كتب/عبدالرزاق الجمل بسبب تزامنها مع المواجهات التي كان صالح يخوضها ضد أنصار الشيخ صادق الأحمر، ومع الاحتجاجات الشبابية المطالبة برحيله، ومع مواقفه العدائية من بعض القادة العسكريين على خلفية انضمامهم إلى الثورة الشبابية، وموقفهم منه على خلفية قمعه للمحتجين، لا يزال الغموض يكتنف عملية جامع النهدين التي استهدفت الرئيس صالح وعددا من أركان نظام حكمه. ففي البداية وجه النظام التهمة لأولاد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، وبناءً على ذلك وجه ضرباته العسكرية لقصورهم المتواجدة على مقربة من دار الرئاسة، وكان طبيعيا أن يحدث هذا، لأنهم الجهة التي كان يخوض معها مواجهات عنيفة في حي الحصبة، ويُذكر أن صالح كان قد ألغى الجمعة التي سبقت جمعة الانفجار، بعد أن أشيعتْ أخبار عن رغبة أطراف تنتمي إلى قبيلة حاشد بالانتقام. وفي الكلمة الصوتية المسجلة المنسوبة إليه اتهم الرئيس صالح أولاد الشيخ الأحمر بشكل مباشر بالوقوف وراء استهدافه في جامع النهدين، وبقي أولاد الأحمر هم الجهة المتهمة بالعملية في تصريحات المسئولين ووسائل الإعلام الرسمية إلى أن برزت جهات أخرى، فعملية من هذا النوع لا يمكن أن تقوم بها جهة مدنية، وكانت الأحاديث الأخيرة ترجح وجود انشقاق في الداخل أدى إلى هذا الاستهداف، وتردد اسم علي صالح الأحمر كثيرا. لكن وزارة الدفاع اليمنية عادت لتتهم تنظيم القاعدة بالوقوف وراء العملية، وكالعادة قوبلت هذه التهمة بالسخرية في أوساط اليمنيين، للانطباع السائد لديهم عن استغلال النظام لهذه الملف، ولاعتقادهم بأن عملية كهذه تفوق قدرات القاعدة، ولأنها أيضا تزامنت مع صراعات حية تقتضي من ناحية منطقة أن يكون أطرافها على صلة بالعملية. ويبدو أن وزارة الدفاع لم توجه التهمة لتنظيم القاعدة من فراغ هذه المرة، حيث تتوقع أن يكون تنظيم القاعدة قد قام بتجنيد سادن الجامع لتنفيذ العملية، خصوصا وأنه لم يحضر في تلك الجمعة، على غير عادته، كما أن السادن اختفى تماما بعد العملية، وحاول الأمن القومي العثور عليه لكن دون جدوى. يضاف إلى ذلك أن التحقيقات الأولية تشير إلى أن ما حدث في الجامع كان ناتجا عن انفجار عبوة ناسفة وليس صاروخا. ويستبعد البعض هذا، لصعوبة إدخال مادة متفجرة إلى دار الرئاسة نظرا للاحتياطات الأمنية المركزة هناك، إلا أن تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب تمكن مؤخرا من تطوير عبوات ناسفة تتجاوز أجهزة الكشف، واستخدمها في أكثر من عملية، كما سيأتي. تجنيد واصلين وبالعودة إلى الحديث عن إمكانية التجنيد، لا بد من الإشارة هنا إلى أن أكثر من عملية تمت بهذا الشكل في الآونة الأخيرة، حيث لجأت القاعدة إلى هذه الوسيلة للوصول السهل إلى الهدف. ففي وقت سابق اعترف الداعية اليمني المطلوب أمريكيا أنور العولقي بأن الرائد نضال حسن الذي قتل 13 جنديا في قاعدة فورت هود بولاية تكساس الأمريكية، كان من طلابه، وقال أنور العولقي في تسجيل صوتي "نضال حسن من طلابي وأنا أتشرف بذلك".. وكانت الاستخبارات الأمريكية تحدثت عن وجود مراسلات إلكترونية بين