كتبت/ تغريد عبد الحميد نهاياتٌ غير مأسوفٍ عليها لدكتاتوريات دولٍ عربية مقنعة بديمقراطيةٍ زائفة: الرئيس التونسي زين العابدين بن علي اعتذر للشعب في خطاب رمقه الأخير عن سياسات حكمه الفاسد وأعلن أخيراً بعد 23 عاماً من الحكم الديكتاتوري أنه فهم ما يريده الشعب ووعدهم بإصلاحاتٍ سياسيةٍ أولها أنه لن يرشح نفسه لفترةٍ رئاسيةٍ جديدة، وكذا وعد بإصلاحاتٍ اقتصاديةٍ وتكوين لجانٍ جادةٍ لمكافحة الفساد في البلاد ولكن الشعب التونسي الثائر رفض تلك الوعود ولم ينتظر أن يتم الالتفاف على مطالبه وإعطائه جرعاتٍ مخدرة أو مسكنة لآلامه سرعان ما يزول مفعولها، بل قرر أن يُزيح الصخرة الجاثمة على صدره بيده.. أراد الشعب فاستجاب القدر ورحل بن علي كمجرمٍ فارٍ من وجه العدالة. أما الرئيس المصري حسني مبارك ففي خطابات الاستجداء التي ألقاها خلال المظاهرات الساخطة بل الحارقة في مختلف أرجاء جمهورية مصر العربية اعتذر للشعب بطريقةٍ غير مباشرة عن فساده واستجدى بقاءه على سدة الحكم بإصدار قرار إقالة حكومته وتشكيل حكومةٍ جديدة ولكن ما قام به لم يكن إلا كقطرة ماءٍ أُسقطت وسط نيرانٍ هائجة وقودها 30 عاماً من الظلم والفساد وتجاهل المطالب المشروعة وتزوير الانتخابات؛ لذا سرعان ما تبخرت فقد أدرك الثائرون أن ذلك القرار ليس إلا تغييراً لأماكن قطع الشطرنج فقط وإبقاءً للاعب الفاسد، مما أجج نيران السخط الشعبي باتجاه المطلب الأساسي بإسقاط النظام والدكتاتور شخصياً، ثم أتبعه بخطابٍ ينفي فيه نيته توريث الحكم أو ترشيح نفسه ولم يطلب أكثر من أن يسمح له الشعب أن يُنهي فترته الرئاسية ليحفظ ماء وجهه ولكنهم ضاقوا ذرعاً بأكاذيبه ولم يتراجعوا وأصروا على أن يحصروه في خانة التنحي وفعلاً سقط الفرعون وعلت إرادة الشعب. في حين تتعدد خطابات فخامة الرئيس علي عبد الله صالح حاملةً ذات المضمون الذي تسوده الوعود العرقوبية ولا تخلوا من التناقضات، إذ يدعو للحوار وبعد ثوانٍ معدودة يشن هجوماً شديد اللهجة لا يخلو من تهم العمالة والخيانة الوطنية للأطراف التي يُفترض أن يتحاور معها، ومن ثم يعود ويدعو للمناظرة المتلفزة بينه وبين المعارضة رغم أنه يعرف حق المعرفة أن التلفزيون الرسمي ملكٌ للشعب ولكنه اليوم أصبح حكراً على توجهات النظام والحزب الحاكم وخطابات إنجازات اللا إنجاز. ولكن الجديد الذي يُثير التساؤل قول فخامته في سياق خطابه الذي ألقاه في افتتاح المؤتمر السنوي لقادة القوات المسلحة والأمن (أنا سأطلب من الشعب اليمني العفو إن كنت قد أخطأت أو قصرت في واجبي)!!، تُرى أي خطأ أو تقصيرٍ قصد فخامته أن نعذره عليه، هل نعذره على تفشي الفساد وانهيار الاقتصاد وتدهور التعليم أم يقصد شلل القطاع الصحي وغياب العدل وسطوة الظلم في السلك القضائي.. فللأسف لم يعد من مجالٍ في هذا البلد إلا وشابه التقصير أو بالأصح التدمير.. تدمير مضمون مؤسسات الدولة التي لم يبق منها إلا هياكلٌ مُهترئة.. فخامته يتعامل مع الشعب كشيخ قبيلةٍ في مقيلٍ يعتذر لضيوفه عند عزمهم على الرحيل عن أي تقصيرٍ شاب خدمات الضيافة كتقليدٍ اجتماعي لا أكثر، وما يؤكد أن فخامته يتصرف وفقاً لعقلية