حولها. وهذه الحيرة لا تطالنا وحدنا، بل هي تطال العديد من القيادات السياسية العليا في الحزب الحاكم من غير النافذين، بل ان العديد من القيادات العسكرية والأمنية المنفذة للحرب والقائدة لها في الميدان ، ليس بامكانها القدرة على ملامسة سؤال الحرب في صعدة. ويمكننا القول ان أعضاء لجان الوساطات المختلفة لا يعلمون لماذا تنفجر الحرب، وأسباب توقفها؟!!، كما اننا لا ندعي في رؤيتنا هذه أننا استطعنا أن نفهم حقيقة الأهداف السياسية في حرب صعدة عند كل من الطرفين. إن الكثير من معطيات الحرب ونتائجها، وتداعياتها، المادية، والاقتصادية، والبشرية (ضحاياها)، ما تزال في الواقع غير معلومة، وتدور في اطار التخمينات، والتوقعات، والتقديرات العامة، ويلعب واقع الحصار الإعلامي والأمني وغياب المراسلين الحربيين، دوراً في تلك التعمية. لقد وصف أحد المحللين الاستراتيجيين في صحيفة «الايكونومست» البريطانية في أغسطس 2009م حرب صعدة قائلاً: «إنها تشبه الصراعات أو الخلافات العائلية التي يصعب على الوسطاء التدخل فيها، أو تحديد أسباب بدايتها»، ولذلك فشلت جميع الوساطات السياسية المحلية، والاقليمية (الدوحة)، وعجزت النصائح الدولية عن تجنيب البلاد اللعب بالحرب - الحروب - الداخلية، على مذبح مصالح تكتيكية، صغيرة. ويمكننا القول أننا أمام حرب اعتباطية عبثية، لا ينتظمها عقل سياسي وطني. حرب أعلنت وقامت وفقاً لوقائع فرز عبثية، وصراع لا يحكمه منطق في الواقع، حرب انتجها الحكم العصبوي، الفردي، على قاعدة إدارة الصراع بالأزمات، والحروب، انطلاقاً من أهداف سياسية عابرة، تكتيكية، لا أفق سياسي وطني لها، سوى إعادة إنتاج منظومة الحكم القائمة، ولو على حساب تفكيك المجتمع وتدميره، وهي حرب عبثية بدأت ومستمرة دون غطاء سياسي، ودون إجماع وطني. إن حالة الوعي الملتبس والمفارق لحقائق المصالح الكلية للوطن، الذي يكتنف قراءة حرب صعدة: مقدماتها، وأسبابها، وتداعياتها المتناقضة الحاصلة اليوم، هو الذي يفسر القراءات المتعددة، والمتناقضة، والمرتبكة في خطاب الحكم، والذي لا صلة ورابط نظري وفكري سياسي له وفيما بينه البين، ولا دلالة على ذلك من تتبع ومراجعة مسار تبدلات وتقلبات خطاب الحكم على هذا المستوى. إن رؤيتنا لسؤال الحرب في صعدة، ترتكز على حقيقة وواقع غياب مشروع الدولة الوطنية المؤسسية الحديثة، وغير مفصولة عن مسعى مجمع المصالح الفئوية (الحكم العصبوي الفردي)، لإنتاج وتفريخ المشاريع الصغيرة، في السياسة، والمجتمع، وفرض المصالح الانعزالية الفئوية المغلقة على ذاتها، ضداً على المصالح الوطنية العليا لكل الشعب. إن حرب صعدة في سياق مصالح الحكم العصبوي، الفردي، المركزي، ليست أكثر من ورقة تكتيكية أو مشروع صغير يلعب به في الداخل، في مواجهة المعارضين السياسيين: بدءاً من حزب الحق، إلى التجمع اليمني للإصلاح، حتى محاولة الحكم إدراج حرب صعدة ورقة تكتيكية في اللعبة الدولية، تحت شعار مكافحة الإرهاب الدولي. وجميعها محاولات مراوغة تكتيكية لتمرير واستمرار مشروعه الصغير في توظيف المقدس الديني، لخدمة وتدعيم أركان حكمه منذ سبعينيات القرن الماضي، إلى حرب الفتاوى الدينية في 1994م ، وصولاً إلى حرب