كتب/ ابوضياء الدين المعمري تواجه اليمن كوطن جغرافي مهم في الجنوب العربي تحديات جمة داخلية وخارجية والتحديات الداخلية على مر العصور شكلت عبئا ثقيلا عليها نتيجة عقوق أبنائها لها بنكران صنيعها الجميل لهم بتاريخ عريق وأمجاد مضيئة وحضارات تطاول عزتها عنان السماء، نقول هذا مدركين ضعف النسيج المجتمعي اليمني وما يفرزه من ضعف الولاء وتعدده وخفوت الشعور بالانتماء الوطني لليمن نتيجة تفتت الهوية الوطنية وضعف الاعتزاز لها. وحقيقة لوتجردنا من كل مايوجبه مشاعر الانتماء الوطني ووضعنا اليمن الجغرافي في كفة "الوطن" واليمن الديمغرافي في الكفة الأخرى "الشعب" وحاولنا نبحث عن أسباب حالة الانفصام بينهما سوف نجد التالي: اليمن بموقعها الجغرافي الاستراتيجي له ميزة فريدة في العالم، كونها نقطة الوصل بين عالم التصنيع وعالم الاستهلاك وهي مؤهلة أن تلعب العديد من الامتيازات الاقتصادية عالميا. اليمن التي حباها الله بجزر طبيعية غنية بمواردها الطبيعية والسياحية في وقت هناك من يلجأ إلى استحداث جزر صناعية مكلفة. اليمن تمتلك ثروة قومية رائدة وربما تتصدر شقيقاتها العربية بما يخص ثروة العقول البشرية حيث يثبت اليمني تفوقه وتميزه العلمي في جميع جامعات العالم لو وجدت الرعاية والاهتمام لتمكنت من الإمساك بزمام العلوم التطبيقية والطبيعية وتكنولوجيا العصر الحديث. تمتلك ثروة قومية كبيرة تتمثل بطاقات كامنة في سواعد العمال المهرة للأعمال التقليدية الحركية لو استغلت سوف تكفي لأعمار الوطن العربي كاملا إن جاز التعبير. اليمن تمتلك تنوعاً مناخياً وتضاريسي جاذبة للاستثمارات المختلفة، حيث تحتضن في جنباتها السهل والساحل والجبال والصحراء في وئام تحسد عليه. اليمن يحتضنها بحران.. البحر الأحمر غربا والبحر العربي جنوبا وتتوفر فيهما ثروات بحرية هائلة من اسماك وأحجار كريمة ويمتد حولها اكبر ساحل بحري . اليمن تخبئ في أعماقها الكثير والكثير من الخيرات الظاهرة والباطنة من ثروات نفطية وغازية ومعادن مختلفة واسمنت وأحجار بناء و...الخ. اليمن جاذب طبيعي للسياحة بشواهدها المختلفة السياحة البحرية والشاطئية والجزرية والجبلية "منتجعات سياحية ورياضة جبلية مختلفة"والسياحة الصحراوية وشواهدها المختلفة، الرياضي والترفيهي وغيرها. وفوق هذا وذاك.. اليمن بلد زراعي يستطيع توفير الأمن الغذائي بمختلف جوانبه. واليمن بتراثها وتاريخها مؤهلة أن تلعب دورا رياديا في خدمة أمتها العربية والإسلامية كعمق استراتيجي لايمكن تجاوزه. إذا اليمن جغرافيا وديمغرافيا مؤهلة أن تكون دولة قوية لها ثقلها الإقليمي والعربي والدولي.. ماذا يحول دون أن تتمثل دورها ذاك؟! لوراجعنا قراءتنا للتاريخ لوجدنا بؤر الصراعات المختلفة هي من شكلت عبئا على اليمن وحالت دون إبراز مكانتها الطبيعية بين الأمم والسبب في نظري يرجع إلى مايلي: لم تكن الصراعات في اليمن سياسية بامتياز، لأنها لوكانت كذلك لأفرزت هوية سياسية بعد مخاض طويل للصراعات، سواء قبل الاستعمار اوبعده أو قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر أو بعدهما، إذا استثنينا فترة البدايات الأولى للثورتين أو مرحلة حركة 13يونيوالتصحيحة . ماعدا ذلك فجميع الصراعات -قبليا أو مناطقيا أو مذهبيا- لم تحسم سياسيا ولكنها حسمت وفقا لشريعة الغاب على أساس البقاء للأقوى وتمخضت عن مولود مشوه تسلط على غالبية من اليمنيين، خلق حالة من عدم الاستقرار إلى يومنا هذا وتسبب في طغيان الهويات المجزأة على هوية الوطن العليا، من هنا كان التمايز بالهويات المناطقية والقبلية أو المذهبية على حساب الاعتزاز بالهوية اليمنية العريقة بالتاريخ والحضارة. ونتيجة لهذا الحسم المشوه تسلط على اليمن خلال تاريخه نظام أعرج يسبغ لونه الأحادي على غالبية الشعب اليمني المتعدد ثقافيا