شيخ قبيلةٍ لا رئيس دولة أنه حينما دعا قيادات المعارضة في الخارج للعودة إلى الوطن للحوار وتعهد بحمايتهم وتوفير الأمن لهم قال ( تعالوا من الخارج نتحاور في أمان وفي وجهي) أي أنه لم يتعهد بحمايتهم بقوة القانون بل بالقوة المتعارف عليها قبلياً.. ذلك الغياب لدولة القانون أنهك الشعب فعبروا عن ذلك بالسخطٌ ودعوات الانفصال في الجنوب، وباشتعال حروبٍ في الشمال تتأجج نيرانها تارة ويغطي الرماد جمرها تارةً أخرى وفي كل الأحوال لف الغموض تفاصيلها ولم يتضح منها إلا الجروح النازفة التي لم تندمل بعد. أما الاجتماع المشترك لمجلسي النواب والشورى فقد حمل مبادرةً جيدة من فخامته توقع أن تجنبه مصير الرئيسين المصري والتونسي فأعلن استئناف الحوار ولم يدرك أن الشعب سئم الحوارات التي تدور في الغرف المغلقة ولا ينتج عنها إلا اتهام كل طرف للآخر بعرقلة الحوار، كما سئم معارضة تفيق متأخرة لتلملم أوراقها على عجل، وكذا أعلن فخامته أنه لا للتمديد أو التوريث مدركاً أنه ما من عدادٍ يُصفر حتى وإن لم يأت بأفضل، ولكنه تناسى أنه أعلن ذلك عام 2006م وعندها أنتج الحزب الحاكم عدداً من المسرحيات التي تدعم ترشحه أهمها مسرحية (إرادة الجماهير) التي أدتها أعدادٌ من أفواهٍ جائعة أغريت ببعض القوت وانتهت بترشح فخامته لفترةٍ رئاسيةٍ جديدةٍ. وعود المبادرة جيدة إلا أنه منذ إعلانها وحتى اليوم ليس من بارقة أملٍ لتنفيذها، ولكن بعد هذه الثورات التي علت فيها إرادة الشعوب وسقط الحكام لم يعد أمام فخامته إلا الشروع الجدي والفوري في تنفيذ ما تعهد به وما يزال في يده الاختيار بإقالة أفراد أسرته والفاسدين من المناصب القيادية في المؤسسات العسكرية والمدنية، لا أن يُقابل الاحتجاجات السلمية ببلاطجةٍ يشتري همجيتهم ببعض المال والطعام ويلحقها بخطاباتٍ تستنكر الهمجية؛ وبالتالي استبدال سياسة انهب ما استطعت، التي استمرت 33عاماً باصلح ما استطعت، فالوضع الحالي لم يعد يحتمل مزيداً من مسرحيات الحزب الحاكم فقد أُنهك الشعب من الفقر والمرض وتقييد الحريات والمشهد الآن مُهيأ لثورةٍ كالثورة التونسية والمصرية مع اختلافٍ بسيط أن الشعب اليمني إذا ثار فسيفني الحاكم والمحكوم، إذ لن يكون هناك صوتٌ يعلو فوق صوت السلاح؛ فوضع البلاد أفقد المواطن حافز التشبث بالحياة، بالإضافة إلى أن الجهل الذي حافظ النظام على بقائه طيلة فترة حكمه ما يزال سيد الموقف. الكل يريد التغيير وليس من أبجدياتٍ توحد هذا الفكر، فالكل ينظر من زاويته ويغض الطرف عن الزوايا الأخرى، فهل سيتعظ فخامته مما حدث في دول الثورة الحديثة ويدرك أن الوعود بتغيير لون الحياة في بلادنا من الأسود إلى الوردي لم تعد تجدي؟!، وأن بقاءه على كرسي الرئاسة ليس إلا استمراراً في رقصٍ مُنهِك على رؤوس ثعابينٍ لا يؤمن جانب لدغاتها، وهل سيختار فخامته دخول التاريخ من باب العظماء الذين حقنوا الدماء بتنفيذ وعود الإصلاحات قبل فوات الأوان، ومن آمنوا أن التغيير سنة الحياة التي تجسدها الحكمة القائلة ( لو دامت لغيرك ما وصلت إليك) أم سيختار الدخول من الباب الخلفي الذي خرج منه بن علي ومبارك؟!!!!. [email protected]