صحيفة امريكية تنشر تفاصيل عن عملية الموساد في إيران    اغلاق السفارة الامريكية في اسرائيل وهجوم جديد على طهران وترامب يؤمل على التوصل لاتفاق مع إيران    وزيرا الخارجية والصحة يلتقيان مبعوث برنامج الأغذية العالمي    القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد «الأخيرة»    الأمم المتحدة.. الحاضر الغائب!!    تبعات الضربة الإيرانية على إسرائيل    خلال تفقده الانضباط الوظيفي في وزارتي النقل والأشغال العامة والنفط والمعادن    الكيان الصهيوني و «تدمير الذات» سيناريو الحرب الكبرى وعبث نتنياهو الأخير!!    الصحة العالمية: ارتفاع حالات الوفاة والإصابة بحمى الضنك في محافظتين يمنيتين    ثابتون وجاهزون لخيارات المواجهة    عراقجي: امريكا واوربا تشجع عدوان اسرائيل والدبلوماسية لن تعود إلا بوقف العدوان    الفريق السامعي: الوطنية الحقة تظهر وقت الشدة    إيران تستهدف العقل العلمي للاحتلال    إب.. إصابات وأضرار في إحدى المنازل جراء انفجار أسطوانة للغاز    العقيد العزب : صرف إكرامية عيد الأضحى ل400 أسرة شهيد ومفقود    حصاد الولاء    مناسبة الولاية .. رسالة إيمانية واستراتيجية في مواجهة التحديات    مرض الفشل الكلوي (8)    الرزامي: أكبر صرح طبي في اليمن ينهار    تعيين غاتوزو مدرباً للمنتخب الإيطالي    من يومياتي في أمريكا .. صديقي الحرازي    إيران تستهدف اسرائيل برشقة صاروخية جديدة    الاطلاع على سير العمل في الوحدات التنفيذية التابعة لمصلحة الضرائب    الحلف والسلطة يخنقون الحضارم بقطع الكهرباء    شعب حضرموت يفسخ عقد الزريقي    بدء حملة كلورة للمياه في ذمار    رئيس الوزراء يوجه بسرعة إطلاق العلاوات للجامعات والتربية والتعليم والصحة    البكري يرأس اجتماعًا لوكلاء القطاعات العامة ويناقش إعداد خطة ال (100) يوم    هيئة الآثار :التمثالين البرونزيين باقيان في المتحف الوطني    يوفنتوس يجهز عرضًا ضخمًا لجيوكيرس    وزيرا الخارجية والصحة يلتقيان مبعوث برنامج الأغذية العالمي    معهد وايزمان تدميره أفقد إسرائيل مكاسب كثيرة    نائب وزير الخدمة المدنية ومحافظ الضالع يتفقدان مستوى الانضباط الوظيفي في الضالع    قوات الجيش تعلن إفشال محاولة تسلل شمال الجوف وتكبّد المليشيا خسائر كبيرة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الأحد 15 يونيو/حزيران 2025    محافظ ابين يوجه بمعاينة طريق ثرة والرايات البيضاء تواصل حوارتها لفتح الطريق    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    انهيار جزئي في منظومة كهرباء حضرموت ساحلا ووادي    الضالع.. رجل يفجّر قنبلة داخل منزله ويصيب نفسه وثلاثاً من أسرته    أهدر جزائية.. الأهلي يكتفي بنقطة ميامي    كسر وجراحة.. إمام عاشور خارج المونديال    العرب ومآلات الحرب الإيرانية الإسرائيلية:    اسبانيا تخطف فوزاً من رومانيا في يورو تحت 21 عاماً    اليغري كان ينتظر اتصال من انتر قبل التوقيع مع ميلان    حضرموت.. خفر السواحل ينقذ 7 أشخاص من الغرق ويواصل البحث عن شاب مفقود    بعد أيام من حادثة مماثلة.. وفاة 4 أشخاص إثر سقوطهم داخل بئر في إب    صنعاء.. التربية والتعليم تحدد موعد العام الدراسي الجديد    صنعاء تحيي يوم الولاية بمسيرات كبرى    - عضو مجلس الشورى جحاف يشكو من مناداته بالزبادي بدلا عن اسمه في قاعة الاعراس بصنعاء    سرقة مرحاض الحمام المصنوع من الذهب كلفته 6ملايين دولار    - اليك السلاح الفتاك لتقي نفسك وتنتصر على البعوض(( النامس))اليمني المنتشر حاليآ    اغتيال الشخصية!    