وتراثيا وقيما اجتماعيا من عادات وتقاليد اجتماعية. لقد شهدت اليمن صراعات أهلية مختلفة وعاشت أزمانا طويلة حالة عدم الاستقرار سبب ذلك تشتتاً سكانيا على قمم الجبال والهضاب . ومع احترمي وإجلالي لكل قطرة دم بذلت من اجل تحرير اليمن من الاستعمار البغيض والكهنوت الأمامي إلا أنه لم تلبث اليمن أن تخرج من عتمة تاريخها حتى ولجت عتمة أعمق بصناعة أبنائها المشتتين تحت ألوية وهويات ضيقة مناطقية وقبلية "إذا استثنينا "ومضات بسيطة"كانت اليمن كوطن ضحيتنا في تخلفنا وجهلنا وتناحرنا وعدم تعزيز ثقافة الولاء الوطني والإخاء على أسس من الاحترام والود والمساواة، مجسدين مقومات وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف . هل آن الأوان أن نغادر الصراعات المتخلفة التي تديرها المصالح الضيقة ونحرم تداول الولاءات الضيقة والهويات الضيقة المختلفة ونستعيد أمجاد اليمن ونعتز بها ونفاخر بهويتنا اليمنية بين الأمم . أقول هذا وأتطلع أن ينتهي التمييز والتمايز الطبقي والقبلي والمناطقي وننحاز جميعنا إلى معيار الكفاءة العلمية أينما وجدت ولو كانت من نصيب عائلة واحدة يمنية وليكن من اجل اليمن نستغل أفضل مالدينا من قدرات وكفاءات لبناء الوطن اليمني لنباهي به بين الأمم ويستعيد مكانته الطبيعية لنشر قيم العدل والمساواة والسلام بين الأمم. مااستفزني لكتابة هذه التطلعات هو ماتعانيه الكفاءات اليمنية من عملية فرز مقززة على أساس مناطقي تارة وقبلي تارة أخرى أو مذهبي أحيانا في تغييب واضح وفاضح لمعايير وأسس الكفاءة وهذا يعزز ويرسخ مفهوم الهويات الضيقة التي تضعف وتفتت الهوية اليمنية وبصورة رسمية من قبل النظام الحاكم الذي يبدو من خلال تصرفاته عدم مغادرته عقليات الصراعات الضيقة وعدم ترسخ قناعاته بضرورة الانتماء لليمن والانحياز الأعمى والمشروع لليمن من أقصاها إلى أقصاها والبحث عن كل غال ونفيس لبناء الوطن والاهتمام بالثروات الطبيعية والبشرية . لانريد الفرز المناطقي أو القبلي والمذهبي عند التنافس على الابتعاث الدراسي والوظائف العسكرية أو الأمنية والمدنية انه من حب الوطن وأسمى قيم الولاء الوطني أن تختار الأصلح لليمن من ذوي الكفاءات العلمية والعملية ولو وجدت في أسرة واحدة دون تحيز لمنطقة او قبيلة اومذهب. لانريد احتكار الوطنية على أسس صلات القرابة وتخوين اليمنيين والطعن في أمانتهم تجاه امن وطنهم، فأمن الوطن مسؤولية الجميع ويتم استبعاد الكفاءات بحجة إجراءات أمنية تستدعي تزكيات أركان النظام ومعارفهم . متى نسمو على مصالحنا الضيقة من اجل الوطن!؟ عودة القبلية المتخلفة إلى السلطة من الباب الخلفي هي التي اركست بالحياة المدنية في اليمن وأرست العلاقة بين الناس على أساس العيش التطفلي على أساس سيد وعبد أو رعوي وشيخ أو قبيلي ومدني مسالم. فبدلا من أن تتولى قادة الفكر والأكاديميين ومشاعل التنوير واجبها في بث وإشاعة روح الحياة المدنية بين الناس على أسس عادلة وترسيخ مفهوم سيادة القانون على الجميع وإشاعة ثقافة المدنية نجد وللأسف الشديد الكثير تميل لإرساء ثقافة الأمر الواقع المشين الذي تتسيده القبيلة المتخلفة وقاد هذا التوجه نخب العرف القبلي ممثلا بمشائخه إشاعة ثقافة التقبيل على أساس تغليب مصالحهم الضيقة على حساب مصلحة الوطن العليا. لماذا لايقتصر نفوذ القبيلة على دورها الاجتماعي دون التسلل الى المطبخ الساسي للدولة ولماذا لايقتصر نفوذ التاجر على الدور التجاري والتنافس الشريف بالجودة والاسعار دون التسلل الى البوابة الخلفية للدولة؟ لماذا مؤسستا الجيش والامن لايقتصر دورهما في مهامهما الدفاعية والامنية دون اقحامهما بالشأن السياسي للدولة؟ لماذا القضاء لا يقتصردوره في امور البت بالقضايا وتسييد العدل وابعاده عن التأثير والتأثر بما هو سياسي؟ [email protected]