كتب/ صالح محمد مسعد (أبو أمجد) إن مواجهة الحاضر بكل ما يحمله من انحطاط وعدمية وفساد وتشويه يقتضي بالضرورة من أجل تغييره مواجهة للذات في البداية ومن ثم مواجهة للتراث بكل ما تحمله هاتان الكلمتان من معان، هو أولا: مواجهة للأنانية والتعصب في ثقافة الماضي البليد ونزعات العصبية القبلية والجغرافية وما شابهها في الذات، وهي ثانيا مواجهة للأخلاق وللعقلية الدينية (سلفية أو جهادية أو شيعية) وكذلك للعقلية القبلية أو البدوية أو المناطية في الآخر، إلى أن يتم ذلك يفضل البعض - كما هو هاجس الإنسان اليمني – الدخول إلى بوابة الحاضر بأقنعة الماضي، أو التمرس على العيش في غيبوبة دائمة لا تخضع للمحاجة، وتفرض أن هذه هي الصحوة الحقة.. ومقياس الحقيقة لدى هؤلاء بأن الإنسان المتسلح بالقوة هو المقياس الرئيسي لها، ليست القوة القبلية أو الهمجية هي المقياس العصري للحقيقة، ولكن عندما تكون القوة هنا هي الأخلاقية، أو العلمية أو الدينية غير المتطرفة أو المنحرفة أو غير المتعصبة. تنبع هنا الثورة الحقيقية، أما أن نحمل ماضينا ونطمح للتغيير من باب التقليد ليس إلا ثم نعود إلى صحوة القوة والتقاليد والتراث والقبلية والأصالة التاريخية وكل الصفات الإرثية، فذاك هو الوهم ولن نحمل التغيير بمقاييسه الثورية، ولهذا تهافت السياسيون والنخب على المبادرة الخليجية وعلى التسوية السياسية. هناك قوة مادية (عسكرية – قبلية مسلحة) دخلت في خط الثورة السلمية مما أفرغ الثورة من زخمها وبرر للتعصب المبطن في المجتمع الظهور ومسخ الالتفاف الجماهيري المحتمل قبلا حتى تحول إلى ضدين لا يلتقيان بل متصادمين. تأهل النظام بأحد أجزائه وتأهل المشترك بالآخر. بين هذين المتأهلين حدثت الجلبة والضجيج والمصادمة حتى فرض علينا جيران المنطقة مبادرتهم القاتلة للثورة ولكي يضمن هؤلاء سريانها نقلت إلى مجلس الأمن الدولي وخرجت بصورة أكثر شرعية من أجل أن يعود شباب الثورة إلى بيت الطاعة، وتحولت العملية الثورية برمتها إلى عملية سياسية بصيغة جديدة، تبقي ماء الوجه للمشترك وتحقق له طموحاته وتعيد الروح إلى جسده الشائخ –كما تبقي النظام بأركانه وتعمق بل تثبت جذوره بعد أن كادت العاصفة تقتلعه. بين التغيير والمبادرة الخليجية: لا يمكن أن نعتبر المبادرة الخليجية بأنها الوسيلة الناجمة لتغيير حقيقي، بل هي شبه حل للأزمة وبهذا يصدق قول النظام بأن ما يجري ما هو إلا أزمة بين المشترك أو المعارضة بشكل عام وبين النظام. وهنا تحقق لهذا النظام ما أراد وعاد بقوة فرض الواقع، مع العلم أن الأزمة لن تنتهي طالما بقي الشباب الثائر في الساحات، ويبدو أنه لا يوجد بارق أمل في الخروج من الأزمة إذا جاز التعبير بانها أزمة وليست ثورة، ربما نكون في بداية مرحلة التغيير، لكن التغيير الذي دخلنا عتبته يتلكأ في خطواته، ومعروف أن التحولات الجذرية في كل البلدان التي جرى فيها التغيير وأقامت أنظمة دستورية في زمن سابق قد تم عبر الثورة ابتداء من الثورات التحررية في الغرب قبل أكثر من قرنين وثلث القرن تقريبا. إلى المتغيرات المستجدة في وقتنا الحاضر والتي بدأت تسري في جسد الوطن العربي تمثل شكلاً للتغيير الجذري كما هو في مصر وتونس ولكن بطريقة العصر ووسائله وفكره الجديد المتمثل بالتغييرات السلمية. وهنا لا يعني أن كل البلدان التي تطالب بالتغيير ستصل إلى التغيير الجذري جميعها، فالبعض منها لا تستطيع الوصول إلى ذلك إلا عبر الإصلاحات أو التغيير المرحلي المتدرج.. التغيير المتجذر الذي حدث في مصر وتونس وليبيا باعتبار كل بلد يتمتع بخصوصياته وبظروفه وبطريقة العمل السياسي الذي ينتهجه (رموز العمل السياسي ونخبه والقادة الميدانيون) بالإضافة إلى الظروف المتعلقة بالدول الخارجية وتقاطعات المصالح كما هي في ليبيا متلازمة مع سلوك وغرور قائدها الملهم الذي خذلته القدرة الإلهية في السيطرة على بنغازي قبل سريان القرار الدولي وهكذا أما التغيير عن طريق الانتقال المرحلي أو التدريجي أو ما نسميه بالإصلاحات فهذا ينطبق على الدول التي يصعب فيها وجود التفاف شعبي وجماهيري واسع وطيفي متعدد حول الثورة. رغم الضرورة الملحة والمطلبية للتغيير بسبب تكويناتها المجتمعية أو تركيب البنية المجتمعية سواء القبلي أو العشائري أو الطائفي كما هي اليمن وكذلك طائفيا أو مذهبيا