الرجلين. ويُعتقد أن يكون العولقي قد جند حسن ليقوم بتلك العملية. وبحسب محاضر جمع الاستدلال في قضية قاتل المهندس الفرنسي بصنعاء قبل أشهر هشام محمد عاصم، فقد أقر هاشم بأن أنور العولقي كان يحرضه على قتل الأجانب وخاصة الأميركيين والأوروبيين واعترف بقتله للفرنسي وإصابة البريطاني، لكن هشام الذي حُكم عليه بالإعدام عاد لينفي صلته بالعولقي، وقال إنه اعترف تحت التعذيب. قدرات قاعدة اليمن تفوق عملية النهدين لا شك أن عشر سنوات من المواجهات والمطاردات مكنت تنظيم القاعدة من تطوير قدراته بشكل لم يكن في حسبان الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها في الحرب على الإرهاب، ويُعتبر فرع التنظيم في اليمن، بالنسبة للإدارة الأمريكية، أخطر من القاعدة الأم في أفغانستان وباكستان، نظرا لنوعية العمليات التي خطط لها في الآونة الأخيرة، والتي كانت، من حيث صعوبتها، أكبر من عملية جامع النهدين، إن كان التنظيم يقف وراءها بالفعل. فعلى سبيل المثال استدعت العملية التي استهدفت مستشار وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نائف، مغامرات من نوع خاص، إذ كان على من قدَّم نفسه كوسيط لتسليم المطلوبين إلى المملكة العربية السعودية أن يقوم باختبار العبوة على جهاز الكشف، كي يضمن لمن سينفذ العملية إمكانية المرور بسلام، ثم حدثت الأمور على نحو ما كان مخططا له لولا أن قوة العبوة حالت دون تحقيق النتيجة المرجوة، وهو ما يمكن أن يكونوا قد تجاوزوه في عملية النهدين. وتكرر الأمر ذاته في عملية الشاب النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب، حيث تمكن من تجاوز أجهزة الكشف في خمسة مطارات دولية وهو يحمل عبوته الناسفة، لكن ولأسباب تقنية ربما، لم تنفجر العبوة. ثم عادت القاعدة في اليمن لتطير بعبواتها الناسفة عبر طرود الشحن، وتمكنت من إيصالها إلى مطارات أوربا ودول أخرى، لكنها لم تحقق نتائج حسية، باستثناء حديث القاعدة عن تفجيرها طائرة شاحن تابعة لشركة يو بي إس بعد إقلاعها من مطار دبي، وإن كانت الإمارات قد استبعدت صلة القاعدة بما حدث لطائرة شركة الشحن، وقالت "أنها لا تملك أية أدلة تدعم فرضية حصول تفجير أدى إلى تحطم طائرة شحن تابعة لشركة البريد الأميركية "يو بي اس". وذكرت أنها ستجري تحقيقا في الحادث، لكن أشهرا مرت دون أن تظهر نتائج التحقيق. وبطبيعة الحال فإن قاعدة اليمن التي وصلت إلى هولندا وبريطانيا والولاياتالمتحدةالأمريكية وإلى قصور الأمراء في المملكة العربية السعودية، سيكون من السهل عليها أن تصل إلى دار الرئاسة في دولة تعاني أجهزتها الأمنية من اختراق ومن ضعف واضح كاليمن. لا بد من رأس صالح تضاعفت نقمة "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" على الرئيس علي عبد الله صالح بعد الأحداث التي شهدتها عدد المحافظات الشرقية خلال الأربع السنوات الأخيرة، والمتمثلة في السماح لطائرات أمريكية بشن غارات جوية على أهداف مفترضة للقاعدة في تلك المحافظات، حيث أدت الأخطاء التي صاحبت بعض الغارات إلى سقوط العشرات من المواطنين الأبرياء بين