صعدة. وهي اللعبة التي استمرأها الحكم طويلاً ولم يغادر كهفها السياسي حتى اللحظة؛ مع أن الخارج لم يصدق خطاب وشعار مكافحة الإرهاب العالمي، في ما يجري في صعدة، مؤكدين أن حرب صعدة، حربٌ أهلية داخلية في جذرها العميق، مع أن تداعيات الحرب قد تخرج عن السياق الذي رسمه الحكم لها، وهو ما نشهد نذره وعلائمه في ما يجري اليوم. إن التاريخ السياسي والاجتماعي للدول والشعوب يعلمنا أن سبب اللجوء إلى الاستخدام المفرط وغير المبرر واللاعقلاني للقوة، إنما يعود إلى حالة وواقع غياب الدولة الوطنية المدنية، المؤسسية، الدولة القادرة على فرض سلطة القانون على جميع مواطنيها، دولة قادرة، عادلة. وانه حين تغيب هذه الدولة، وخاصة في مجتمع مثل المجتمع اليمني، المدجج بالسلاح الخفيف، والمتوسط، والثقيل، يصبح العنف، والقتل، والحرب، ملمحاً بارزاً من وجوه الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، بحيث تتحول معه الحرب إلى ظاهرة مرتبطة بطبيعة الحكم، ناهيك عن تحول الحروب الداخلية في اليمن إلى تجارة واستثمار مالي - عسكري، وفي نظام حكم يشجع على حمل السلاح، وتجارته علنية، وأسواقه مشهوره في العديد من محافظات البلاد. إن كافة الوقائع والأحداث، والتطورات السياسية الجارية، سائرة باتجاه عسكرة الحياة الاجتماعية وضرب الملامح الثقافية، والمدنية للمجتمع، وإعادة انتاج البنى والتركيبات الاجتماعية التقليدية، والحرص على تغليب منطق القوة، والتغلب، في جميع مناطق البلاد. في الجنوب كله، صنعاء، تعز، تهامة، صعدة، عمران، الجوف، وكلها توجهات تشير إلى أن الحرب في طريقها إلى أن تتحول إلى ظاهرة عامة، وحالة بنيوية سياسية اجتماعية ثقافية، لواقع إدارة الحكم للبلاد، خاصة بعد أن أصبح نهج الحرب خياراً وحيداً، بعد الانقضاض على الوحدة السلمية 22 مايو 1990م، بالحرب في 7/7/1994م ، تحولت معه الحرب إلى أداة، ووسيلة، ونهج، بل وإلى غاية بحد ذاتها، وهو ما يفسر تعثر جميع محاولات الحوار، ووصول جميع الاتفاقات والمفاوضات مع النظام إلى طريق مسدود، غدت معه الحرب ايديولوجية وصناعة يتم انتاجها وإعادة إنتاجها دورياً باعتبارها واحدة من أدوات وآليات إعادة إنتاج الحكم لنفسه، عبر أداة، وأسلوب، إدارة الاختلاف والصراع بالأزمات والحروب. وحين يقول خطاب الحكم أن الآخر أوصلنا إلى ان لا خيار أمامنا سوى نهج الحرب، والحسم العسكري، فذلك اعتراف صريح ومباشر على انتقال الأحداث الجارية في صعدة من مجرد معارك متفرقة، وتحولها إلى حالة حرب مستمرة، -لا يعول على توقفها المزاجي المؤقت- ومن ثم سيرورتها لتصبح ظاهرة عامة محددة لطبيعة وجوهر النظام السياسي كله. ولا تفسير لدورات الحرب الست المتلاحقة في صعدة منذ 2004-2009م، سوى هيمنة نهج الحرب على الحكم، وغياب المشروع السياسي الوطني الديمقراطي لديه، ومن ان الحكم العصبوي، الفردي، أوصل البلاد إلى حالة الدولة الفاشلة، أو الدولة التي في طريقها إلى التفكك والانهيار، وإلى حالة مجتمع متشظٍ منقسم على نفسه. وهي قمة الأزمة السياسية البنيوية، والوطنية الشاملة. لقد خيضت حرب 1994م باسم الدفاع عن الوحدة، وضد محاولة الانفصال. والشواهد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والوطنية