كما هي سوريا بالإضافة إلى التشابك في تقاطعات المصالح الإقليمية والدولية. وهذا النوع من الإصلاحات أو التغيير المرحلي أو التدريجي يمكن أن يصلح في سوريا ولا نرى أنه صالح ومفيد لتطبيقه في اليمن، كون اليمن بلداً أكثر تخلفا وأكثر تعقيدا في بنية المجتمع التقليدي واليمن يعاني من كثرة الفساد المتوغل فيه وخاصة في جهاز الدولة ويعاني كذلك من التفسخ القيمي ومن سلوك النفعية والمادية الفائضة والمتجاوزة حدود القيم الإنسانية، فليس أمامنا سوى التغيير الجذري والسلمي وإرساء أسس جديدة مع توخي سياسة الحذر في منهجية العمل السياسي الجديد، وحساب كلفة التغيير ستلحق بالأجيال القادمة وتكون كلفة مضاعفة على الأجيال اللاحقة التي قد تتجاوز الثلاثة أو الأربعة الأجيال القادمة في تقديرنا إذا نفذت المبادرة الخليجية. لأن التغيير لن يتم إلا بعد ما يقارب القرن أو الأكثر مع حساب سرعة وتيرة التطور في العالم.. المبادرة الخليجية أصبحت بحكم المؤكد في عملية التوافق الداخلي وبدعم مواقف العالم الخارجي حتى وإن راوغ طرف في العملية أو في آلية التنفيذ، فهي في النهاية العملية السياسية القادمة التي تقوم على أساسها الدولة بحكومة جديدة والتي ستتمخض عنها انتخابات رئاسية مبكرة وربما برلمانية كذلك رغم ما تنص عليه المبادرة من تخويل المشترك في تشكيل الحكومة الجديدة، فإن الانتخابات المبكرة ستكون على غير ما يتوقعه المشترك في نتائجها الحقيقية. مهما كانت الشروط والتحوطات التي يفترضها المشترك في ضمان سلامة نزاهتها، مثل الإشراف الدولي على الانتخابات أو العمل بالقائمة النسبية وغيرها. كون النظام لا زال يمسك بمفاصل وإدارات الدولة ورسائلها مع قدرة تسخيرها لصالحه إلى هذه اللحظة. فإذا كانت البلدات الغربية المتطورة التي تمارس الديمقراطية لفترة طويلة تعاني من نسبة تحققها على الواقع لمجتمعاتها بسبب هيمنة الجماعات المؤثرة في تشكيل الحياة السياسية رغم أنها في تجديد مستمر وبدأت الدخول في تطبيق الديمقراطية الاجتماعية بمعايير جديدة أكثر من الديمقراطية العامة، فهذه البلدان تعاني إلى حد الآن من تأثير ثقل وزن الجماعات المؤثرة في السياسة الاجتماعية التي طالما تخالف الرأي العام في هذه البلدان الديمقراطية والتي تصرح بأن ما يهدد الأنظمة الديمقراطية هو طغيان الأقلية أو الجماعات المؤثرة أكثر من طغيان الأغلبية فما بالنا باليمن التي تهدده القوة وغلبتها أو الفئوية والجهوية أو القبلية وغير ذلك. القضية الجنوبية والمبادرة الخليجية: قد يقول قائل إن طرح موضوع القضية الجنوبية في هذا الحيز يبدو اعتراضياً كما هو الحديث عنها في ظل الثورة يكون اعتراضيا كذلك، نقول: إن هذه القضية هي معنية بكثيرمن الأهمية للشعب الجنوبي لان الذين ينتصرون حاليا للثورة من أبناء الجنوب يتوخون أخيرا شيئاً من المصداقية لحلها. ولو علموا أن الثورة قد أصبحت في حالة موت سريري بعد مشروع المبادرة الخليجية لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها.. ومن يتصور بأن الكلام حولها عبث أو تعصب، فهو يقع في نفس أسلوب وثقافة النظام بالنظرة والممارسة تجاه هذه القضية، كان المفروض أن تكون هذه القضية ذات وضوح وتفصيل متكامل في بنود المبادرة الخليجية ومقدمات لاستراتيجية الحل طالما هناك حرص على استقرار اليمن. كما كان من المفروض أيضا أن تكون بنفس الوضوح والتفصيل في برنامج الثورة التي ولدت وتحتضر الآن بدون برنامج. فإذا كان النظام الذي كان يمسك بزمام السلطة وسيصبح الآن شريكا أساسيا فيها بعد المبادرة لم يعترف إلى هذه اللحظة بمعنى قضية جنوبية فكيف لنا أن ننتظر المجهول والثورة لم تحقق هدفها ولا يمكنها الإيفاء بوعودها، فلا أحد يتصور النجاح للثورة أو لأية عملية سياسية في المستقبل طالما بقي التربص والاستهانة وعدم الحل لهذه القضية فهي أولا قبل كل حل. أصدقكم القول من الواقع أن هذه القضية ترتب عليها من بعد الحرب 94م إلى هذه اللحظة معاناة شعب جله أو معظمه بحيث يدرك معها اختزال ومصادرة حقوقه المختلفة، وطالما كان الشعب الجنوبي هو السباق إلى النضال السلمي فهو أدرى بطريقه وهو المعني بتحديد مستقبله في نهاية الأمر عبر الساحات ومنها وحينها لا تنفع المبادرات والحلول المتأخرة عندما تكون العبرة في النهاية. والله الموفق