قتيل وجريح ومعظمهم من النساء والأطفال. وحمل تنظيم القاعدة في اليمن الرئيس صالح شخصيا تبعات القصف الأمريكي في محافظتي شبوة وأبين، وتوعد بالانتقام للمواطنين ولأعضاء التنظيم الذين قضوا في تلك الغارات. ويعلق القيادي في تنظيم القاعدة فهد القُصع على حادثة "المعجلة" الشهيرة بقوله "لا يمكن أن يكون هناك ضمير حي بين جنبات حاكم صنعاء العميل الخبيث الذي يسمح لهؤلاء القتلة بأن يفعلوا هذه الفعلة البشعة من قتل للأطفال والنساء ثم يتبجح بأنها عملية مشتركة.. ويضيف القصع: "هذا ليس رئيسا.. هذا عميل ذنب.. هذا مجرم متآمر". وفي الإصدار ذاته "أمريكا والفخ الأخير" يقول المسئول العسكري لفرع التنظيم في اليمن أبو هريرة الصنعاني "علي عبد الله صالح وزمرته، الشكل يمني والمضمون أمريكي صهيوني بحت" ثم يشبه الرئيس صالح بعبد الله بن أبي المنافق المعروف. كما خص التنظيم الرئيس صالح بتسجيل صوتي تحت عنوان "أنج علي فقد هلك برويز" تلاه المسئول العسكري أبو هريرة الصنعاني، ومن مضمون عنوان الإصدار يتضح أن صالح بات هدفا رئيسيا للتنظيم، وتأكيدا لما نحن بصدده قال المتحدث إن قيام التنظيم بعمليات داخل صنعاء في عقر دار العدو، ويعني العملية التي استهدفت حافلة تقل مجموعة من ضباط الأمن السياسي، كان ردا على ما قام به علي الرئيس صالح من ضرب للمجاهدين في وادي عبيدة بمحافظة مأرب، حتى لا يتمادى أكثر. وأشار إلى أن المجاهدين "فعَّلوا مؤخرا سلاح القنص والعبوات الناسفة، كتجربة لاعتمادها في الفترة الآتية".. وأضاف: "إنك يا علي صالح حكمتَ فظلمت فما أمنتَ، وحرام علينا أن تأمن حتى تأمن شريعة الله.. وتوعد الصنعاني بالقضاء على علي صالح وعلى حكمه. وأثناء ما كان القاعدي السعودي عبد الله طالع العسيري على وشك التوجه إلى المملكة العربية السعودية للقيام بعمليته في قصر الأمير محمد بن نائف في عام 2009م، قال المسئول العسكري أبو هريرة الصنعاني وهو يشير إلى عبد الله العسيري "وبأمثال هؤلاء بإذن الله عز وجل، يأتي النصر، ونقول لكل طاغوت، سنأتيكم إلى مكاتبكم، وإلى غرف نومكم، وننصحكم نصيحة، قبل أن تناموا انفضوا فرشكم، إن لم تجدوا أحد هؤلاء، فستجدون عبوة قد زرعوها وانسحبوا.. والله الذي لا إله إلا هو لن يقر لنا قرار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله". من الإصدار المرئي "فزت ورب الكعبة". قشة بن لادن يبدو أن الرئيس صالح عجَّل بعملية النهدين حينما رحب بمقتل الشيخ أسامة بن لادن وتمنى أن ينال باقي الإرهابيين في العالم ذات المصير، خصوصا وأن غارات أمريكية على أهداف في اليمن تلتْ هذه الترحيب، وكان من بينها غارة استهدفت الداعية أنور العولقي بمحافظة شبوة، لكنه نجا منها. وجاء في بيان نعي "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" لابن لادن: "وأما الذين رحبوا بمقتل الشيخ أسامة بن لادن فنقول لهم، فلترحبوا بما سيأتيكم من أبناء الشيخ وتلاميذه.. سود الله وجوهكم، سيسجل لكم التاريخ هذا الموقف المخزي، والعار العظيم الذي لا يمحوه ماح". وربما حاول التنظيم أن تكون عمليات الانتقام