كلها تؤكد خطأ تلك الحرب ولا مشروعيتها، السياسية، والوطنية، وحرب صعدة يخاض لواءها تحت شعار مقاومة عودة الإمامة، والملكية، والسلالية، والدفاع عن الجمهورية، في واقع يتحقق فيه عملياً سيرٌ حثيثٌ نحو التوريث، والانقلاب على مضامين الجمهورية، وأهداف الثورتين اليمنيتين 26 سبتمبر و14 أكتوبر. إن دورات الحرب الست في صعدة، تم صناعتها داخلياً، انقلب خلالها، السحر على الساحر بعد ان تحول التكتيك فيها إلى استراتيجية، وأصبح احتمال اقلمة الحرب،وعودتها مجدداً ، وحتى تدويلها مفتوحاً، على ما هو أصعب وأخطر. حين تكون الحرب خياراً حاسماً ووحيداً، وتتحول إلى ظاهرة سياسية بنيوية في تكوين الحكم القائم، فإنها تستدعي بالضرورة استيلاد منظومتها الثقافية، وقيمها الذاتية الخاصة المدافعة عنها، والتي تجعل من الحرب قيمة لذاتها وفي ذاتها، تتأسس في ضوء ذلك علاقة الحكم العصبوي، الفردي، بالمجتمع على قاعدة العنف، والقوة، والحرب. ومن هنا يأتي الحديث الذاتي الاستملاكي الاحتكاري للمؤسستين، العسكرية، والأمنية، ومحاولة توظيفهما لخدمة بقاء الحكم واستمراره، في صورة حروبه الخاصة الداخلية، وليس من أجل الحفاظ على السيادة الوطنية وحماية حدود الوطن وتهديد المعارضين ، والمجتمع ، بالقوات المسلحة ، والأمن ، وكأن مهمة الجيش ، والأمن تصفية الخصوم السياسيين . إن الحرب، والفشل السياسي للحكم، في إدارة البلاد، وجهان لعملية موضوعية سياسية تاريخية واحدة، ولا غرابة ان يحاول الحكم القائم جاهداً تعميم حالة حرب صعدة ونقلها قسراً إلى كل الجنوب، وهي واحدة من أدوات وآليات إعادة انتاج الحكم لنفسه، وهو ما صار يدركه المجتمع كله، وعلى الجميع التنبه له، والعمل على تفويت الفرصة عليه في السير بالحراك الجنوبي، والقضية الجنوبية برمتها في الطريق المدمر والصعب، الذي يحاول البعض في السلطة، وخارجها جر الحراك السلمي الاحتجاجي الجنوبي إليه، وليست عسكرة المحافظات الجنوبية والشرقية، والقمع بالرصاص الحي للحراك السلمي في الجنوب، وقصف مناطق الضالع بالصواريخ ، والمدفعية الثقيلة ، سوى خطوة أولى في هذا الاتجاه الذي لن نسمح كقوى مجتمع مدني ، بتمريره تحت أي مبرر كان، وتحت أي ظرف. إن حروب صعدة الست في مستوييها: الأول، والثاني، الذي سنأتي على بحثها في رؤيتنا هذه ليست أكثر من محاولة فاشلة للهروب من الاستحقاقات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والقانونية، والدستورية التي تعهد الحكم بتنفيذها، وأشار إلى بعضها الرئيس علي عبدالله صالح في البرنامج الانتخابي للانتخابات الرئاسية سبتمبر 2006م. 2 - مستويا حرب صعدة: إن القراءة السياسية الموضوعية التاريخية لحرب صعدة في معاركها الست، -تنذكر وماتنعاد ، كما يقول الأخوة اللبنانيين - تحتم علينا ونحن نقدم رؤيتنا هذه أن نتعاطى معها وفقاً لخصائصها السياسية، والحالة العسكرية لكل منها، إضافة إلى واقع الخطاب السياسي الذي رافق هذه المعارك/الحروب، ومن هنا وجدنا أن من المناسب جمع وتقسيم المعارك الست وفقاً للقواسم المشتركة الخاصة فيما بينها سياسياً، وعسكرياً، ذلك أنه من الصعب التعاطي مع معارك صعدة الست باعتبارها مساراً واحداً، ومستوى واحداً، على ما بينها من اتفاق وتباين. ومن خلال التتبع، والبحث، وجدنا من المفيد تقسيم معارك/حروب صعدة إلى مستويين، مع الإقرار أننا لا يمكن أن نفصل ما يجري في صعدة عن واقع غياب المشروع السياسي الوطني