الأستاذ جسار مكاوي المحامي ينظم إلى مركز تراث عدن    قهوة نواة التمر.. فوائد طبية وغذائية غير محدودة    حينما تتثاءب الجغرافيا .. وتضحك القنابل بصوت منخفض!    الترجمة في زمن العولمة: جسر بين الثقافات أم أداة للهيمنة اللغوية؟    اليابان.. اكتشاف أحفورة بتيروصور عملاق يقدر عمرها ب90 مليون عام    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية تحليلية نقدية للأزمة السياسية والوطنية الراهنة
نشر في الوسط يوم 22 - 09 - 2010

كتب/قادري احمد حيدر "الحلقة الاخيرة" إن نظام الحكم العصبوي، الفردي، القائم بمفرداته، ومكوناته، التي سادت وفرضت نفسها على كل الوطن (جنوب، وشمال) من بعد حرب 1994م ، إنما هي محاولة وحشية لإعادتنا إلى المربع الأول من سؤال بناء الدولة، السلطة، والمواطنة، والجمهورية، والوحدة، وهي أسئلة أجابت المعارضة السياسية التقليدية في صورة الأحرار الدستوريين منذ ثلاثينيات القرن الماضي على الجزء الأول منها في صورة خطابها الفكري والسياسي الذي تضمنته نصوص مواد الميثاق الوطني المقدس، في طرحهم مضمون «الملكية الدستورية»، وقدمت الحركة السياسية الديمقراطية المعاصرة منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، اسهامها النظري، والفكري السياسي في الاجابة على اجزاء هامة من هذا السؤال/الأسئلة، في صورة خطاب (الوطنية اليمينة المعاصرة، والوحدة)، وجاءت ثورة 26 سبتمبر بمحاولتها السياسية الثورية لتقديم اجابتها على سؤال الجمهورية، والنظام الجمهوري، ونجحت ثورة 14 أكتوبر 1963م في تقديم اجابتها الصريحة والحاسمة على سؤال بناء الدولة الوطنية التحررية الحديثة، بقيام دولة الاستقلال، والتحرر الوطني على انقاض الحكم الاستعماري في 30 نوفمبر 1967م، على كل مصاعب تطورها، إلى أن جاءت وحدة 22 مايو 1990م السلمية لتعلن اجابتها العملية السياسية في صورة التعددية، والديمقراطية، ودولة الشراكة والمشاركة، على طريق استكمال بناء دولة الوحدة اليمنية الديمقراطية، التعددية، دولة لكل مواطنيها اليمنيين في الشمال والجنوب، ولكننا - مع الأسف - نجد أنفسنا اليوم وبعد تسعة عشرة سنة نعود القهقرى إلى المربع الأول لسؤال الأحرار اليمنيين، والحركة السياسية الديمقراطية اليمنية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فيما يتعلق بقضية بناء الدولة الوطنية المؤسسية الحديثة، في صورة ما يجري من محاولات دؤوبة وحثيثة، لفرض منطق التغلب، بالعصبية، والشوكة، والفردية، والفئوية الجهوية"الأسروية" ، في صورة حكم عصبوي، فردي، مركزي، متخلف، يسعى بفائض القوة الوهمية التي لديه لفرض منطق حكمه وإدارته على كل البلاد، ملغياً تاريخ كفاح شعب، وتضحيات وطن، ضاعت معه الفرصة السياسية الوطنية التاريخية للانتقال بالبلاد من تاريخ التجزئة، والتشطير، والتمزق، إلى تاريخ دولة الوحدة والشراكة والمواطنة. لقد أعاد الحكم العصبوي، الفردي، اليمن الطبيعية إلى وضع ما قبل الثورتين، ما قبل التشطير السابقتين، وكأن وحدة 22 مايو 1990م لم تقم. إن حكم العصبية، الفردية، المركزية، المتخلف