للشيخ أسامة بن لادن، من طراز خاص. محاولة سابقة في عام 2009م حاولت فرع تنظيم القاعدة في اليمن اغتيال علي عبد الله صالح من خلال عملية مزدوجة كانت معدة في الأساس لاغتيال وزير الداخلية السعودي الأمير نائف بن عبد العزيز مع جمع من أمراء آل سعود بينهم مستشاره في وزارة الداخلية ابنه محمد بن نائف، لكن العملية أُحبطت قبل وقوعها دون أن تعرف الجهات الأمنية أن هذه العملية كانت تستهدف الرئيس صالح وضيوفه. وقال فرع التنظيم في إصداره "فزت ورب الكعبة" إنه كان سيستهدف طائرة وزير الداخلية السعودي الأمير نائف بن عبد العزيز بصاروخ سام مضاد للطائرات قبل هبوطها في مطار صنعاء الدولي، وسيتزامن ذلك مع قصف بقذائف الهاون لصالة الضيوف التي يتواجد فيها عادة الرئيس علي عبد الله صالح وعدد من مسئولي الدولة لاستقبال الضيوف. ولو أن هذه العملية نجحت لكانت أكبر من عملية جامع النهدين التي أدخلت الرئيس صالح وعددا من مسئولي نظامه غرفة العناية المركز وأوقعت عددا من القتلى معظمهم من الحرس الخاص. والخطير في الأمر هو امتلاك القاعدة لصواريخ سام المضادة للطائرات، إذ يمكنها أن تخلق رعبا غير مسبوق في الأجواء اليمنية لو أنها نجحت في عمل كهذا. وبالنظر إلى نوعية العمليات التي نفذها التنظيم أو خطط لها في الآونة الأخيرة، ومنها العملية التي استهدفت الأمير محمد بن نائف، لكانت عملية جامع النهدين من الطراز ذاته. وما يجعلنا نتردد بعض الشيء في الحديث عن علاقة القاعدة بعملية النهدين هو كيف عرفتْ أن "صالح" سيصلي الجمعة في جامع النهدين وليس في السبعين، رغم أن عودة الجمعة إلى السبعين توحي أنه سيحضر ليلقي كلمته الأسبوعية كعادته، وكيف سيتمكن السادن المتهم بزرع العبوة من تفجيرها ولم يكن متواجدا؟. لكنها تساؤلات قد تتعلق بجهلنا بتقنية هذا النوع من العمليات لا أكثر. على أن عدم صلة القاعدة بالعملية لا يعني أن ما استنتجناه كان رجما بالغيب، فكل الشواهد تقول إن القاعدة تخطط لعملية كهذه. ويلاحظ أن "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" ركز مؤخرا على عمليات نوعية تستهدف رموزا كبارا، وكان هذه العمليات قد استهدف موكبا لجماعة الحوثي في محافظة الجوف وأدى إلى مقتل بدر الدين الحوثي والد القائد الميداني للجماعة عبد الملك الحوثي، كما قُتل في الحادث أكثر من عشرين شخصا، وإن كانت جماعة الحوثي قالت إن العلامة بدر الدين مات موتا طبيعيا. في انتظار البيان بما أن تهمة اغتيال الرئيس وجهت للقاعدة أيضا، فقد تضطر القاعدة إلى نفي ذلك إن لم تكن هي وراء العملية، كما نفت، في بيان سابق، علاقتها بمقتل الشيخ جابر الشبواني، لكنها قد تلتزم الصمت، لأن صالح من ضمن أهدافها المشروعة، ولن يضيرها اتهامها بمحاولة اغتياله، أما إذا كانت هي من نفذ العملية فستصدر بيانا بذلك قطعا، وقد تؤخره إن فكرت أن ذلك سيؤثر على ثورة الشباب اليمني، كما أخرت بيانها المتعلق باستهداف طائرة تابعة لشركة الشحن "يو بي إس" في الإمارات لتتمكن من تكرار ذلك، حد قولها، والمؤكد هو أن القاعدة لن تكذب إن نفت صلتها بالعملية أو أثبتتْ.