الديمقراطي، وعن ظاهرة تآكل أو غياب دور الدولة، وهيبتها، ومكانتها، في أوساط المجتمع. في الإدارة السياسية العامة ليس في صعدة فحسب، بل وفي كل الوطن. كما لا يمكن قراءة ما يجري في صعدة على وجه الخصوص، بعيداً عن وقائع غياب العدالة الاجتماعية، وعن واقع التهميش التاريخي لمنطقة صعدة وحرمانها من موارد الدولة الأساسية، ومن خدماتها المباشرة طيلة عقود، وهو ما يدل في العمق على الجوهر السياسي والوطني للصراع، وليس على الصراع الديني/المذهبي، كما تحاول أن تروج له بعض الكتابات، انطلاقاً من تحليلات سياسية صحافية سطحية. أ - المستوى الأول: لعل الخلط بين الدين والسياسية، أو بين السلطوي المصالحي، والديني السماوي المقدس، واحدة من سمات الحكم العصبوي، الفردي. وهذا الخلط إضافة إلى جملة العوامل والمقدمات التي جرى الإشارة إليها في سياق الرؤية التحليلية النقدية، هو الذي ساهم ليس فحسب في إنتاج الظاهرة الحوثية، ونموها، وتطورها، حتى تحولها إلى ما هي عليه اليوم، بل وهو كذلك ما يفسر إلى حد بعيد نشوء وظهور تيارات العنف، والتطرف، والأصولية الدينية المختلفة، بما فيها تيارات وجماعات التكفير، والجهاد، المنتشرة في البلاد،. والحديث عن توجهات الحكم للخلط بين الدين، والسياسة، لا يعني ولا يشير إلى أن جوهر الصراع الدائر في صعدة، ديني أو مذهبي، بل هو سياسي، اقتصادي، اجتماعي، تنموي، أساسه ثقافة الإقصاء والإلغاء، والكراهية ضد الآخر، وعدم الاعتراف بالآخر والقبول به كما هو. كما انه عائد إلى غياب حرية الفكر والرأي والتعبير، ولتراجع فضاء الحريات الاجتماعية، وليس القشرة الدينية/المذهبية، سوى غطاء أو حجاب يراد به التعمية والتشويش على الجوهر السياسي، الاقتصادي للصراع، والتناقض، مع عدم نفي الحالة المذهبية، أو الصراعات المذهبية الكامنة، أو الظاهرة، على أنها وحدها وبمفردها لا تفسر ما يجري، وغير مؤهلة لانتاج وصناعة الظاهرة الحوثية. وتشير بعض المصادر إلى أن جماعة الشباب المؤمن ظهرت في العام 1986م بدعم من مرجعيات إيرانية، تحت تأثير التشيع السياسي للثورة الايرانية، وتحت ضغط وتأثير المواقف السياسية للمقاومة اللبنانية، وبعدها ظهور التيار المقاوم في حركة حماس في فلسطين وحضور الدعم الايراني لهما معاً. وبعد ذلك بدأ الدور الكبير للنظام في توظيف واستخدام جماعة الشباب المؤمن في معاركه السياسية الداخلية. أولاً في العمل على شق حزب الحق، ودعم بدر الدين الحوثي، وابنه حسين بدر الدين والجماعة الخارجة عن حزب الحق، وبعد ذلك في مواجهة حزب التجمع اليمني للإصلاح، والجماعات السلفية الوهابية. وقدم النظام لجماعة اتحاد الشباب المؤمن دعماً مالياً وسياسياً، ولوجستياً، والجميع يعلم ان حزب الحق هو حزب إسلامي زيدي عقلاني معتدل كان يتحرك في نطاق جوهر المذهب الزيدي، وفي إطار الدستور والقانون. ومعظم العناصر التي كونت القيادة للظاهرة الحوثية، بل وجزءاً