إنما يتكىء على تاريخ سوسيولوجيا الحرب، وسيكولوجية القهر، وثقافة القطيعة، وعدم التواصل والاتصال، ثقافة قطيعة عدمية مع كل تاريخ كفاح الشعب اليمني الحديث، والمعاصر، حكم يعكس لحظة وعي عبثية مجنونة، حكم جاء ليجسد مصالح أقلية عصبية، فئوية، طبقية على حساب مجموع مصالح الشعب في كل اليمن، دمر في سياق بنائه لمنظومة مصالحه الذاتية الخاصة، تراكمات وخبرات مدنية ومعرفية وسياسية ومؤسسية ومعنوية ومادية تاريخية هائلة، هي منجزات ومكتسبات الثورة، والتاريخ السياسي اليمني الحديث والمعاصر، (في الشمال والجنوب)، هي في الواقع منجزات تاريخ طويل من تراكمات الوعي، والثقافة، والسياسة، والسلطة، والمجتمع ، والدولة . لا يستطيع أحد أن ينكر أن أحلام وآمال القوى السياسية والاجتماعية الجديدة كانت مرتهنة على أن سقف دولة وحدة 22 مايو 1990م، على جوانب القصور فيها، كانت مؤهلة لنقل اليمن الموحد إلى مرحلة سياسية وطنية تاريخية نوعية، تجعل منه طرفاً قوياً ليس على الصعيد الوطني الداخلي (تنمية، إنتاج، استقرار، أمن، مواطنة، تقدم اجتماعي)، بل وطرفاً قوياً وفاعلاً في المعادلة الجيوسياسية/الاقتصادية، والعسكرية في المنطقة، والاقليم، وهو ما كان يستشعره ويحلم به الخطاب السياسي الوطني اليمني في عمقه الاستراتيجي..، الخطاب الذي حلم بالوحدة، دولة مدنية وطنية مؤسسية قوية، وفرصة وطنية تاريخية تنقل اليمن من الدولة الشطرية، القبلية العسكرية، والشمولية، إلى دولة المواطنة الديمقراطية التعددية، على طريق خلق وتأسيس الوطنية اليمنية الواحدة الجامعة، التي جرى اهدارها والعبث بها وتدميرها بالحروب الصغيرة، والكبيرة، التي بدأت بحرب 1994م على الوحدة السلمية الديمقراطية، ولن تتوقف حد الحروب الستة الدائرة في صعدة منذ عام 2004-2009م. وهي حروب لا وطنية تعكس أزمة سياسية بنيوية، ووطنية شاملة، تعيشها البلاد، ولن تتوقف إلا بخروج البلد من نفق الحكم العصبوي، الفردي، المركزي، المعوق الأساسي لتطور البلد وتقدمه، نحو بناء دولة وطنية مؤسسية حديثة. إن الحكم العصبوي، الفردي، المركزي، يسعى بكل جهده لانتاج مشاريع الدويلات السياسية الصغيرة، وحتى الحروب الكبيرة، ليستقوي بها جميعاً على المشروع السياسي الديمقراطي للدولة الوطنية المنشودة، نظام حكم ليس في مصلحته تسهيل عبور وتعميم الرؤى السياسية الكبيرة، ووصولها إلى الناس، وما يساعده على ذلك هو ضعف وهشاشة المجتمع وتفككه التاريخي، ودور الحكم السياسي، والأمني في الاشتغال على ذلك التفكيك والتدمير، إضافة إلى هيمنة الحكم الشاملة على مصادر الثروة، واحتكاره السلطة بالقوة، وتعميمه ظاهرة اقتصاد الفساد، وتحول الفساد إلى سلطة عظمى لها اليد الطولى في تسيير شؤون وأمور البلاد كلها، إلى جانب احتكاره المطلق للوسائط الإعلامية الرسمية، ودور هذه الوسائط في تشويه الوعي الوطني، وفي دعم وترويج المشاريع الصغيرة (القبلية، المذهبية، الاثنية، الجهوية، المناطقية)، ومن هنا يأتي عداء الحكم للمشاريع والمبادرات والرؤى السياسية الآتية من خارج صحن الحكم، بدليل موقفه الرافض لجميع مبادرات أطراف الحياة السياسية ، ولمناشدات ومطالبات المجتمع المدني ، منذ بُعيد حرب 1994م ، ولمبادرات اللقاء المشترك، ووصمه مبادرة التشاور الوطني للانقاذ بأنها محاولة للانقلاب على الدستور، وضد