كبيراً منها في البداية كانت مؤطرة ومنظمة في حزب الحق، الذي يرفض اللجوء إلى السلاح، وخيار العمل العسكري. ومع ذلك سعى الحكم بدأب لشقه، والحزب اليوم في حكم المحظور، بل والملغي دون سند قانوني. وكان الدعم والتأييد الرسميين للظاهرة الحوثية لأهداف سياسية تكتيكية، ولا تدخل ضمن رؤية سياسية استراتيجية وطنية للحكم. وبذلك يتحمل النظام التبعات السياسية والعملية لإدخال الظاهرة الحوثية إلى المجال السياسي العام أولاً، وبعد ذلك تبعات تحولها إلى حركة مسلحة، من خلال معالجاته العسكرية والأمنية الخاطئة. وكان لدعم وتأييد النظام السياسي للجماعة الحوثية أن لعب دوراً كبيراً في إيصال حسين بدر الدين الحوثي إلى البرلمان في دورتي 1993-1997، وفي هذه المرحلة كانت صلة الحكم بالجماعة الحوثية في أحسن أحوالها. وفي هذه الفترة تولت مطابع الكتاب المدرسي طباعة منشور تنظيم الشباب المؤمن، إضافة إلى توجيه الدولة بطباعة بعض كتب الزيدية، وكانوا يمارسون شعائرهم وطقوسهم المذهبية المختلفة دون مضايقات وبصورة طبيعية. وتشير بعض المصادر إلى أن جهات أمنية هي من أعطى تصريحاً بقيام مركز في صنعاء للجعفرية، وبمعرفة شخص مقرب من الحكم. ولم يبدأ الافتراق النسبي بين الطرفين إلا بعد أن أصبحت الظاهرة الحوثية في درجة من القوة والتأثير، والحضور في العديد من مديريات المحافظة، وبعد أن أصبحوا يميزون أنفسهم في نشاط سياسي مستقل عن الحكم، وبدأت تظهر لديهم حالة قوية من التماهي بين الدين، والسياسة، وظهرت عليهم بوضوح وقوة حالة التأثُّر بالتشيع السياسي للثورة الايرانية، خاصة وان السيد بدر الدين الحوثي عاش لسنوات طويلة في ايران بعد خلافه مع بعض علماء الزيدية حول بعض المسائل الفقهية الإمامية، وتحديداً في موقفه من حصر الإمامة في البطنين من أولاد السيدة فاطمة رضي الله عنها (الحسن والحسين)، وبعض الإشكالات الفقهية المذهبية، ولم يعد من ايران إلا بعد الوحدة. وفي هذه الأثناء وبعدها كانت للجماعة الحوثية زيارات متبادلة إلى ايران، وبعلم السلطة، وعلنية. وفي تقديرنا ومن خلال متابعاتنا لهذا التأثير انه لم يتجاوز حدود القول بحصر الإمامة في البطنين، وهو ذاته ما تقوله الزيدية "الهادوية"، ولم يجر تبني المذهب الاثني عشري، وكانوا ما يزالون يتحركون وينشطون مذهبياً في إطار المذهب الزيدي. ولكنهم سياسياً كانوا أقرب إلى حالة التشيع السياسي لإيران، وللمقاومة اللبنانية في صورة مقاومة حزب الله، وضد نظام صدام حسين، ومع النظام السياسي الطائفي الجديد في العراق. وفي البداية الأولى من هذه المرحلة أو المستوى الأول، الذي مهد لصعود الحروب الثلاثة الأولى من 2004م-2006م، لم تتعد الحركة الحوثية عن كونها ظاهرة فكرية ثقافية دينية مذهبية، تطالب بوقف التمدد المذهبي الوهابي، السلفي (السعودي) إلى مناطقهم، التي هي معقل الزيدية، وكرسي الزيدية الأول «صعدة»، وتدعو إلى ضرورة احترام الطقوس والشعائر الدينية المذهبية الزيدية وعدم التعرض لها، ومطالبتهم بحقهم في تدريس المذهب الزيدي في مدارسهم الخاصة بهم. وجميع الباحثين في الفكر الإسلامي على اطلاع عميق بأن الزيدية تاريخياً هي أقرب إلى الإسلام السني، في الفروع، وفي كثير من الأصول، وأن لا مشكلة مذهبية بين الزيدية، والشافعية، ولكننا كذلك لا نستطيع تجاهل الدور الايديولوجي والسياسي للنظام، وتحديداً خلال العقود الثلاثة الماضية في السماح للتمدد الوهابي السلفي «السعودي» في الانتشار في عقر المناطق الشمالية الزيدية وبدعم ايديولوجي (تعليمي) وسياسي، ومالي. وكان لذلك التغلغل السلفي الوهابي في المناطق الزيدية، ومنها صعدة كرسي الزيدية الأول أثره في إنعاش الصراعات السياسية على قاعدة مذهبية/دينية، خاصة وان بعض دعاة الوهابية مارسوا هجوماً مذهبياً على المذهب الزيدي «مركز دماج» والجماعات السلفية المختلفة ، وكانوا ينعتونه بالرافضة، وغيرها من ألفاظ القذع المذهبي، وصولاً للاعتداء على مساجدهم، ومقابر أئمة الزيدية الكبار. وفي هذا السياق من الخلط الرسمي بين السياسي، والديني، ومحاولة البعض توجيه الصراع في اتجاهات مذهبية سياسية، بدأت عملية الافتراق بصورة نهائية بين الجماعة الحوثية والنظام السياسي. ومنذ تسعينيات القرن الماضي بدأ الحوثيون في رفع شعار طالما استخدمته الثورة الإسلامية الايرانية، وهو شعار: «الموت لأمريكا، الموت لاسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام»، وظهر بصورة أكبر خلال السنوات الماضية في تجمعات أمام الجامع الكبير في صنعاء، وفي مديريات مختلفة من محافظة صعدة. والشيء الغريب والملفت للنظر أن رد فعل السلطة على رفع هذا الشعار كان عنيفاً، وغير مبرر حدوثه بمثل هذه القوة التي تبعتها عملية اعتقالات واسعة، وسجن العديد من حملة هذا الشعار والمنادين به، وكأنها في الواقع رسالة للخارج وليس للداخل، وهي البداية لتوظيف شعار مكافحة الإرهاب العالمي في الداخل، حتى محاولة مده استراتيجياً إلى صعدة عبر توظيف رفع هذا الشعار من قبل الحوثيين. وهي في الحقيقة رسالة خاطئة وفي غير مكانها الصحيح، أدت إلى توتير وتصاعد حالة المناخات المتوترة والمحتقنة في الأصل في محافظة صعدة، وهي منطقة مشحونة ومدججة بالسلاح، وقابلة للانفجار والاشتعال في أية لحظة، وهو ما لم يدركه الحكم العصبوي، الفردي، الذي استمرأ الاستمرار في لعبة خلط الدين، بالسياسة في صعدة، بادئاً بالقول بارتباط الجماعة الحوثية باليهود، وصولاً إلى القول: بادعاء حسين بدرالدين الحوثي للنبوة، وحتى خروجهم عن المذهب الزيدي، وتحولهم إلى الاثني عشرية (الإمامية، الجعفرية) الايرانية، حتى تطورها بعد عمليات مناوشات عسكرية مسلحة، بأنهم يدعون لعودة الإمام، والانقلاب على النظام الجمهوري، وأنهم فئة ضالة متمردة، عصابة محدودة، إلى غيرها من الأوصاف والنعوت التي رافقت هذا المستوى من الصراع ومن المناوشات المسلحة، حتى المعارك السياسية المحدودة، بين الطرفين، وهي مناوشات، ومعارك، بقيت محدودة، ومحصورة في نطاقها المحلي، الداخلي، ولم يتداولها الإعلام بصورة متكررة، وفي هذه المرحلة أو المستوى أقدمت السلطة على منع وإلغاء حزب الحق، بعد ان كانت قد صادرت صحيفة «الشورى»، التابعة لحزب اتحاد القوى الشعبية، وجمدت حزبهم الحقيقي، وفرخت حزباً بديلاً عنه، والحزبان إسلاميان زيديان، معارضان لسياسة الحكم.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.