الوحدة، والجمهورية، وانها خيانة، وعمالة، ولم تتوقف محاولات الحكم في ضرب البنى والتكوينات الاجتماعية والثقافية والوطنية، وإثارته للنعرات، والمشاعر البدائية، والهويات الماقبل وطنية، واشتغاله عليها، خاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية (شبوة، أبين، حضرموت، لحج، المهرة) بعد أن استكمل لعبة اشتغاله عليها في الشمال طيلة نيف وعقد ما قبل الوحدة، وما بعد قيامها، وهو ما يفسر ظاهرة تراجع الانتماء للكيان الوطني اليمني، وانتعاش الهويات الماقبل وطنية، (القبلية، والجهوية، والمذهبية، والاثنية)، وانتشار حالة الولاءات الصغيرة القروية والمناطقية، والجهوية الجغرافية على حساب الكيان الوطني اليمني الكبير. إن فكرة الدولة في الأساس هي عقد اجتماعي بين طبقات وشرائح وفئات اجتماعية واسعة متعددة، عقد بدولة ارتضوها لأنفسهم لتكون حكماً بينهم، بهدف خلق حالة توازن نسبي بين أطراف وقوى المجتمع المختلفة، أي أن بناء الدولة ومستقبلها بحاجة إلى اجماع سياسي، ووطني، وان لا تتحول الدولة بمؤسساتها ومكوناتها الكلية العامة، ونصابها القانوني إلى مجرد سلطة، أو حكومة، أو حكم عصبوي، فردي "" أسروي"، كما هو حالنا اليوم. إن الدولة هي تعبير عن تناقضات البنية الاجتماعية السياسية الطبقية، ومحاولة لضبط الصراعات في المجتمع وفقاً لصيغة العقد الاجتماعي، أو الدستور المتفق عليه، أي أن الدولة ليست فقط مجرد جيش وأمن يخدمان مصالح حكم أقلوي، وأداة لقمع المعارضين السياسيين، وهو ما يتناقض مع المفهوم السياسي الحديث للدولة، ومع نصوص الفقه الدستوري لمعنى الدولة. إن الدولة أداة، ووسيلة قهر طبقي، ما في ذلك شك، وهي قانوناً من يحق لها احتكار واستخدام القوة، والعنف الرسمي وفقاً للدستور والقوانين النافذة، على أننا لا يمكننا اختزال الدولة، وحصر دورها، ووظيفتها في القهر وحده، إن للدولة وظائف ومهمات عديدة عظيمة غير القهر...، دورها ووظيفتها في حفظ المجتمع، والنظام العام، وفي تأكيد قيم التضامن الاجتماعي، وفرض سلطة القانون، وفي الحفاظ على الإنتاج المادي، والثقافي، والروحي، وفي دعم أسس الاستقرار السياسي والاجتماعي، وهو ما يجعلها رغم طابعها الطبقي، والقهري، تبدو سلطة فوق الجميع، تحافظ على توازن وتماسك المجتمع كله، وتمنع افتئات البعض على البعض الآخر، خارج سلطة القانون والنظام، وهو ما يفتقده الحكم العصبوي، الفردي، القائم في بلادنا، الذي استبدل ذاته بالدولة الوطنية، المؤسسية، المنشودة، وهي واحدة من أعمق وأخطر أسباب الأزمة السياسية البنيوية، والوطنية الراهنة التي تعيشها البلاد كلها ، وهو عملياً ما أثبت في واقع الممارسة فشل نموذج الدولة البسيطة في اليمن خاصة من بعد حرب 1994م . إن التفريق بين الدولة، وجهازها السياسي، أي السلطة، أو الحكومة أمر في غاية الأهمية. حتى لا يستولي الجهاز السياسي السلطوي على الدولة، كما هو الحال لدينا في اليمن. إن السائد لدينا هو حالة خلط عجيب بين الدولة، والسلطة، أو الحكومة، حيث نشهد غياباً كلياً وحقيقياً لمعنى الدولة؛ على أي مستوى كان ، فالدولة، نصاب كلي متعال، تعبروتجسد مصالح الجميع، والدولة هي بنى، وهياكل، ومؤسسات عامة كلية، هي ملك للشعب كله، الدولة تمثل كيان الأمة كله (الشعب، السلطة، المعارضة) وهي كناية عن السيادة، وهي عملياً «البرلمان، الحكومة، القضاء، النيابة، الدستور، التشريعات المختلفة، والجيش والأمن) وللدولة حدود جغرافية سيادية، لا يحق لكائن من كان، التصرف أو العبث بها، وهي كيان ثابت لا خلاف حوله، ولا يجوز التصرف به أو العبث بمكوناته. أما السلطة، أو الحكومة، فهي نصاب سياسي متعين تمثل مصالح هذه الطبقة، أو الشريحة، أو الفئة، أو تلك، والسلطة تعبير عن جهاز الحكم، والسيطرة الطبقية، وليس عنواناً لأمة أو شعب، بل تجسيد لمصالح طبقية محددة، واذا كانت الدولة كيان متعال مجرد لا خلاف أو صراع حولها، فإن السلطة حالة سياسية، طبقية، صراعية، بين أطراف المعادلة السياسية في المجتمع، وهي حق لهم جميعاً، عبر الانتخابات النزيهة، وصراعات البرامج السياسية، ومن خلال التداول السلمي يصل إليها الجميع، وبذلك لا تحوز السلطة على اجماع الشعب، وهي محل خلاف وصراع بين الأطراف المتنافسة للوصول إليها، وليس لاحتكار الثروة، والسلطة، فالدولة كيان كلي ثابت، والسلطة متغيرة، ومن هنا أهمية تحديد الحدود، والفواصل، بين الدولة، والسلطة..، والصراع ابداً ودائماً لا يكون بين الدولة، والسلطة، بل بين الطبقات، والشرائح، والفئات الاجتماعية السياسية، أي ان الاختلاف يجري بين السلطة، والمعارضة، أي تلكم السلطة التي تحكم من خلال حكومة، وفي إطار دولة أو كيان (ما)، والمعارضة تعارضها أو تختلف معها على أساس البرامج والسياسات، أي ان اختلاف المعارضة موجه ضد السلطة / الحكومة، وليس في مواجهة كيان الدولة، ومؤسساتها، التي يفترض أنها ملكية عامة لكل الشعب، وليس لحكم عصبوي، فردي، ابتلع الدولة وحولها ملكية خاصة به، وبمجمع مصالحه الفئوية "الاسروية"، الضيقة، غدت معه الدولة وكأنها تابعة للحكم/ السلطة، أو لحزب الحاكم، وهنا المفارقة والمأساة التي تعيشها كل المنطقة العربية، على أننا في اليمن اليوم نكاد نكون الحالة النموذجية لهيمنة الحكم/السلطة، على الدولة بصورة لا انفصام فيما بينهما. ان الحكم العصبوي الفردي قد استغرق الدولة في داخله استغراقاً مطلقاً، واصبح ينوب عنها في الخطاب وفي الممارسة. إن الحديث عن الأهمية السياسية، والدستورية والقانونية، والوطنية للفصل بين الدولة، والسلطة، هي اليوم إحدى القضايا والمهمات المطلوب انجازها، سياسياً ووطنياً للخروج من الأزمة السياسية البنيوية، والوطنية الراهنة، وهي كذلك أحد المداخل العملية والسياسية لبناء وإقامة الدولة المؤسسية الحديثة، ولا نجد بداً من القول أن ذلك الخلط التلفيقي القائم بين الدولة، والسلطة، هو الذي انتج في واقع الممارسة أنظمة استبدادية تسلطية، وسياسات معادية لمصالح الشعب، وهو الذي يؤسس لقيام أنظمة «جملكية» على طريق توريث الأنظمة الجمهورية، وغاب عن الجميع أن رئيس الدولة في الأنظمة الجمهورية، هو موظف لدى الشعب، أو وكيل للشعب ينوب عنه في إدارة البلاد، بأجر معين معلوم، ولمدة محددة، ينص عليها الدستور، والقانون، وأن من حق الشعب بموجب العقد الاجتماعي الذي بينهما (الدستور) أن
يغيره، أو يعين بديلاً عنه، أو يعزله، ورئيس الجمهورية، في الدولة المدنية المعاصرة هو وكيل مؤقت للشعب، قابل للعزل والمحاسبة والمساءلة وله صلاحيات محددة، وليس هو مالك للدولة، ومن هنا أهمية الفصل بين حدي الدولة، والسلطة، وتحرير الدولة من التباسات الوعي السياسي الخاطىء، الذي انتجته السلطة الاستبدادية العربية في عمرها المديد في منطقتنا، والحالة اليمنية المعاصرة، هي قمة التعبير عن أزمة غياب الدولة الوطنية المؤسسية، والمتمثلة في التالي: *حالة تنازع الدولة، بين العسكر، والقبيلة، في صورة حكم عصبوي، فردي. * عدم الفصل بين السلطات، وظاهرة احتكار السلطة، في صورة حزب الحاكم، للثروة الوطنية والاجتماعية للشعب. *ظاهرة الجمع بين رئاسة الدولة (الجمهورية) ، ورئاسة القوات المسلحة ، والأمن ، وهي واحدة من أخطر الشرور المعوقة لقيام الدولة المدنية المؤسسية ، والمعوقة بالنتيجة لأي تحول نحو الديمقراطية ، والتعددية ، والانتقال للتداول السلمي للسلطة . اذا كان من أهم صفات وخصائص الدولة عموماً احتكارها للعنف، وحصر استخدام القوة بها وحدها، وفي إطار الدستور والقانون، فإن الحكم القائم في بلادنا يتخلى عن هذا الدور، وتلكم الوظيفة لصالح تحشيد المليشيات القبلية، والمناطقية، والمذهبية، في حروبه الداخلية، بدءاً من حرب 1994م ، وصولاً إلى حروب صعدة، وكل ذلك يتم على حساب تقليص وتهميش الدور الطبيعي للدولة، ويتم ذلك مقابل منح مالية ضخمة، وتوزيع أراضٍ، ودرجات وظيفية، ورتب سياسية، وعسكرية، وأسلحة، وسيارات... الخ. إن دور الدولة في انفاذ القوانين ليس شرطاً من شروط العملية السياسية الديمقراطية، بل إن ذلك إحدى وظائف الدولة عموماً، والحكم العصبوي، الفردي، القائم في بلادنا يتخلى عن دوره القضائي والدستوري، كحكم في الفصل بين المنازعات، لصالح حكم «الطاغوت» أو الأعراف والتقاليد، والاحكام القبلية، بل ان الحكم يفوض القبيلة، ويحكمها، على الدولة في الفصل في المنازعات التي تنشب بينهما، أي بين الدولة، والقبيلة، وهي قمة المأساة لواقع غياب الدولة في بلادنا، والأمثلة والدلائل على ذلك أكثر من أن تحصى. إن الوضع الراهن حكماً، وإدارة، وسياسة، وعلاقات، لن يعيدنا إلى الوضع التشطيري المأساوي الذي عشناه ورفضناه، وحاولنا تجاوزه بالوحدة، بل وإلى ما قبل الوضع التشطيري، وما ينتظرنا، كشعب، ومجتمع، ليس أقل من حكم دويلات الطوائف، والقبائل، والمذاهب، والمناطق، التي يهددنا بها خطاب الحكم، للرضى عنه، والاقتناع بما هو قائم، ومن هنا تأتي أهمية وضرورة الرؤى والمشاريع الانقاذية للبلاد، من حالتها السياسية المأزومة السائرة بالبلاد إلى حافة الهاوية. إن الرؤية التحليلية النقدية التي بين أيديكم هي محاولة تقديم توصيف سياسي موضوعي نقدي لواقع الأزمة السياسية الوطنية الراهنة، وفي القلب منها أزمة غياب الدولة الوطنية المؤسسية الحديثة. والرؤية لا تقدم بديلاً وحلاً جاهزاً مطلقاً ومغلقاً على ذاته، قدر ما هي محاولة لتقديم توصيف، سياسي، موضوعي، تحليلي، نقدي، لأزمة سياسية ووطنية شاملة، ولواقع يجب تغييره بعد أن فشلت جميع معالجات الحكم الترقيعية، والجزئية، والمؤقتة، والتكتيكية. تغييره لمصلحة الجميع، لأن استمرار صيغة الحكم الحالي، صارت مكلفة وباهظة الثمن، سياسياً، واجتماعياً، ومادياً، ووطنياً، على المجتمع والوطن كله. ومن هنا تأتي أهمية وضرورة هذه الرؤية، - وغيرها من الرؤى - وقبلها أهمية وضرورة مشروع رؤية الانقاذ الوطني، التي تقدمت بها اللجنة التحضيرية للحوار الوطني لوضعها جميعاً في إطار مناقشة وبحث جديين للخروج من الأزمة الوطنية والسياسية البنيوية الراهنة .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.